03-مايو-2019

تؤكد عائلة أوس أنه حاول الهروب من تنظيم "داعش" لكن دون جدوى (صورة تقريبية/عارف وتد/أ.ف.ب)

 

المعبر الحدودي براس جدير الفاصل بين تونس وليبيا، هو البوابة الفاصلة بين عالمين بالنسبة للشاب التونسي أوس الخشيني. بوابة كانت الخطوة الأولى التي انطلق منها نحو رحلة الموت من سنة 2012 حتى جوان/يونيو 2018 تاريخ موته على أيادي تنظيم "داعش" بعد تفجير مكان سكنه في سوريا، كما تؤكد عائلة أوس.

اقرأ/ي أيضًا: رحلة الموت من البحّار أوس إلى الداعشي حمزة الحمزة (2/1)

من الجيش الحر إلى "داعش"

ابن عاصمة الأغالبة اختار التوجّه نحو بلاد الشام حاملًا معه مشروعًا فكريًا غريبًا عنه وعن محيطه العائلي ولكن عمليّة غسيل الدماغ التي تعرّض لها جعلته يترك أهله وذويه ويختار أن يرمي نفسه نحو المجهول، كما تحدثت عائلته لـ"ألترا تونس".

استقل أوس سيارة الأجرة "اللواج" ومضى نحو ليبيا التي وجد فيها من ينتظره ومن سهّل له الوصول إلى تركيا، التي أمضى فيها شهرًا ومن ثمّ كان المستقرّ في سوريا. تتحدث والدته الحاجة تحيّة عن الأمر: "بعد أسبوع من مغادرته المنزل، اتصل بي أوس وأخبرني أنّه في سوريا وأنّه سيعتني باللاجئين فرجوته أن يعود إلى تونس لكنّه رفض متعلّلًا بأنّه لا يريد أن يسجن في تونس فشجّعته أن يركّز الاهتمام على اللاجئين".

تزوّج أوس بامرأتين، الأولى سوريّة وأنجب منها ثلاثة أبناء والثانية تونسيّة اسمها "صابرة" من منطقة سيدي عمر من ولاية القيروان أنجب منها بنتًا وولدًا. خمسة أبناء فيهم من توفي وفيهم من لا يزال عالقًا على الحدود التركيّة السوريّة ينتظر من ينتشله.

تزوّج أوس بامرأتين الأولى سوريّة وأنجب منها ثلاثة أبناء والثانية تونسيّة تدعى"صابرة" من ولاية القيروان أنجب منها بنتًا وولدًا

بدايات أوس كانت مع الجيش السوري الحر الذي كان يهدف أن يكون "الجناح العسكري للمعارضة الشعبية السورية للنظام"، ويهدف إلى إسقاط الحكومة عن طريق العمليات المسلحة، والتشجيع على انشقاق الجيش والقيام بأعمال مسلحة. وقد كان صهره السوري سببًا في انضمامه لهذا الجيش.

ثمّ التحق بـ"جبهة النصرة" التي تعتبر من أبرز القوى الإسلامية المعارضة المسلحة لخبرة رجالها وتمرسهم على القتال. وقد تبنت هذه المنظمة عدة هجمات انتحارية في حلب ودمشق، وهي ذراع تنظيم القاعدة في سوريا. ثم بين سنتي 2014 و2015، أصبح أوس "داعشيًا". كان يتحدّث لأخيه عن الدولة التي يحلم بها "الفاضلة التي تنعدم فيها السرقة وتُعطى فيها المنازل مجانًا، لا تدفع لا فواتير كهرباء أو ماء، ويحصل المنضمون لهذا التنظيم شهريًا على مواد غذائية وعلى الأدوية مجانًا، وعلى مبالغ مالية شهرية للزوج والزوجة ولكل طفل في العائلة"، هكذا حدثنا العائلة عن أحلام أوس عند انضمامه للتنظيم الإرهابي.

