28-أغسطس-2023
رياض الأطفال

تراجع في عدد المسجلين برياض الأطفال خلال هذا العام الدراسي (صورة توضيحية/Getty)

 

لم تنص السلطات التونسية على إجبارية التعليم المبكر للأطفال في سن من 3 إلى 5 سنوات كما هو الحال بالنسبة للتعليم الابتدائي الذي يصبح وجوبيًا منذ سن السادسة حتى سن الثانية عشر وفقًا لقانون سنة 1958 الذي يعتبر مكسبًا مهمًا في تاريخ الإصلاحات التي أدخلت على مجال التعليم في تونس.

تراجع عدد المسجلين برياض الأطفال في تونس للعام الدراسي 2023/2024 قدرته غرفة رياض ومحاضن الأطفال بـ 50 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية

وتبعًا لذلك فقد تخلت العديد من العائلات التونسية خاصة منها التي تدهورت مقدرتها الشرائية بفعل الأزمة الاقتصادية في تونس والارتفاع الجنوني للأسعار عن تسجيل أبنائها في رياض الأطفال ليكتسب الصغير مهارات تهيئه وتعده لرحلته التعليمية في المدرسة علاوة على تنمية قدراته في التواصل مع المحيط الخارجي الذي يختلف عن محيطه العائلي الضيق.

تراجع عدد المسجلين برياض الأطفال للعام الدراسي 2023/2024 قدرته الغرفة النقابية الوطنية لرياض ومحاضن الأطفال بـ 50 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية وهو رقم مفزع في ظل توجه العائلات نحو فضاءات أخرى لرعاية أبنائهم مثل المنازل التي لا تتوفر فيها أدنى الشروط القانونية والمهنية وقد بيّن التقرير الوطني حول وضع الطفولة في تونس لسنتي 2020 و2021 أن عدد الإشعارات التي يتلقّاها مندوبو حماية الطفولة حول تعرض الطفل إلى التهديد تبرز أن المنزل أكثر الفضاءات مصدرًا للتهديد بنسبة 59.30% من مجموع الإشعارات. 

ولئن تمثل الأماكن الفوضوية التي تقدم خدمات لرعاية الأطفال مصدر تهديد وخطر لهذه الفئة الهشة فهذا لا يعني أن رياض الأطفال في معزل عن التهديدات التي تطال بعض الأطفال خاصة في ظل انتشار رياض الأطفال العشوائية التي تمارس نشاطها دون وجه قانوني ودون مراقبة من قبل وزارة المرأة وهو ما يفتح الباب أمام تعدد حوادث الاعتداء على الأطفال بالعنف بلغت حد وقوع حوادث وفاة واغتصاب.

تمثل الأماكن الفوضوية التي تقدم خدمات لرعاية الأطفال مصدر تهديد وخطر لهذه الفئة الهشة كما أن رياض الأطفال ليست في معزل عن التهديدات التي تطال بعض الأطفال خاصة في ظل انتشار رياض الأطفال العشوائية

كما يتم تسجيل العديد من الخروقات في رياض الأطفال العشوائية تتعلق خاصة بتجاوز طاقة استيعاب المكان المخصص لرعاية الأطفال ودمج أعمار مختلفة في نفس القاعة وتلقينهم نفس الأنشطة والتعويل على طاقم فاقد لكفاءات ومهارات التعامل مع الطفل وغير متحصل على شهادات أكاديمية في هذا المجال.   

 

  • "رياض الأطفال ستندثر في حال استمر الوضع على ما هو عليه"

تفيد رئيسة الغرفة النقابية الوطنية لرياض ومحاضن الأطفال نبيهة كمون أن نسبة التسجيل في رياض الأطفال انخفضت بنسبة 50 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية لكن احتمال ارتفاع هذا العدد مرجح نهاية شهر أوت/أغسطس وبداية شهر سبتمبر/أيلول ليصبح الفارق طفيفًا وليس بنسبة مرتفعة كما هو الحال هذه الفترة، مبينة أن "هذه السنة تختلف عن سابقاتها من حيث تواتر المناسبات الدينية في نهاية السنة أي شهر رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى تليهم المناسبات الترفيهية في فصل الصيف وهي أحداث تتطلب ميزانية مهمة لم تعد العائلة التونسية قادرة على مجابهتها خاصة في ظل تزامنها مع العودة المدرسية وهو سبب من بين أسباب انخفاض نسبة تسجيل العائلات لأبنائها في رياض الأطفال، وفقها.

