13-ديسمبر-2019

مازال ينتظر ضحايا الاستبداد تنفيذ مقرّرات جبر الضرر (صورة أرشيفية/فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

مثل قرار كتلة حركة النهضة، خلال مناقشة مشروع قانون المالية 2020، بسحب مقترح فصل إضافي يتعلق بفتح صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد بمثابة رش الملح على جرح الضحايا، الذين لا يزالون يراوحون مكانهم، وهم يحملون بيدهم مقرّرًا تسلّموه من هيئة الحقيقة والكرامة لجبر أضرارهم ورد الاعتبار لهم، ولكن لا يزالون ينتظرون تنفيذه في ظل ترقّب وخوف من المجهول وصبر يكاد ينفذ.

اقرأ/ي أيضًا: ضحايا دون تعويض.. هيئة الحقيقة والكرامة في قفص الاتهام

يمينة الزغلامي: التعويض للضحايا رهين الإرادة السياسية

يمينة الزغلامي، عضو المكتب التنفيذي لحزب حركة النهضة المكلفة بملف العدالة الانتقالية، صرحت لـ"ألترا تونس" أنه تم سحب الفصل الإضافي "لأن صندوق الكرامة من الناحية التشريعية مكتمل ينتظر فقط التفعيل" مذكّرة بالتنصيص على الصندوق في إطار ميزانية الدولة لسنة 2014 وبإصدار الأمر الترتيبي المنظم له سنة 2018.

يمينة الزغلامي: إنشاء صندوق الكرامة والتعويض لضحايا الاستبداد هو رهين إرادة سياسية من الرئاسات الثلاث بالتعهد بهذا الملف الحقوقي بامتياز

وأكدت أن إثارة المقترح كانت فقط بهدف تعهّد وزير المالية بتخصيص ميزانية الصندوق التي قالت إنها لن تكلف الدولة التونسية شيئًا. وأضافت أن الضغط من أجل تفعيل الأمر الترتيبي المحدث لصندوق الكرامة سيكون في إطار الرقابة البرلمانية عبر لجنة شهداء الثورة وجرحاها وتنفيذ قانون العفو العام والعدالة الانتقالية مراقبة مدى تنفيذ الحكومة لما جاء في قانون العدالة الانتقالية بما في ذلك جبر الضرر للضحايا.

وشدّدت محدثتنا أن عدم المصادقة على تخصيص مساهمة الدولة والمقدرة بـ 10 مليون دينار في الصندوق في ميزانية 2020، لا يعني بأي حال من الأحوال انتظار التصويت عليه في إطار ميزانية قادمة، مضيفة في هذا الخصوص، أن المبلغ المحدد بالأمر الترتيبي بسيط حيث يمكن للحكومة تخصيصه في أي وقت دون التقيد بمناقشته في ميزانية الدولة، وفق قولها.

ولم تخف الزغلامي تعرّضها لما وصفتها بعدة ضغوطات من جهات عديدة لسحب المقترح، تجنبًا لكل ما يمكن أن يثيره من جدل. وذكّرت، في هذا الإطار، بالمحاولات السابقة في البرلمان الدافعة لحذف الصندوق "في إطار تشويه ممنهج لضحايا الاستبداد" وفق تعبيرها.

وقالت إن إنشاء الصندوق والتعويض لضحايا الاستبداد هو رهين إرادة سياسية من الرئاسات الثلاث بالتعهد بهذا الملف الحقوقي بامتياز وإيلائه الأهمية اللازمة بعيدًا عن كل التجاذبات السياسية.

واستغربت محدّثنا تأخر رئيس الجمهورية قيس سعيد في استقبال ضحايا الاستبداد وتقديم اعتذار الدولة عن جملة الانتهاكات الحاصلة والاعتذار ورد الاعتبار لضحايا الماضي وضحايا الحاضر الممثلين في أبنائهم الذين مازالوا يتعرضون إلى نفس الانتهاكات القديمة والفرز المتواصل في المناظرات وفرص العمل، وفق تأكيدها.

ماهو صندوق الكرامة؟

أقرّ الفصل 41 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية إحداث صندوق يطلق عليه اسم "صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد" تطلق طرق تنظيمه وتسييره وتمويله بأمر.

ونصّ الفصل 93 من قانون المالية لسنة 2014 أنه "أُحدث حساب خاص يطلق عليه اسم "صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد" يتولى المساهمة في التعويض لضحيا الاستبداد في إطار العدالة الانتقالية تضبط طرق تمويله بأمر. وتوكل مهمة التصرف في صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد للجنة تحدث للغرض برئاسة الحكومة".

تُعهد لصندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد مهمة تنفيذ قرارات جبر الضرر التي أصدرتها هيئة الحقيقة والكرامة لفائدة الضحايا

شاهد/ي أيضًا: فيديو: بن سدرين تتحدث عن "الحقيقة والكرامة" (حوار)

وتتأتى موارد الصندوق بحسب ما جاء في الأمر الترتيبي المنظم من اعتمادات ترصدها الدولة بقيمة 10 مليون دينار عند فتح الصندوق، ومن نسبة من الأموال الراجعة لميزانية الدولة والمتأتية من تنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة عن لجنة التحكيم والمصالحة، ومن الهبات والتبرعات والعطايا غير المشروطة ومن كل المصادر الأخرى التي يمكن رصدها لفائدة الصندوق طبقا للتشاريع الجاري بها العمل.

