11-أكتوبر-2022
تتعدد البرامج الدينية خاصة على التلفزيون العمومي التونسي وتلقى في مناسبات عدة انتقادات لمحتواها

تتعدد البرامج الدينية خاصة على التلفزيون العمومي التونسي وتلقى في مناسبات عدة انتقادات لمحتواها

 

بثت التلفزة الوطنية (التلفزيون العمومي في تونس)، مؤخرًا برنامجًا دينيًا خاصًا بالمولد النبوي الشريف وقد أثار تداول رجل دين لحديث مغلوط منسوب للرسول محمد جدلًا واسعًا وانتقادًا لاذعًا من قبل العديد من المهتمين بشؤون الدين. وقال الإمام في البرنامج الديني "جاء أعرابي لرسول الله فقال له أنت نبي..قال رسول الله نعم..فقال له الأعرابي لن أؤمن بك حتى يشهد لك هذا الضب.. فقال رسول الله أتؤمن إذا شهد الضب بذلك..قال الأعرابي نعم أؤمن.. فقال الرسول أيها الضب من أنا.. فنطق الضب بلسان فصيح وقال أنت رسول الله". 

يُطرح أكثر من تساؤل حول الخطاب الديني في تونس وما يُقدم في البرامج الدينية على التلفزيون العمومي

حديث مغلوط بث في وسيلة إعلام عمومية تمثل مصدر استقاء شريحة كبيرة من التونسيين لمعالم الدين وأصوله وتعتبر عمودًا من أعمدة التنشئة الدينية السليمة لمكافحة الجهل والتطرف والفتاوى المتشددة. ورغم حملة الانتقادات الواسعة التي طالت مضمون الحلقة الدينية المذكورة لم تبادر التلفزة الوطنية بتصحيح الخطأ ولا بالاعتذار للمشاهدين وهو ما يطرح أكثر من تساؤل حول الخطاب الديني في تونس ودور وزارة الشؤون الدينية في مراقبة البرامج الدينية خاصة فيما يتعلق بالأحاديث والخطابات والوقوف على تداعياتها ومآلها ومدى تأثيرها في المتلقي.

 

 

  • التثبت من صحة الأحاديث واجب ديني

يرى الباحث في الحضارة والإسلاميات غفران الحسايني أنه "من واجب الإمام أو الداعية أو المتكلم باسم الدين أن يتثبت جيدًا في صحة الأحاديث التي ينقلها عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويعتمد خاصة الأحاديث الصحيحة التي نقلت عن العدل الضابط الثقة عن مثله وصولاً إلى النبي محمد ويعتمد كتب الصحاح الموثوقة وفي ذلك تحر وهو واجب شرعي وكان من عادة العلماء التثبت في صحة الأحاديث التي يتداولونها، حتى الإمام مالك كان يتثبت في صحة الأحاديث التي نقلها في الموطأ"، مشيرًا إلى أنه إذا كان الحديث مغلوطًا أو موضوعًا أو مقطوع السند أو لا يعرف له أصل فإنه سيتضمن كلامًا لا يقبله منطق ولا عقل ويناقض النصوص الشرعية.

الباحث في الحضارة والإسلاميات غفران الحسايني:  "من واجب الإمام أو الداعية أو المتكلم باسم الدين أن يتثبت جيدًا في صحة الأحاديث التي ينقلها"

وقال الحسايني في حديثه لـ"ألترا تونس" أنه من الضروري أن يكون للنبي معجزات لكن يجب اعتماد أحاديث موثوقة وصحيحة منقولة عن الصحابة والعلماء الموثوقين، مبينًا أن الحديث المعتمد المتعلق بالضب نقله القاضي عياض في كتاب الشفاء عن رجل اسمه ابن حماد كان رجلًا عابدًا لكنه لم يكن عالمًا وأنكره الكثير من العلماء بما فيهم ابن عساكر في القرن السادس للهجرة، فقال هذا حديث لا يعرف رجاله وهو من غريب الحديث.

كما لفت المتحدث إلى أن معجزات النبي تأخذ من القرآن ومن الأحاديث الصحيحة وما أجمعت عليه الأمة، مبينًا أن إنكار هذا الحديث ليس لأن النبي ليست له معجزات أو كرامات بل لأن الحديث مغلوط ويدخل على قلوب الناس الشك في أمور الدين خاصة وأننا في عصر تطورت فيه العلوم والمعارف وأصبح الناس يميلون إلى اعتماد العقل في فهم النصوص الدينية بعيدًا عن الغرائبية والعجائبية، "حتى وإن كانت هناك معجزة أو كرامة فيجب أن تكون بإسناد صحيح منقولة عن الصحابة وصححها علماء الحديث" وفقه.

باحث في الحضارة والإسلاميات لـ"الترا تونس": من واجب الأئمة والدعاة والمهتمين بالشأن الديني ألا يغفلوا عن دعوة الشرع إلى العقل والفكر والعلم لأن ذلك غير مناقض للدين بل من جوهره

وتابع الباحث في الحضارة والإسلاميات حديثه لـ"الترا تونس" "هذا الكلام لا يتناقض مع العقل وقد دعا القرآن إلى اعتماد العقل وتعقل الأشياء سواء في الأمور العادية أو الدينية لذلك نجد العديد من الآيات "أفلا يعقلون" "أفلا تعقلون" "أفلا يتفكرون" كما أمرنا بالتفكر وإعمال العقل ومن واجب أئمة المساجد والدعاة والمهتمين بالشأن الديني ألا يغفلوا عن دعوة الشرع إلى العقل والفكر والعلم لأن ذلك غير مناقض للدين بل من جوهره ولا يتناقض مع إيماننا بالمعجزات".

كما ختم المتحدث بالتأكيد أن الخطأ يمكن أن يكون موجودًا لكن أغلب الأئمة يبحثون ويتحرون عن الحقيقة ويبحثون وسط التراث عن الأحاديث الموثوقة داعيًا الأئمة إلى الاجتهاد في هذا الباب وفي ذلك خدمة للخطاب الديني لتنقيته من الأحاديث الضعيفة والموضوعة من خلال الكتب الصحيحة.

 

 

  • الخطاب الديني في تونس

يعتبر تغييب العلماء عن المنابر الإعلامية التونسية من أبرز أسباب ضعف الخطاب الديني في تونس، وقد اعتبر الباحث في علم الاجتماع سامي براهم أن أكبر معضلة للخطاب الديني في تونس هي غياب المرجعية في علاقة بالخطاب الديني والمضامين الدينية والخطاب المنبري في المساجد والخطاب الدعوي في المجتمع المدني وكذلك في الإعلام وأن وزارة الشؤون الدينية والجامعة الزيتونية وبعض الهيئات الأخرى لا تمثل مرجعًا وليست حاضرة في ضمير عموم التونسيين كمرجع لتأطير الخطاب الديني.

الباحث في علم الاجتماع سامي براهم لـ"الترا تونس": أكبر معضلة للخطاب الديني في تونس هي غياب المرجعية، وزارة الشؤون الدينية والجامعة الزيتونية وبعض الهيئات الأخرى لا تمثل مرجعًا وليست حاضرة في ضمير عموم التونسيين كمرجع لتأطير الخطاب الديني

وبيّن براهم، في حديثه لـ"الترا تونس" أن وزارة الشؤون الدينية تقوم بندوات من حين لآخر كذلك الكلية الزيتونية تقوم بندوات وتدرس الطلبة لكن كل ذلك غير موجه لترشيد الخطاب الديني وحتى الجامعيين الذين يمثلون جهة مرجعية غير حاضرين كجهة مرجعية والدليل على ذلك هو عدم تصحيح ما قيل في التلفزة الوطنية يوم المولد النبوي الشريف من قبل الجهات الرسمية إلا بمحاولات فردية من قبل بعض الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما يطرح سؤالًا خطيرًا حول الجهة المرجعية هل أنها غير جاهزة أو غير مهيأة للقيام بهذا الدور أو متخلية عنه أو لم يسند لها".