رئيسة غرفة رياض ومحاضن الأطفال لـ"الترا تونس": لم تعد العائلة التونسية قادرة على مجابهة مصاريف عديد التظاهرات خاصة في ظل تزامنها مع العودة المدرسية وهو سبب من بين أسباب انخفاض نسبة تسجيل العائلات لأبنائها في رياض الأطفال

وبيّنت نبيهة كمون في حديثها لـ"ألترا تونس" أن أسباب ضعف الإقبال على التسجيل برياض ومحاضن الأطفال متشعبة من بينها هجرة العديد من الأولياء إلى دول أخرى بحثًا عن الاستقرار لأطفالهم في ظل المشاكل الكبيرة التي يواجهها قطاع التعليم في تونس في علاقة بالإضرابات وحجب الأعداد وغيرها، إضافة إلى ارتفاع عدد رياض الأطفال العشوائية وغيرها من الفضاءات العشوائية الأخرى كالمنازل  التي تغيب فيها أبسط مقومات رعاية الأطفال علاوة على إقدام بعض المدارس الخاصة على قبول أطفال في سن 3 و4 سنوات على أساس سنوات ما قبل التمهيدي في غياب رقابة توقف نزيف هذه التجاوزات التي انخرطت فيها أيضًا مراكز الترفيه التي تتحصل على تراخيص من قبل وزارة الشباب والرياضة ويفتحون قاعات لرعاية أطفال في سن ما قبل الخمس سنوات وبالتالي تضررت رياض الأطفال وقل عدد الأطفال المسجلين بها بشكل كبير، وفقها.

وشددت المتحدثة على أن "رياض الأطفال ليست بمعزل عن المجتمع وأنها تعيش بدورها صعوبات مادية، الشيء الذي دفع بالمئات منها إلى الإغلاق بصفة تلقائية وهذا دليل على أن أصحاب رياض الأطفال أنهكوا من المصاريف الكبيرة ولم يعد بإمكانهم المواصلة في مشروع نفقاته أكثر من مداخيله أحيانًا". 

رئيسة غرفة رياض ومحاضن الأطفال لـ"الترا تونس": "رياض الأطفال ليست بمعزل عن المجتمع وهي تعيش بدورها صعوبات مادية، الشيء الذي دفع بالمئات منها إلى الإغلاق بصفة تلقائية"

ونفت نبيهة كمون أن يكون غلاء أسعار رياض الأطفال من أسباب عزوف الأولياء عن تسجيل أبنائهم، مبينة أن الأماكن التي تكون فيها الأسعار باهضة تتجاوز الألف دينار في الشهر الواحد هي في مناطق سكانها مرفهون مادياً وأصحاب رياض الأطفال المذكورة يوفرون فيها فضاءات إيجارها الشهري مرتفع ويتجاوز العشر آلاف دينار بالتالي تتوجه لها شريحة معينة من المجتمع أما الشرائح الأخرى فيمكن أن تجد الأسعار التي تلائمها علاوة على أن الدولة كانت قد بعثت بنامج "روضتنا في حومتنا" تتكفل فيه بدفع معلوم شهري يقدر بـ 50 دينار للرياض المنخرطة في هذا البرنامج شهريًا مما يتيح للعائلات محدودة الدخل تسجيل أبنائها فيها.

كما ختمت بالتأكيد أنه في حال استمرار الوضع على النحو ستندثر رياض الأطفال تدريجيًا في تونس خاصة وأن دراسة "لليونسيف" كانت قد بينت أن عدد الأطفال في تونس سينخفض بـ 30% بحلول سنة 2030 وهو ما يمثل تهديدًا آخر لرياض الأطفال.

 

  • رياض الأطفال.. غلاء في الأسعار ونقائص في الخدمات

لئن تواجه رياض الأطفال العديد من الصعوبات في ظل نفور شريحة كبرى عن تسجيل أبنائها بها فإنها بدورها تواجه العديد من الانتقادات والاتهامات في علاقة بتجاوزات العديد منها في التعامل مع الأطفال وتعدد الحوادث الأليمة التي يدفع ثمنها الأطفال غاليًا علاوة على تدني مستوى الخدمات التربوية التي لا ترتقي للمستوى المطلوب وغياب شروط السلامة في العديد من هذه الفضاءات.