وتُعهد للصندوق مهمة تنفيذ قرارات جبر الضرر التي أصدرتها هيئة الحقيقة والكرامة لفائدة الضحايا، 29943 ضحية هم من الأفراد والجماعات يمثلون الإسلاميين واليسار والنقابيين والمستقلين والأقليات، تعرضوا خلال حقبتي بورقيبة وبن علي إلى 32 انتهاك لحقوق الإنسان منها سبعة انتهاكات ينتفع أصحابها بالتعويض المادي.

ويستمر انتظار تفعيل صندوق الكرامة

في تعليقه عن الموضوع، أفاد رئيس جمعية "صوت الإنسان" بشير الخلفي أن عرض "صندوق الكرامة" مرة ثانية "خطأ جسيم، بالنظر إلى الحسم على مستوى التشريع" مؤكدًا في تصريح لـ"ألترا تونس" أن المشكل في رئيس الحكومة الذي لم يفعل الأمر الترتيبي ولم يفتح حساب الصندوق كما هو منصوص عليه بالقانون.

وأضاف أنه ليس للمناخ السياسي علاقة بتفعيل صندوق الكرامة مؤكّدًا، في هذا السياق، أن هذه المؤسسة منصوص عليها بالقانون وأن هيئة الحقيقة والكرامة الموكل لها ملف العدالة الانتقالية وتصنيف الضحايا قد أتمت عملها وقدمت قرارات الضحايا وتقريرها الختامي الشامل للرئاسات الثلاث.

العلمي الحضري (رئيس جمعية الكرامة): تخصيص الدولة لمبلغ بقيمة 10 مليون دينار لصندوق الكرامة هي مجرد حركة رمزية تمكّن من إيفاء عدة دول ومنظمات بتعهداتها إزاء ضحايا حقوق الانسان في تونس

وأوضح أن الجمعية حمّلت رئيس الجمهورية ما أسماه خمس أمانات، حيث تضمنت رسالة وجهتها إلى رئاسة الجمهورية الدعوة الى الحرص على تفعيل صندوق الكرامة، والاحترام الكامل لكل مخرجات العدالة الانتقالية، وتقديم الاعتذار الشفاهي والمكتوب لضحايا الاستبداد وفقا لما نص عليه قانون العدالة الانتقالية، والعمل على احترام الدوائر القضائية المتخصصة ومكافحة الفساد.

من جهته، قال رئيس جمعية الكرامة العلمي الحضري إن تخصيص الدولة لمبلغ بقيمة 10 مليون دينار لصندوق الكرامة هي مجرد حركة رمزية تمكّن من إيفاء عدة دول ومنظمات بتعهداتها إزاء ضحايا حقوق الانسان في تونس بتقديمها هبات غير مشروطة للصندوق.

ونبّه عضو الائتلاف المدافع عن العدالة الانتقالية من تواصل تأخر فتح الصندوق وعدم إيفاء الدولة التونسية بالتزاماتها بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية وفق النقطة التاسعة من الفصل 148 من الدستور مذكرًا بمطالبة عدة جمعيات مساندة لمسار العدالة الانتقالية رئيس الحكومة بتفعيل الصندوق ونشر التقرير الختامي للهيئة في الرائد الرسمي. 

منوّر السعيدي (اللجنة الوطنية لمناضلي اليسار): حملات التشويه التي تطال الضحايا كلما تمت إثارة موضوع جبر الضرر مرتبطة بأطراف من نظامي بورقيبة وبن علي لديها مصلحة في طمس صندوق الكرامة 

في السياق ذاته، أفاد منور السعيدي، الناطق باسم اللجنة الوطنية لمناضلي اليسار والحركة الديمقراطية التقدمية، في تصريح لـ"ألترا تونس" أن رصد مساهمة الدولة في الصندوق تم في مناقشة ميزانية العام الماضي، مؤكدًا أن "المبلغ رمزي وهو اعتراف معنوي من الدولة وشكل من أشكال الاعتذار لضحايا الاستبداد".

وقال السعيدي، وهو أيضًا قيادي في حزب العمال ورئيس لجمعية حفظ الذاكرة وتأهيل ضحايا الاستبداد، إن "حملات التشويه التي تطال الضحايا كلما تمت إثارة موضوع جبر الضرر مرتبطة بأطراف من نظامي بورقيبة وبن علي لديها مصلحة في طمس صندوق الكرامة وحجب تقرير الهيئة كي لا يتم كشف الانتهاكات وإدانة مرتكبيها" وفق تأكيده.

في الأثناء، تكاد المهلة التي حددها الفصل 70 من قانون العدالة الانتقالية تنفذ، إذ ينص على أن تتولى الحكومة خلال سنة من تاريخ صدور التقرير الختامي الشامل للهيئة إعداد خطة وبرامج عمل لتنفيذ التوصيات والمقترحات التي قدمتها الهيئة وتقديم الخطة والبرنامج إلى المجلس المكلف بالتشريع لمناقشتها، وهو ما لم يتم. ويجب أن يحدث البرلمان بدوره لجنة برلمانية خاصة من أجل تفعيل توصيات ومقترحات الهيئة، وهو ما لم يتم أيضًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ابتهال عبد اللطيف: تقرير "الحقيقة والكرامة" ضعيف وملفات سُويت في الظلام (حوار)

عادل المعيزي: مثّلنا الدولة التي تعرّي نفسها في هيئة الحقيقة والكرامة (حوار)