تراجعت نسبة التحاليل الإيجابية لفيروس كورونا في تونس إلى قرابة 10% خلال الأسبوع الأخير من شهر مارس/ آذار 2022، مما يؤشر إلى أن الموجة الخامسة التي شهدت فيها البلاد انتشارًا للمتحور "أوميكرون" سريع الانتشار، قد شارفت على الانتهاء، يدعم ذلك تصريحات المختصين في المجال الطبي وسلوك المواطن التونسي الذي بدأ يتخلى بشكل ملحوظ عن الوسائل الوقائية كلبس الكمامة في الأماكن المغلقة أو اشتراط تقديم جواز تلقيح صحي عند دخول الأماكن العامة.
أمين سليم (عضو باللجنة العلمية) لـ"الترا تونس": فيروس كورونا وفق التطور الطبيعي، ذاهب إلى الزوال مع نهاية هذا العام، وهو ما يتفق حوله تقريبًا عديد الخبراء والمنظمة العالمية للصحة
انخفاض عدد حالات العدوى ومضيّ التونسيين في استعادة نسق الحياة الطبيعية، دفعنا إلى طرح سؤال على المختصين في الشأن الصحي: هل أن جائحة كورونا انتهت أم لا؟ لكن الأهم من هذا، ما هي مجالات الاستفادة من دروس هذه الجائحة، وما الذي يجب مراجعته؟
الدكتور أمين سليم عضو اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا لم يكن مباشرًا في إجابته عن سؤال "الترا تونس"، غير أنه تحدث عن الهدف القريب وهو النزول بحالات العدوى إلى ما دون الـ10%، وهو ما يعني أن الموجة الخامسة قد انتهت، مشيرًا في المقابل إلى وجود موجات في عدد من البلدان الأوروبية مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا لأنهم خفّضوا من البروتوكول الصحي بشكل سريع، وعادوا إلى العيش بطريقة عادية، كما أن الصين تعرف أيضًا تصاعد عدد الإصابات وهو ما يتطلب اليقظة حتى نتجنب موجة سادسة، ملاحظًا أن الفيروس وفق التطور الطبيعي، ذاهب إلى الزوال مع نهاية هذا العام وهو ما يتفق حوله تقريبًا عديد الخبراء والمنظمة العالمية للصحة.
وأحدثت اللجنة العملية لمجابهة فيروس كورونا في الخامس من مارس/ آذار سنة 2020، لتتولّى متابعة تطور انتشار فيروس كورونا، وتقديم خطط للحد من انتشار الوباء، وتم بعد ذلك تكوين لجنة وطنية لتنسيق ومتابعة برامج مقاومة فيروس كوفيد 19، تتولى تقييم ومتابعة الخطة الوطنية وتقديم المقترحات علميًا واتصاليًا.
من جهة أخرى، قالت الدكتورة سمر صمود المختصة في علم المناعة لـ"الترا تونس"، إن التشخيص العلمي يبيّن أن تونس تعرف منحنى ضعيف، لكن الحديث عن إمكانية موجة أخرى، هو غير معلوم إلى حد الآن، "قد يكون ذلك في شهر ماي/ أيار القادم، لكن لا أحد يمكن أن يحدد ما يمكن أن يحصل في علاقة بفيروس كورونا". صمود أشارت إلى أربعة سيناريوهات محتملة أولها وجود متحور في نفس أو أقل سرعة وشراسة من "أوميكرون" مع تواصل نجاعة التلقيح، وهو السيناريو الأكثر تفاؤلًا وهو ما يعني أن تأتي موجة أخرى وتفرز حالات قليلة من حيث الخطورة في حالة مشابهة موجات النزلة لموسمية.
سمر صمود (مختصة في علم المناعة) لـ"الترا تونس": 4 سيناريوهات محتملة لمستقبل جائحة كورونا في تونس، أكثر تفاؤلًا، وجود متحور في نفس أو أقل سرعة وشراسة من "أوميكرون" مع تواصل نجاعة التلقيح
أما السيناريو الثاني، فيتمثّل في أن يكون المتحور في سرعة وخطورة "أوميكرون" في مقابل تراجع فاعلية التلقيح بعد مدة، وهو سيناريو أكثر خطورة خاصة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون هشاشة صحية، وهو ما يستوجب تقديم جرعة إضافية من التلقيح وهو السيناريو الأقرب إلى الواقع، وفقها. أما السيناريو الثالث فهو أن تكون لدينا سرعة انتشار لـ"أوميكرون" و"هروب مناعي"، وهو ما يتطلب تقديم جرعات تعزيز المناعة للجميع تقريبًا. ويبقى السيناريو الأكثر خطورة تضعه الدراسات العلمية كفرضية قائمة، وهو أن يملك متحوّر، سرعة وشراسة أكثر من "أوميكرون"، في مقابل هروب مناعي وهو ما يعيدنا ربما إلى نقطة الصفر، وهو أقل السيناريوهات واقعية.
ويبدو أن الاتفاق حاصل على أن فيروس كورونا بمتحوراته المتعددة لم ينته، لكن فرضية زواله تبدو واقعية بنهاية السنة الحالية دون الجزم بذلك علميًا، وتمكنت تونس من تحقيق أرقام محترمة على مستوى عدد الملقحين بجرعتين، بلغ أكثر من أربعة ملايين وخمسمائة ألف مواطن، غير أن الأرقام حول الجرعة الثالثة غير مشجعة، مما قد يدفع السلطات التونسية إلى القيام بحملات مكثفة خلال شهر رمضان، يشار إلى أنّ الجائحة خلّفت إلى حد الآن أكثر من ثمانية وعشرين ألف وفاة.
سمر صمود (مختصة في علم المناعة) لـ"الترا تونس": السيناريو الأكثر خطورة، هو أن يملك متحوّر سرعة وشراسة أكثر من "أوميكرون"، في مقابل هروب مناعي وهو ما يعيدنا ربما إلى نقطة الصفر، وهو أقل السيناريوهات واقعية
الصحة والسيادة
وبعد مرور عامين تقريبًا على دخول العالم في صراع يومي مع فيروس تسبب في العديد من المآسي، منها ما جدّ في تونس في صيف 2021، حيث ارتفعت حالات العدوى بشكل قياسي في غياب التلقيح، يبدو المجال متاحًا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لتقييم دروس الكورونا، الدكتورة سمر صمود المختصة في علم المناعة اعتبرت أن الجائحة مكّنت من تقدم علمي غير مسبوق للبشرية جمعاء، كما أنها أعادت القيمة للسيادة الدوائية ومنها منح تونس وغيرها من الدول الأقل تطورًا، إمكانية صناعة التلقيح، وهي تقنية تتجاوز التعامل مع الفيروسات لتشمل أدوية الأمراض السرطانية، وهو مستقبل الأدوية الجديدة، مجتمعيا، اعتبرت صمود أن تجربة جائحة كورونا لم ترسّخ وعيًا وقائيًا لدى المواطن التونسي، لكنها ربطت صلة مباشرة بينه وبين واختصاصات طبية لم يكن ليكتشفها لولا الجائحة مثل طب المناعة.
وطالبت صمود في هذا الإطار بوضع سياسة وقائية تكون بمثابة سياسة دولة، مع إعادة تأهيل أقسام الاستعجالي الطبية لمجابهة الأزمات الصحية بالاعتماد على نظم معلوماتية ورقمية تكرّس الشفافية وتدعم الثقة بين القطاع الصحي والمواطن.
