16-أبريل-2019

سببت العلكة حالات تسمم في صفوف الأطفال في مناطق مختلفة في تونس (صورة توضيحية/Getty)

 

 

عرفت السنوات الأخيرة تسجيل حالات تسمم في صفوف التلاميذ في جهات مختلفة في تونس نتيجة تناول وجبات خفيفة أو بعض العصائر مجهولة المصدر، ومن ذلك تسجيل 30 حالة تسمّم في مدرسة واحدة بالحرايرية في العاصمة في مارس/ آذار 2017 بعد تناول مرطبات غير صالحة مقتناة من محل قريب من المدرسة وفق ما أشارت إليه أبحاث فرق المراقبة الصحية وقتها. وتؤكد إحصائيات عام 2017 أن 50 في المائة من حالات التسمم في الوسط المدرسي سببها الإقبال على الوجبات الخفيفة من محلات عشوائية قرب المدارس.

كلّ التسّممات كانت نتيجة تناول مواد غذائية منتهية الصلوحية أو وجبات خفيفة معدّة أو محفوظة بطرق غير صحية، لكن لم يكن من المتوقع أنّ تتسبب مجرّد علكة في عشرات حالات التسمم في مناطق مختلفة في تونس خلال الأشهر الماضية بعد تسجيل تسمم 37 تلميذًا في ولايات سوسة وسيدي بوزيد والقيروان والمهدية. وبيّنت أولى الأبحاث والتحاليل أنّ العلكة المتسببة في التسمم هي من نوع "دوفان توتي فروتي بوبل" ثبت عدم مطابقتها للمواصفات الجاري العمل بها في تركيز إحدى المواد الملونة وفق بلاغ وزارة الصحة.

سببت علكة "دوفان" عشرات حالات التسمم في صفوف التلاميذ في مناطق مختلفة في تونس وأعلنت السلطات المختصة حملة رقابة لحجز هذا النوع من العلكة لخطورته

وتكثّفت إثر ذلك حملات أعوان أجهزة الرقابة الصحية والرقابة الاقتصادية وكلّ من الشرطة البيئية والشرطة البلدية ليتمّ حجز أطنان من هذه العلكة من محلات في مختلف الولايات، آخرها حجز 237 قطعة في جهة زغوان بتاريخ 13 أفريل/نيسان 2019. وسبق وأعلنت وزارة الداخلية حجز كميات هامة من علكة "دوفان" على غرار حجز 185 ألف قطعة في ولاية قابس في مارس/آذار الماضي، و4150 قطعة في ولايتيْ صفاقس وسوسة بعد 180 عملية رقابية لوحدات الشرطة البلديّة، إضافة لـ58.2 كيلوغرامًا من نفس العلكة في ولايات باجة والقيروان والمنستير، لتفوق بذلك الكمية المحجوزة كليًا من محلات بيع المواد الغذائية والأكشاك 17 طنًا وقع إتلافها.

اقرأ/ي أيضًا: المتحرّش بالأطفال أو "البيدوفيل".. مضطرب جنسيًا ومنبوذ اجتماعيًا

ورغم مرور أكثر من شهرين من اكتشاف عدم مطابقة هذه العلكة للمواصفات الصحية، ورغم البلاغات المتكررة لوزارتيْ الصحة والتجارة والتنبيه على المحلات بعدم بيعها، إلاّ أنّ أغلب المصالح الرقابية لا تزال لليوم تحجز كميات من هذه العلكة السامة في عدّة جهات مختلفة منها كميات وقع ترويجها في علب مغلّفة من نوع "مفاجأة". فيما لا تزال تدعو وزارة التجارة جميع أصحاب المحال التجارية إلى التوقف عن ترويجها وبيعها، وتحذير العموم من اقتنائها واستهلاكها.

علكة مضرّة بصحّة الطفل

وقع التفطّن لأغلب حالات التسمم المعلن عنها في الوسط المدرسي وشملت مجموعة من التلاميذ في نفس الوقت، إلاّ أنّ بعض الحالات الأخرى كانت فردية لم يُعلن عنها على غرار تعرّض الطفلة هبة (15 سنة) بجهة سيدي حسين منذ أسبوع إلى تسمم ليتبيّن في المصحة أنّها تناولت أكثر من ثلاثة قطع من تلك العلكة في أقل من ساعة.

تقول والدة هبة لــ"ألترا تونس" إنّها لم تكن تعلم بخطورة هذا النوع من العلكة ولم تسمع سابقًا بحالات التسمم الناتجة عنها في صفوف التلاميذ. وربّما تكون هبة من بين الحالات التي لم يقع الإعلام عنها لأنّ التسمم لم يحصل في الوسط المدرسي، ومن المرجّح كذلك أن عديد الحالات لم يُعلن عنها بعد طالما أنّ العلكة لا تزال تُروّج في المحلات.

وقع التفطّن لأغلب حالات التسمم بسبب علكة "دوفان" في الوسط المدرسي وشملت مجموعة من التلاميذ في نفس الوقت

سليم سعد الله، رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، أشار بدوره، في حديثه معنا، إلى تسجيل 37 حالة تسمم في صفوف التلاميذ في بعض الجهات معتبرًا أن حالات التسمم قد تفوق في الواقع هذا العدد خصوصًا تلك التي تحصل في الوسط العائلي أو في الشارع ولا تُعلم عنها العائلات. وأكد على تكثف حملات الرقابة مشيرًا إلى متابعة المنظمة التي يرأسها لأغلب هذه العمليات الرقابية، محذرًا المستهلكين من استهلاك أي مواد مجهولة المصدر. وأضاف في حديثه لـ"ألترا تونس" ضرورة التنبيه على الأطفال لعدم وعيهم بمخاطر استعمال هذه المواد الخطيرة على صحتهم.

