الترا تونس - فريق التحرير
أثار إصدار وزارة العدل التونسية، مساء السبت 20 أوت/أغسطس 2022، بيانًا أعلنت فيه إحالة ملفات للقضاء تتعلق بجرائم مالية وإرهابية في حق القضاة المعفيين في تونس، تنديدًا واسعًا من عديد الحقوقيين، الذين اعتبروا البيان "فضيحة ومسخرة" وفقهم.
حمادي الرحماني: بيان وزارة العدل هو بيان التحايل للتملص من تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية، ولإبعاد تهمة فبركة ملفات تسببت في قرارات عزل القضاة
وكتب حمادي الرحماني، وهو أحد القضاة المعنيين بالإعفاء، أنّ بيان وزارة العدل هو "مسخرة جديدة، وهو بيان التحايل للتملص من تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية، ولإبعاد تهمة فبركة ملفات تسببت في قرارات عزل ظالمة، وللتغطية على تقاعسها في تقديم الملفات للمحكمة الإدارية، ولإيهام الرأي العام بوجود تتبعات جدية ضد القضاة، ولتبرير خلع مكاتب القضاة وتغيير أقفالها وتعطيل النظر في قضايا الموقوفين" وفقه.
وأوضح الرحماني أنّ "هاجسًا وحيدًا يحرك وزيرة العدل وهو سبب كل إجراءاتها التصعيدية وسبب صدور كل بياناتها، وهو كيفية تبرئة ذمتها والتنصل من مسؤولية إعداد قائمة الإعفاءات المضللة"، مضيفًا: "كل هذا التعنت والتمادي والإجرام والإضرار المجاني والظالم بسمعة القضاة وبصورة القضاء، فقط من أجل البقاء في الكرسي ولتفادي الظهور بمظهر المخطئ، بالنسبة إليهم هدم الدولة والفتك بحقوق الناس وسمعتهم أهون من عزل وزيرة فاشلة ومصدر أزمات وصفر إنجازات"، على حد وصفه.
وتفاعل المحامي سمير ديلو مع بيان وزارة العدل فقال إنه "من شبه المؤكّد أنّ وزيرة العدل لم تخلد للرّاحة هذه الصّائفة فهي مشغولة بالهروب إلى الأمام للتّغطية على فضيحة قائمة الإعفاءات التي تورّطت في إعدادها وتبيّن للجميع أنّ خلفيّتها لا تمتّ بصلة لمكافحة الفساد أو أي أعمال غير مشروعة بل كانت تصفية لحسابات شخصيّة وبخلفيات سياسية واضحة" وفقه.
وأوضح ديلو أنّ "النّشاط الصّيفي لوزيرة العدل أصبح مقتصرًا على اللّهث وراء تكوين ملفّات قضائيّة ضد زملائها القضاة المعفيّين ظلمًا وبهتانًا عساها تشكّل إدانة لهم.. بمفعول رجعي، فهي لم تنجح في مدّ المحكمة الإدارية بما يؤكد زعمها وجود تتبّعات جزائيّة في حقّهم رغم إمهالها لذلك ممّا كان أساسًا للحكم بتوقيف تنفيذ القرار الجائر بإعفائهم".
سمير ديلو: ابتدعت وزيرة العدل إجراءً قضائيًا غير مسبوق هو تكوين ملف إدانة بعد صدور الحكم لصالح المعنيّ به
"وبدل الانصياع لقرار قضائي نهائي لا يقبل أيّ وجه من أوجه الطّعن، اختارت الوزيرة الدّفاع المستميت عن قرار تبيّن للجميع (داخل البلاد وخارجها) أنّه قرار جائر.. وعمدت إلى الاستقواء على القضاة المحكوم لصالحهم بوسائل فجّة من قبيل خلع مكاتبهم وتغيير أقفالها والعبث بملفّاتهم ممّا أثار احتجاجات المحامين وعطّل مصالح المتقاضين كما أكّدته بلاغات جهات قضائيّة رسميّة خلافًا للمزاعم التي تضمّنهاالبلاغ الأخير -الغريب- لوزيرة العدل" وفق سمير ديلو.
وقال ديلو: "ليس أغرب من بلاغات الوزيرة الحريصة جدّا على المحاسبة، إلاّ جُرأتها غير المسبوقة على تحدّي القرار القضائي وابتداع إجراء قضائيّ غير مسبوق هو: تكوين ملفّ إدانة بعد صدور الحكم لصالح المعنيّ به! وهو ما تقترفه ضدّ الـ 49 قاضيًا الذين أنصفتهم المحكمة الإداريّة فأصرّت على مداواة جريمة التّلفيق بجريمة عدم تنفيذ حكم قضائيّ واجب التّنفيذ"، على حد تعبيره.
وقد دوّن القاضي عفيف الجعيدي، من جانبه أنّ "وزيرة العدل قالت إنّ لديها 109 ملفات جزائي في الفساد والإرهاب في حق المعفيين، ونذكرها أنها ادعت سابقًا أن الإعفاءات استندت لملفات جاهزة، ولما طالبتها المحكمة الإدارية بحجتها صمتت. نقول لها اليوم: ما دمت قد أصدرت بلاغًا بكلام عام لمَ لا تذكرين الوقائع تفصيليًا للمائة وتسعة ملفًا؟".
