29-أغسطس-2018

إعادة نسج لخيوط القضية وفق حيثيات القرار التعقيبي

الترا تونس - فريق التحرير

 

ربّما ما تُعرف لدى الرأي العام بقضية التآمر على أمن الدولة هي من أخطر القضايا وأكثرها إثارة للجدل من بين القضايا التي عرفتها تونس في السنوات الأخيرة إن لم يكن في تاريخ البلاد، وذلك بالنظر لصفات المتهمين وهم وزير داخلية سابق (ناجم الغرسلي) ومدير عام سابق المصالح المختصة أي جهاز الاستعلامات (عماد عاشور) ومدير سابق للوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب ومدير للأمن السياحي (صابر العجيلي) ورجل أعمال مثير للجدل معروف بارتباطاته المحلية والإقليمية (شفيق جراية).

قضية التآمر على أمن الدولة هي من أخطر القضايا وأكثرها إثارة للجدل من بين القضايا التي عرفتها تونس في السنوات الأخيرة إن لم يكن في تاريخ البلاد وذلك بالنظر لصفات المتهمين

بدأت القضية بوشاية من عون أمن ثم بتحقيقات لدى القضاء العسكري الذي انتهى بتوجيه تهم خطيرة ضد المتهمين الأربعة ذات علاقة بالأمن القومي للدولة التونسية، وقد بلغت القضية مسارها لدى محكمة التعقيب التي قضت بنقض قرار دائرة الاتهام على أساس عدم اختصاص القضاء العسكري. وقد نشر محامي أحد المتهمين محمود المهيري نصّ القرار التعقيبي الصادر بتاريخ 23 أوت/أغسطس 2018، وقد تضمن هذا القرار عرضًا لتفاصيل القضية التي تم كشف النقاب عنها السنة الفارطة.

يعرض "الترا تونس" مراحل القضية بإعادة نسخ خيوطها وتطوراتها كما وردت في وقائع القرار التعقيبي، وذلك بطريقة متسلسلة زمنيًا ليعلم الرأي العام خفايا واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في تاريخ تونس.

وشاية أحمد العويني، منطلق الحكاية

انطلقت الأبحاث في القضية بوشاية قدّمها عون أمن برتبة مفتش أول بالوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب بالقرجاني يدعى أحمد العويني، وهو بصفته هذه يعمل تحت إمرة مدير الوحدة صابر العجيلي الذي توجّهت الوشاية ضده، وسيصبح لاحقًا متهمّا رئيسيًا في القضية.

قدم العويني الوشاية يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 إلى الوكيل العام لمحكمة الاستئناف، ومفادها أن صابر العجيلي استدعاه لمكتبه خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016 بمناسبة مباشرة الأبحاث في قضية ذات صبغة إرهابية، وبتوجهه إلى مكتبه وجد معه رجل الأعمال شفيق جرّاية وشخصًا ليبيًا. وسأله العجيلي حول إمكانية التدخل لتبرئة أحد المتهمين في تلك القضية يُدعى مختار العرف (سنتعرض إليه لاحقًا)، وأضاف الواشي أن شفيق جراية عادة ما يتردد على مقر الوحدة في القرجاني.

انطلقت الأبحاث في القضية بوشاية من عون أمن يُدعى أحمد العويني زعم فيها أن مديره صابر العجيلي طلب من، بحضور جراية وشخص ليبي، إمكانية تبرئة متهم في قضية إرهابية يُدعى مختار العرف

لكن ظلت هذه الوشاية على الرفوف ودون مآل إلى غاية وضع شفيق جراية رهن الإقامة الجبرية بتاريخ 23 ماي/آيار 2017. وبعد يومين أي يوم 25 ماي/آيار، قام الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بتوجيه الوشاية إلى القضاء العسكري الذي تعهد بالملف.

وفي هذا الجانب، يُطرح السؤال لماذا ظلت هذه الوشاية دون اهتمام طيلة أكثر من 7 أشهر ولم تبدأ الأبحاث حينها وتأجلت حتى القبض على شفيق جراية؟ ولماذا توجهت الأبحاث للقضاء العسكري وليس للقطب القضائي لمكافحة الإرهاب كما كان يجب أن تكون الأمور على النحو الذي أكدته محكمة التعقيب؟ هذه شبهات قد تؤكد عنصر تصفية الحسابات كما يقول محامو المتهمين، ولكن لنواصل كشف خيوط القضية.

اقرأ/ي أيضًا: ترجمة: تفاصيل قصة سقوط شفيق الجراية "ملك التهريب التونسي"

تولى إذًا القضاء العسكري القضية بيده، واستدعى قاضي التحقيق العسكري أحمد العويني لاستنطاقه، والذي قال إنه حينما كان يتولى الأبحاث في قضية تهم الطاهر ضيف الله، بصفته منتميًا لتنظيم "داعش" وهو مشرف على تهريب أسلحة إلى تونس، تبين أن هذا الشخص يتعامل مع شخص آخر اسمه مختار العرف أصيل بنقردان وصفه أنه ينشط في ميدان تهريب العملة.

يقول العويني لقاضي التحقيق العسكري إن صابر العجيلي حين دعاه كما ذكر في وشايته قال له حرفيًا بحضور شفيق جراية ورجل آخر "ينجم يروّح وإلا لا" في إشارة لمختار العرف. يضيف العويني أنه أجاب بالنفي، وبأنه أيضًا ارتاب في تصرفات رئيسه لأنه سأله عن موضوع له صبغة إرهابية أمام رجلين غريبين أي جراية والرجل الذي معه الذي قال العويني إنه تلفظ بكلمات أبدت امتعاضه من رده وكشفت بأنه ليبي الجنسية.

أحمد العويني قال لقاضي التحقيق العسكري إنه قدم الوشاية بواعز الوطنية وليس بغاية الكيد لشفيق جراية مشيرًا أن الوشاية تم تقديمها لوكيل عام محكمة الاستئناف ولرئيس الحكومة أيضًا

ويقول العويني إنه علم أيضًا من زميلين له، وهما أيمن الغرسلي رئيس مصلحة بوحدة القرجاني ونزار القماطي رئيس إدارة الأبحاث بالوحدة، أن العجيلي طلب منهما أيضًا السعي لتبرئة المتهم المذكور أي مختار العرف.

هل قدم العويني هذه الوشاية بصفة كيدية ضد رجل الأعمال شفيق جراية؟ يقول العويني إنه قدم الوشاية "بواعز الوطنية" نافيًا التنسيق مع أي جهة لغاية الكيد لجراية أو توريطه باطلًا. ويضيف أنه تقدم بشكاية حول هذه المسألة إلى رئيس الحكومة وأنه لم يكن بإمكانه تحرير تقرير سري لأن تلك التقارير تعرض على مدير الوحدة وهو صابر العجيلي الذي تتوجه الشكاية ضده.

الراجحي وخلف الله على الخط؟

ورد في الوقائع أن الواشي أحمد العويني ثبت قيامه باتصالات هاتفية مع رمزي الراجحي المدير العام السابق للمصالح المختصة، ورؤوف خلف الله مدير موقع "آخر خبر"، وذلك بالتزامن مع الوشاية التي قدمها للوكيل العام لمحكمة الاستئناف. وبسؤاله عن هذه المسألة، قال العويني إن علاقته بالراجحي تعود لأنه عمل معه سابقًا نافيًا وجود أي رابط بين الاتصالات معه وفحوى الوشاية، أما عن علاقته بخلف الله فقال هي "متاع قعدات منذ 2013" إذ كان يجالسه بحانة "موزاييك" ومكنه من السيرة الذاتية لزوجته وبعض الوثائق قصد التوسط لها في الحصول على عمل.

اقرأ/ي أيضًا: ياسين العياري: سأكشف مغالطات "الداخلية" في قضية المواطنة الألمانية (حوار– 2/2)

شهادات إطارين في وحدة القرجاني

استدعى قاضي التحقيق العسكري، في الأثناء، رئيس مصلحة البحث بالقرجاني أيمن الغرسلي الذي قال الواشي أحمد العويني إن العجيلي طالبه أيضًا بإمكانية إيجاد مخرج للإفراج عن مختار العرف. ولكن أيمن الغرسلي كذّب العويني الذي يشغل خطة كاتب في المصلحة التي يشرف عليها، وقال إن العجيلي استدعاه فعلًا للاستفسار عن وضعية مختار العرف، ولكن سأله عن إمكانية تجنيد العرف كمصدر للمعلومات لا أكثر، وأن الحوار كان عاديًا ولم يثر أي ريبة ولم يطلب منه صراحة أو تلميحًا تبرئة العرف.

الشاهد رئيس مصلحة البحث بالقرجاني أيمن الغرسلي يقول إن العجيلي طلب منه إمكانية تجنيد مختار العرف كمصدر للمعلومات لا أكثر ولم يطلب منه تبرئته على عكس ما قاله العويني

كما استدعى قاضي التحقيق رئيس إدارة الأبحاث بالوحدة نزار القماطي الذي قال إن أحمد العويني قال له ذات مرة "وقت الي مختار موقّف عندنا سمعت إلي شفيق جراية جاء للمدير يحب يتدخّل باش يروّح"، فاستفسره عن مصدر معلوماته أو إذا ما كان سبق له أن شاهد المعني بالأمر بمقر الوحدة أثناء فترة الاحتفاظ بمختار العرف فنفى ذلك. وأضاف أنه حينما سأل العويني حول حقيقة تردد جراية على مقر الوحدة أجابه "أنا مريتش أما سمعت الي هو جاء". ولكن يقول القماطي إنه حينما توجه إلى زميله أيمن الغرسلي قال له إن العجيلي طلب منه إمكانية الإفراج على العرف وأجابه "لا ميروّحش السيّد مورّط ياخي قالي انجموش نستغلوه مرشد قتلو لا منجموش راهو مرزّن".

يقول القماطي في شهادته إنه رأى شفيق جراية مرة وحيدة في فيفري/شباط 2016 وكان مرفوقًا بشخص ليبي يدعى وليد الكشلاف عبر عن تطوعه لتقديم معلومات حول التونسيين الموجودين في ليبيا، وقد أعلمه العجيلي أن هذا اللقاء جاء بطلب من مدير عام المصالح المختصة عماد عاشور.

صابر العجيلي: لقاء وحيد مع جراية بتعليمات من عاشور

نفى صابر العجيلي لدى استنطاقه تعامله مع الواشي أحمد العويني من أصله باعتبار أن صفته كمدير لا تجعله يتعامل سوى مع رؤساء الإدارات الفرعية ورؤساء المصالح ولا يتعامل مع رتب دنيا ككاتب مصلحة مثل العويني. ونفى أيضًا أن يكون شفيق جراية طلب منه الإفراج عن مختار العرف، أو أنه طلب من العويني الإفراج عنه.

اقرأ/ي أيضًا: محمد عبو: قضية العجيلي مشروع لضرب الأمن القومي التونسي

لكن يشير العجيلي أنه التقى فعلًا جراية والليبي وليد كشلاف بمكتبه، كما ورد بشهادة القماطي، وأن اللقاء جاء بتعليمات من مدير المصالح المختصة عماد عاشور. ولكن لماذا هذا اللقاء؟

يقول العجيلي إن عاشور طلب منه التعامل مع كشلاف واستقطابه لاستغلال معارفه ومعلوماته بخصوص تواجد تونسيين متورطين في أعمال إرهابية بمدينة صبراطة الليبية بعد الضربة الجوية الأمريكية على المدينة أوائل 2016 وما خلفته من قتلى وجرحى وأسرى تونسيين قبضت عليهم الكتائب المسلحة الليبية، خاصة وأن كشلاف له انتماء قبلي وعشيرته لها كتيبة معروفة بكتيبة الوادي.

صابر العجيلي: لم أطلب من العويني إمكانية تبرئة مختار العرف والتقيت شفيق جراية مرة وحيدة بطلب من مدير المصالح المختصة عماد عاشور للحصول على معلومات حول التونسيين الإرهابيين في ليبيا

وأكد العجيلي أن شفيق جراية هو الذي قدم له كشلاف، وأن الإدارة على علم بهذا اللقاء وقد قدم تقريرًا في الغرض وما ترتب عن اللقاء من معطيات إرشادية (أكدت الإدارة وجود هذا التقرير)، وأن نزار القماطي تحصل على رقم هاتف الكشلاف لربط الصلة معه. ولكن هل أكد القماطي في التحقيق ما قاله العجيلي؟

القماطي يصادق على رواية مديره العجيلي

صادق نزار القماطي، وهو كما ذكرنا رئيس إدارة الأبحاث في وحدة الإرهاب في القرجاني، في شهادته على ما قاله العجيلي. ويضيف أن الكشلاف هو قيادي بقوات الردع بالزاوية، وقدم معطيات هامة حول العناصر التونسية في ليبيا بل وتعهد بتسليم الإرهابي التونسي حمزة الجريء وهو أحد العناصر المتهمة في قضية تفجير حافلة الأمن الرئاسي، الذي تم إيقافه من طرف قوات الردع بصبراتة وتم نقله إلى مدينة الزاوية.

اقرأ/ي أيضًا: هل تستقبل تونس قريبًا عميلاً مزدوجًا للمخابرات العراقية والموساد الإسرائيلي؟

يضيف قماطي، في إطار كشف أهمية التواصل مع الليبي الكشلاف، إنه خلال اللقاء معه اتصل حينها عبر "الفايبر" مع أحد المشرفين على سجن بليبيا، وحينها تحاور مع الإرهابي التونسي حمزة الجريء الذي استفسره عن عدد الإرهابيين التونسيين في ليبيا وطريقة تحولهم إلى هناك.

وقال القماطي، كما مديره العجيلي، إنه تولى رفع تقرير بعد اللقاء لم يذكر فيه اسم شفيق جراية باعتبار أنه جرى العمل على عدم ذكر اسم الوسيط وإنما يتم الاهتمام بالمصدر فقط المزمع انتدابه لفائدة مصالح الإدارة، ويؤكد أن هذا التقرير روتيني قصد الإعلام بعملية انتداب مصدر جديد.

شفيق جراية: دفعت ضريبة التحدي الذي رفعته ضد الشاهد

أفاد جراية لدى استنطاقه أنه لا يعرف أحمد العويني ولا يعرف مختار العرف، واتهم مدير موقع "آخر خبر" رؤوف خلف الله بإقحام اسم العرف في الوشاية بإيعاز من المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة مفدي مسدي ورئيس الحكومة نفسه يوسف الشاهد. اعتبر جراية أمام قاضي التحقيق العسكري أن القضية جاءت على خلفية تصريحه في قناة الحوار التونسي بتاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول 2016 أن "لا يوسف الشاهد ولا حافظ قايد السبسي ولا عبد الرحمن حاج علي يقدروا يدخلوا معزة للحبس".

شفيق جراية: وشاية العون أحمد العويني كيدية بإيعاز من مفدي المسدي ورئيس الحكومة شخصيًا يوسف الشاهد لأنني تحديته في برنامج تلفزي بعدم قدرته القبض عليّ

أكد جراية، في الأثناء، رواية صابر العجيلي وقبله نزار القماطي حول توسطه لتقديم الليبي كشلاف لوحدة البحث في جرائم الإرهاب بالقرجاني من أجل تقديم معلومات للجهاز الأمني حول التونسيين المتواجدين في صبراتة بعد الغارة الأمريكية على المدينة يوم 23 فيفري/شباط 2016.

وقال جراية إن بحكم علاقاته في ليبيا ترده أحيانًا معلومات خطيرة تمس بالأمن القومي التونسي وكان يسعى لإيصالها إلى رئاسة الجمهورية والقيادات الأمنية. وأضاف أنه أعلم رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي بداية 2016 أنه بحوزته معطيات تفيد الأمن القومي التونسي، وأشار عليه رئيس الجمهورية بالتنسيق مع مستشاره العسكري. وأضاف أنه لم يقع الاتصال به من هذا المستشار طيلة أيام ليقع لاحقًا إعلامه أن المعطيات من أنظار رئاسة الحكومة ثم تحصل على رقم هاتف مدير عام المصالح المختصة عماد عاشور ليوجهه لاحقًا لصابر العجيلي ويحصل اللقاء الذي أشرنا إليه سابقًا.

ويؤكد جراية أن في هذا اللقاء، قام الليبي وليد كشلاف (محام وشخصية اجتماعية مرموقة حسب أقوال جراية) بتمكين صابر العجيلي ونزار القماطي من هاتفه الجوال لاستنساخ المعطيات والصور وهويات وأرقام هواتف الأطراف التونسية التي يشتبه في ارتكابها أعمالًا إرهابية والمحتجزة بسجن في الزاوية. ويؤكد جراية أيضًا ما قاله الضابط القماطي من أن كشلاف قام خلال تلك الجلسة بالاتصال بالفايبر بقريبه في سجن الزاوية للتأكد من وجود الإرهابي التونسي حمزة الجريء.

جراية أكد أن الليبي وليد كشلاف مكن وحدة القرجاني من استنساخ معطيات وصور الأطراف التونسية المشتبه في تورطها في أعمال إرهابية والمحتجزة في الزاوية

يقول جراية إنه خلال الاتصال بالفايبر، تم التواصل مع الجريء الذي أفاد للضابط التونسي أي للقماطي أن هناك تحضيرات لعملية إرهابية في الجنوب التونسي بداية مارس/آذار 2016.

عماد عاشور وناجم الغرسلي، من اتصل بالآخر أولًا؟

صرح مدير عام المصالح المختصة وهو من ضمن المتهمين في القضية لاحقًا، أن وزير الداخلية ناجم الغرسلي اتصل به وطلب منه استقبال شفيق جراية لتقييم المعطيات التي لديه حول ليبيا. وقال إنه استقبل جراية بالفعل وعلم أنه يتحوّز على كم هائل من المعلومات وشبكة علاقات واسعة في ليبيا.

وقال عاشور إن جراية ساهم في الإفراج عن بحارة تونسيين مختطفين ومهندس تونسي بواسطة الليبي وليد كشلاف. وأضاف أن جراية اتصل به ليعلمه بأن كشلاف يريد مقابلته وأشار عاشور أنه قرّر أن يقع استقباله من طرف رئيس الوحدة الوطنية لجرائم الإرهاب في القرجاني صابر العجيلي، وطلب منه أن يقوم لاحقًا بإعداد "بطاقة مصدر" لتقييم صدقية ونوعية معلومات الليبي وإعداد رقم سري له لتجنيده وتكليف ضابط ارتباط لمتابعته.

عماد عاشور: اعتماد الليبي وليد كشلاف كمصدر كان بدون مقابل مالي أو وعود لتسهيل بعض الإجراءات الحدودية

يضيف عاشور أن اعتماد كشلاف كمصدر كان بدون مقابل مالي أو وعود لتسهيل بعض الإجراءات الحدودية. وبخصوص قضية الطاهر ضيف الله ومختار العرف التي تعهدت بها وحدة القرجاني في صيف 2016، قال عاشور إنه لا علم له بذلك باعتبار أنه كان في الحج خلال شهر سبتمبر/أيلول 2016 ولم يعد إلى تونس إلا يوم 17 من ذلك الشهر ليقع إعفاؤه من منصبه.

ولكن حين استنطاق ناجم الغرسلي يقول إن عماد عاشور هو من اتصل به وأعلمه أن شفيق جراية يريد مقابلته بوصفه مدير المصالح المختصة. ويقول الغرسلي إنه طلب منه التريث ريثما يعلم رئيس الحكومة حينها الحبيب الصيد ويوافق، وهو ما تمّ. ولكن الصيد نفى ذلك لاحقًا في شهادته.

اقرأ/ي أيضًا: هيئة الدفاع عن عماد عاشور: هناك تعتيم إعلامي انتقائي وممنهج على القضية

الصيد والمجدوب وبالحاج علي: كان على عاشور عدم لقاء جراية

استمع قاضي التحقيق العسكري لثلاث شخصيات بارزة خلال سير التحقيقات هي رئيس الحكومة حين الواقعة الحبيب الصيد ووزير الداخلية السابق، والذي خلف الغرسلي، الهادي المجدوب إضافة لعبد الرحمن بالحاج علي المدير العام السابق للأمن الوطني.

نفى الصيد حين سماعه اتصال الغرسلي به وإعلامه بطلب جراية لقاء مدير عام المصالح المختصة وموافقته لذلك. يقول رئيس الحكومة السابق إنه لا يتذكر هكذا اتصال، وأضاف أنه ما كان ليقبل أن يتولى أحد كبار مسؤولي الدولة أن يتعامل مباشرة مع شخص مثل شفيق الجراية أو أي شخصية لها شبهة فساد سياسي أو مالي حيث لا يمكن الاستفادة مهما قدم من معطيات أمنية باعتبار أن مقابلها ربط الصلة بذلك المسؤول حسب قوله.

الحبيب الصيد: لم يعلمني ناجم الغرسلي أن جراية طلب لقاء مدير عام المصالح المختصة وما كنت لأقبل أن يتولى أحد كبار مسؤولي الدولة التعامل مباشرة مع جراية

كانت شهادة المدير السابق للأمن الوطني بالحاج علي في نفس الإطار من حيث أنه نفى اتصال عاشور به على غرار نفي الصيد اتصال الغرسلي به، وكذلك من حيث التعبير عن رفضه لقاء مسؤول سامي في وزارة الداخلية لشفيق الجراية، قائلًا إنه لو استأذنه عاشور لنصحه بعدم التعامل مع جراية مباشرة بل التعامل عبر أعوان في مستويات دنيا حفاظًا على هيبة المؤسسة الأمنية حسب قوله.

وأفاد بلحاج علي أنه لا علم له بتفاصيل عملية تجنيد وليد الكشلاف لفائدة وحدة جرائم الإرهاب في القرجاني، ولم يعلم بها إلا عبر تقرير إعلامي بشأن نجاح استقطاب عنصر ليبي لفائدة الأمن الوطني التونسي ترتب عنه نجاح القبض على طرف إرهابي تونسي مفتش عنه لفائدة القضاء التونسي اسمه الطاهر ضيف الله ومعه امرأة لا يتذكر اسمها.

الهادي المجدوب الذي أصبح وزيرًا للداخلية منذ أوائل جانفي/يناير 2016 خلف الغرسلي وقتها، قال بدوره إنه لا علم له بجلسة 29 فيفري/شباط 2016 التي جمعت شفيق جراية مع وليد كشلاف بمدير وحدة القرجاني صابر العجيلي والضابط نزار القماطي. وعبر المجدوب حين شهادته عن استغرابه من التعامل مع شخصية مشبوهة، حسب وصفه، كشفيق جراية.

الهادي المجدوب: قمت بإعفاء عماد عاشور وصابر العجيلي من مهامهما لأن لديهما علاقات مع شفيق جراية

اللافت في شهادة المجدوب تأكيده بأنه أعفى عماد عاشور من منصب مدير عام المصالح المختصة، وكذلك صابر العجيلي من منصب مدير وحدة البحث في جرائم الإرهاب في القرجاني، وذلك بمعية رئيس الحكومة يوسف الشاهد على أساس إبعاد كل شخص له علاقة مع شفيق جراية. اللافت أيضًا أن المجدوب قال إنه أعفى بالخصوص العجيلي حينما أعلمه رئيس الحكومة بوجود شكاية من أحد الأمنيين ضد العجيلي حول تعامله مع جراية. شكاية من؟ هي شكاية أحمد العويني، والتي هي حجر الأساس لهذه القضية برمّتها.

خلاصة الوقائع

حينما نحاول تجميع خيوط القضية حسب كل الوقائع المعروضة وبتجميع كل الشهادات تصبح القصة متسلسلة زمنيًا كما التالي:


1- شفيق جراية يعلم رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي أوائل سنة 2016 بتحوّزه بمعلومات خطيرة تهمّ الأمن القومي التونسي، ويوجّهه السبسي لمستشاره العسكري (وفق رواية جراية).

2- المستشار العسكري لرئيس الجمهورية يعلم جراية أن المسألة تحت أنظار رئاسة الحكومة وليس رئاسة الجمهورية.

3- شفيق جراية يتحصل على رقم هاتف مدير عام المصالح المختصة عماد عاشور وينعقد لقاء بينهما أوائل 2016 (عاشور يقول إن اللقاء جاء بتعليمات من وزير الداخلية ناجم الغرسلي وبطلب أيضًا من مدير الأمن الوطني عبد الرحمن بلحاج علي وهو ما ينفيانه إذ يقول الغرسلي إن عاشور هو من أعلمه برغبة جراية في مقابلته فيما ينفي بلحاج علي أنه دعا عاشور لمقابلة جراية).

4- وزير الداخلية الهادي المجدوب يتسلم مهامه يوم 11 جانفي/كانون الثاني 2016 خلفًا لناجم الغرسلي الذي تم تعيينه بعد شهر سفيرًا في المغرب.

5- شفيق جراية يعلم عماد عاشور في شهر فيفري/فبراير 2016 هاتفيًا أن الليبي وليد كشلاف سيحلّ في تونس قريبًا ويريد مقابلته لتحوزه على معلومات تهم الأمن القومي التونسي. وعاشور يوجّهه للقاء صابر العجيلي مدير وحدة البحث في جرائم الإرهاب في القرجاني.

6- انعقاد جلسة رباعية في مقر وحدة البحث في جرائم الإرهاب في القرجاني بتاريخ 29 فيفري/شباط 2016 بين جراية وكشلاف من جهة وصابر العجيلي والضابط نزار القماطي من جهة أخرى.

وخلال هذه الجلسة، وقع تجنيد الليبي وليد كشلاف لفائدة الأمن التونسي إذ مكّن من معطيات وأسماء التونسيين المتورطين في الإرهاب الموجودين في سجن في ليبيا منهم حمزة الجريء المتورط في استهداف حافلة الأمن الرئاسي. وقد أعلم الجريء الوحدة خلال الجلسة عبر الفايبر أنه يجري التحضير لعملية إرهابية في الجنوب التونسي في شهر مارس 2016 (المفترض عملية بنقردان).

7- تنصيب يوسف الشاهد رئيسًا للحكومة بتاريخ 27 أوت/أغسطس 2016.

8- وزير الداخلية الهادي المجدوب يعفي مدير عام المصالح المختصة عماد عاشور من مهامه بتاريخ 17 سبتمبر/أيلول 2016 لوجود علاقة تربطه بجراية حسب الوزير.

9- انعقاد لقاء في أكتوبر/تشرين الأول 2016 في مقر وحدة البحث في جرائم الإرهاب جمعت مديرها صابر العجيلي مع شفيق جراية والليبي وليد كشلاف، وطلب العجيلي من العون أحمد العويني إيجاد مخرج لتبرئة موقوف في قضية إرهابية يُدعى مختار العرف (وفق رواية أحمد العويني التي ينفيها كل من العجيلي وجراية).

10- بتاريخ 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، عون الأمن أحمد العويني يقدم شكاية للوكيل العام بمحكمة الاستئناف مفاده طلب صابر العجيلي منه إمكانية تبرئة الموقوف مختار العرف.

11- وزير الداخلية الهادي مجدوب، في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2016، يعفي صابر العجيلي من مهامه كمدير لوحدة البحث في جرائم الإرهاب بطلب من رئيس الحكومة يوسف الشاهد على إثر تقرير تلقاه من العويني، وذلك مع تعيينه مديرًا للأمن السياحي.

12- وضع رجل الأعمال شفيق جراية رهن الإقامة الجبرية بتاريخ 23 ماي/آيار 2017.

13- بعد يومين أي يوم 25 ماي/آيار 2017، وكيل الدولة العام لمحكمة الاستئناف يقدم الوشاية التي وصلته من عون الأمن العويني إلى القضاء العسكري للتحقيق فيها لتنطلق أطوار القضية.

بعد عرض وقائع القضية في هذا الجزء الأول، سنتابع في الجزء الثاني كيف تعامل القضاء العسكري معها؟ ماهي التهم الموجهة ضد المتهمين؟ ماهي قرارات قاضي التحقيق وثم دائرة الاتهام وصولًا لقرار محكمة التعقيب؟ تابعونا في الجزء القادم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

استثناء الجيش التونسي في منطقة الانقلابات.. لماذا استمر في حياده السياسي؟

ألعاب أجهزة الاستخبارات والجاسوسية في تونس.. هل تصبح حرب الكواليس معلنة؟