18-مارس-2018

الكوفواتيراج في تونس مخالف للقانون (صورة تقريبية/ فتحي بلعيد/ أ ف ب)

أمام إحدى محطّات التزوّد بالوقود في العاصمة، ينتظر "عماد" (اسم مستعار) داخل سيّارته قدوم رفيق رحلته إلى سوسة. لا يعرف "عماد" عن الشابّين الّذين اتّفق معهما على تقاسم سيّارته مقابل 10 دنانير لكلّ واحد، غير اسميهما وعناوين إقامتهما. "سأقضي عطلة نهاية الأسبوع في سوسة، ومن الجيّد أن أوفّر على الأقلّ ثمن الوقود". ينوي "عماد" العودة أيضًا إلى تونس مساء الأحد بطريقة "تقاسم الرّكوب" (Covoiturage)، أي مصطحبًا في سيّارته راكبين آخرين مقابل مبلغ ماليّ يتّفقون عليه مسبقًا.

يدرك "عماد"، موظّف يبلغ من العمر 36 عامًا، أنّ القانون التونسي لا يسمح لأصحاب السيارات الخاصّة بنقل الأشخاص بمقابل مادّي، لكنّه يعتبر أنّ ما يقوم به ليس بدافع الرّبح. "ألجأ إلى هذه الطريقة لتقليص تكلفة الوقود بالأساس"، يقول "عماد" لـ"الترا تونس"، مضيفًا "أستخدم (الكوفواتيراج) مرّة كلّ أسبوعين أو أكثر في التنقّل إلى سوسة أو المهدية أو صفاقس وذلك إمّا بنقل أشخاص آخرين في سيارتي أو العكس أي أن أتقاسم أنا الركوب مع شخص آخر في سيّارته الشخصية".

عشرات المجموعات على موقع "فيسبوك" تقدّم خدمات "Covoiturage"

"تقاسم الرّكوب" أو "مشاركة السيّارات"، نظام للتنقّل البريّ عبر السيّارات يتشارك فيه أشخاص لا تربطهم، غالبًا، علاقة صداقة أو قرابة أو زمالة، الرّحلة في سيّارة واحدة. وقد ظهرت هذه الوسيلة في التنقّل خلال الحرب العالمية الثانية في الولايات المتّحدة الأمريكية، وانتشرت أكثر بعد أزمة الوقود النّاجمة عن "حرب أكتوبر" ( 1973 ). ويعدّ الـ"covoiturage" اليوم من أكثر وسائل التنقّل شعبية في عدد كبير من الدول حول العالم.

فيسبوك... من هنا تبدأ الرّحلة

عشرات المجموعات على موقع "فيسبوك" تقدّم خدمات "تقاسم الرّكوب" (Covoiturage)، إضافة إلى نحو عشرة مواقع على الإنترنت مخصّصة لنفس الغرض. توفّر بعض هذه المجموعات عروض "تقاسم الرّكوب" لسكّان تونس الكبرى بهدف تسهيل التنقل يوميًّا من البيت إلى مكان العمل أو الدّراسة، بينما تختصّ بقيّة المجموعات في عروض التنقّل بين الولايات/ المحافظات. تضمّ إحدى مجموعات "فيسبوك" المخصّصة للتنقّل بين "تونس" و"سوسة" أكثر من 41 ألف عضو. ويمكن للأعضاء كتابة تدوينة على حائط المجموعة يعرضون فيها مشاركة سياراتهم على الأشخاص المتّجهين إلى تونس أو سوسة في وقت معيّن من اليوم أو يبحثون عمّن يرغب في المشاركة.

لا يتقاسم "عماد" ركوب السيارة نحو وجهته مع شخص معيّن إلاّ بعد تفحّص حسابه جيّدًا على موقع "فيسبوك" والحديث معه مباشرة في الهاتف. ويؤكّد أنّه في المرّات التي استخدم فيها الـ"كوفواتيراج" حظي دائمًا برفقة جيّدة.

غايتنا ليست تحقيق الرّبح..

