في خضم وضع سياسي يسوده الغموض والتوتر والتنافر في تونس، أعلن الوزير السابق والقيادي السابق بحركة النهضة عبد اللطيف المكي عن تأسيس حزب جديد. تأسيس الحزب يتزامن مع فترة دقيقة تمر بها البلاد تعددت فيها الأزمات اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا. وفي حوار جمع "ألترا تونس" بعبد اللطيف المكي، تحدث الأخير عن موقفه من السياسات التي ينتهجها الرئيس التونسي قيس سعيّد وعن توجهات حزبه الجديد. أكثر تفاصيل في الحوار التالي:
- ما تعليقك على إقصاء الأحزاب من تركيبة هيئة تأسيس "جمهورية جديدة" التي أعلن عنها سعيّد مؤخرًا؟
هذا الإجراء يندرج في إطار سلسلة الإجراءات الباطلة التي لا تخضع للقانون ولا الدستور وهي إجراءات إقصائية أحادية الجانب. رئيس الجمهورية سعيّد يعيّن من يعيد كلامه.
المكي لـ"الترا تونس": الإعلان عن هيئة تأسيس "جمهورية جديدة" يندرج في إطار سلسلة الإجراءات الباطلة التي لا تخضع للقانون ولا الدستور وهي إجراءات إقصائية أحادية الجانب
- ما هو موقفك من سياسات قيس سعيّد في علاقة بالاستفتاء والانتخابات المعلن عنهما؟
نحن رافضون "للانقلاب" وكل ما ينجر عنه ونرفض هذا المسار الانفرادي الإقصائي وهو الموقف العام لغالبية الطبقة السياسية والفاعلين في الشأن العام وحتى الذين ساندوا إجراءات 25 جويلية/يوليو في البداية.
- إذا دعيتم يومًا للحوار في هذه المرحلة، هل ستشاركون؟
من الممكن المشاركة إذا وجد حوار حقيقي يجمع شروط المشاركة الحقيقية ويضمن أن يكون القرار تشاركيًا تحت سقف الدستور، لكن هذا صعب المنال لأن قيس سعيّد مٌلح على قيادة هذا المسار الانفرادي وتقسيم الشعب التونسي وتفكيك هياكل الدولة وعدم الخضوع لأي منطق قانوني.
المكي لـ"الترا تونس": من الممكن المشاركة في الحوار إذا وجد حوار حقيقي يجمع شروط المشاركة الحقيقية ويضمن أن يكون القرار تشاركيًا تحت سقف الدستور
- شاركتم في جبهة الخلاص الوطني، هل تتوقعون ما قد يغير الوضع الراهن؟
نحن موجودون في الجبهة ونتوقع ذلك.
- كنتم قد أعلنتم عن تأسيس حزب جديد ما هي توجهات هذا الحزب وجديده؟
الحزب ليس في قطيعة مع الأفكار العامة التي أثبتت جدارتها في تونس منذ الحركة الإصلاحية الوطنية وهو فكر يعتمد على تحييد العمل السياسي عن الأبعاد الإيديولوجية التي تخلق صدامات وانشغالات عن المسألة التنموية واعتماد مقولة المحافظة لأبعاد متعددة.
نحن نتبنى الفكر الاجتماعي ونحن في قلب الفكر الاجتماعي. نعتبر أنفسنا اجتماعيين ونهتم بمسألة الأسرة وكل ما ينفع الأسرة لأن الأسرة التونسية تتعرض إلى ضغوطات تعيقها على أداء دورها ونؤمن بالعدالة الاجتماعية، عدالة الوفرة والرفاه وليس عدالة الفقر وهو ما يقتضي إنتاج الثروة.
- ماذا تقصدون بـ"المحافظة"؟
نحن نحافظ على ثقافة الشعب خاصة التي لها علاقة بالمسائل الأسرية ونحافظ على المكتسبات بما سيجنبنا القطيعة بين الأجيال ونحافظ كذلك على السيادة الوطنية وعلى الوطن.
- وبرأيك كيف سيتم "إنتاج الثروة"؟
إنتاج الثروة يقتضي التعويل على النخب كرافعات وطنية والتعويل على الرأسمال الوطني وقدرة الدولة وإطاراتها على التخطيط من أجل أن تفتح آفاقًا للرأسمال الوطني سواء كان ذلك على مستوى القوانين أو التمويل والأسواق لكي تتمكن من إنتاج الثورة.
المكي لـ"الترا تونس": في الحزب الجديد هناك بعض الأسماء المعروفة وهناك وافدين من الشباب والإطارات ولم نقرر من سيكون في رئاسة الحزب
- من هي الوجوه السياسية المشاركة في هذا المولود السياسي؟
هناك بعض الأسماء المعروفة وهناك وافدين جدد من الشباب والإطارات وهذا مهم جدًا بالنسبة لي لأن الحزب يهتم بفكرة الانتقال الجيلي وضرورة إطلاق جيل جديد من السياسيين الشباب وضروري أن يكونوا في قيادة الحزب.
مازلنا لم نقرر من سيكون في رئاسة الحزب ولا في هيكلته.. الحزب لا يزال في طور النقاش المتقدم لكن ليس هناك قرارات حاليًا.