تواجه رياض الأطفال في تونس العديد من الانتقادات والاتهامات في علاقة بتجاوزات العديد منها في التعامل مع الأطفال وتعدد الحوادث الأليمة علاوة على تدني مستوى الخدمات التربوية وغياب شروط السلامة أحيانًا

وتحدثنا "مروى" أستاذة تعليم ابتدائي وأم لبنتين عن تجربة ابنتها الكبرى مع رياض الأطفال فتقول لـ"الترا تونس":  "لقد كانت أمي ترعى ابنتي الكبرى حتى سن الثلاث سنوات وعند إنجابي لابنتي الثانية قررت أن أسجل "رميساء" في روضة أطفال لتندمج مع صغار في مثل سنها ولتتلقى أنشطة مختلفة تطور مهاراتها..".

وتتابع "لكن ما راعاني منذ البداية هو غلاء معلوم الترسيم الذي تجاوز 400 دينار وهو يشمل التأمين ومنديل الأطفال وبعض الأدوات التي سيستعملها كما فوجئت أيضًا بقرار منع اصطحاب أي مأكولات أو مشروبات من المنزل وهو ما يضطر الولي إلى دفع 250 دينار للطعام و300 دينار كمعلوم شهري.. ونظرًا لأن سمعة الروضة التي اخترتها طيبة اضطررت لسداد ألف دينار كمعلوم للتسجيل وهو مبلغ يعادل تقريبًا راتبي الشهري.. أما في وسط السنة الدراسية فكنت أجبر أيضًا على دفع معاليم إضافية لبعض الأنشطة أو الرحلات أو الأعياد والحفلات التي تزيد من إثقال كاهلي بالمصاريف علاوة على أني كنت أراقب بشكل يومي الأنشطة التي تمارس ولم أكن راضية أبدًا عنها فهي لا تكاد تعادل نشاط ساعة واحدة وبقية اليوم تقضى في النوم ومشاهدة التلفاز".

وتؤكد مروى في حديثها لـ"الترا تونس" أنها خيّرت هذه السنة تسجيل ابنتها في "كُتاب" لتدرس فقط ساعتين في اليوم تتلقى فيهما مهارات كتابة الحروف والتلوين والرسم بمقابل مادي لا يتجاوز 40 دينار شهريًا فيما تتوفر لها مساحة كافية من الوقت لتمارس أنشطة أخرى رياضية أو موسيقية أو مسرحية وغيرها.

مروى، أم لبنتين لـ"الترا تونس": خيّرت هذه السنة تسجيل ابنتي في "كُتاب" لتدرس فقط ساعتين في اليوم تتلقى فيهما مهارات كتابة الحروف والتلوين والرسم بمقابل مادي لا يتجاوز 40 دينار شهريًا

وتشترك مروى في هذا القرار مع العديد من الأولياء الذين أعربوا عن استيائهم من ارتفاع تكاليف التسجيل في رياض الأطفال ومن الخدمات المقدمة في البعض منها وهو ما تؤكده الانتقادات التي رصدنا بعضها على مواقع التواصل الاجتماعي.

جدير بالذكر أن الفترة الأخيرة شهدت جدلًا واسعًا حول غياب مبدأ التكافؤ بين الأطفال في سن ما قبل الدراسة الابتدائية نتيجة انخراط بعض الأطفال من العائلات الميسورة في رياض الأطفال وتلقيهم أنشطة من شأنها أن تنمي مهاراتهم فيما تمتنع عائلات أخرى عن تسجيل أبنائها برياض الأطفال بسبب الظروف المادية المتردية وهو ما من شأنه أن يعمّق الفوارق المعرفية بين الأطفال في ضرب واضح لمبدأ المساواة، ولئن سعت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن مؤخرًا إلى التقليص من هذه الفوارق عبر بعث برنامج "روضتنا في حومتنا" ورفع طاقة استيعابه بصفة سنوية فإنه يظل عاجزًا عن احتواء العديد من الشرائح خاصة منها سكان الأرياف.