 

 

وقال براهم إنه طرح هذا السؤال لأن المسألة أكبر من أن إمامًا تلفظ بكلام يمكن أن يؤثر على المتلقي بطريقة تشوش على نظرته للدين وللحقيقة الدينية وإدخال الخرافة في الدين بل الأمر يتعلق بما يمكن فعله أمام الظاهرة الإرهابية، مضيفًا "اشتغلت منذ سنة 2012 حول تهيئة الأئمة لمكافحة التطرف العنيف والإرهاب، وجدنا أن الأئمة غير مهيئين وليس لهم العدة المعرفية والحوارية لمواجهة ظاهرة التطرف والتطرف العنيف.. قمنا بدورات تكوينية لتأطير الأئمة في مركز تونس للإسلام والديمقراطية وكانت وزارة الشؤون الدينية شريكة.. نحن نعيش اليوم في فراغ من حيث المرجعية الدينية يمكن أن تملأه أي جهة غير مراقبة.. اليوم الخطاب الديني الوافد السلفي والشيعي والصوفي والطرقي وغيرهم بصدد ملء الفراغ الموجود وهذا هو الخطر.. الخطر ليس أن إمامًا أخطأ وكان بالإمكان تصحيح الخطأ، هو لم يرتكب جريمة، ليس متعمدًا وليس له قصد للتشويش على عقائد الناس.. كان يمكن للمسألة أن تمر عرضية لكن الفراغ وتأخر الجهة المرجعية عن الإدلاء برأيها هو الذي جعل مواقع التواصل الاجتماعي تشتعل".

باحث في علم الاجتماع لـ"الترا تونس": نعيش اليوم في فراغ من حيث المرجعية الدينية يمكن أن تملأه أي جهة غير مراقبة..الخطاب الديني الوافد السلفي والشيعي والصوفي والطرقي وغيرها بصدد ملء الفراغ وهذا هو الخطر

وتساءل سامي براهم "من رشح هذا الإمام ليقوم بهذا الدور في القناة الوطنية وفي يوم مقدس لدى المسلمين، هل أن وزارة الشؤون الدينية خالية من الأساتذة المتخصصين في الحديث، هل الجامعة الزيتونية خالية من الدكاترة والباحثين.." كما اعتبر أن المسألة ليست مقتصرة على الخطاب الديني بل جميع القضايا الراهنة الحارقة المطروحة في البلاد يقوم بتحليلها من ليسوا من أهل الاختصاص والإعلام يستضيف دائمًا غير المتخصصين.

كما لفت المتحدث إلى أن الساحة الدينية في تونس قائمة على التنوع غير المثري وكل فرقة تفسق وتبدع الفرقة الأخرى وتعتبر أنها هي الفرقة الناجية التي تحقق حقيقة الدين وهذا خطر على البلاد في غياب جهة مرجعية مع العلم أن الجهة المرجعية لن تقول الحقيقة الدينية بل ستقدم المعطى الصحيح الذي يمكن أن نبني عليه آراءنا، مشيرًا إلى وجود حالة فراغ وفقر في المضمون الديني الذي يكتسي طابعًا قائمًا على معطيات ثابتة وموثوقة.

وجزم المتحدث بأن الصراع داخل الساحة الدينية ينذر بالخطر على مستقبل البلاد خاصة وأننا مقبلون على انتخابات يصوت فيها على الأفراد وبالتالي يمكن أن تتسرب للبرلمان كل هذه النزعات الدينية.

الباحث في علم الاجتماع سامي براهم: دار الإفتاء غائبة تمامًا ووضع وزارة الشؤون الدينية في تونس هش وقد أصبح هامش حركتها محدودًا

وانتقد الباحث غياب دار الإفتاء غيابًا تامًا وهشاشة وضع وزارة الشؤون الدينية التي أصبح هامش حركتها محدودًا وغير قادرة حتى في وجود إرادة على مواجهة هذه التحديات، مبينًا أن الخطأ الذي ارتكبه الإمام في روايته لحديث مغلوط كشف لنا حقيقة الساحة الدينية في تونس.

جدير بالذكر أن الخطاب الديني كان طوال السنوات العشر الأخيرة محور بحث العديد من المفكرين ومحل جدل خاصة في الفترات التي صعد فيها الخطاب الديني المتشدد وهو ما دفع بالعديد من التونسيين إلى التنبيه لخطورته والدعوة لخطاب ديني معتدل يؤثر في سلوك التونسي نحو الأفضل ويقطع مع خطابات التطرف التي تخدم التيارات المتشددة.