- ماذا سيقدم هذا الحزب من جديد للساحة السياسية؟
بالإضافة إلى وضوح الرؤية والفكر فإن الربط بين الثقافة والتنمية هي فكرة مستحدثة في تونس وسننقلها من طور النظري إلى التطبيق وسنقدم نموذجًا جديدًا في الممارسة السياسية له وضوح وجرأة وقدرة على الإنجاز وملتزم أخلاقيًا بحيث يحترم وعوده للشعب ومع الأطراف الوطنية وهذا الذي ينقص البلاد.. سنسعى كذلك إلى توفير مظلة من السيادة الوطنية والأمن القومي.
- ما هو التوجه الإيديولوجي للحزب الجديد؟
نحن ننقد الأحزاب الإيديولوجية لأن هذه الأحزاب وكأنها تتبنى مشروعًا إيديولوجيًا وتريد أن تمارسه بطريقة فوقية على المجتمع دون أن ننفي الدور الإيجابي للأيديولوجيا إذا وضعت في الإطار أما أن تتحول إلى أداة للاستعلاء على المجتمع والهيمنة فهذا مرفوض. الأمور الفكرية والوعي والقضايا الفكرية تبقى من شأن النخب والأحزاب السياسية تستوحي منها وتستفيد منها.
الحزب لا يجب أن يكون فوق الشعب إيديولوجيًا بل يجب أن يكون ضمن ثقافة الشعب، يحترم هذه الثقافة والاحترام يقتضي أن يستوحي منها ويحافظ عليها ويطورها لكن بدون طريقة عدوانية واستعلائية أو أن يعتبر الحزب نفسه كأنه حامل لوعي أرقى من وعي الشعب ويستهزئ بانتماءاته الثقافية ومعتقداته وتصوراته.
المكي لـ"الترا تونس": نحن ننقد الأحزاب الإيديولوجية لأن هذه الأحزاب وكأنها تتبنى مشروعًا إيديولوجيًا وتريد أن تمارسه بطريقة فوقية على المجتمع
- ما هي تصورات الحزب الجديد للوضع الاقتصادي في تونس؟
نحن كحزب لدينا أفكار رئيسية لكننا في طور التأسيس، والحزب غير مكتمل رغم أن التوجهات العامة التي سنستخرج منها البرامج على ضوء معطيات الواقع موجودة.. البرنامج سيأتي في وقت ما أما الآن الأولوية فهي لمعالجة الأزمة السياسية في البلاد.
- يشاع إن التونسي فقد ثقته في الأحزاب، كيف سيكسب الحزب ثقة المواطن؟
التونسي فقد ثقته في أحزاب معينة وفي ممارسات معينة، لكنه يؤمن بأن الحياة السياسية قوامها الأحزاب ولا آفاق للممارسة الديمقراطية بدون أحزاب تنتج الأفكار والبرامج وتربي الإطارات على كيفية قيادة الدولة وكيفية الفعل المجتمعي.
المكي لـ"الترا تونس": التونسي فقد ثقته في أحزاب معينة وفي ممارسات معينة، لكنه يؤمن بأن الحياة السياسية قوامها الأحزاب
من يريد ترويج مقولة أن الأحزاب انتهت ويعممها هي لوبيات ذات مصالح خارجية تريد تدمير قيادة البلاد المحتملة والمتمثلة في الأحزاب. هذا الموضوع وجب تناوله بالدقة اللازمة ونحن من خلال تقديم نموذج لحزب واضح مع الشعب له وضوح فكري وجدي وأخلاقيات، نسعى إلى أن نقنع الناس بهذا وندعو المواطنين للالتفاف حول الأحزاب وتقييمها وتسييرها.
نحن نفتح الأبواب للجميع ولكل من يؤمن بمبادئ حزبنا، مرحبا بالجميع سواء كان لديهم تاريخ حزبي أو يريدون خوض التجربة الآن ونلح على دعوة الشباب لأن لا يكتفي بالنقد والاحتجاج فقط بل أن ينخرط في الأحزاب ويؤسس أحزابًا ويشارك بنفسه في ترجمة أفكاره إلى واقع.
- ما هي أهم المرتكزات السياسية للحزب؟
نحن حزب محافظ اجتماعي إصلاحي لأنه لا يمكن التطور دون إصلاح ولا أن نحافظ دون إصلاح. كل ما هو نافع ومتناسق مع العصر لا يمكن بالضرورة أن يكون متناسقًا مع عصر قادم لذا لا بد من الاستمرار في الإصلاح.
ديمقراطيون لأننا نؤمن بالديمقراطية في أبعادها الثلاث القانونية في شكل نظام سياسي دستوري وقوانين ديمقراطية وبعدها الثاني الثقافة الديمقراطية لأنه لا يمكن للنصوص فقط أن تؤسس لديمقراطية ناجحة وإرساء ثقافة ديمقراطية بما هي نوع من البراغماتية ومعارضة بناءة واعتدال والذهاب للمناطق الوسطى التي تضم الجميع بما هي نكران للذات ومراجعة للنفس واعتراف بالأخطاء والأخلاق الديمقراطية التي تعامل أبناء الوطن على أنهم شركاء وتسعى أن تكون عادلة مع الجميع في نقدهم وفي تقييمهم وليس كما نرى اليوم من استهتار بهذه الشراكة الوطنية.
المكي لـ"الترا تونس": نحن حزب محافظ اجتماعي إصلاحي لأنه لا يمكن التطور دون إصلاح
في النهاية نعتبر أن المسألة التنموية تشترط المسألة الثقافية فالتنمية هي الثقافة التي تخلق الإنسان الإيجابي الذي يؤمن بذاته وقدراته ويستطيع أن يخوض التحديات ويكافح من أجل أن يتميز وينجز.