"بلال"، مشرف على مجموعة لـ"تقاسم الرّكوب" بين تونس وسوسة في موقع "فيسبوك" تنشط منذ أكثر من أربع سنوات. ويقول لـ"الترا تونس" إنّ المجموعة بدأت تشتهر في السّنتين الأخيرتين وأنّ المشرفين عليها أصبحوا أكثر حرصًا على التثبّت من هوية الحسابات التي تطلب الانضمام إلى الصفحة قبل قبولها وذلك لضمان عدم حدوث تجاوزات". كما يؤكّد أنّ "تقاسم الرّكوب" وسيلة للتنقّل غير هادفة للرّبح وأنّ هناك شروطًا تجمع عليها المجموعات المخصّصة للغرض على "فيسبوك" بالاتّفاق بينها. من أهمّ هذه الشروط، عدم تجاوز أربعة أشخاص في كلّ سيارة باحتساب السائق، وعدم تجاوز مبلغ 10 دينار لكلّ شخص، والتأكّد من هوية "المتقاسمين" (covoitureurs) قبل قبولهم في المجموعات.

اكتشف "بلال"، مهندس إعلامية، هذه الوسيلة في التنقّل عندما كان يعمل في فرنسا. وجعل يتجوّل بين المدن الأوروبية عبر "الكوفواتيراج" رغم أنّ "أسعار الحافلات غير باهضة". وهو يأمل أن يتمّ قريبًا تنظيم هذه الوسيلة في تونس وتقنينها لكي لا يعود اللّجوء إليها منحصرًا في مجموعات فيسبوك. لكنّه يعترف أنّ "التونسي مازال إلى اليوم غير قادر على الثقة في المواقع أو التطبيقات التي تقدّم هذه الخدمة دون الدّخول بنفسه إلى حساب الشخص الّذي سيتشارك معه الرحلة والتثبّت من معطياته الشخصية".

ويروي "بلال" لـ"الترا تونس" قصّة حدثت مع أحد مستخدمي ال"كوفواتيراج" قبل ثلاثة أسابيع. حيث كان هذا الشخص متوقّفًا أمام إحدى محطّات التزوّد بالوقود في انتظار قدوم من سيرافقوه في رحلته إلى سوسة. وعندما قدم أوّل المتقاسمين (covoitureur) فوجئا بقدوم شرطي وسؤالهما عن العلاقة التي تربط بينهما. وما كان من المتقاسمين إلا إجابة الشرطي بأنّهما "صديقان يسافران مع بعضهما البعض". ذلك أنّ أعضاء المجموعة قد تلقّوا تنبيهًا من المشرفين عليها بضرورة الإجابة دائمًا عن أسئلة الشرطة بـ"نحن أصدقاء" وعدم إثارة موضوع المقابل المادّي. ويضيف "بلال" إنّه على الرّغم من ذلك، قام الشرطي باقتياد المتقاسمين إلى أقرب مركز والتحقيق معهما للتثبّت من عدم تلقّي السائق مقابلًا لنقل المرافق. وبالرّغم من أنّه لم يمكن إثبات مخالفة السائق للقانون وقيام الشرطة لاحقًا بإخلاء سبيله هو ومرافقه، إلاّ أنّ الضّرر قد حصل، ذلك أنّهما تأخّرا على موعديهما في سوسة.

​ألفة (موظفة تونسية): استخدام عدّة أشخاص لسيّارة واحدة خلال سفرهم إلى نفس الوجهة يقلّص من حجم الوقود المحترق

الـ"كوفواتيراج" حاضر النقل ومستقبله في أوروبا..

لا يواجه المواطنون الأوروبيون مثلًا هذا الموقف، فـ"تقاسم الرّكوب" هناك وسيلة منظّمة ومعترف بها قانونيًا. "أشرف" شابّ تونسي يعيش في "ألمانيا" أين يعمل في إحدى الشركات الشهيرة المختصّة في صنع قطع السيارات والآلات الكهربائية. يقول "أشرف" في حديثه إلى "الترا تونس" عبر "واتساب" إنّه يمتلك حسابًا على موقع "blablacar" يحظى بمصداقية محترمة باعتباره خاض تجربة "تقاسم الرّكوب" عديد المرّات سواء سائقًا أو راكبًا.

يلجأ محدّثنا إلى الـ"كوفواتيراج" لأنّه "أبخس ثمنًا وعمليّ أكثر ويوفّر الرّفقة الجيّدة، إضافة إلى أنه أكثر نجاعة في الوصول إلى الأماكن التي لا تغطّيها خطوط النقل البرّي". لا يذكر "أشرف" أنه تعرّض إلى موقف سيّء في إحدى تجارب "تقاسم الركوب"، وذلك عائد بالطّبع إلى أنّ معظم حسابات مستخدمي الموقع قد تمّ التثبّت منها.

