11-أبريل-2018

الجدلية الدائمة للجنس بين القانون والأخلاق (getty)

"ممارسات صحية لجسم صحي"، هكذا حاول نيتشه تعريف الجنس تعريفًا شاملًا ومقتضبًا وذلك لتفرع وتعدد الممارسات التي تحمل تسمية ممارسات جنسية إذ يصعب إيجاد تعريف واضح لعبارة "جنس"، ويواصل نيتشه قائلًا "العفة والوعظ هما تحريض علني على الخروج عن الطبيعة". إذ يولي الفيلسوف أهمية كبيرة للنشاط الجنسي البشري حتى أننا نجد أحيانًا اعتذارًا منه للعاهرات اللواتي يقمن بما يرضي الرجال دون خنقهم أو تدميرهم "من خلال روابط الزواج"، على حد تعبيره، بينما يشير سيغموند فرويد من زاوية التحليل النفسي، أن الجنس محرك كل صراعات الحياة النفسية.

تتدخل بعد تشريعات الدول العربية في المسائل الحميمية وذلك في تقييد للحريات الفردية دون أي تبرير

وقد حسمت أغلب دول العالم بأنه ليس على القانون تنظيم المسألة الجنسية عدا وجوب توفر السن والإرادة الحرة للطرفين عمومًا، ذلك أنه يدخل فيما يعتبر من الحريات الفردية التي ليس لأحد التدخل فيها ولا الحد منها، وهي محمية بمساحة شخصية ذات خصوصية مطلقة. ولكن لا تزال بعض الدول العربية تسعى لتقييد هذا النوع من الحريات الفردية والتدخل في خصوصيات دون أي تبرير حتى أن بعض الدول أسست فرق شرطة أخلاقية تطارد الأفراد في غرف نومهم.

ويصعب تحديد موقع القانون التونسي فيما يتعلق بالحريات الفردية وخاصة الحريات الجنسية، حيث أنه من ناحية أولى ينص الدستور على أن "تونس دولة دينها الإسلام"، وإن كان الفصل محل جدل وتأويلات مختلفة، فهو يبقى حجة أغلب المتدينين في كل ما يخالف الشريعة الإسلامية، وذلك في غياب فصل مثل المادة الأولى من الدستور الفرنسي التي تنصّ أن "فرنسا جمهورية علمانية ديمقراطية اجتماعية غير قابلة للتجزئة".

اقرأ/ي أيضًا: التحرّش الجنسي.. المسكوت عنه في تونس

كذلك نجد أن القانون التونسي، في بعض الحالات، يتدخل في المساحة الشخصية للأفراد وينظم أو يدين ممارسات حميمية بين طرفين بالغين كتجريم المثلية الجنسية عبر الفصل 230 من المجلة الجزائية الذي يحدد عقوبة بالسجن لمدة ثلاثة أعوام للواط والمساحقة. ولكن من ناحية ثانية، نجد تكريسًا دستوريًا لحرية الضمير وحماية الحياة الشخصية بالفصلين 6 و24 من دستور 2014، مع عدم تطرق المشرع التونسي لبعض المسائل، وذلك في صمت يمكن فهمه كعدم رغبة في خرق خصوصية الفرد ومساحته الشخصية.

وعند الحديث عن العلاقة الجنسية، نفترض أنها علاقة بين فردين بالغين فغير ذلك مدان من قبل المشرع عبر المجلة الجزائية، وكذلك نفترض وجود رضا من قبل الطرفين فغير ذلك هو اغتصاب أو اعتداء بالفاحشة، وبالطبع علينا أن نفترض كذلك أنها دون أي مقابل وإلا أصبحت خناء وهو جريمة في القانون التونسي.

العلاقة الجنسية بين الزوجين..حق وواجب

لا نجد في القانون التونسي تعريفًا تشريعيًا للزواج، ومقابل هذا الصمت نجد أن فقه القضاء قد عرفه على غرار القرار التعقيبي المدني عدد 13678 المؤرخ في 7 جوان 2007 الذي يعرف الزواج بأنه "عقد يتعايش بمقتضاه رجل وامرأة تحت سقف واحد ليلتقيا عاطفيًا وجنسيًا للمحافظة على الجنس ويمكن القول أن هذا التعريف يتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية".