عفيف الجعيدي: ادعت وزيرة العدل سابقًا أن الإعفاءات استندت لملفات جاهزة لكنها في أغلبها شكايات مجردة تم البحث فيها سابقًا ولم يثبت ما تتضمنه
وتابع الجعيدي: "طبعًا لن تذكر الوقائع لأن الأبحاث المتحدث عنها في أغلبها استندت لبطاقات أمنية، تدوينات فيسبوك، شكايات مجردة تم البحث فيها سابقًا ولم يثبت ما تتضمنه".
وقد أكد القاضي والرئيس السابق والشرفي لجمعية القضاة التونسيين أحمد الرحموني، أنه "شيء غريب ألا يعلق رئيس الجمهورية على تصرفات وزيرة العدل وأن لا تترتب أية نتائج عن القرارات التي صدرت عن المحكمة الإدارية بإيقاف تنفيذ الإعفاءات الظالمة وأن يترك للوزيرة النافذة الحبل على الغارب لتتبع قضاة استردوا صفاتهم بقوة القانون وكان من الأجدر الاعتذار لهم للأضرار التي لحقت بسمعتهم وعائلاتهم".
واعتبر المحامي فوزي المعلاوي، بدوره أنّ وزيرة العدل ببلاغها الأخير، "تقر صراحة أنه تم عزل القضاة في غياب ملفات، ثم سعت في تكوين ملفات لهم بداية من 1 جوان/ يونيو 2022 (كما ورد في البلاغ) أي بعد صدور أمر الإعفاء".
فوزي المعلاوي: وزيرة العدل أقرّت صراحة أنه تم عزل القضاة في غياب ملفات، ثم سعت في تكوين ملفات لهم بعد صدور أمر الإعفاء
وقال المعلاوي: "تمت معاينة البلاغ بمقتضى محضر رسمي، وسيتم الإدلاء به لكل الجهات المخولة قانونًا وغير المخولة، كدليل قاطع على مظلمة الإعفاءات، وحجة على زيف خرافة (بعد تمحيص الملفات بكل دقة والتثبت من أكثر من جهة)، وإثباتًا للأسلوب المرتجل والكيدي في تكوين ملفات جزائية من عدم، تضليلًا وتنكيلًا وهروبًا من تحمل مسؤولية عن المظالم المسلطة على الأغلبية الساحقة للقضاة المشمولين بأمر الإعفاء" وفقه.
وتفاعل الناشط السياسي أنور القوصري من جهته مع بلاغ وزارة العدل، فقال إنه "بيان فضيحة، سيبقى خالدًا في تاريخها، وهو يتعلق بقرارها مزيد الهروب إلى الأمام على الطريقة البلطجية الفاسدة في ملف القضاة المعفيين بدون وجه حق، عوض احترام مقتضيات دولة القانون والمؤسسات، وتنفيذ قرار المحكمة الإدارية القاضي بعدم التعرض بلطجيًا للقضاة المعفيين للرجوع لتحمل مسؤولياتهم طبق القانون" وفق تأكيده.
أنور القوصري: هل شرعت وزارة العدل في تكوين ملفات لتلفيق تهم للقضاة المعزولين بعد قرارات الإعفاء؟ عندئذ تكون الوزارة قد خرقت القانون وغالطت الرأي العام
واعتبر القوصري أنّ "الوزارة ادعت في بيانها مرة أخرى أن هناك ملفات جزائية ضدهم لمغالطة المواطنين، والحال أنها لم تقل في بيانها التضليلي للرأي العام ما هي هذه الملفات؟ وخصوصًا متى إحالتها على القضاء إن وجدت. وخصوصًا، هل كانت الملفات موجودة قبل قرارات الإعفاء وهل كانت أحيلت على القضاء قبلها؟".
وتساءل القوصري: "هل شرعت الوزارة في تكوينها لتلفيق تهم لهم بعد قرارات الإعفاء؟ عندئذ تكون الوزارة قد خرقت القانون وغالطت الرأي العام لأنها اتخذت قرارات إعفاء بدون ملفات وكذبت على الرأي العام، وأعفت قضاة بدون وجه حق، وبسبب سياسي مبتذل، أصبح يعلمه الخاص والعام، ثم بعدئذ عملت على تلفيق ملفات ضدهم لمغالطة الرأي العام مرة أخرى" وفق تأكيده.
وكانت وزارة العدل التونسية، قد أعلنت مساء السبت 20 أوت/أغسطس 2022، أنه قد تمت إثارة التتبعات الجزائية ضد القضاة المعفيين في تونس، "وذلك عملاً بأحكام المرسوم عدد 35 لسنة 2022 المؤرخ في 1 جوان/يونيو 2022، وقد تعهدت النيابة العمومية المختصة بالملفات (109 ملفات) وأذنت بإحالة عدد مهم منها على الأقطاب القضائية المختصة في الجرائم الإرهابية والفساد المالي، وفقها.
وتم كذلك، وفق ذات البيان، "فتح أبحاث تحقيقية في الغرض من أجل عدة جرائم كالفساد المالي والرشوة وغسيل الأموال والجرائم الاقتصادية والديوانية بالإضافة إلى جرائم ذات صبغة إرهابية كالتستر على تنظيم إرهابي وتعطيل الإجراءات والانحراف بها وجرائم أخرى كمساعدة شخص على التفصي من تفتيش السلطة العمومية وإخفاء ما تثبت به الجريمة والتفريط في وسائل الإثبات الجنائي وغيرها من الجرائم المتمثلة في التدليس واستغلال خصائص الوظيف والإضرار بالإدارة وجرائم التحرش الجنسي ومخالفة القوانين المنظمة للأسلحة والذخيرة".