الترا تونس - فريق التحرير
أثار تضمين مشروع قانون المالية لسنة 2019 مساهمة الدولة في تمويل صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد، جدلًا واسعًا داخل لجنة المالية بمجلس نواب الشعب، قبل أن تصادق اللجنة بالأغلبية على الإبقاء على مساهمة الدولة بعد رفض مقترح أول من حركة نداء تونس لتحويل الاعتمادات للمناطق المحرومة، ومقترح آخر مدعوم من كتل الائتلاف الوطني ومشروع تونس لتجميد مساهمة الدولة لمدة 3 سنوات.
ويتبادر لذهن العديد، ما هو صندوق الكرامة؟ وماهي مصادر تمويله؟ تابع هذا العرض:
صندوق موجّه للضحايا
نصّ القانون الأساسي للعدالة الانتقالية الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2013 في فصله 41 على إحداث صندوق يطلق عليه صندوق "الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد" تضبط طرق تنظيمه وتسييره وتمويله بأمر. وهو صندوق مخصّص لجبر الضرر المادي لضحايا الاستبداد، وذلك وفق البرنامج الشامل لجبر الضرر ورد الاعتبار الذي تعده هيئة الحقيقة والكرامة.
صندوق الكرامة مخصّص لجبر الضرر المادي لضحايا الاستبداد وفق البرنامج الشامل لجبر الضرر ورد الاعتبار الذي تعده هيئة الحقيقة والكرامة
وتعطّل إصدار الأمر المتعلق بالصندوق لأكثر من 5 سنوات منذ تاريخ إصدار قانون العدالة الانتقالية، بين شد وجذب بين الحكومة وهيئة الحقيقة والكرامة حول تركيبة هذا الصندوق وتحديد طرق التصرف فيه، وكانت دائمًا ما توجه رئيسة الهيئة سهام بن سدرين الاتهامات للحكومة بتعطيل الأمر الذي لم يصدر نهاية إلا بتاريخ 28 فيفري/شباط 2018 قبيل انتهاء عهدة الهيئة.
يُذكر أن هيئة الحقيقة والكرامة نشرت مؤخرًا القرار الإطاري المتعلق بمعايير جبر الضرر لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، الذي يضبط معايير التعويض المادي والمعنوي، وإجراءات رد الاعتبار واسترداد الحقوق وإعادة التأهيل والإدماج وطرق صرف التعويضات.
وينص الفصل 4 من هذا القرار أن التعويض عن الضررين المادي والمعنوي يتم بناء على جسامة انتهاك حقوق الإنسان. ويضيف أنه يتمتع كل ضحية بقسط من مبلغ التعويض كتسبقة، وبالنسبة لكبار السن وذوي الإعاقة يتم صرف المبلغ المتبقي في شكل جراية سنوية. ويقع صرف التعويضات النهائية لبقية الضحايا مرة واحدة أو على أقساط سنوية لا تتجاوز 6 سنوات.
اقرأ/ي أيضًا: "الحقيقة والكرامة" تنشر قرار جبر الضرر للضحايا.. تعرف على تفاصيله
ممّا تتكون موارد الصندوق؟
تكون موارد صندوق الكرامة من نسبة من الأموال الراجعة لميزانية الدولة والمتأتية من تنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة عن لجنة التحكيم والمصالحة بهيئة الحقيقة والكرامة، والهبات والتبرعات والعطايا غير المشروطة، وأيضًا من كل المصادر الأخرى التي يمكن رصدها لفائدة الصندوق، وفق ما ينصّ عليه الأمر الحكومي.
ونص الفصل 3 من هذا الأمر على رصد اعتمادات من ميزانية الدولة عند فتح الصندوق في حدود 10 مليون دينار أي ما نسبته 0.02 في المائة من ميزانية الدولة لسنة 2019.
وسبق وإن وجهت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين انتقادات لوزير أملاك الدولة والشؤون العقارية السابق مبروك كورشيد لرفضه آلية التحكيم والمصالحة مع رجال الأعمال المتورطين في الفساد المالي والذين أبدوا رغبتهم في دفع أموال لفائدة خزينة الدولة مقابل إسقاط التتبعات في حقهم. وتقول الهيئة إن كورشيد فوّت على الدولة التونسية أموالًا طائلة لتدعيم المالية العمومية من جهة وللمساهمة في تمويل صندوق الكرامة لجبر الضرر لضحايا الاستبداد من جهة أخرى.
تركيبة لجنة التصرف في الصندوق
تتركب لجنة التصرف في صندوق الكرامة من 8 أعضاء جميعهم ممثلين لهياكل حكومية، إذ يرأس اللجنة ممثل عن رئاسة الحكومة، ويمثل بقية الأعضاء وزرات العدل، والمالية، والتنمية والتعاون الدولي، والشؤون الاجتماعية، والصحة، والوزارة المكلفة بالعلاقة بين الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، وذلك إضافة للمكلف العام بنزاعات الدولة.
ويتم تعيين الأعضاء بمقرر من رئيس الحكومة بناء على اقتراحات الوزارات والهياكل المعنية، وهو ما لم يتم بعد. ويمكن لهذه اللجنة طلب معلومات ولها الحق في الاطلاع على الوثائق التي تمكنها من القيام بأعمالها. وترفع تقارير حول نشاطها إلى رئيس الحكومة كل ستة أشهر.
اقرأ/ي أيضًا: ماهو مآل أرشيف هيئة الحقيقة والكرامة؟
زوبعة في فنجان؟
دائمًا ما يثير أي ملف في علاقة بالعدالة الانتقالية الجدل بين كتل مجلس نواب الشعب، خاصة مع تحفظ كل من كتل نداء تونس ومشروع تونس والائتلاف الوطني على أداء هيئة الحقيقة والكرامة. ويؤكد مراقبون أن الجدل المستجدّ حول مساهمة الدولة في صندوق الكرامة كان منتظرًا خاصة مع تزايد حدة التجاذبات السياسية مع فك الارتباط بين حركة نداء تونس وحركة النهضة.
يرى مراقبون أن الجدل حول صندوق الكرامة يستبق إصدار هيئة الحقيقة والكرامة لتقريرها النهائي
ويرى العديد أن اقتراح كتلة نداء تونس تحويل مساهمة الدولة في الصندوق لفائدة العائلات المعوزة هو من قبيل الشعبوية السياسية، إضافة لاعتبار قرار الكتلة الطعن في الفصل المتعلق بالصندوق لدى المحكمة الإدارية يهدف للإثارة أساسًا وذلك على اعتبار أن الفصل محل الطعن لا يثير أي إشكالات قانونية، ولم يكن الجدل حوله إلا لخلفيات سياسية.
كما يشير المراقبون أيضًا أن هذا الجدل، المُثار من كتل نداء تونس ومشروع تونس والائتلاف الوطني، يستبق إصدار هيئة الحقيقة والكرامة لتقريرها النهائي خلال الأسابيع القادمة الذي سيتضمن خلاصة أعمالها طيلة 4 سنوات خصوصها فيما يتعلق بكشف الحقائق حول انتهاكات حقوق الانسان والفساد والمالي وتحديد المسؤوليات.
يُذكر أن الفصل 11 من قانون العدالة الانتقالية ينصّ أن "جبر ضرر ضحايا الانتهاكات حق يكفله القانون والدولة مسؤولة على توفير أشكال الجبر الكافي والفعال بما يتناسب مع جسامة الانتهاك ووضعية كل ضحية"، فيما يؤكد الفصل 148 من الدستور في نقطته التاسعة على التزام الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية.
اقرأ/ي أيضًا: