09-يونيو-2019

وجه عديد الضحايا اتهامات لهيئة الحقيقة والكرامة بالمحاباة والتمييز بين الضحايا في تحديد قيمة جبر الضرر

 

بعد الجدل بين الفاعلين السياسيين حول التعويض المادي لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في إطار العدالة الانتقالية نظرًا لتزامنه مع الأزمة الاقتصادية للبلاد واعتبار "صندوق الكرامة" حملًا ثقيلًا على ميزانية الدولة، يتجدد السجال اليوم حول هذا الملف لكن ليس بين الأطياف السياسية وليس حول مبدأ التعويض، بل بين الضحايا وهيئة الحقيقة والكرامة حول شفافية مقرّرات جبر الضرر.

اقرأ/ي أيضًا: سنة بعد انطلاق الدوائر القضائية المتخصصة.. النقابات الأمنية تضغط والجلاد غائب!

مقررات جبر الضرر.. فوضى التسليم واتهامات بالسمسرة

بدأت هيئة الحقيقة والكرامة في شهر ديسمبر/كانون الأول 2018، وقبيل أيام من انتهاء عهدتها، بتسليم المقررات الفردية لجبر الضرر للضحايا، وتواصلت عملية التسليم طيلة الأشهر الموالية سواء في مقرها المركزي بالعاصمة أو في فروع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وذلك في إطار مرحلة التصفية التي انتهت بتاريخ 31 ماي/آيار 2019، ولكن دون أن تنتهي معها عملية تسليم المقررات لجميع الضحايا. وهو ما اضطر الهيئة لتعلن أنها سترسل المقررات المتبقية عبر البريد بالنسبة للضحايا المقيمين في العاصمة مع استمرار توزيعها عبر فروع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالنسبة للضحايا المقيمين في الجهات.

وقد انتقد ضحايا ونشطاء تأخر انطلاق تسليم المقررات الفردية، عدا عن نشر قائمة أصحابها على صفحة الهيئة على "فيسبوك" لتسلّمها، والحال أن عديد الضحايا لا يستعملون مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يتلقوا اتصالًا هاتفيًا للتسلم. وقد أدى هذا الارتباك لاكتظاظ وفوضى يومية بالخصوص في المقر الرئيسي للهيئة.

 انصبت انتقادات عديد الضحايا مؤخرًا لهيئة الحقيقة والكرامة حول فوضى تسليم مقررات جبر الضرر وعدم شفافية إعداد هذه المقررات

غير أن انتقادات الضحايا انصبت بالخصوص حول شفافية إعداد هذه المقررات التي تتضمن قيمة التعويض المادي الذي ستتحصل عليه كل ضحية على حدة حسب المعايير المحددة. إذ احتج المئات من الضحايا لعدم ورود أسمائهم في قائمة المتمتعين بمقررات جبر الضرر، رغم أنّ ملفاتهم مستوفية الشروط وفق تأكيدهم. فيما تحدث عديد الضحايا أنهم تحصلوا على عدد من النقاط (مقياس التعويض المادي) أقل من ضحايا آخرين تعرضوا لانتهاكات أقل منهم.

وفي هذا الإطار، قالت الضحية بسمة بلعي، التي قدمت شهادة في جلسات الاستماع العلنية عام 2016، في مقطع مصوّر على حسابها على فيسبوك، إنه توجد محاباة وتمييز بين الضحايا في مقررات جبر الضرر، مشيرة، في جانب آخر، بأن مقرّر والدها تضمن تمتيعه بالتأهيل النفسي والاجتماعي والحال أنه متوفى منذ زهاء عقدين.

فيما تحدث الحسين بوشيبة رئيس جمعية الكرامة، أكبر الجمعيات المنضوية في الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية، في نشرية على فيسبوك أن" مئات الضحايا يحتشدون أمام الهيئة كل صباح ومنذ أسابيع في فوضى عارمة يبحثون عن حقهم الذي ضيعته الهيئة" متسائلًا " بأي حق تحرم رئيسة الهيئة عشرات آلاف من الضحايا من التعويض المادي لمن صنفتهم ضحايا والقانون يعطيهم الحق في التعويض المعنوي والمادي والرمزي؟".

من جهة أخرى، أكد ضحايا أن هيئة الحقيقة والكرامة لم توفر لهم الحيز الزمني الكافي للطعن في قراراتها وفق ما تفرضه أدلة إجراءاتها. وفي هذا الجانب، كشف تقرير دائرة المحاسبات أن الهيئة أصدرت 17496 قرارًا بالتخلي والحفظ والرفض لملفات خلال فترة وجيزة تمتد من 26 إلى 31 ديسمبر /كانون الأول 2018، أي يوم نهاية مهامها، وذلك دون تمكين أصحاب هذه القرارات من آجال كافية للطعن.

ابتهال عبد اللطيف: احتج عديد الضحايا خلال الأيام الماضية أمام مقر الهيئة نظرًا لعدم صدور أسمائهم في قائمة المعنيين بجبر الضرر

اقرأ/ي أيضًا: أهم 10 إخلالات في عمل هيئة الحقيقة والكرامة وفق دائرة المحاسبات

وفي نفس الإطار، أكدت عضو الهيئة ابتهال عبد اللطيف لـ"ألترا تونس" أنّ عديد الضحايا احتجوا خلال الأيام الماضية أمام مقر الهيئة نظرًا لعدم صدور أسمائهم في قائمة المعنيين بالتعويض، مؤكدة أنّ أغلب ملفات هؤلاء الضحايا مستوفية الشروط وهم فعلًا من الضحايا الذين تعرّضوا لانتهاكات مختلفة وفق قولها. ودعت إلى التثبت في الملفات الواردة على الهيئة بعد الآجال وطريقة الاطلاع عليها وكيفية البت فيها.

وكانت قد اتهمت عبد اللطيف، في حوار سابق معنا، رئيسة الهيئة سهام بن سدرين بـ"شراء ذمم بعض الذين يصرون على تقديم أنفسهم كضحايا"، مبينة أن مجلس الهيئة توصل بشكايات ضدهم قدمها ضحايا. وقالت عبد اللطيف إن بن سدرين "منحت هؤلاء المشبوهين أموالًا وامتيازات دون علم أعضاء الهيئة" مشيرة إلى تسجيل تقرير دائرة المحاسبات إخلالات في عقود هؤلاء الأشخاص على غرار أن أحدهم تعلقت به شبهة استغلال صفته للانتفاع بنسبة 5 في المائة من قيمة التدخل العاجل للضحايا.

"ألترا تونس" تواصل مع ضحية، رفضت الكشف عن اسمها، أكدت رفض ملفها وحرمانها من التعويض رغم أن ملفها وقع تقديمه في الآجال المحددة ومستوفي الشروط وفق قولها. وأشارت، في هذا الجانب، إلى تعرضها لانتهاكات من قبل عمدة (مسؤول محلي) خلال النظام السابق وحرمانها من العمل طيلة أكثر من 15 سنة مبينة عدم انتمائها لأي تيار سياسي وأنها قدمت ملفها بصفة فردية.

أكدت ضحية رفضت الكشف عن اسمها لـ"ألترا تونس" أنها تعرضت لعملية ابتزاز مالي لقبول ملفها والحصول على التعويض المادي

وأكدت محدثتنا تعرضها على غرار ضحايا آخرين إلى الابتزاز المالي من قبل شخص يعمل بهيئة الحقيقة والكرامة، طلب منها مبلغ مالي مقابل ضمان موافقة الهيئة على ملفها. وبيّنت أنه طلب مبلغًا بقيمة ألف دينار في مرحلة أولى مع إضافة مبلغ بنفس القيمة لاحقًا بعد صدور اسمها ضمن قائمة الضحايا.

وقامت هذه الضحية، وفق مطلب لإعادة النظر في ملفها وجهته إلى هيئة الحقيقة والكرامة تحصلنا على نسخة منه، بتسجيل المكالمة الهاتفية التي تثبت تعرضها لعملية الابتزاز المالي من هذا الشخص الذي يُدعى (م.ح).

وقد أكد أحد أعضاء الهيئة، في حديثه معنا، نفس هذه الرواية مؤكدًا أن هذا الشخص معروف بممارسته للسمسرة والابتزاز المالي للضحايا لإيداع ملفاتهم لدى الهيئة وضمان تسليمهم مقررات فردية لجبر الضرر.

مطلب الضحية لإعادة النظر في ملفها يتضمن تعرضها لابتزاز مالي من م.ح (ألترا تونس)

 

جبر الضرر للضحايا.. بين هيئة الحقيقة والكرامة وصندوق الكرامة

يمثل، في الأثناء، التعويض المادي أحد أهم أشكال جبر الضرر لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الذي أوكل قانون العدالة الانتقالية لهيئة الحقيقة والكرامة مهمة ضبطه. ونشرت الهيئة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018 القرار الإطاري المتعلق بمعايير جبر الضرر الذي يضبط معايير التعويض المادي والمعنوي، وإجراءات رد الاعتبار واسترداد الحقوق وإعادة التأهيل والإدماج وطرق صرف التعويضات.

اقرأ/ي أيضًا: العدالة الانتقالية والدولة المستقيلة

وكان قد تحصل "ألترا تونس"، من مصدر خاص في هيئة الحقيقة والكرامة، على محضر تنبيه وجهه 3 أعضاء من الهيئة، وهم ابتهال عبد اللطيف وصلاح الدين راشد وعلي غراب، إلى رئيستها سهام بن سدرين عن طريق عدل منفذ بتاريخ 20 ماي/آيار 2019 من أجل تنبيهها على "الالتزام بمعايير جبر الضرر المصادق عليها التي تحمي حقوق الضحايا". وأشار محضر التنبيه إلى أن الجلسة العامة لمجلس الهيئة بتاريخ 5 ماي/آيار المنقضي، التي قاطعها الأعضاء الثلاثة، قامت بمراجعة معايير جبر الضرر وتنقيحها "وهو ما يتنافى مع القرارات المتخذة سابقًا من مجلس الهيئة قبل 31 ديسمبر 2018 وبما يخالف ويتنافى مع مهام التصفية".

 أفادت هيئة الحقيقة والكرامة أن النسبة القصوى للتعويض للمادي تبلغ 100 نقطة في مقررات جبر الضرر ما يقابلها مبلغ 200 ألف دينار

وينص الفصل 4 من القرار الإطاري أن التعويض عن الضررين المادي والمعنوي يتم بناء على جسامة انتهاك حقوق الإنسان، إذ يُعوّض عن الانتهاكات الماسة من الحق في الحياة (القتل العمد، والموت تحت التعذيب، والإعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة والفقدان والاختفاء القسري مع عدم الظهور) بإسناد قيمة 100 في المائة ضارب الوحدة الحسابية.

فيما يكون التعويض عن الاغتصاب بإسناد قيمة 70 في المائة ضارب الوحدة الحسابية، والتعويض عن التعذيب والإصابة أثناء الاحتجاجات بقيمة 60 في المائة، والعنف الجنسي بقيمة 35 في المائة، أما أشكال المعاملة أو العقوبة اللانسانية أو القاسية أو المهينة بقيمة 25 في المائة. فيما تحدد التعويض عن الانتهاكات التي تمس من حق الفرد في الحرية والأمن على شخصه بإسناد قيمة 40 في المائة ضارب الوحدة الحسابية، فيما يكون التعويض عن الانتهاكات المتعلقة بالحقوق المدنية والاجتماعية بقيمة 15 في المائة.

واًصدرت هيئة الحقيقة والكرامة، قرار شرح بتاريخ 31 ماي/آيار 2018، بيّن أن القيمة المالية لكل نقطة من سلم جبر الضرر المادي والمعنوي تبلغ 2000 دينار مشيرة بأن النسبة القصوى للتعويض تبلغ 100 نقطة ما يقابلها مبلغ 200 ألف دينار.

قرار شرح قيمة التعويض المادي لضحايا الاستبداد

ويشمل هذا التعويض الضحية التي طلبت حين إيداع ملفها جبر ضررها عن تعرّضها لانتهاكات حقوق الإنسان الصادرة عن أجهزة الدولة أو مجموعات أو أفراد تصرّفوا باسمها. وقد توسع الفصل 10 من قانون العدالة الانتقالية ليمنح صفة الضحية لأفراد الأسرة الذين لحقتهم انتهاكات لقرابتهم بالضحايا.

وينص قانون العدالة الانتقالية أن صرف التعويضات يتم عبر "صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد"، الذي صدر الأمر الحكومي المتعلق بتنظيمه وتسييره وتمويله بتاريخ 28 فيفري/شباط 2018. ونصّ الفصل الثاني من هذا الأمر أن موارد الصندوق متأتية من الأموال الراجعة إلى ميزانية الدولة والمتأتية من تنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة عن لجنة التحكيم والمصالحة ومن الهبات والتبرعات والعطايا غير المشروطة. وقد رصدت الحكومة اعتمادات عند فتح الصندوق في حدود 10 مليون دينار.

وتتولى التصرف في هذا الصندوق لجنة حكومية يرأسها ممثل عن رئاسة الحكومة وتضم المكلف العام بنزاعات الدولة وممثلين عن وزارات العدل والمالية والتنمية والتعاون الدولي والشؤون الاجتماعية والصحة والوزارة المكلفة بالعلاقة بين الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ابتهال عبد اللطيف: تقرير "الحقيقة والكرامة" ضعيف وملفات سُويت في الظلام (حوار)

عادل المعيزي: مثّلنا الدولة التي تعرّي نفسها في هيئة الحقيقة والكرامة (حوار)