تُخلط الأوراق من جديد في المشهد البرلماني التونسي، كما تبعثرت أيضًا أوراق رئيس الحكومة يوسف الشاهد. منذ ثلاثة أيام لا أكثر، أعلن مكتب مجلس نواب الشعب استقالة أربعة نواب من كتلة حركة نداء تونس وطلبهم الانضمام لكتلة الائتلاف الوطني. كتلة هي الثانية في البرلمان التونسي، حسب ما أُعلن مع انطلاق السنة البرلمانية الجديدة بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، والتي تؤكد الأرقام أنها تجاوزت الخمسين نائبًا، لكن ذلك كان قبل أيام قليلة.
نهاية الأسبوع الماضي جلبت الجديد. تصريحات وبيانات مضمونها متناقض مع سير الأحداث والنقاشات والتصريحات، على الأقل المعلن منها مؤخرًا. فكيف انقلب المشهد السياسي التونسي جزئيًا في أقل من 24 ساعة؟ إليكم التفاصيل.
كان الشاهد قبل أيام قليلة حليف الرياحي البارز ومثّل نواب الوطني الحر نواة أساسية في كتلة الائتلاف الوطني الداعمة لرئيس الحكومة التونسية
بيان، بعد ظهر يوم الأحد 14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، مُمضى من رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي، يُعلن من خلاله قرار اندماج حزبه في حركة نداء تونس وأن المجلس الوطني للحزب فوّض للرياحي "اتخاذ جميع التدابير القانونية والإجرائية من أجل إتمام عملية الاندماج". ويؤكد ذات البيان عدم دعم الحكومة الحالية، والمطالبة بتحوير كلي لها يشمل حتى رئيسها أي يوسف الشاهد. الشاهد، الذي كان قبل أيام قليلة حليف الرياحي البارز ومثّل نواب الوطني الحر نواة أساسية في كتلة الائتلاف الوطني الداعمة للشاهد.
قبل البيان بسويعات، ظهر سليم الرياحي في مداخلة إعلامية، من مجلس حزبه الوطني المنعقد يومي السبت والأحد 13 و14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بجهة سوسة، ليقول إن "مجموعة النواب الممثلين للاتحاد الوطني الحر لن تشارك في برنامج حزبي ينبثق من البرلمان، (في إحالة لطموحات كتلة الائتلاف الوطني ومن ورائها يوسف الشاهد)، وفي تشكيل حكومة جديدة بهذه الطريقة وهذا شيء خارج عن الأصول وعن نتائج انتخابات 2014". مضيفًا "نحن لا نشارك في انقلاب ناعم.. الحكومة لابد أن تتغير وكذلك رئيسها الذي يجب أن يعود إلى حزبه نداء تونس ويعمل داخله".
يُذكر أن كتلة الاتحاد الوطني الحر (12 نائبًا) قد أعلنت موفى أوت/ آب الماضي، على لسان الناطقة الرسمية للحزب، اندماجها مع نواب مستقلين ومستقيلين من أحزاب أخرى إلى جانب نواب الكتلة الوطنية (10 نواب) في كتلة واحدة "وسطية جديدة تحدّ من التشتت البرلماني الذي يضرّ بالعمل التشريعي"، وفق تعبير سميرة الشواشي، الناطق الرسمي باسم الحزب، والتي تبين فيما بعد أنها كتلة "الائتلاف الوطني" المساندة للشاهد والتي يُعول عليها كثيرًا في بناء مشروعه السياسي.
ومن الملاحظ أن الرياحي، المنقلب حديثًا على الشاهد، كان قد ساند في تدوينة على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك بتاريخ 15 سبتمبر/ أيلول الماضي، قرار الكتلة، قائلًا: "اليوم، نحن نسعى لتكوين قوة برلمانية متوازنة الخط تدفع نحو استكمال مقومات ديمقراطيتنا من مؤسسات دستورية، ومشروع وطني وسطي حداثي يحرص على التجميع نحو مصلحة تونس وقبل كل شيء".
يمكن أن يكون تحوّل مواقف الرياحي على علاقة بالنهضة من خلال تكوين ائتلاف كبير يعارضها تحضرًا للانتخابات القادمة، ويُذكّر بتحالف "جبهة الإنقاذ" السابق
اقرأ/ي أيضًا: قراءة في بيان مجلسها الأخير: النهضة "تنقل التوافق" نحو القصبة.. بحذر وشروط!
ما يمكن استنتاجه سويعات قليلة بعد هذه التطورات الخارجة عن سير الأحداث منذ أشهر في تونس، أن التغير في مواقف سليم الرياحي أربك حتى نواب حزبه. النائب طارق الفتيتي، والذي كان رئيس كتلة الاتحاد الوطني الحر قبل اندماجها في "الائتلاف الوطني" أعلن في تصريح لـ"حقائق أونلاين" مساء الأحد 14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أنه لم يتم إعلام أعضاء الكتلة البرلمانية للاتحاد الوطني بخبر اندماج الحزب في حركة نداء تونس.
الفتيتي نفسه سبق أن صرح، يوم الأربعاء 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، على موجات الإذاعة التونسية (عمومية) أنه "قد يغادر كتلة الائتلاف الوطني إذا لم تتبلور إلى مشروع سياسي"، بينما يغادرها اليوم هو وبقية نواب الاتحاد الوطني الحر لأنها "منطلق مشروع سياسي حزبي"، كما صرح رئيس حزبه!
تتعدد القراءات في أسباب التحوّل الحاصل، وربما من المبكر الجزم فيها، فبينما يُصر البعض أنها صفقة جديدة عقدت بين الرياحي و"قصر قرطاج" لاسترجاع الرياحي لأمواله المجمدة ورفع تحجير السفر عنه، كما صرح بذلك بعض السياسيين فإن البعض الآخر يروج لسيناريو له علاقة بالنهضة سواء بانقلاب الأخيرة على الشاهد ورفعها الدعم عنه أو بانقلاب ضدها من ائتلاف كبير بصدد التكوّن تحضرًا للانتخابات القادمة، ويُذكر بتحالف "جبهة الإنقاذ" الذي جمع نداء تونس وأحزاب أخرى لإسقاط حكومة الترويكا قبيل انتخابات 2014.
قد يكون هناك توجه نحو ائتلاف برلماني جديد وموسع تكون له الأغلبية في البرلمان ويتحوّل إلى الكتلة الأولى فيه
هكذا، من المنتظر أن تصبح كتلة نداء تونس من جديد الكتلة الثانية في البرلمان بعد كتلة النهضة، لكن الانعكاسات قد لا تقتصر على حجم كتلة نداء تونس، إذ هناك توجه نحو ائتلاف برلماني جديد وموسع يضم نواب نداء تونس، الاتحاد الوطني الحر، كتلة الحرة لمشروع تونس، وكان قد أشار رئيس حزب المشروع محسن مرزوق لذلك في مناسبات سابقة، ونواب آفاق تونس.
في ذات السياق، كتب النائب عن الاتحاد الوطني الحر توفيق الجملي، الأحد 14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تدوينة في صفحته بموقع فيسبوك جاء فيها "ائتلاف برلماني جديد الأسبوع القادم ومفاجأة سياسية دستورية في الأيام القادمة". كما يكرر سليم الرياحي مؤخرًا "أنه حان وقت الانتقال لمشروع سياسي كبير يكون هو وحزبه النواة فيه"، وهكذا كتلة قد تكون لها الأغلبية في البرلمان، أي 109 صوتًا، وتتحول إلى الكتلة الأولى فيه وهو إن صح انقلاب على كتلة النهضة.
النهضة، هي غالبًا الأكثر توجسًا من سير الأحداث حاليًا. يؤكد هذا التزعزع في كتلة "الائتلاف الوطني" مدى هشاشة مشروع يوسف الشاهد الذي بدا أن النهضة عوّلت عليه وحوّلت نحوه "التوافق"
النهضة، هي غالبًا الأكثر توجسًا من سير الأحداث حاليًا. يؤكد هذا التزعزع في كتلة "الائتلاف الوطني" مدى هشاشة مشروع يوسف الشاهد المستقبلي، الذي بدا أن النهضة عوّلت عليه وهو الذي حوّلت نحوه "التوافق". هذا القرار الذي عارضه بعض قياداتها مؤخرًا، سواء من خلال تصريحات سيد فرجاني أو عبر رسالة سُربت للإعلام وكانت موجهة من بعض قيادات النهضة ومنهم لطفي زيتون إلى رئيس الحركة راشد الغنوشي.
لكن في المقابل، يبدو أنه من المبكر الحكم بتوحد "النداء التاريخي" كما أسماه محسن مرزوق ودعا له منذ فترة. هي عودة الروح نوعًا ما لنداء تونس وقائد السبسي، الأب والنجل، بعد أن ظن الكثيرون أن القطار قد تجاوزهما نهائيًا، لكن عديد المشاكل لا تزال قائمة كما يكتنف الغموض برنامج الشاهد المستقبلي سواء في علاقة بانتخابات 2019 أو أيضًا بالمصادقة على قانون المالية قريبًا، في ظل عدم وضوح من يدعمه فعلًا ووفق أي مقابل.
اقرأ/ي أيضًا:
حوارـ غازي الشواشي: الشاهد وظّف "أساليب غير ديمقراطية" لتكوين كتلته البرلمانية