الزواج هو عقد يتعايش بمقتضاه رجل وامرأة تحت سقف واحد ليلتقيا عاطفيًا وجنسيًا للمحافظة على الجنس ويمكن القول إن هذا التعريف يتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية

وتًعتبر العلاقة الجنسية من الشروط الأساسية لعقد الزواج فقد قضى فقه القضاء التونسي، على النحو الذي أورده قرار استئنافي بتاريخ 11 فيفري 1971، أنّ "العجز الجنسي يلحق ضررًا بالزوجة لمخالفته أحكام الفقرة الأولى من الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية التي تفرض على الزوج اجتناب إلحاق الضرر بالزوجة ومتى تحقق اعتبر سببًا من الأسباب التي يمكنه الاستناد إليها لطلب الطلاق عملاً بالفقرة الأولى من الفصل 31 من نفس المجلة". وكذلك أقر فقه القضاء، في قرار تعقيبي مدني عدد 2523 بتاريخ 1 أكتوبر 2004، أن "تضرر الزوجة من العجز الجنسي لزوجها يخول لها حق طلب التعويض عن ذلك إذا كان ذلك العجز سابقا للزواج وأخفاه عنها الزوج والأمر خلاف ذلك عندما يحصل العجز بعد الزواج فلا مجال للتعويض لأنه أمر لا دخل لإرادة الزوج فيه وهو بلاء تسلط عليه ولا يتحمل وزره مرتين".

وفي الحديث عن العلاقة الجنسية داخل إطار الزواج، يميز القانون التونسي بين شكلين مختلفين وهما العلاقة الجنسية التي يعتبرها القانون غير طبيعية كإكراه الزوجة على إتيانها من دبر أي الجنس الشرجي. إذ أن مثل هاته التصرفات الحميمة تعتبر منفصلة عن كل مفهوم للزواج ويعاقب من أجلها الزوج جزائيًا بتكييفها كجريمة الاعتداء بفعل الفاحشة في صورة إتمام أركان هذه الجريمة، أو جريمة الاغتصاب بعد توسيع مفهوم الجريمة مؤخرًا. وفي المقابل، توجد العلاقة الجنسية الطبيعية أي بإيلاج الذكر بالمكان الطبيعي بغاية المتعة والإنجاب، وتعد هذه العلاقة من جوهر الحياة الزوجية ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون جريمة الاغتصاب وإن تم استعمال العنف، وذلك وفق تيار من القانونيين في تونس والمشرق وهو ما يتعارض مع التوجهات المهيمنة في الدول الغربية.

الزواج لا يحول دون قيام جريمة الاعتداء بالفاحشة بين الزوجين

بخصوص العلاقات الجنسية غير الطبيعية، يشير الأستاذ ساسي بن حليمة أن فقه القضاء الفرنسي اعتبر منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر أن الزوج الذي يجبر زوجته على اتيانها من خلف يعد مرتكبًا لجريمة الاعتداء بفعل الفاحشة "فمثل هذه العلاقات تصبح مكونة لجريمة المفاحشة إذا ما أجبر أحد الزوجين على ذلك بما أن الغاية في هذه الصورة تصبح تلبية رغبة جنسية تخرج عن الغايات الشرعية للزواج".

لم يمنع القضاء التونسي من إمكانية قيام جريمة الاعتداء بالفاحشة بين الزوجين وذلك في صورة إجبار الزوج لزوجته على إتيانها من الدبر