ويتحدّث محمّد، شقيق أوس، لـ"ألترا تونس" عن هذه الفترة: "مع بداية 2014، تبنّى أخي الفكر الداعشي وأصبح يعتبر جميع العائلة كفرة مشركين ولم يكن يتواصل سوى معي لأني أوهمته أنّني أتبنّى هذا الفكر. كان برتبة مرموقة في معسكر أمير حلب ويتحصّل على أجرة بقيمة 500 دولار وعديد الامتيازات الأخرى. وفي أواخر 2015 اختفى لمدّة ستة أشهر حسبناه خلالها في عداد الموتى لكنه كان مسجونًا من طرف الدواعش لأنّه اكتشف العديد من الحقائق منها عمليّات تحيّل وتعامل مع إسرائيل وعديد الوقائع الأخرى التي جعلته يصدم بحقيقة داعش ويتلاشى حلمه بالدولة الإسلاميّة".

محمد (شقيق أوس): اختفى أخي لمدة 6 أشهر عام 2015 حسبناه خلالها في عداد الموتى لكنه كان مسجونًا من طرف الدواعش

خرج أوس الخشيني فكريًا عن تنظيم "داعش" وبات يرى الدولة المزعومة بوضوح دولة النفاق والإجرام والتوحّش بعد أن كانت دولة العدالة والحق بالنسبة إليه. في تلك الفترة، وقع افتكاك مبالغ مالّية هامّة كانت على ملكه هو وصديق له على أساس أنها غنيمة حرب لـ"الدولة الاسلاميّة" وأعطوها لقائد عراقي.

وقد حدثًنا الأخ محمّد عن التمييز بين الجنسيات قائلًا: "التوانسة حابينا عساسة كلاب نعسوا عليهم وهوما يبيعو ويلمو في الفلوس" (يريدون التونسيين حراسًا لهم فيما يغنمون هم الأموال)، وذلك وفق ما ذكره له شقيقه.

من رسائل أوس الخشيني إلى عائلته بعد "ندمه"

اقرأ/ي أيضًا: "14 فردًا من عائلتي في سوريا": تونسية تروي لنا قصّتها

الخروج عن "داعش".. الموت الأخير

عندما بدأ أوس يكتشف حقيقة التنظيم الإرهابي، قرّر الانسحاب بهدوء من "داعش" غير أنه تعرض بسبب ذلك لإصابة في قدمه بسبب شظيّة. وأمضى مدّة من الزمن لا يغادر البيت من ثم أصبح يتاجر في بيع السيارات، وطوّر لاحقًا أعماله وفتح مطعمًا للأكل التونسي وأصبح الإقبال كبيرًا عليه من قبل السوريين. ومن هنا بدأ أوس يسترجع ذاته القديمة وبدأ يحسّ بالندم الشديد وتواصله مع عائلته، كان دائم التعبير عن اشتياقه للبلد والأهل والأجواء.

"مع بداية 2016، بدأ أخي بالرجوع لحالته العاديّة حيث بارك لي حصول فريقي الرياضي المفضل على الكأس، وأصبح يحدّثني عن مشاريعه عندما يعود لتونس وكيف سيربّي أبناءه. وقد حاول الهروب لكن داعش والنظام والأكراد والجيش الحر والجيش التركي كلها كانت تحول دون ذلك"، هكذا حدثّنا شقيقه محمد.

رائحة الجنّة تحت أقدام الوالدة، ومسامرة مع الأخوة والأصدقاء، وأركان منزل العائلة، ونسيم القيروان، كلّها صور كانت تضيء ليل أوس وتشعل فيه نار الاشتياق. "متوحش تونس موش نورمال، روايح القيروان، الهندي في الطاسة بدينار. محمّد اقعد جيعان وخليك في بلادك"، كلمات كتبها أوس تخطّ قصّة ندم لا ينتهي.

من رسائل أوس الخشيني إلى عائلته بعد "ندمه"

 

لكنّ الدواعش كانوا يحولون بينه وبين حلم العودة وظلوّا يلاحقونه لسان حالهم إن لم تكن معنا فإنّك ضدّنا ولم يقتنعوا بالأسباب التي قدمها لهم. داهموا منزله عديد المرات واستولوا على ماله ومطعمه وسياراته. وسُجن عديد المرات وكانت التهم التي تنسب له هي تحريض التونسيين ضدّهم ودعوتهم للانشقاق عن "داعش" أو الجوسسة لصالح أطراف أخرى أو محاولة الهروب من سوريا.

