02-فبراير-2023
اقتصاد فقر بطالة

تتجه الأزمة الاقتصادية والمالية في تونس نحو التعمّق في ظلّ تواصل ضبابية مآل الاتفاق مع صندوق النقد (فتحي بلعيد/ أف.ب)

 

لم تبرح الأزمة الاقتصادية والمالية في تونس مكانها، بل إن كل المؤشرات تحيل إلى مزيد توجهها نحو التعمّق في ظلّ تواصل ضبابية مآل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بخصوص قرض تونس، وما عكسه ذلك على تصنيف تونس الائتماني وتصنيف ودائع عدد من بنوكها الذي سجّل تراجعًا، وصفه مختصون في الاقتصاد بـ"المقلق جدًا".

وفي أول تعليق له على تدني تصنيف تونس الائتماني وتأثير ذلك على وضع البنوك التونسية، كان البنك المركزي التونسي قد قال، في بيان نشره الأربعاء 1 فيفري/شباط 2023، إن مجلس إدارته ناقش "التداعيات المحتملة لهذا التدهور في الترقيم السيادي على الوضع المالي والاقتصادي بشكل عام وخاصة فيما يتعلق بالتأثير السلبي المحتمل على السير العادي لمعاملات التجارة الخارجية التي تقوم بها البنوك التونسية والمتعلقة بوجه خاص بواردات المواد الأساسية".

تتجه الأزمة الاقتصادية والمالية في تونس نحو التعمّق في ظلّ تواصل ضبابية مآل الاتفاق مع صندوق النقد وما عكسه ذلك على تصنيف تونس الائتماني وتصنيف ودائع عدد من بنوكها الذي سجّل تراجعًا وصفه مختصون في الاقتصاد بـ"المقلق جدًا" 

وشدد، في هذا الصدد، على "ضرورة الإيفاء بشكل عاجل بالشروط المسبقة لاستكمال البرنامج الجديد مع صندوق النقد الدولي والتسريع بتفعيل الإصلاحات اللازمة بما يمكن من تصحيح الاختلالات في الميزانية وكذلك الاختلالات الخارجية".

وبخصوص انعكاس ذلك على الوضع المالي داخليًا، ذكر البنك المركزي أنه اطلع على "محصلة المناقشات التي تمخض منها اجتماع هيئة الرقابة الاحترازية الكلية بتاريخ 30 جانفي/يناير 2023 والتي استعرضت تطور المخاطر الاقتصادية الكلية والمالية وشددت على المخاطر ذات الصلة بتكثيف لجوء الخزينة للتمويل الداخلي". 

وذكر أن "الهيئة أشارت إلى أنه في ظل غياب القدرة على تعبئة موارد خارجية، فإن تمويل الميزانية من خلال اللجوء المتزايد للتداين في السوق الداخلية خلال الثلاثي الأول من سنة 2023 قد يؤدي إلى تفاقم الضغوط المسلطة على السيولة وإلى تيسير المقايضات بين مختلف التوظيفات، بما من شأنه تعطيل نشاط الأسواق المصرفية والمالية وسوق التأمينات".

 

 

وفي تعليقه على بيان المركزي، قال المختص في الشأن الاقتصادي آرام بلحاج، الأربعاء 1 فيفري/شباط 2023، إنه "بمثابة تنبيه للحكومة بأن التعويل المتزايد على الاقتراض الداخلي لتمويل الميزانية لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية"، حسب تصوره.

آرام بلحاج: في ظل تأخر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي واستحالة الخروج على الأسواق المالية العالمية نظرًا للترقيم السيادي المتدني لتونس ستكون عملية تعبئة الموارد لتمويل الميزانية صعبة جدًا إن لم نقل شبه مستحيلة

وأضاف، في تدوينة له على صفحته في فيسبوك، أنه "في ظل تأخر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي واستحالة الخروج على الأسواق المالية العالمية نظرًا للترقيم السيادي المتدني، وعزوف بعض البلدان الصديقة للوقوف إلى جانب تونس، مع هذا التنبيه القادم من البنك المركزي، ستكون عملية تعبئة الموارد لتمويل الميزانية صعبة جدًا، إن لم نقل عملية شبه مستحيلة"، وفق تقديره.

وختم بلحاج تدوينته بالقول: "ننتظر إجراءات تقشفية إضافية في الأفق"، على حد تصوره.

