21-أبريل-2018

قطاع بيع الملابس المستعملة يحتاج إلى قانون جديد (فتحي بلعيد/ أف ب)

من منا لم يشتر لباسًا من "الفريب" الذي لا يجلب فقط ضعاف وبسطاء الحال بل حتى ميسوري الحال الباحثين عن الماركات العالمية، لا سيما التي لا تتوفر في السوق المحلية. تجد كلا الفئتين تنبشان في ما تحمله "بالة الفريب" من ملابس، بين باحث عن لباس بخس الثمن وبين باحث عن ماركة عالمية لمواكبة الموضة.

ولكن من منا يعلم بخفايا ومشاكل ذاك القطاع الذي يقبل عليه قرابة 90 في المائة من التونسيين وفق وزارة التجارة. وهل كنا نستهلك ملابس مستعملة دخلت إلى تونس عبر سوق منظمة لا تخلو من المشاكل، أم أتت عبر الحدود في سيارات التهريب.

90 في المائة من التونسيين يقبلون على الفريب ( الملابس المستعملة)

قطاع الملابس المستعملة كثيرًا ما شغل المعنيين وعامة الناس على حدّ السواء. خاصة إذا تواترت أنباء عن الاتجاه نحو منع توريد الملابس المستعملة. تلك الأنباء التي يتداولها المهنيون بتذمر كبير، فيما يتداولها المستهلكون بسخط في شكل فكاهي. "هاشتاغ سيب الفريب"، و"لا للمس من عادات وتقاليد التونسيين"، و"أجمل رياضة في تونس هي الغوص في بالة فريب محلولة جديدة"، وغيرها من التعبيرات التي استعملها الشباب الرافض لفكرة التخلي عن الفريب في تونس.

يذكر أنّ المهنيين رفضوا نهاية 2016 قرار الحكومة المتعلق بإحداث وكالات لتوريد الملابس بهدف مراقبة الواردات. كما تتولى هذه الوكالات توزيع حصص الملابس على تجار الجملة ومصانع فرز الملابس. كما رفضوا سحب حق التوريد منهم.

[[{"fid":"99540","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":339,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

تزود السوق التونسية سنويًا بـ10 آلاف طن من الملابس المستعملة (صورة أرشيفية/ فتحي بلعيد/ أ ف ب)

اقرأ/ي أيضًا: "عساس الليل".. تراجيديات تحت القمر

80 ألف طن سنويًا

تشير وزارة التجارة إلى أنّ السوق التونسية تُزوَد سنويًا بـ10 آلاف طن من الملابس المستعملة، من بين 80 ألف طن تدخل إلى البلاد سنويًا، يذهب أغلبها إلى التصدير إلى دول إفريقية وأوروبية. كما تفيد الوزارة أنّ 90 في المائة من التونسيين يقبلون على شراء الملابس المستعملة، وفق ما كشفه الرئيس الشرفي للمجمع المهني للملابس المستعملة فتحي البزراطي خلال ندوة صحفية انعقدت مؤخرًا. فيما يوجد في تونس 54 مصنعًا لفرز تلك الملابس، ولا تستقبل تلك المصانع أيّ كمية ما لم تكن مرفقة بشهادة تثبت خلوها من أي جراثيم. إذ تتعرض تلك الملابس إلى التعقيم بواسطة غاز يقضي كليًا على الفيروسات ويمنع الأمراض المنقولة.

ووفق بعض التصريحات، يمثل قطاع الملابس المستعملة مورد رزق حوالي 100 ألف عائلة، لكن أغلب المهنيين في قطاع الملابس المستعملة لا يعتبرون تلك الإحصائيات دقيقة لأنّ القطاع غير مهيكل.

ويقول رئيس المجمع المهني للملابس المستعملة بكنفدرالية مؤسسات المواطنة التونسية "كونكت" حمدي كنو لـ"الترا تونس" إن عدد المشتغلين في قطاع الملابس المستعملة يتراوح بين 400 و500 ألف شخص، ولا يمكن حصر عددهم بدقة لأنّهم يعملون دون الحصول على معرّف جبائي "باتيندا". ويوضح كنو أن مطالبهم في الحصول على رخصة أو معرف جبائي ترُفض، وبالتالي يتمّ حرمانهم من الانتفاع بخدمة الضمان الاجتماعي والتأمين على المرض، الأمر الذي يدفعهم إلى الحصول على رخص نقل بضائع أو ملابس جاهزة.

رئيس المجمع المهني للملابس المستعملة لـ"الترا تونس": عدد المشتغلين في قطاع الفريب يتراوح بين 400 و500 ألف شخص

على صعيد آخر، يشير محدّثنا إلى أنّ القطاع الذي وجد منذ 44 سنة في تونس، يحتاج اليوم إلى قانون جديد ينظم المهنة، باعتبار أن المشكل الأساسي هو القانون وليس الإدارة، مضيفًا أنّ القانون القديم الذي نقح وفق مرسوم 2005 يمنع تجار الجملة من التجارة بين مختلف الولايات ويسمح بذلك فقط بين ولايات تونس الكبرى.