وأشار رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك إلى دخول عديد المواد الغذائية إلى تونس عبر التهريب في ظروف غير صحية، متحدثًا بالخصوص عن العصائر والمشروبات الغازية والحلويات. وقال إن عديد التونسيين يقبلون على اقتناء هذه المواد خصوصًا سكان المدن والمناطق الحدودية مع الجزائر أو ليبيا.

سليم سعد الله (رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك): عديد المواد الغذائية تدخل إلى تونس عبر التهريب في ظروف غير صحية ويجب تكثيف الرقابة خاصة في المناطق الحدودية

وفي هذا الجانب، دعا سعد الله إلى ضرورة تكثيف عمليات الرقابة في المناطق الحدودية التي تشهد دخول عشرات الأنواع من المواد الغذائية سواء كانت مجهولة المصدر أو غير صحية. وقال محدثنا إن المواطن قد لا يكون واعيًا لتحوّل بعض هذه المواد الغذائية إلى مواد سامة خاصة في صورة نقلها في ظروف غير آمنة ومحفوظة كتعرّضها طويلًا للشمس خلال نقلها في سيارات غير معدّة لنقل المواد الغذائية ذلك رغم أنّ تاريخ صلوحيتها لازال غير منتهي.

يُشار إلى أن المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك حذّرت بدورها منذ مارس/آذار الماضي من علكة "دوفان"، مناشدة التجار الجزائريين خاصة تجار المناطق الحدودية مع تونس للتوقف عن تسويقها، وطالبت أيضًا مديريات التجارة للإبلاغ عن المخزون المتوفر لديها من هذه العلكة السامة.

اقرأ/ي أيضًا: "Ecolibree".. دفاعًا عن حق كل الفتيات في حفاضات صحية

"دوفان" علكة تونسية وليست مهرّبة!

اتصلنا بوزارة الصحة للحصول على معلومات عن مصدر هذه العلكة وما إذا كانت فعلًا تُصنع في تونس، وللتعرف أيضًا على الإجراءات المتخذة ضد صاحب المصنع وهل توقّف تصنيع هذه العلكة من عدمه، إلا أننا لم نتلق أي رد رغم الاتصالات المتكررة.

يُذكر أنّ بلاغات كلّ من وزارة الصحة والتجارة والداخلية دعت إلى عدم استهلاك هذا النوع من العلكة دون الإشارة في بلاغاتها إلى مصدر العلكة أو الإجراءات المتخذة ضد صاحب المصنع أو العمليات الرقابية المجراة على المصنع في حدّ ذاته.

في المقابل، أكد مصدر في وزارة التجارة لـ"ألترا تونس" أن العلكة "دوفان" هي علكة محلية الصنع وليست موردة أو مهرّبة، مشيرًا إلى أنها تُصنّع عبر شركة مقرها في سوسة. وأضاف المصدر أنّ المشكل ليس "بالضبط" ما صرحت به وزارة الصحة أي وجود خلل في المادة الملونة "E110" مؤكدًا أن هذه المادة علميًا لا تسبب الأعراض التي عرفها الأطفال من حالات إغماء وحالات تشبه السُكر. وأوضح أن هذه المادة نفسها تطرح مشكلًا على المستوى العالمي، مشيرًا إلى أنها ممنوعة في البلدان الأسكندنافية.

مصدر في وزارة التجارة لـ"ألترا تونس": علكة "دوفان" محلية الصنع وليست موردة أو مهرّبة وتُصنّع عبر شركة مقرها في سوسة

في المقابل، أكد محدثنا أن الخلل، وإضافة إلى المادة المذكورة، يعود إلى مواد أخرى حافظة وملونات تمّ استعمالها بمقادير تجاوزت الحد المسموح به وذلك علاوة على أنّ تفاعل المواد الحافظة والمواد المعطرة يولد حالة من الانتشاء العصبي خاصة إذا كانت الكميات المستهلكة مفرط فيها.

وأضاف أن المقادير المستعملة في هذا المنتج تجاوزت الحدّ المسموح به قانونًا مؤكدًا أنّ تفاعل المواد الحافظة والمواد الملونة يؤدي إلى الشعور بالانتشاء بنسبة محدودة. وقال، في هذا الجانب، إن التلاميذ يبدو أنهم تفطنوا إلى مسألة الانتشاء وهو ما جعلهم يضاعفون في الكميات المستهلكة ما أدى إلى تسجيل حالات سُكر.

على صعيد آخر، أشار مصدرنا في وزارة التجارة إلى أنّه تم سحب وحجز جميع الكميات الموجودة في السوق على المستوى المركزي والجهوي مع الإيقاف الوقتي للإنتاج إلى حين صدور نتائج التحاليل المعمقة، مؤكدًا أن الموضوع لا يزال محلّ تعهد من طرف مصالح قمع الغش بإدارة الجودة وحماية المستهلك بالوزارة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

احذر مثاليّتك فقد تدمّر طفلك!

نجاح على "صهوة" الحمير..