 

وهو ذات ما سلطت عليه الضوء وكالة موديز، في تقريرها المتعلق بالبنوك التونسية الصادر الثلاثاء 31 جانفي/يناير 2023، بقولها إن العامل الأساسي في تراجع تصنيفها الائتماني يتمثل في "تواصل حالة عدم اليقين بسبب عدم وجود برنامج تمويل شامل إلى حد الآن، لتلبية الاحتياجات التمويلية الهامة للحكومة التونسية مما يزيد من مخاطر تخلف الدولة عن سداد ديونها".

وتحدثت عن "ظروف التمويل الداخلية والخارجية المشددة"، معتبرة أن "ثقل خدمة الدين العمومي تزيد من مخاطر إعادة التمويل". كما اعتبرت أن "تعامل البنوك التونسية بصفة مباشرة مع رقاع وسندات الخزينة، بما يناهز 57% من الأموال الذاتية في موفى أوت/أغسطس 2022، يجعلها عرضة إلى خطر متزايد يتعلق بالأصول وقدرة الإيفاء بالالتزامات المالية"، وفق تصورها.

وفي تعليقه على ذلك، اعتبر المختص في الشأن الاقتصادي معز الجودي، الأربعاء 1 فيفري/شباط 2023، أن تخفيض تصنيف ودائع أربعة بنوك تونسية من Caa1 إلى Caa2 مثير للقلق.

معز الجودي: تخفيض تصنيف البنوك التونسية مثير للقلق ويدل على أنه بات من المستحيل تقريبًا اللجوء إلى التمويل داخليًا من البنوك مرة أخرى خوفًا من التوجه نحو مخاطر نظامية وهو ما يمثل انسدادًا حقيقيًا

وأضاف، في تدوينة له على صفحته بموقع التواصل فيسبوك، أن ذلك "سيؤدي إلى تثبيط عزيمة هذه البنوك (وغيرها) وتشجيعها على عدم الالتزام أكثر بسندات الخزانة الحكومية".

وأكد الجودي، في ذات السياق، أن "البنوك التونسية تتأثر بمخاطر البلاد التي أصبحت كبيرة"، مشيرًا إلى أن "الدولة التونسية لن تتمكن بذلك من إيجاد أدنى مصدر تمويل لميزانتيها، باستثناء الضرائب".

وتابع قائلًا: "ناهيك عن كون التمويل الخارجي متوقف، بات أيضًا من المستحيل تقريبًا اللجوء إلى التمويل داخليًا من البنوك مرة أخرى خوفًا من التوجه نحو مخاطر نظامية"، وهو ما وصفه الجودي بـ"الانسداد الحقيقي"، وفق ما ورد في نص تدوينته.

 

 

ومن جانبه، قال المختص في الاقتصاد رضا الشكندالي، في تدوينة له الخميس 2 فيفري/شباط 2023، إنه "بعد التصنيف الأخير لتونس من قبل وكالة موديز، فإن تونس في الدرجة 18 من 20 درجة، وهو ما يعني أنه لا تزال سوى رصاصة واحدة إن لم تستغلها تونس فإن مصيرها الإفلاس".

وتابع: "تقول موديز إن الاحتياطي من العملة الصعبة في خزينة البنك المركزي يتآكل وتونس لديها ثلاثة أنواع من الالتزامات: أولًا، ضرورة التزود بالمواد الأساسية وبالأدوية للعائلات التونسية، ثانيًا توريد الطاقة ومواد التجهيز والمواد الأولية اللازمة للإنتاج، وثالثًا تسديد الديون الخارجية". 

رضا الشكندالي: "بعد التصنيف الأخير لتونس من قبل وكالة موديز فإن تونس في الدرجة 18 من 20 درجة، وهو ما يعني أنه لا تزال سوى دجة واحدة تفصلها عن الإفلاس"

واستطرد الشكندالي القول: "إن كنا سنختار التزود بالمواد الأساسية والأدوية للعائلات التونسية كي لا يقع الاحتقان الاجتماعي ونورد مواد التجهيز والمواد الأولية والطاقة كي لا تتوقف آلة الإنتاج ولا تغلق الشركات أبوابها، لن يظلّ لنا ما سنسدد به ديوننا الخارجية وبالتالي تقول موديز إن هناك مخاوفًا كبيرة من احتمال تخلف تونس عن سداد ديونها".