 ويعدّ موقع "blablacar" أشهر المواقع الأوروبية المخصّصة لتسهيل تنقّل الأشخاص داخل المدن الأوروبية وبينها عبر تشارك السيارات. يمكن لأي مواطن أوروبي فتح حساب على الموقع والتفاعل مع بقية الأعضاء عبر تقديم عروض النقل أو طلبها. وتسهر الشركة المشرفة على الموقع على التثبّت من مصداقية الحسابات المفتوحة لضمان عدم حدوث تجاوزات. ويضع الموقع على ذمّة مستخدميه خاصيّة قراءة آراء الأعضاء أو المستفيدين من خدمات "تقاسم الركوب" في تجاربهم والأشخاص الّذين شاركوهم هذه التجارب. الأمر الّذي يسمح للمستخدم الجديد بمعرفة أيّ "المتقاسمين" متحصّل على أكثر آراء إيجابية والاطمئنان بالتالي إلى شخصه.

وتؤكّد دراسة أوروبية (2014) أجريت على نحو 15 ألف شخص بين 16 و65 عامًا ومن 12 جنسية مختلفة أهميّة "تقاسم الركوب" كوسيلة نقل في أوروبا. حيث أظهرت الدراسة أنّ 21  %من الفرنسيّين قد خاضوا التجربة فعلًا، فيما يعتزم 41% منهم خوضها مستقبلًا. وخلصت الدراسة إلى أنّ 73% من المستجوبين ككلّ يعتقدون أنّ هذه الوسيلة في التنقّل ستزداد تطوّرًا في السنوات العشر المقبلة. أمّا أهمّ أسباب لجوء المواطنين الأوروبيين إلى "تقاسم الرّكوب" فتعدّدها الدراسة كالتالي: كلفة أقلّ، لقاءات جديدة، المرونة، الاكتشاف، المصداقية وتكوين مجتمع مصغّر. وتختلف هذه الوسيلة بالتالي عن الاستخدام الفردي للسيارة والّذي يعني أكثر كلفة وتلويثًا للبيئة.

21  %من الفرنسيّين قد خاضوا تجربة الكوفواتيراج

الكوفواتيراج في أوروبا وسيلة منظّمة ومعترف بها قانونيًا

لسنا مخالفين للقانون.. بل أصدقاء للطبيعة

تفضّل "ألفة"، موظّفة تبلغ من العمر 32 عامًا، التنقّل بين تونس أين تعمل والقيروان مسقط رأسها بطريقة "تقاسم الرّكوب" لأنّها "صديقة للبيئة" بالأساس. حيث أنّ "استخدام عدّة أشخاص لسيّارة واحدة خلال سفرهم إلى نفس الوجهة يقلّص من حجم الوقود المحترق والذي تتسبّب الغازات المنبعثة منه في تلوّث الهواء". وكان تقرير وضع الهواء في العالم لعام 2017 قد أظهر أنّ تونس من ضمن البلدان التي تسجّل أعلى معدّلات وجود الجزئيات الملوّثة في الهواء وفق معايير جودة الهواء التي حدّدتها منظمة الصحة العالمية. وقد تسبّب تلوّث الهواء في مقتل 4500 تونسيًا وتونسية عام 2015 نتيجة التعرّض له لفترات طويلة وفق الدراسة نفسها.

وتضيف "ألفة" أنّها تلجأ إلى الـ"كوفواتيراج" أيضًا لما تقدّمه هذه الوسيلة من إيجابيات على المستوى الاجتماعي. إذ تشرح أنّه على عكس المرّات التي تستقلّ فيها سيارات النقل الجماعي (لواج) أين تتجنّب الحديث مع بقية الركّاب عبر الاستماع إلى الموسيقى أو قراءة كتاب، تقضّي "ألفة" رحلة "تقاسم الرّكوب" في الحديث مع شركاء السفر وتبادل التجارب والتناقش حول مواضيع السّاعة. وكثيرًا ما تنتهي هذه الأحاديث وفقها إلى إيجاد "اهتمامات مشتركة" أو اكتشاف وجود "أصدقاء مشتركين".

اكتشفت "ألفة" بدورها الـ"كوفواتيراج" في أوروبا، لكنّها خاضت أولى تجاربها هنا في تونس بالصدفة كما تقول.

