15-مارس-2020

فوبيا المرض هي اضطراب نفسي يُصنّف ضمن اضطرابات القلق (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

"لا تصافحني بنوب لا تلمس يدي... يمكن في عندك ميكروب واللمس بيعدي"، هي كلمات لأغنية طريفة للفنان السوري ياسر العظمة من مسلسل "مرايا 86"، مرّ تقريبًا على هذه الأغنية 34 سنة إلّا أنّها تحاكي في مضمونها ما يعيشه العالم من تفشي لفيروس "كورونا" خاصّة وأنّ منع اللمس والمصافحة من الإجراءات الوقائية الأساسيّة لعدم انتشار هذا المرض.

فوبيا الإصابة بالمرض هو خوف غير مبرّر وناتج عن تشوّه في التفكير وهو ما يعطّل الحياة الطبيعيّة لحامله سواء في العمل أو في البيت

وقد غصّت وسائل التواصل الاجتماعي بالنشريات والتدوينات المتعلّقة بالإجراءات الضرورية لحماية الأشخاص من انتقال العدوى، وقد اختلف هذا التفاعل من شخص لشخص وتعدّدت ردود الأفعال في علاقة بالأخبار المتداولة من اللامبالاة إلى الخوف المرضي من هذا الكابوس الذي يؤّرق العالم في هذه الفترة. ونتناول في هذا المقال "فوبيا كورونا" أو بصفة أعمّ "رهاب الإصابة بالمرض".

اقرأ/ي أيضًا: السياحة في مهب رياح "الكورونا"..

شهادات عن الفوبيا

"طردتني صديقتي من منزلها هذه الفترة لأنّني كثيرة التنقّل بحكم عملي وذلك خوفًا من أن تصيبني عدوى المرض وأنقلها لعائلتها. هي تعيش حالة هلع شديد هذه الفترة ولا تنفكّ في تعقيم المنزل وتنظيفه باستمرار بطريقة مرضيّة وامتنعت حتى عن الخروج. ولاحظت أنّها تقيس درجات حرارتها وأبنائها مرّات عدّة في اليوم وتتواصل تقريبًا يوميًا مع طبيب العائلة أو صيدليّ الحيّ إذ يهيّئ لها دومًا أنّها مريضة وأنّها تحتاج الدواء رغم أنّ صحّتها جيّدة. بدا الأمر لي غريبًا جدًا حيث تغيّر سلوكها كثيرًا هذه المدّة".

"بدأ المشكل عندما توفّي ابن عمّي في عمر 38 سنة، وكان حدثًا فارقًا في حياتي حيث أصبح هاجس الموت لا يفارقني. من وقتها أصبحت دائم التعب وأحسّ بالوخز في كامل جسدي، آلام في العضلات، وأعراض غريبة لم أستطع تفسيرها. استشرت عديد الأخصائيين وقمت بعديد التحاليل لكن لم يكن عندي أيّ مرض أو علّة. ومع ذلك لم يستطع أيّ طبيب أن يطمئنني".

هذه الشهادات مثل آلاف الشهادات الأخرى في المواقع الإلكترونية الطبيّة والمجموعات التي تتبادل المشاكل الصحيّة، وهي شهادات لأشخاص في صحّة جيّدة لكنّهم دائًما ما يهيّأ لهم أنّهم يتألمون ويتطوّر لديهم الخوف من المرض ليصبح هاجسهم اليومي.

ومع انتشار فيروس "كورونا" عبر العالم، وتواتر الأخبار المتعلّقة به توسعت المخاوف، وهذا أمر طبيعي تمامًا. ولكن هناك ما ينتشر بشكل أسرع من هذا الأخير: الخوف والذعر ممّا يجعل هذه الفئة من الناس يعانون معاناة كبيرة في هذه الفترة.

أعراض فوبيا المرض

يعرّف الأخصائي النفساني مروان النويري الرهاب على أنّه "اضطراب نفسي يصنّف ضمن اضطرابات القلق وهي من أهم أعراض الوسواس القهري فهو حالة من الخوف الشديد والرهاب غير العقلاني من شيء ما محسوس أو غير محسوس".

ويؤكّد لـ"ألترا تونس" أنّ هذا الخوف غير مبرّر وناتج عن تشوّه في التفكير، وهو ما يعطّل الحياة الطبيعيّة لحامله سواء في العمل أو في البيت أو في أي مكان آخر كما يتسبّب له بحرج كبير في علاقاته الاجتماعية.

ويمكن الكشف عن هذا الاضطراب من خلال أعراضه سواء الجسديّة (دوار، وغثيان، واضطراب في التنفس، والتعرّق الشديد، وجفاف الفم، واختناق وضيق في الصدر)، وتصل حدّ الإغماء بالإضافة للأعراض النفسيّة كالقلق الشديد من التعرّض لمصدر هذا الخوف والهروب من المواقف التي تجعله يواجه مخاوفه بالإضافة لعدم القدرة على التحكّم في تصرّفاته التي تصل للهستيريا والمشاعر السلبية. وبيّن أن من الاعراض أيضًا السلوكيات غير المبرّرة وغير المنطقيّة كالضرب أو الصراخ حسب ما فسّره الأخصائي النفسي.

مروان النويري (أخصائي النفساني): بعض الأساليب في الحملات التحسيسيّة التي تدعو الى تجنّب التجمّعات والزحام قد تحفّز الفوبيا الاجتماعيّة مثل فوبيا الزحام والأماكن المفتوحة 

وفي علاقة بهذه الفترة بالذات ومع انتشار الأخبار والشائعات وتهويل للوقائع بالإضافة للتعاطي الإعلامي والسياسي المرتبك عند الحديث عن هذا الفيروس، فقد حفّز هذا الأمر وجود أحد أنواع الفوبيا عند الناس كفوبيا الأماكن المفتوحة أو الأماكن المزدحمة أو الأماكن المغلقة أو فوبيا الطائرة وغيرها.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تفاعل التونسيون مع فيروس كورونا؟.. قراءة سوسيولوجية ونفسية

وفسّر محدّثنا هذه الأنواع مبينًا أنّ بعض الأساليب في الحملات التحسيسيّة التي تدعو إلى تجنّب التجمّعات والزحام قد تحفّز الفوبيا الاجتماعيّة مثل فوبيا الزحام والأماكن المفتوحة وهذا ما يعطّل حياة المريض اليوميّة بصفة كبيرة فيتجنّب حتى الذهاب لعمله أو القيام بأعماله اليوميّة العاديّة.

ويضيف بأنّه مادام هذا الفيروس ينتقل من خلال لمس الأسطح أو الأيادي التي تحمله، فإنّ هذه التوصية قد تعمّق فوبيا اللمس.

ويؤكّد النويري أنّ فوبيا المرض هي من أكثر الفوبيات الشائعة، فيدخل صاحبها في هستيريا وهلع وتظهر عليه عديد الأعراض الجسدية والنفسيّة فهو لا يريد أن يمرض وإن مرض يدخل في دوامة كبيرة ويعيش كابوسًا.

وبالإضافة لفوبيا الموت أو التهديد أو المخاطر تؤدي للموت، يوجد أيضًا رهاب الدواء الذي يجعل صاحبه يخاف لمجرّد رؤية دواء أو يسمع عن ضرورة استعماله ممّا يجعله يدخل في حالة نفسية وحالة خوف غير مبرّرة وغير منطقية.

مخاطر الرهاب

تختلف أسباب الرهاب حسب محدّثنا الإخصائي النفساني، فمنها الجينية والوراثية ومنها الأسباب المرتبطة بالبيئة وطبيعة المكان الجغرافي الذي يعيش فيه مثل المناطق التي ينتشر فيه الوباء ويكثر فيها الموت أو قد يكون موقفًا حفّز الفوبيا داخله وذلك بالإضافة لأسباب اجتماعية وأخرى مرضيّة.

مروان النويري: التعاطي الاعلامي والسياسي مع أزمة فيروس "كورونا" يهدّد الناس أكثر من الفيروس نفسه

ويؤكّد أنّ للرهاب مضاعفات كتعاطي المخدّرات أو الاكتئاب مع إمكانية أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية حادّة مثل اضطراب ثنائي القطبية والرغبة في الانتحار. كما يمكن أن ينتج عنه أمراض جسدية لتأثيره على عدد من أعضاء الجسم (القلب، الرئتين، الكلى) بل من الممكن أن يؤدي الرهاب إلى الموت، وفق قوله.

وأوضح الإخصائي مروان النويري، في ختام حديثه معنا، أنّ التعاطي الاعلامي والسياسي مع أزمة فيروس "كورونا" يهدّد الناس أكثر من الفيروس نفسه ويحفّز المخاوف لديهم ويدخلهم في دوامة رعب وهلع غير طبيعي، داعيًا إلى ضرورة عدم التهويل أو التخويف وإيجاد طرق ناجعة لنشر المعلومات والنصائح والأخبار دون أن يصل الناس لدرجة الرهاب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"سوسيولوجيا النكتة".. عندما أضحى فيروس "كورونا" مادّة للنكات

تاريخ الأوبئة الأكثر فتكًا بالتونسيين