وصرّح الدكتور سهيل العلويني، الرئيس السابق للجنة الصحة في مجلس نواب الشعب من جهته، لـ"الترا تونس"، أن فرضية التعامل مع وضعيات مشابهة في المستقبل نتيجة وجود فيروسات أو متحورات أخرى تبقى ورادة وبقوة، وهو راجع بالأساس إلى انتهاك الإنسان للمجالات التي تعيش فيها الحيوانات، وتدميره للفضاء البيئي، وبالتالي يجب دائمًا التحضير لمواجهة الطوارئ الصحية والبيئية، مضيفًا أن تجربة جائحة كورونا، قدمت إلى الواجهة أهمية دور قطاع الصحة العمومية في مواجهة حالات الطوارئ الصحية وهو ما يتوجب دعمه ماديًا وهيكليًا لأن النظام الصحي الحالي غير قادر عمليًا على مواجهة الأزمات. العلويني أشار إلى أهمية إعادة النظر في برنامج للتغطية الصحية العمومية الشاملة بما أن أغلب الناس لجأت أثناء الجائحة إلى المستشفيات العمومية، فالصحة أصبحت موضوع سيادة وطنية حسب تعبيره.
سهيل العلويني (الرئيس السابق للجنة الصحة بالبرلمان) لـ"الترا تونس": النظام الصحي الحالي غير قادر عمليًا على مواجهة الأزمات، وهو ما يتوجب دعم قطاع الصحة العمومية ماديًا وهيكليًا
القطاع العام مازال حيًا
جوهر مزيد، عضو الائتلاف المدني للدفاع عن المرفق العمومي للصحة، وهو ائتلاف يجمع مكونات من الجمعيات والمنظمات التي تدفع منذ سنوات إلى إصلاح الصحة العمومية، يؤكد في تصريح لـ"الترا تونس"، أن القطاع العام تحمّل عبء مجابهة فيروس كورونا، في غياب استراتيجية واضحة، وحتى الخطط التي وضعت لمواجهة الجائحة عانت من ثغرات عديدة وتضمنت توجهات خاطئة، ورغم ذلك تصدى القطاع العمومي للجائحة وأنهك بشريًا وماديًا نتيجة إهمال العقود الماضية.
الدكتور مزيد اعتبر أن أهم درس بعد مرور فترة على جائحة كورونا، هو بقاء قطاع الصحة العمومية قائمًا، وقادرًا رغم الهنات والثغرات الكثيرة على أن يتفاعل بشكل كبير على المستوى الميداني والمحلي، مشيرًا إلى أن المخطط الثلاثي 2023/ 2025 لا يتضمن مؤشرات إيجابية لدعم القطاع الصحي ماديًا وبشريًا، مضيفًا أن سنة 2022 كانت تمثل فرصة لوضع لبنات أولى لإنقاذ المرفق العمومي للصحة حتى يعود للتكفل بالأمراض الأخرى التي تم إهمالها خلال الجائحة، وفقه.
جوهر مزيد (عضو الائتلاف المدني للدفاع عن المرفق العمومي للصحة) لـ"الترا تونس": التعامل مع الجائحة أثبتت أن لدى تونس قدرات، ولكن دون أن تكون لديها خطة واضحة، ولإعدادها، يجب إشراك من مارس العمل الميداني
وقال الدكتور جوهر مزيد إن تجربة التعامل مع الجائحة أثبتت أن لدى تونس قدرات، ولكن دون أن تكون لديها خطة واضحة، ولإعدادها، يجب إشراك من مارس العمل الميداني، فهو الذي يملك خبايا القطاع أكثر من غيره، مع تأسيس برنامج رقمنة شامل بداية من مركز الصحة الأساسية إلى أكبر مستشفى متخصص، ملاحظًا أنه ثبت لديه أن هناك من تلقى التلقيح، وعند استخراجه جواز التلقيح ثبت أنه غير ملقّح، ووجد نفسه مجبرًا على تلقي اللقاح من جديد، فالتحدي حسب الدكتور جوهر مزيد، هو النجاح في مواجهة أي طارئ صحي، وأن لا تمر كل مراحل المجابهة على حساب العاملين في القطاع.