وقد تبنى فقه القضاء التونسي هذا الاتجاه وذلك في قرار تعقيبي عدد 97402 بتاريخ 5 ديسمبر 1996 تتمثل وقائعه، وفق ما يشير الأستاذ بن حليمة في مقالته "الاعتداءات الجنسية بين الزوجين"، بأن الزوجة رفعت شكاية ضد زوجها متهمة إياه بكونه ناولها قرصًا مخدّرُا وقام بالاعتداء عليها بالفاحشة ولما أفاقت صدته عن فعلته إلا إنه أتمها غصبًا وتكررت اعتداءاته عليها، وقد انطلقت الأبحاث أمام المحكمة الابتدائية وتم ختمت الأبحاث بالحفظ. وقد استأنفت الزوجة بوصفها قائمة بالحق الشخصي هذا القرار وأصدرت دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس قرارها بنقض قرار ختم البحث، وتوجيه تهمة الاعتداء بالفاحشة على أنثى بدون رضاها طبق الفصل 228 من المجلة الجزائية على الزوج وإحالته على الدائرة الجنائية، فتعقب الزوج ناعيًا عليه خرق احكام الفصل 228 السابق عرضه بما أن "عقد الزواج يبيح جسد الزوجة لزوجها ولا يشكل فعل الفاحشة غصبًا سوى عنفًا شديدًا، إلا أن محكمة التعقيب رفضت هذا المطعن.

اقرأ/ي أيضًا: تعرف على أهم 10 مجلات قانونية في تونس

وقد اعتبرت المحكمة أن جريمة الاعتداء بالفاحشة "لا تنمحي بوجود عقد زواج بين الفاعل والمتضررة ضرورة ان عقد الزواج يضفي الشرعية على العلاقات الجنسية الطبيعية بين الزوجين دون سواها ولا يؤطر قانونا الشذوذ الجنسي كما انه لا يمكن اعتبار عقد الزواج يمد الزوجة بالسلطة المادية والادبية على جسد زوجته خارج علاقتهما الطبيعية كزوجين"، على النحو الذي تناوله الأستاذ بن حليمة في مقالته التي سبق ذكرها. وبذلك، نجد أن العنصر الأساسي للجريمة هو انعدام رضا الزوجة ذلك أنه في صورة ثبوت رضاها لا تصنف العلاقة كجريمة وذلك على غرار ما يتبيّن من حكم جنائي عدد 990 صادر عن الدائرة الجنائية بابتدائية صفاقس بتاريخ 10 ماي 2003 تعرض إليه بن حليمة كذلك. ونشير اليوم أن الإتيان بالقوة في الدبر بات يمكن تكييفه ضمن جريمة الإغتصاب بعد صدور قانون القضاء على العنف ضد المرأة الذي قدم تعريفًا موسّعا للاغتصاب.

ماذا عن تكييف الاغتصاب في الزواج؟

يقر القانون فعلًا أن العلاقة الجنسية هي الحق الكامل والشرعي للطرفين، وبأنها أحد العناصر الأساسية للزوج ولكن إذا انعدم رضا الزوجة نجد، بتقديري، فراغًا تشريعيًا. وقد ذهب عديد رجال القانون في تونس إلى أنه لا يمكن الجمع بين صفتي الزوج والمرتكب لجريمة الفصل 227 من المجلة الجزائية وذلك بالرغم من استعمال المشرع عبارة مطلقة وهي "كل من واقع أنثى".

يرفض عديد رجال القانون في تونس الجمع بين صفتي الزوج والمغتصب بحيث لا اغتصاب في الزواج وذلك على خلاف تيار آخر يعتبر أن العلاقة الزوجية لا تحول دون قيام جريمة الاغتصاب

ويتحدث الأستاذ ساسي بن حليمة أن المشرع التونسي تبنى مفهومًا لجريمة مواقعة أنثى بدون رضاها "بما هي بالأساس جريمة ضد الشرف وليست مبنية على حماية رضى الأنثى نفسها"، ليرفض تباعًا القول بتكييف جريمة الاغتصاب بين الزوجين، وهو ذات قول عديد رجال القانون في تونس، وكذا في المشرق. كما يأتي الحديث بأن عبارة "أنثى" في نفس التشريعي تعني امرأة نكرة لا تربطها بالجاني أيّة رابطة شرعية، وهو بتقديري التأويل المرجح الذي تبناه المشرع التونسي. ولكن نعتبر كذلك أن فقه القضاء التونسي جرم بصفة مبدئية اغتصاب الزوج، وهو القول الذي يدافع عنه تيار واسع يرفض ما يسميّه "تقنين الاغتصاب"، وإن كان يظلّ، بتقديري، أن العائق الأكبر يكمن في إثبات عدم الرضا.