ويبيّن أن المطلوب اليوم هو تحرير تبادل تلك السلع بين مختلف الولايات إذ غالبًا ما يتم إيقاف تجار الملابس المستعملة وحجز بضائعهم إذا ثبت اقتناها من ولاية أخرى.

من جهته، يؤكد محمّد، أحد تجار الملابس المستعملة بالجملة، في تصريح لـ"الترا تونس" أنّه كغيره من التجار غالبًا ما تحجز بضاعة اشتراها من ولاية أخرى، مثل ما حصل معه مؤخرًا عندما كان يحمل شحنة من الملابس المستعملة قادمًا بها من القيروان رغم استظهاره بالفواتير التي اشترى بها البضاعة. ويضيف أنّ القانون يسمح بـ9 طن لكل تاجر جملة وهي كمية بسيطة جدًا يستطيع كل تاجر إكمال فرزها في وقت وجيز.

[[{"fid":"99541","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":315,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

يجد أغلب تجار الملابس المستعملة أنفسهم مضطرين لتهريب بضاعتهم (صورة أرشيفية/ فتحي بلعيد/ أ ف ب)

اقرأ/ي أيضًا: الكحل.. صنعة "الخالة مليكة" التي تحدت الماركات العالمية

من التنظيم إلى التهريب..

من جهة أخرى، يشير حمدي كنو إلى أنّ الولاة هم من يمنحون رخص التوزيع التي لا تعطى غالبًا لأصحاب المهنة، بل تباع تلك الرخص لغير مستحقيها. ويضيف أنّ الرخص تعطى لمدّة 6 أشهر فقط وهناك من يحصل عليها في الشهر الثالث، متسائلًا "ماذا سيفعل تاجر الملابس المستعملة باقي السنة؟"، وفق تعبيره.

كما يبرز أنّ أغلبهم يضطرون إلى تهريب الملابس المستعملة من الجزائر كي يتمكنوا من العمل خلال باقي السنة لا سيما وأنّ كل تاجر جملة يقيّد فقط بـ9 طن سنويًا من الملابس المستعملة وهي كمية يتم فرزها في وقت قصير جدًا.

حمدي كنو، رئيس المجمع المهني للملابس المستعملة: أغلب تجار الملابس المستعملة يضطرون لتهريب بضاعتهم

هذا الأمر يؤكده صالح، أحد تجار الملابس المستعملة، الذي يطالب بدوره بالسماح لهم بالتجارة بين الولايات وزيادة الكمية المتحصل عليها من الموزعين.

احتراق مصانع الفريب

يذكر أنّ عدّة مصانع احترقت في الآونة الأخيرة في عدّة جهات وفترات متقاربة. كانت البداية بمصنع القيروان بمنطقة ذراع التمار في 5 ماي/ أيار 2017، ثم احتراق كامل مصنع الكاف بتاريخ 14 سبتمبر/ أيلول 2017، ثم مصنع قابس في 17 سبتمبر/ أيلول 2017.

واحتراق تلك المصانع عمّق مشاكل المهنيين وعمال فرز الملابس المستعملة. فبعض أصحاب تلك المصانع لا يزالون يواجهون تعنت الوزارة ورفض منحهم تراخيص جديدة لاستئناف العمل وفق ما يفيد به لسعد، صاحب مصنع قابس، لـ"الترا تونس".

ويضيف أنّ المصنع كان يشغل 350 عاملًا أصبحوا اليوم عاطلين عن العمل، بل وقدموا شكاوى للطرد التعسفي والمطالبة بحقوقهم رغم أنّه أعاد تجهيز كامل المصنع على عاتقه واعدًا العمال بعودة العمل واستئناف نشاطهم. لكن رغم قيامه بكافة الإجراءات للحصول على ترخيص جديد وتحضير كل ما يلزم قانونيًا وكل ما طلب منه بشهادة عدول التنفيذ، والسماح للمختصين من حرس وديوانة بالقيام بمعاينة وحصوله على موافقتهم بعد التأكد من توفر كافة الشروط في المحلّ للعودة إلى العمل ، إلاّ أنّه إلى اليوم لم يحصل على ترخيص جديد لاستئناف نشاطه.

ويتضح أن قطاع الملابس الجاهزة يحتاج اليوم وبشكل عاجل إلى وضع إطار تشريعي جديد ينظمه والاهتمام به خاصة أنه يساهم في تشغيل آلاف التونسيين وهو متنفس لآلاف التونسيين الذين يجدون فيه ضالتهم للعثورعلى ملابس تناسبهم وتلائم مقدرتهم الشرائية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قصص نباتيين تونسيين في "مجتمع لاحم"..

تونس: الجنس متاح لمن استطاع إلى "اللّوكال" سبيلًا..