29-أغسطس-2020

العشرات من الرضع يفقدون حياتهم في الجنوب التونسي بسبب غياب قسم لإنعاش الرضع (الشاذلي بن ابراهيم / جيتي)

 

على الرّغم من وجود كفاءات طبية عالية في تونس، إلاّ أنّ المنظومة الصحية العمومية بقيت عليلة تشكو عدّة نقائص تشمل كافة الاختصاصات، بما في ذلك طب الرضع وأقسام الولادات خصوصًا في الجهات الداخلية.

ولعلّ أبرز تلك النقائص تتمثل في غياب أقسام خاصة بالأطفال الرضع في العديد من المستشفيات، إلى جانب نقص التجهيزات الطبية الضرورية ونقص الموارد البشرية لا سيما طب الاختصاص، إضافة إلى تردي البنية التحتية؛ إذ توجد في تونس سبعة أقسام فقط خاصة بطب الأطفال حديثي الولادة، متوفرة أساسًا في تونس الكبرى وتتوزع على مستشفيات شارل نيكول، ووسيلة بورقيبة والمستشفى العسكري، وأربعة أقسام أخرى في بعض الجهات الداخلية موجودة في المستشفيات الجامعية بكل من مستشفى فطومة بورقيبة المنستير ومستشفى سهلول بسوسة والمستشفى الجامعي بصفاقس ومدنين.

غياب أقسام خاصة بالأطفال ولاسيما أقسام إنعاش الأطفال الرضع يعد من بين أهم أسباب ارتفاع وفيات الأطفال حديثي الولادة

وقد أقر العديد من المتدخلين في القطاع الصحي بأنّ غياب أقسام خاصة بالأطفال ولاسيما أقسام إنعاش الأطفال الرضع يعد من بين أهم أسباب ارتفاع وفيات الأطفال حديثي الولادة، إضافة إلى النقص الكبير في التجهيزات وتدهور البنية التحتية، ونقص الموارد البشرية من إطار طبي وشبه طبي خصوصًا في الجهات الداخلية.

ويبدو أنّ حادثة وفاة الرضيع أيوب في الحامة الأسبوع الماضي، بغض النظر عن ملابسات الحادثة، أعادت الجدل حول تردي الخدمات في القطاع الصحي العمومي خاصة في الجهات الداخلية وخصوصًا طب الأطفال. كما كشفت الحادثة النقائص التي يعاني منها القطاع لاسيما مع تفشي وباء كورونا.

وقد أشار والد الرضيع في مداخلة له على "جوهرة أف  أم إلى أنّ "الحالة الصحية لابنه البالغ من العمر سنة و4 أشهر، قد تعكّرت فجأة فقام بنقله إلى طبيب خاص، والذي قام بدوره بتوجيهه إلى المستشفى المحلي بالحامة نظرًا لأنّ حالته تتطلب وضعه تحت جهاز التنفس الاصطناعي".

حادثة وفاة الرضيع "أيوب" أعادت الجدل حول تردي الخدمات في القطاع الصحي العمومي خاصة في الجهات الداخلية

وأضاف أنه " تمّ نقل ابنه من المستشفى المحلي بالحامة إلى مستشفى قابس عن طريق سيارة إسعاف، لكنّ الإطار الطبي رفض استقباله بتعلّة أنه قادم من الحامة التي تشهد تفشيًا لفيروس "كورونا"، مما اضطر الممرضة التي كانت قد رافقته من مستشفى الحامة إلى وضع جهاز التنفس له بمفردها قبل أن يطلبوا من زوجته التي كانت تفترش الأرض هي ورضيعها وضعه بنفسها".

وأوضح أنه "بعد ساعات طويلة من الإهمال، تدخل مدير مستشفى قابس وتم نقل ابنه إلى العناية المركزة، لكنه فارق الحياة".

في المقابل، نفى المدير العام للهياكل العمومية بوزارة الصحة محمد مقداد، وفاة الرضيع بالمستشفى الجهوي بسبب إصابته بفيروس كورونا.

وأوضح في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (رسمية)، أنّ "الرضيع كان التحق بقسم الاستعجالي بالمستشفى الجهوي بقابس، مساء الجمعة 21 أوت/أغسطس 2020، وهو يعاني من ضيق حاد في التنفس، وتم التعهد به فور وصوله من قبل أستاذة جامعية والإطار شبه الطبي بالمستشفى الذين تولوا إسعافه بواسطة التنفس الاصطناعي قبل وضعه تحت المراقبة الطبية، وإجراء تحليل كوفيد-19 له".

المدير الجهوي للصحة بقابس لـ"ألترا تونس": العشرات من الرضع يفقدون حياتهم في الجنوب التونسي بسبب غياب قسم لإنعاش الرضع في مختلف مستشفيات ولايات الجنوب

فيما أكد المدير الجهوي للصحة بالنيابة بقابس يحي حمدي أنّ "العشرات من الرضع يفقدون حياتهم في الجنوب التونسي بسبب غياب قسم لإنعاش الرضع في مختلف مستشفيات ولايات الجنوب".

وذكّر، في تصريح لـ" ألترا تونس"، بأنّه سبق له أن أكد غياب أقسام خاصة بإنعاش الأطفال لاسيما الرضع في عدّة جهات خصوصًا بالجنوب التونسي، فضلًا عن نقص العديد من الاختصاصات الأخرى، واضطرار المرضى إلى التوجه إلى أقرب مستشفى يتوفر على قسم إنعاش خاصة الأطفال.

وأضاف، في السياق ذاته، أنّ أغلب المرضى في جهات الجنوب يتوجهون أساسًا إلى ولاية صفاقس للعلاج، مؤكدًا خطورة هذا الوضع اليوم على الأطفال خصوصًا مع تفشي وباء كورونا والافتقار إلى أقسام إنعاش كافية لإنقاذ حياة الأطفال والرضع وتجنب نقلهم إلى مسافات  بعيدة".

فاطمة خليفي، والدة أحد الأطفال ذي الثلاث سنوات، تقول لـ"ألترا تونس" إنّها تنقل ابنها الذي يعاني أحيانًا من ضيق التنفس من تطاوين إلى صفاقس في كلّ مرة تتعكر فيها صحة ابنها ويحتاج فيها إلى تنفس اصطناعي، وهي مسافة تقول إنّها كافية ليفقد فيها ابنها حياته، لاسيما في الحالات التي تسوء فيها صحته ويحتاج خلالها إلى تنفس اصطناعي سريع".

فاطمة خليفي(والدة طفل مصاب بضيق التنفس) لـ"ألترا تونس": أنقل ابني للتداوي من تطاوين إلى صفاقس وهي مسافة كافية ليفقد فيها حياته

وتابعت القول إنها "باتت اليوم متخوفة أكثر بعد انتشار وباء كورونا في الجهة على غرار باقي الجهات، وتخشى نقل ابنها إلى مستشفيات في جهات أخرى في حال احتاج إلى تنفس اصطناعي".

كما أشارت، في ذات الصدد، إلى أنّه "سبق لعديد الرضع أن فارقوا حياتهم بعد الولادة في الجهة، بسبب غياب قسم لرعاية الأطفال وقسم لإنعاشهم على غرار العديد من الاختصاصات الأخرى".

ويتطلب طب الأطفال والرضع في تونس إمكانيات كبيرة وأقسام خاصة بالإنعاش ومعدات أساسية لاسيما حاضنات الرضع، وموارد بشرية مختصة تغيب أساسًا في الجهات الداخلية.

وقد أشار أحد الأطباء في قابس -رفض الكشف عن اسمه- إلى نقص العديد من المعدات في عدّة مستشفيات لاسيما في مدن الجنوب،  إضافة إلى نقص أقسام انعاش الأطفال خصوصًا وأنهم فئة تحتاج غالبًا إلى إنعاش سريع في حال التعرض إلى ضيق التنفس، الأمر الذي تسبب في وفاة العديد من الرضع سنويًا. لكن أغلب سكان الجنوب  يضطرون بسبب غياب أطباء الاختصاص إلى نقل أبنائهم خاصة إلى مستشفى صفاقس الذي بات يُسجل اكتظاظًا كبيرًا في عدّة أقسام بسبب توافد العديد من المرضى من عدّة جهات، وفق تعبيره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يضمن مشروع قانون المسؤولية الطبية حقوق المرضى؟

"اسأل مجرّب وما تسألش طبيب".. عن التداوي الذاتي في تونس