اقرأ/ي أيضًا: ضحايا الاغتصاب في تونس.. قصص الوجع الدائم

المخادنة وصمت القانون

حيث الحديث عن العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج، فالحديث أساسًا المساكنة الحرة أو المخادنة والتي تم تعريفها بأنها "العلاقة التي تربط بين رجل وامرأة يتعاشران معاشرة الأزواج دون أن تكون لهما نية الزواج بحيث يُبقِي كل طرف على حريته في الزواج". ويتقارب مفهوم الزواج على غير الصيغ القانونية مع المخادنة لوجود عنصر المساكنة في كلا الحالتين وعدم وجود عقد زواج صحيح مبرم بين طرفين غير أنهما يختلفان من الناحيتين المدنية والجزائية بشكل واضح وبديهي، على النحو الذي تبينه الأستاذة ثريا عكاشة في مقالتها بعنوان "المخادنة بين القانون وفقه القضاء".

المخادنة هي العلاقة التي تربط بين رجل وامرأة يتعاشران معاشرة الأزواج دون أن تكون لهما نية الزواج

حيث تبين الأستاذة أنه من الناحية الجزائية يعاقب القانون التونسي على ما يسمى بالزواج على خلاف الصّيغ القانونية صلب الفصل 36 مكرر في قانون الحالة المدنية لسنة 1957 في حين أنه لا وجود لأي نصّ جزائي يجرم المخادنة إلا إذا تعلق الأمر بمواقعة أنثى برضاها سنّها دون العشرين تطبيقا لأحكام الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية، وفق تقديرها.

ومن الناحية المدنية، تكشف أنه لا يترتب على المخادنة أي أثر من الآثار القانونية المترتبة عن الزواج بحيث يعتبر الطفل المولود نتيجة هذه العلاقة ابن زنا و لا يمكنه إثبات نسبه تجاه الأب لأن المخادنة تعتبر علاقة خنائية لا ترتب نسبا حسبما استقر عليه فقه القضاء التونسي، على النحو الذي يبينه القرار التعقيبي عدد 5485 المؤرخ في 25 مارس 1997، إذ "لا يمكن اعتبار لمخادنة زواجًا  على غير الصيغ ذلك أن عنصر تبادل الرضا مفقود في المخادنة التي لا تنشئ سوى علاقة حرّة بين طرفيها ولا يجمع بينهما سوى المساكنة و المعاشرة المستمرة دون أن تكون لهما إرادة صريحة و معلنة على إقامة رابطة شرعية بينهما".

إن الصمت التشريعي حول المخادنة يكشف عن عدم رغبة في إدانة فعل ربّما لا يمكن تصنيفه كجريمة إلا عبر مرجعية دينية وليس عبر مرجعية قانونية بحتة

وتضيف الأستاذة عكاشة في مقالتها أن "هذا الصمت المطبق من طرف المشرع أصبح باعثًا على عدم استقرار فقه القضاء على مفهوم واضح للمخادنة ودفع بالمحاكم التونسية أحيانا غلى اعتماد مفهوم واسع للزواج الباطل ليشمل الخليلين أدى هذا إلى خرق النصوص القانونية"، ومع دخول قانون 1998 المتعلق بالأبناء الطبيعيين حيز النفاذ "أصبح التوسع في مفهوم الزواج الباطل غير مبرر طالما أن هذا القانون يخول إثبات البنوّة الطبيعية وأفردها بأحكام خاصة بها وانتفت بموجبه الأسباب الداعية للتوسع في مفهوم الزواج الباطل".

ويمكن القول ختامًا إن الصمت التشريعي يكشف عن عدم رغبة في إدانة فعل ربّما لا يمكن تصنيفه كجريمة الا عبر مرجعية دينية وليس عبر مرجعية قانونية بحتة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس تؤكد ريادتها في مكافحة الاتجار بالبشر بقانون وهيئة خاصة

هل التونسية ملزمة بالنفقة على أبنائها بعد الطلاق؟