واعتبر أن ما يلزم تونس "هو حصولها مساعدات ثنائية من طرف الدول الشقيقة والصديقة، أو التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي" مستدركًا أن المساعدات الثنائية لا يمكن أن تتحصل عليها تونس إلا بعد موافقة الصندوق".

 

 

وتحدث المختص في الشأن الاقتصادي عن مسألة الاتفاق الذي توصلت إليه تونس مع صندوق النقد على مستوى الخبراء في أكتوبر/تشرين الأول المنقضي وعن تأجيل الاجتماع على مستوى مجلس إدارة الصندوق الذي كان مبرمجًا في ديسمبر/كانون الأول المنقضي إلى أجل غير مسمى. وقال في هذا الصدد: "كانت لدينا فرصة كي نمر في جلسة من جلسات مجلس إدارة الصندوق ونتحصل على الاتفاق النهائي، لكننا أضعنا الكثير من الوقت".

رضا الشكندالي يحذر من "المحظور الاقتصادي وهو مزيد اللجوء إلى الاقتراض الداخلي، وهو ما سيصحّر السيولة في السوق النقدية ويوجهها إلى إنفاق الدولة عوضًا عن تمويل الاستثمار الخاص"

وأرجع ذلك إلى "ازدواجية الخطاب بين رئيسة حكومة لديها برنامج إصلاحات ورئيس جمهورية لديه برنامج آخر وهو الشركات الأهلية والصلح الجزائي"، متابعًا القول إنه "حتى لما ختم الرئيس قانون المالية لسنة 2023 الذي يتضمن الإصلاحات المطلوبة، أثار مسألة التداعيات الاجتماعية للإصلاحات عند زيارة رئيسة الحكومة لدافوس وكأن السلطة التنفيذية ما زالت مترددة ومتقلقة من مضمون الإصلاحات، وهو ما يزيد من إضعاف ثقة صندوق النقد الدولي في جدية الحكومة في تطبيق الإصلاحات المتفق عليها"، حسب تصوره.

ناهيك عن ذلك، اعتبر أن "النتائج الهزيلة للانتخابات التشريعية تجعل من صندوق النقد الدولي يقتنع أكثر أنه ليس بإمكان الرئيس وحكومته أن ينزّلوا الإصلاحات بدون انخراط المنظمات الاجتماعية وخاصة المنظمة الشغيلة في عملية الإصلاح".

ويعتقد الشكندالي أن الفرصة الأخيرة التي تبقى هي "الانخراط في مبادرة، والمبادرة المطروحة على الطاولة هي مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، كي لا نقع في المحظور الاقتصادي وهو مزيد اللجوء إلى الاقتراض الداخلي، وهو ما سيصحّر السيولة في السوق النقدية ويوجهها إلى إنفاق الدولة عوضًا عن تمويل الاستثمار الخاص"، متوقعًا أن تكون "تداعيات ذلك كبيرة جدًا ومنها تراجع الاستثمار الخاص، تراجع النمو الاقتصادي، تزايد معدلات البطالة، تزايد معدلات التضخم المالي إلى مستويات جد مرتفعة والأخطر انهيار النظام النقدي مع احتمال فقدان ثقة المدخرين في قدرة البنوك على المحافظة على مدخراتهم"، حسب تقديراته.

 

 

وتعاني تونس من أزمة مالية وسط صعوبات للوصول إلى قروض خارجية بسبب تأخر التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي حول قرض.

وتعلق تونس آمالها على صندوق النقد الدولي ليمنحها قرضًا ليسعف عجزها المالي، إلا أنّ تأجيله للاجتماع الذي كان مقررًا عقده يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2022 على مستوى مجلسه التنفيذي من أجل النظر في ملف قرض تونس، إلى أجل غير مسمى، خلق نوعًا من الريبة بخصوص توجه الصندوق لمنح هذا القرض من عدمه.

وهو ما دفع وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني إلى الإعلان، في 27 جانفي/يناير 2023، عن تخفيض التصنيف السيادي لتونس من "caa1" إلى "caa2" مع آفاق سلبية.  كما خفضت موديز تصنيفها للبنك المركزي التونسي المسؤول قانونيًا عن المدفوعات المتعلقة بكل سندات الخزينة، إلى "caa2" مع آفاق سلبية. ويعني التصنيف في خانة "Caa2" أن الحكومة التونسية والبنك المركزي معرضين إلى مخاطر عالية على مستوى إمكانية عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية.