05-أكتوبر-2018

اختيار كمدينة نموذجية ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي لحماية المدن المتوسطية من الكوارث الطبيعية (getty)

ترافقت المتغيرات الجوية التي عرفتها تونس في الفترة الأخيرة، والتي كانت أخطرها بولاية نابل والتي هددت أيضًا جهة الساحل ما تسبب في اضطراب بلغ إلى درجة تعليق الدروس بيوم واحد تحسبًا لإعصار قادم، مع توصيات متكررة برفع درجة اليقظة من الكوارث الطبيعية بتونس.

وقد تم فعلًا رفع درجة التأهب من طرف اللجان الجهوية لمجابهة الكوارث وتنظيم النجدة في عديد الولايات في تونس، غير أن المنظومة القائمة على الإنذار المبكر لم تكن مجهزة تقنيًا ومعلوماتيًا بالقدر الكافي وهو ما يستدعي مراجعة آنية واستراتيجية لطريقة عملها.

أثبتت فيضانات نابل الأخيرة أن المنظومة القائمة على الإنذار المبكر في تونس لم تكن مجهزة تقنيًا ومعلوماتيًا بالقدر الكافي وهو ما يستدعي مراجعتها

تمثل، في الأثناء، حماية الانسان على أسس علمية اعتمادًا على "منظومة معلومات جغرافية حديثة من أجل تخطيط مدينة آمنة في مواجهة الكوارث والمخاطر الطبيعية" واحدة من أهم أهداف مشروع إعداد منظومة معلومات مرقمنة بمدينة المنستير، وهي منظمة تعتمد بالأساس على مقاربة وتقنيات جديدة لتقييم المخاطر وتدعيم قدرة المجتمع على مواجهة الصدمات والتكيف معها والتعافي منها.

إذ اُختيرت مدينة المنستير، منذ جويلية/يوليو 2016، كمدينة نموذجية ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي لحماية المدن المتوسطية من الكوارث الطبيعية، وذلك على إثر ملف ترشح تقدمت به بلدية المنستير إلى جانب عدة مدن أخرى في كل من اليونان والجزائر والمغرب وليبيا. ويهدف هذا البرنامج الأممي إلى إنجاز منظومة لحماية المدينة من الكوارث الطبيعية بالاعتماد على تخطيط عمراني مستدام يأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية المحتمل وقوعها في المستقبل.

اقرأ/ي أيضًا: فيضانات نابل آخرها.. أكثر 10 فيضانات دمارًا في تاريخ تونس منذ القرن العشرين

وبعد سنتين من الدراسة، يأتي السؤال اليوم حول نتائج هذا المشروع الذي قُدرت كلفته بمليون و400 ألف دينار، الذي يجري إنجازه بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، ومكتب دراسات ألماني. وانتظم بتاريخ 4 أكتوبر/تشرين الأول 2018 لقاء لتقديم المشروع واكبه "الترا تونس".

وكانت قد انحصرت المراحل الأولى من المشروع في الاهتمام بجمع وتبويب المعطيات المتعلقة بواقع المجال الحضري لمدينة المنستير بالشراكة مع مختلف الإدارات الجهوية والمركزية والمؤسسات العمومية ذات الصلة، وبحضور المجتمع المدني في الورشات التي تم تنظيمها في مقر بلدية المنستير وذلك بغاية بناء بنك معلومات بطريقة تشاركية.

كما تضمن المشروع في مراحله الأولى تحيين قاعدة الخرائط الجوية بمدينة المنستير اعتمادًا على صور القمر الاصطناعي. كما اهتم المشروع بإعداد دراسة محينة تتضمن قراءة للمعطيات المجمعة واستخراج المؤشرات وتشخيصها وتقييم المخاطر بطرق علمية مع مقارنتها بفرضيات التطور الحضري، والتمدد في المجال العمراني لمدينة المنستير.

اختيار مدينة المنستير كمدينة نموذجية ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي لحماية المدن المتوسطية من الكوارث الطبيعية في مشروع بالشراكة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومكتب دراسات ألماني

سنية عياد رئيس مصلحة التهيئة العمرانية ومصلحة الدراسات ببلدية المنستير ومديرة هذا المشروع تحدثت لـ"الترا تونس" عن هذا المشروع موضحة بأنه يتمثل في حماية مدينة المنستير من الكوارث الطبيعية، ويهدف بالأساس إلى تعزيز قدرة مجابهة الكوارث الطبيعية من خلال تخطيط عمراني مستدام ومن خلال تأسيس منظومة للتوقي من المخاطر.

اقرأ/ي أيضًا: الكوارث الطبيعية بين السلطة المحلية والمجتمع المدني: أزمة ثقة أم أزمة اتصال؟

وأضافت عياد أن هذا المجال تتدخل فيه كافة الإدارات العمومية والوزارات، على غرار وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية، والمعهد الوطني للإحصاء، ووكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي، والمركز الوطني لرسم الخرائط والاستشعار عن بعد والديوان الوطني للحماية المدنية. وأشارت مديرة المشروع في حديثنا معها أن هذا الملف يهمّ أيضًا المتساكنين والمجتمع مدني، قائلة: "قمنا بتشريك الجميع من خلال ورشات عمل متعددة لتقديم مشروع نموذجي متكامل تنسج على منواله بقية البلديات". وأكدت أن إرساء هذه المنظومة هو "ضرورة ستسهل عملية اتخاذ القرار وإدارة الشأن البلدي عند الأزمات والكوارث الطبيعية" على حدّ قولها.

من جهته، اعتبر كمال الغمراسني رئيس لجنة المالية ببلدية المنستير أن البلدية تتابع نتائج الدراسة التي انطلقت منذ سنتين لمعرفة الواقع الحقيقي للمدينة من حيث الجانب الحضري والتدخلات الواجب القيام بها توقيا من المخاطر الطبيعية.

مديرة مشروع حماية المنستير لـ"الترا تونس": المشروع يهدف إلى تعزيز قدرة مجابهة الكوارث الطبيعية من خلال تخطيط عمراني مستدام و

وخلال اللقاء التقديمي للمشروع، صرح هشام السكوحي، ممثل المعهد الوطني للرصد الجوي، لـ"الترا تونس" قائلًا: "نحن كمعهد وطني للرصد الجوي، عملنا على عدة برامج مماثلة في عين دراهم وتطاوين، ولاحظنا في المدة الأخيرة، بحكم تأثير هذه الكوارث الطبيعية وخاصة التغيرات المناخية على مستوى البحر الأبيض المتوسط، تواتر الكوارث الطبيعية كالأعاصير والفياضانات وخاصة في البلاد التونسية".

وأضاف أن المشاريع الرئيسية للمعهد الوطني للرصد الجوي تتمثل في إصدار خارطة يقظة جوية تتضمن درجة الإنذار، باعتبار أن الدور الحالي للمعهد مقتصر في الوقت الحاضر على الرصد والإعلام فقط في حين تقوم أجهزة أخرى بعملية الإنذار، وفق تأكيده.

اقرأ/ي أيضًا: ولاية نابل تحت وقع الكارثة.. إنها الفيضانات مجددًا!

وفي نفس السياق، تحدث المسؤول بالمعهد الوطني للرصد الجوي عن المتغيرات الجوية الأخيرة التي مرت بها البلاد التونسية مؤكدًا بالقول: "الأعاصير في البحر الأبيض المتوسط لم نكن نعرفها وخاصة منها الأعاصير المدارية، والظاهرة الحديثة في المتوسط هي تلك الأعاصير شبه مدارية التي كانت تظهر مرة في السنة ولكن صارت تبرز مرتين في السنة منذ سنة 2014، وهاهي ظهرت في بلادنا ثلاث مرات في فترة وجيزة، وقد كانت إيطاليا واليونان أكثر المتضررين من هذه الأعاصير شبه المدارية".

هشام السكوحي (مسؤول في معهد الرصد الجوي): الدور الحالي للمعهد مقتصر في على الرصد والإعلام فقط في حين تقوم أجهزة أخرى بعملية الإنذار

وأضاف السكوحي: "ما حدث يوم 22 سبتمبر/أيلول 2018 في نابل يمكن تقديم تفسير له على اعتبار أننا لاحظنا أخطر الوضعيات الجوية وهي ما نسميها بالخلايا الرعدية الثابتة. إذ حدث شبه إعصار في جزيرة سردينيا وصقلية، ثم نزل إلى عرض خليج تونس بأقل أهمية ولكن في الوطن القبلي وعرض خليج الحمامات صار المنخفض الجوي يسير تيارات كبيرة وقوية من الجهة الشرقية، ويغذي الكتل النازلة بالرطوبة فلم تكن كميات الأمطار مرتقبة وذلك باستعمالنا النماذج العددية التي لم تعطينا أكثر من 40 مليميتر".

وأوضح السكوحي أن المعهد الوطني للرصد الجوي لا يملك النموذج العددي الدقيق وهو ما يعمل على تجاوزه خلال الفترة القادمة وذلك بتطوير المؤسسة تقنيًا نظرًا للنقص الفادح المسجل وفق تعبيره، مؤكدًا أنه في غياب أجهزة الرادار الخاصة بالرصد الجوي لا يمكن التوقع الدقيق بكميات الأمطار المتهاطلة. واعتبر ممثل المعهد الوطني للرصد الجوي، في نفس السياق، أن المشروع النموذجي بالمنستير هو مشروع متطور في استشعار المخاطر ويغذي آلية الاستشراف والتحذير وإطلاق الإنذار في حال الكوارث، وفق تأكيده.

شكري بن جنات (المدير العام السابق للحماية المدنية): ما ينقصنا اليوم هو المتابعة بعد الكارثة فالكارثة لا تزول إلا بالمتابعة

وفي معرض حديثه عن إدارة الأزمات، صرح العميد شكري بن جنات، مدير عام سابق بالحماية المدنية، لـ"الترا تونس" قائلًا: "يجب أن يتوفر لإدارة أي أزمة، إمكانيات وإجراءات واضحة حتى تستطيع البلدية مجابهة الطوارئ، ولابد من لجان مشتركة تقيم الآفات وتحدد الأولويات، وما ينقصنا اليوم هو المتابعة بعد الكارثة فالكارثة لا تزول إلا بالمتابعة".

عمومًا إن إدارة الأزمات ومجابهة الكوارث الطبيعية وغيرها يجب أن تكون مضمنة في التخطيط المستقبلي للمدن، ويكون مثيلًا لهذا النموذج الذي تعده بلدية المنستير من أجل حماية المدينة. لكن تبقى، في الأثناء، البيروقراطية والتعسير الإداري العائق الأبرز في وجه هذه الدراسات الاستراتيجية التي تصطدم بواقع مرير من حيث الجاهزية التقنية والمعرفية على حد سواء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأودية في تونس.. الوجه الآخر لأزمة الفيضانات

فيديو:سكان نابل يستغيثون بعد الفيضانات وخسائر ضخمة