"صفاقس تختنق" و"صفاقس ليست مصبًا" و"تخنقنا"، وغيرها من الشعارات التي بات يرفعها أهالي صفاقس بصفة يومية ومنذ أكثر من 40 يومًا منذ انطلاق أزمة النفايات بالمنطقة. ولا يزال سكان الجهة وممثلو المجتمع المدني يحتجون على تردي الأوضاع البيئية في المدينة نتيجة تكدس النفايات إثر الغلق الفجئي للمصب المراقب بمنطقة القنة من معتمدية عقارب بولاية صفاقس. وقد طالب السكان جميع هياكل الدولة بالتدخل العاجل لرفع الفضلات المكدسة بشوارع مدينة صفاقس وأنهجها منذ أكثر من شهر.
اقرأ/ي أيضًا: رئيس بلدية صفاقس: الوضعية البيئية كارثية بالجهة وأطالب وزيرة البيئة بجلسة آنية
منع الشاحنات من الوصول إلى مصب النفايات بعقارب أدى إلى تكدس الفضلات في جميع أنحاء صفاقس منذ أكثر من شهر دون رفعها نهائيًا وسط دعوات إلى توفير مصب لهذه النفايات وعدم فتح مصب عقارب من جديد
انطلقت الأزمة عندما قررت الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، غلق المصب ليوم أو يومين من أجل القيام بإصلاحات، لكنها تفاجأت برفض أهالي الجهة والمجتمع المدني بإعادة فتح المصب، وتعمّدوا منع الشاحنات من الدخول إليه لكب النفايات كما جرت العادة. كما رفض أهالي الجهة مواصلة صبّ النفايات فيه بسبب الغازات المنبعثة منه على مسافة تتجاوز كيلومترات لتصل إلى الأحياء السكنية بمركز المدينة وعدّة مدن أخرى، وقد طالبوا بتنفيذ قرار غلق المصبّ الذي كان من المقرر تنفيذه أواخر سنة 2021 وإيجاد مكان بديل له.
إنّ منع الشاحنات من الوصول إلى مصب النفايات بعقارب، قد أدى إلى تكدس النفايات في جميع أنحاء صفاقس منذ أكثر من شهر دون رفعها نهائيًا. وقد تكدست في جميع الشوارع الرئيسة للمدينة والأنهج الفرعية وأمام المدارس والمستشفيات، فارتفعت منذ مدة نداءات الاستغاثة من الجمعيات البيئية والمجتمع المدني والأهالي لمطالبة سلطة الإشراف بتوفير مصب لهذه النفايات وعدم فتح مصب عقارب من جديد.
في المقابل، نفذ أهالي منطقة المحرس غرّة هذا الشهر وقفة احتجاجية، للتعبير عن رفضهم تحويل منطقة هنشير زروق إلى مصب لنفايات بلديات صفاقس. ووفق المكلفة بالإعلام في تنسيقية المحرس فاطمة بوزكري فقد بيّنت لـ"الترا تونس" أنّ المحتجين بالجهة يرفضون تحويل الجهة إلى مصب جديد للنفايات. منبهين إلى الأضرار التي ستلحق بسكان المنطقة وبالقطاع الفلاحي، خاصة وأنّ الجهة معروفة بالعمل الفلاحي وبشساعة أراضي الزيتون، علاوة على تلوث المناخ بصفة عامة. مضيفة أنّ فكرة إنشاء مصبّ بالجهة هي فكرة قديمة طُرحت منذ أكثر من سنتين لتخصيص مكان بجهة المحرس ليكون مكبًا جديدًا للنفايات، لكن الأهالي سبق وأكدوا رفضهم أن تكون جهتهم بديلًا لإنشاء مكبّ نفايات".
وراسلت شبكة تونس الخضراء من جهتها، رئيس الجمهورية قيس سعيّد لتؤكد على تدهور منظومة التصرّف في النفايات خلال العشرية الأخيرة مما جعل البلاد تعيش على وقع أزمات متعاقبة مثّلت تهديدًا للوضع الصحي والاجتماعي للمواطنين، وعدم تطوير التقنيات المعتمدة على مستوى الجمع والمعالجة. إذ بقيت آليات الجمع تقليدية على مستوى أغلب البلديات في ظل نقص الإمكانيات وضعفها.
وبدت البلديات في مأزق كبير في التعامل مع الأزمة، خاصة وأنّ توفير مصبّات للنفايات ليس من مشمولاتها، بل من مشمولات الوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات. وتقتصر مهمة البلديات على رفع الفضلات وكبّها في الأماكن التي تخصصها الوكالة لذلك. ولكنّ غضب الناس كثيرًا ما يوجّه للبلديات التي تُتهم دومًا بالتقصير.
رئيس دائرة المدينة ببلدية صفاقس منير العفاس، أشار من جهته لـ"ألترا تونس" إلى أنّ "جميع المسؤولين بالجهة يبحثون عن حل للأزمة في أسرع وقت، خاصة وأنّ الأهالي باتوا يحتجون بصفة يومية لأنّ الوضع لم يعد يطاق". مضيفًا أنّه تمّ إحداث خلية للأزمة بالجهة تضم مسؤولي البلدية وبعض مكونات المجتمع المدني للبحث عن حلول عاجلة للأزمة.
- تصريحات دون تنفيذ
وقد أكد الرئيس قيس سعيّد بدوره خلال لقائه برئيسة الحكومة نجلاء بودن يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، على ضرورة إيجاد حلّ وقتي لأزمة النفايات بصفاقس في انتظار التوصل إلى حلّ نهائي لمسألة رفع النفايات في كامل الجمهورية، فيما قال المدير العام بالنيابة للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات فيصل بالضيافي، في تصريحات إعلامية غرّة الشهر الحالي، "إنّه سيتم في غضون يومين أو 3 أيام الإعلان عن حلول جذرية لأزمة النفايات بصفاقس الناتجة عن غلق مصب القنة في عقارب ورفض المجتمع المدني بالجهة مواصلة تجميع النفايات بهذا المصب".
المدير العام بالنيابة للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات: الحل الوحيد في صفاقس لأزمة النفايات هو مصب عقارب، لكن الوكالة تفاجأت برفض المجتمع المدني إعادة فتحه وتعمّد منع الشاحنات من الدخول إليه
وتابع بالضيافي أنّ الحلول التي من المنتظر الإعلان عنها ستكون بمشاركة خبراء مختصين في البيئة، مشددًا على أن الحل الوحيد في صفاقس لأزمة النفايات هو مصب عقارب، "لكن الوكالة تفاجأت برفض المجتمع المدني إعادة فتح المصب وتعمّد منع الشاحنات من الدخول إليه" وفقه.
وعلى الرغم من ذلك، ما تزال الأزمة مستمرة والكارثة البيئية تخنق كافة أهالي الجهة. وقد أكدت العديد من المنظمات على ضرورة حلّ الأزمة بصفة عاجلة، إذ أشار المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر لـ"الترا تونس"، أنّ المنتدى سبق ونبّه في بيانه بتاريخ 5 جانفي/ يناير 2021، الدولة التونسية إلى ضرورة إنارة الرأي العام حول الاستراتيجية المزمع اتباعها لاحتواء نفايات صفاقس وتونس الكبرى مع اقتراب الآجال القانونية لغلق مصبّيْ عقارب وبرج شاكير.. لكن كعادتها، تعمل الدولة على تصدير أزمتها إلى المواطنين بخلق صراعات مناطقية وجهوية وفئوية قد تهدد أحيانًا السلم الأهلي" على حد تعبيره.
وأضاف بن عمر أنّ مصب النفايات المنزلية والمشابهة "القنة" أقيم في صفاقس بمعتمدية عقارب سنة 2008 بقرار من المجلس الجهوي، رغم اعتراض بعض المسؤولين المحليين والسكان بحكم قربه لمركز المدينة ومناطق العمران وعلو المكان بما يقارب 126 مترًا عن سطح البحر في حين أن القرية توجد في منخفض، مما يؤدي إلى تجمّع كل الغازات السامة في قلب المدينة والأحواز. وكانت مدة الاستغلال مبرمجة لخمس سنوات، إلا أنها تواصلت إلى ما بعد ذلك إلى حين نجاح حراك "مانيش مصبّ" ميدانيًا وقضائيًا، في فرض إعلان وزارة البيئة إغلاق المصب.
وأوضح المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أنّ أزمة النفايات برزت نتيجة لعدم اتخاذ بلديات المكان إجراءات استباقية تحضيرًا لغلق مصب القنة، "إضافة إلى محاولة الدولة فرض إنشاء مصبّ دون مقبولية مجتمعية في المحرس، وهو ما ولّد حركة مواطنية رافضة. تستمد هذه الحركة مشروعيتها من النتائج الكارثية لمصب القنة وإخلال الدولة بكل تعهداتها".
المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ"الترا تونس": الوضعية في صفاقس تعكس فشل جلّ الخيارات التي وقع اعتمادها في تونس للتصرف في النفايات الصلبة، كما أنّ مختلف السياسات المتبعة في التصرف في النفايات أصبحت قديمة وأثبتت فشلها
كما أضاف رمضان بن عمر أنّ "هذه الوضعية تعكس فشل جلّ الخيارات التي وقع اعتمادها في تونس للتصرف في النفايات الصلبة، كما أنّ مختلف السياسات المتبعة في التصرف في النفايات أصبحت قديمة وأثبتت فشلها، خاصة أنها تقوم على ردم النفايات في المصبّات المراقبة أو على حرقها في المصابات العشوائية. وتؤدي هذه التقنيات إلى روائح كريهة وغازات سامة تتسبّب في أمراض خطيرة وتلوّث التربة والمياه السطحية والجوفية وخسارة جودة الأراضي الفلاحية بسبب عملية الردم بالإضافة إلى التضرر المادي والصحي للمواطنين القاطنين قرب المصبّات".
وبيّن عضو المنتدى من جهة أخرى، أنّ "الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة هي أبرز ضحايا التلوث، لأنها لا تمتلك الإمكانيات المادية أو السياسية للتصدي لهذا التلوث، وهو ما يجعلها في احتجاج دائم دون أن تحقق مطالبها في العيش في بيئة سليمة. ويكرس هذا الأمر الفوارق بين الفئات والجهات في جميع المجالات ليكشف بوضوح قصور المنوال التنموي الذي تم اعتماده في البلاد منذ منتصف الثمانينات من حيث أبعاده الاقتصادية والاجتماعية ووحشيته فيما يتعلق بالجانب البيئي".
المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ"الترا تونس": المنتدى يدعو إلى سياسة طوارئ وطنية لإدارة النفايات المنزلية والصناعية، مع وضع حد لإنتاج النفايات وإنهاء المستودعات غير الخاضعة للرقابة، والفرز، وإعادة التدوير..
وشدّد محدّثنا في تصريحه لـ"الترا تونس"، على أنّ "المنتدى يدعو إلى سياسة طوارئ وطنية لإدارة النفايات المنزلية والصناعية. ويجب على الدولة أولًا تجميع أطنان النفايات التي تتناثر في المنطقة بأكملها ومعالجتها. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تضع إجراءات للحد من إنتاج النفايات، وإنهاء المستودعات غير الخاضعة للرقابة، والفرز، وإعادة التدوير، والتثمين.. كما يشجع المنتدى على اللامركزية في التصرف في النفايات وتحسين ظروف عمل عمّال النظافة والتخلي نهائيًا عن تقنيات الردم في معالجة النفايات الصلبة وبعث وحدات للفرز اليدوي للنفايات في إطار الاقتصاد الاجتماعي التضامني، والانتقال نحو تثمين النفايات في إطار الاقتصاد الدائري" وفقه.
وتبقى نداءات الأهالي وتوصيات المنظمات الحقوقية والبيئية رهينة قرارات عاجلة، وليست مجرّد وعود بحلول وقتية قد تُجدد الأزمة من حين إلى آخر، خاصة أنّ جلّ المنظمات أجمعت على ضرورة تطوير منظومة التصرّف في النفايات ككلّ، وليس فقط في جهة صفاقس.
اقرأ/ي أيضًا:
يستنشقون "الموت".. هل مواطنو عقارب مواطنون من الدرجة الثانية؟
الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس يدعو لتعيين وال على الجهة بصفة عاجلة
التيار الديمقراطي: يجب التدخل العاجل لمنع كارثة بيئية وصحية وشيكة بصفاقس