تؤكد عائلة أوس الخشيني أن تنظيم "داعش" منع ابنها من العودة إلى تونس وسجنته عديد المرات إلى غاية قتله بتفجير مسكنه مع زوجته

وفي آخر مرّة وقع إطلاق سراحه وصلت إليه معلومة أنّه مطلوب للقتل. شعر أوس بالخطر الذي يترصّده مع عائلته فقام بتهريب زوجته السورية وأبنائه الخمسة لمنطقة أعزاز على الحدود السورية التركية في أكتوبر/تشرين الأول 2017.

وحاول الهروب في براميل بنزين مع زوجته التونسيّة لكن وقع إغلاق حدود "داعش" آنذاك. فاضطر أوس لملازمة منزل بمنطقة "البوكمال"، التابعة لمحافظة دير الزور شرقي سوريا، هو وزوجته الحامل مدّة سبعة أشهر إلى حدود جوان/يونيو 2018 حيث وقع تفجير المنزل من قبل الدواعش.

قُتل أوس الخشيني وهذا محتوى آخر رسالة صوتية لزوجته السوريّة: "ردي بالك على صغارك وتشبثي بدينك حاولي التواصل مع أهلي وأخرجي من هناك. ربي إن شاء الله ييسر لنا وملتقانا في الجنة"، حسب حديث العائلة لـ"ألترا تونس".

من رسائل أوس الخشيني إلى عائلته بعد "ندمه"

"أولادي أمانة في رقبتك"

كان الحديث عن أبناء أوس من أكثر الأشياء التي كانت تعزّز إحساس الوجع في قلب أم ملتاعة من فقدان ابنها وإحساس العجز الذي يحول بينها وبين وفلذات كبدها. كان لأوس خمسة أبناء توفّي اثنان منهما وهما أبناء صابرة التونسيّة ولم يبق سوى أبناء الزوجة السوريّة أكبرهم يبلغ من العمر 5 سنوات ويحتاج عمليّة مستعجلة بسبب شظيّة سقطت عليه في عمر 7 أشهر تسبّبت له في إعاقة تستدعي علاجًا طبيًا عاجلًا لا يتوفر في المخيم، أين يتواجد.

تتحدّث الحاجة تحية عن محاولاتها جلب أحفادها بحرقة: "لقد طرقت عديد الأبواب واتّصلت حتى بالصليب الأحمر الذين أعلموني أنّه في صورة إعطائهم تفويضًا من الحكومة التونسيّة سيبعثون طائرة خاصّة لإحضارهم. وجمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج هي الوحيدة التي تحاول مساعدتنا".

تحيّة (والدة أوس): أعلمني الصليب الأحمر أنّه في صورة إعطائهم تفويضًا من الحكومة التونسيّة سيبعثون طائرة لجلب أحفادي العالقين

تضيف الخالة تحيّة: "حاول زوجي وابني بعديد الطرق مع المهرّبين لكنّ أغلبهم متحيّلون يأخذون المقابل المادي ويختفون. لا أزال أحاول أن أحضر أحفادي لتونس لكنّ أقارب أمّهم لم يعودوا راغبين في ذلك". تسترسل الأم في بكاء حارق وتضيف: "لقد أوصاني أن أحضرهم لتونس وأن أربيهم في بلده".

ويواصل عنها ابنها محمّد الحديث: "نحن لا نختار آباءنا لذلك ما ذنب أبناء أخي؟ إذا عاشوا بسوريا فسيتحمّلون وزر أبيهم ولا أعتقد إن عادوا إلى تونس في سن صغير أنهم سيشكّلون خطرًا على أمن البلاد"، ويختم مؤكدًا "حتى إن كان الأمل ضعيفًا لاسترجاعهم، فلن نكفّ أبدًا على المحاولة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأطفال التونسيون العالقون في ليبيا.. مواطنون مع وقف التنفيذ

المقاتلون التونسيون مع النظام السوري.. إرهاب آخر!