كان ذلك قبل بضعة سنوات في فترة عيد الفطر. انتظرت "ألفة" طيلة ساعات الحصول على مقعد في إحدى سيارات الأجرة للتمكّن من قضاء العيد مع عائلتها في "القيروان". حتّى سمعت إحدى السيدات تقول إنّها كانت تنوي ترك سيارتها في تونس والسفر بالـ"لواج" غير أنّه أمام طول الانتظار قرّرت امتطاء سيارتها، داعية من شاء من المتوجّهين إلى القيروان مشاركتها الطريق مقابل حوالي 10 دنانير. لم تتردّد "ألفة" كثيرًا في قبول العرض، فكان أن تقاسمت السيارة مع السيدة رفقة شابّة أخرى وصديقها. وتذكر محدّثتنا قضاء الرحلة كلّها في الضّحك بسبب بطء السيارة التي لم تكن صاحبتها قادرة على سياقتها بـ"أكثر من 70 كيلومترًا في الساعة" وفق تعبيرها.

وتؤكّد "ألفة" أنّ "تقاسم الرّكوب" لا يجب أن يكون مخالفًا للقانون باعتبار السائق "ذاهب بطبعه إلى تلك الوجهة" ولا يهدف إلى تحقيق ربح مادّي، وذلك على خلاف السائقين غير النظاميين الّذين يستخدمون سياراتهم الشخصية لنقل الأشخاص لقاء مبالغ تفوق أسعار تذاكر الـ"لّواج" أو القطار مستغلّين فترات الذّروة والاكتظاظ.

اقرأ/ي أيضًا: دعوة من أجل "ثورة الدراجات" في تونس

سفرة مريحة بعيدًا عن اكتظاظ سيارة النقل الجماعي

طول الانتظار في محطّات النقل الجماعي وخشية التأخّر عن المواعيد وصعوبة العثور على سيارة "تاكسي" في كلّ من محطّتي "باب عليوة" و"المنصف باي"، أسباب جعلت "إيناس"، موظّفة عمومية، تفضّل دائمًا "تقاسم الرّكوب". تستخدم "إيناس" أحيانا سيّارتها للتنقّل بين تونس وسوسة أو تشارك آخرين سياراتهم. وتقول لـ"الترا تونس": "بفضل الـ"كوفواتيراج" أوفّر ثمن الوقود ومعاليم الاستخلاص على الطريق السيّارة، كما أضمن سفرة مريحة بعيدًا عن اكتظاظ سيارة النقل الجماعي وما فيها من روائح عرق وسجائر وضجيج".

تدخل "إيناس" على مجموعة الفيسبوك المختصّة في "تقاسم الرّكوب" بين تونس وسوسة وتختار بعناية فائقة من ستشاركهم السفر وفقًا للمعطيات التي توفّرها حساباتهم الشخصية. لا تهتمّ محدّثتنا بجنس الرّكاب، إناثًا كانوا أو ذكورًا، لكنّها تعترف ببعض "الجهوية" في معيار اختيارها. إذ تقول لـ"الترا تونس": "لا أسافر إلاّ مع السواحلية".

حدث أن وجدت"إيناس" نفسها مرّات في "سيارة ضيّقة" أو قديمة وغير مريحة واضطرّت إلى دفع المساهمة كاملة رغم عدم رضاها عن "الخدمة". كما تعرّضت مرّة إلى موقف أزعجها كثيرًا مع محامية طالبتها بتوصيلها إلى مكان لم تتّفقا عليه منذ البداية الأمر الّذي أخّرها عن موعد لها في العاصمة.

مستخدمو "الكوفواتيراج" في تونس يعتقدون أنّهم لا يخالفون القانون

أتجنّب عروض حسابات فيسبوك الحديثة..

لا تذكر "مروى"، منسّقة مشاريع في منظّمة دولية، تعرّضها إلى مواقف مماثلة خلال تجارب الـ"كوفواتيراج". هي التي أكّدت لـ"الترا تونس" أنّها تستخدم هذه الوسيلة مرّة كلّ أسبوع تقريبًا، تحرص على التثبّت جيدا من حسابات الأشخاص على "فيسبوك" قبل الموافقة على مشاركتهم سيّاراتهم. إذ لا توافق "مروى" على عروض "تقاسم الرّكوب" إلاّ من قبل أشخاص يجمعها بهم أصدقاء مشتركون وتظهر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أنّهم جديرون بالثقة. وكثيرًا ما تلقّت "مروى" ردودًا في مجموعة الـ"كوفواتيراج" من أشخاص لم يمض على فتح حساباتهم بـ"فيسبوك" أكثر من يومين ولا تظهر أسماؤهم أو صفاتهم كما لا يجمعها بهم أيّ صديق مشترك.

وعلى الرّغم من أنّ والديها أظهرا تخوّفًا في البداية من استخدام ابنتهما لهذه الطريقة في السفر من وإلى العاصمة، فإنّ "مروى" تتقاسم الركوب كلّ يوم جمعة مع أشخاص جدد لقاء 8 دنانير مستمتعة بما توفّره السيارة من رفاهة لا تجدها في الـ"لواج". كما أنّ ما تدفعه كـ"مساهمة" في تكلفة الوقود يمثّل حوالي نصف ما كانت ستنفقه للتحوّل من منزلها في "العوينة" أو مقرّ عملها في "المرسى" إلى محطّة "منصف باي" بالـ"تاكسي" ثمّ إلى سوسة" في سيارة النقل الجماعي.

لم تشهد "مروى" إيقاف سيارة ال"كوفواتيراج" من قبل شرطة المرور أو الحرس التونسيين.. غير أنّ سائقًا أخبرها مرّة بأنّ صديقًا له قد تمّ إيقافه قبل بضعة أيام في إطار المراقبة العادية. وقد ارتبك أحد "المتقاسمين" (covoitureurs) إلى درجة نسيان اسم السائق أثناء حديثه مع الشرطي ممّا تسبّب لهم في "تحقيق" مطوّل عن نوعية العلاقة التي تجمع بين ركّاب السيارة. ولذلك، حرص السائق الّذي شاركته "مروى" تلك السفرة على دعوة كلّ الركّاب إلى التعريف بأنفسهم كي يظهروا بمظهر الأصدقاء في حال إيقاف السيارة للمراقبة.

في انتظار التحصّن بالقانون

تحكّم في كلفة السّفر، رفاهية، علاقات اجتماعية وحفاظ على البيئة، خصائص تجعل من "تقاسم الركوب" أو الـ"كوفواتيراج" وسيلة نقل يزداد إقبال التونسيين عليها يومًا بعد يوم. وعلى الرّغم من تنامي أعداد مستخدميه، وعلى خلاف سائر الدّول التي تمّ فيها تنظيم "تقاسم الرّكوب" وتقنينه لينضاف إلى بقية وسائل النقل النظامية، لا يوجد في تونس إطار تشريعي ينظّم هذه الوسيلة في التنقّل.

يقع مستخدمو "تقاسم الركوب" تحت طائلة القانون رقم 2004-33 الصّادر في 19 أفريل 2004 والمتعلّق بتنظيم النقل البري والّذي يوضّح الأحكام المتعلقة بقطاع النقل البريّ العام غير المنتظم ، وهي سيارات الأجرة الفردية (تاكسي) والجماعية (اللّواج) والتاكسي السياحي، والنقل الريفي. كما ينصّ على أنّ النقل العرضي (في المناسبات والأغراض الخاصّة) يخضع إلى إذن. ويوضّح المحامي الدّارس والناشط الحقوقي علاء الخميري، أنّه "باعتبار "تقاسم الركوب"، ظاهرة حديثة العهد في تونس، ولا يعتبر ضمن أيّ من وسائل النقل المنصوص عليها، فهو يعدّ مخالفًا للقانون ونقلًا للأشخاص بطريقة غير شرعية ممّا يعرّض أصحابه بالتالي إلى العقوبة التي قد تصل إلى حجز السيارة إضافة إلى خطية مالية لا تتجاوز الألف دينار.

ولكنّ مستخدمي "الكوفواتيراج" في تونس يؤمنون أنّهم لا يخالفون القانون كونهم لا "يدفعون" مقابل تنقّلهم وإنّما "يساهمون" في تكاليف الوقود (cotisation) وفي حماية البيئة وتوطيد العلاقات الاجتماعية بين التونسيين عبر التعرّف على أشخاص جدد مع كلّ مسافة يقطعونها بين مدينة وأخرى.
ينصّ الفصل الثالث والعشرون من الدستور التونسي على أنّ لكلّ مواطن حرية التنقّل داخل الوطن، ويأمل محبّو "تقاسم الرّكوب" أو الـ"كوفواتيراج" أن يتمّ قريبًا تفعيل النصّ الدستوري بسنّ قانون ينظّم هذه الطريقة في التنقّل فيخرجها من خندق الممارسة الهاوية المتخفّية وراء ستار "الصّداقة" إلى شمس الممارسة المعلنة المتحصّنة بالقانون.