01-مايو-2018

سجلت هيئة الانتخابات 860 قائمة مستقلة للانتخابات البلدية (صورة تقريبية/ حاتم الصالحي/ أ ف ب)

منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 إلى اليوم وعامّة التّونسيين لا يفهمون عميقًا ما يحدث حولهم في الشأن الانتخابي، هم فقط مأخوذون بزبد الديمقراطيّة التي كانوا إليها عطاشى.

وإلى حد رئاسيّة 2014 كانوا يعتقدون أنهم يترجمون على أرض الواقع درس الحريّة والحال أن المسألة معقدة وتتجاوز ذاك الصراع السطحي الذي دار آنذاك بين المترشحين أنفسهم (الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي ) وأنصارهم.

اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات البلدية.. ماذا وراء ضعف إقبال الأمنيين والعسكريين على الاقتراع؟

في هذا الخضمّ السياسي الذي تعيشه تونس منذ سبع سنوات تحت عنوان بارز هو الانتقال الديمقراطي طفا على السطح مفهوم رشيق وهو "الاستقلالية" بمعنى أن يقدّم الأشخاص أنفسهم بعيدًا عن الأحزاب والإيديولوجيات خاصة بعد أن ملّ التونسيون تلك الصورة النمطية للسياسيين المتحزّبين والمتصارعين والمتراشقين والمتلاسنين بأبشع النعوت من أجل إزاحة بعضهم البعض من كراسي السلطة.

يبدو أن رشاقة مفهوم الاستقلالية والذي يضمنه القانون الانتخابي تمت الإساءة إليه من قبل الفاعلين السياسيين والأحزاب

لكن يبدو أن رشاقة مفهوم الاستقلالية والذي يضمنه القانون الانتخابي تمت الإساءة إليه من قبل الفاعلين السياسيين والأحزاب على وجه التحديد. فبعد النتائج المخيفة لاستطلاعات الرأي التي أفادت أن النّاخب التونسي سيعزف عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع خلال بلديّات 2018 جراء الشعور بالخذلان والإحباط وعدم الرّضا الذي يرافق التونسيين منذ استحقاقات 2014، ركب الجميع مركب الاستقلالية حيث سجّلت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات من جملة 2074 قائمة مترشحة للاستحقاق البلدي القادم 860 قائمة مستقلّة.

وفي قراءة متسرّعة لهذا الرقم نلمح خشية الأحزاب من أرض الانتخابات التي بدت غامضة هذه المرة ومدلهمّة بعض الشيء فاستنبتت من رحمها قائمات ترفع لواء الاستقلالية في حين أنها غير مستقلة وحتى أسماؤها تشي بمراجعها الحزبية في مراوغة غير أخلاقية للناخبين.

وقد حددت هيئات ومنظمات وجمعيّات المجتمع المدني المختصة في الانتخابات نسبة عدم الاستقلالية من هذه القائمات بثلاثين في المائة، وهي نسبة تعكس الوعي السياسي المتردّي والمخاتل لدى المترشحين في هذه القائمات المستقلّة مما يهدد بشكل من الأشكال الديمقراطية الناشئة في تونس.

اقرأ/ي أيضًا: سيدي بوزيد.. الانتخابات البلدية لم تمرّ من هنا؟

ومن البهلوانيات التي أقدمت عليها بعض الأحزاب خلال بلديات 2018 ومنها أحزاب كبيرة ومعروفة موجودة في السلطة الآن، وخسرت جزءًا هامًا من قاعدتها الانتخابية جراء فشل سياساتها وإدارتها للحكم، كحزب حركة النهضة وحركة نداء تونس، هو ترشيح مستقلّين في قائماتها ببعض الجهات في حركة توجسيّة من المستقبل.

حتى أن حزبًا ناشئًا كحزب حراك تونس الإرادة الذي ترشح بـ 46 قائمة كان يوصي المترشحين المستقلين في قائماته خلال الحملة الانتخابية بتجنب ذكر اسم الدكتور المنصف المرزوقي وقيادات الحزب وتقديم أنفسهم كشخصيات مستقلة في مناطقهم البلدية.

هذا فضلًا عن المال السياسي الرائج و شراء الذمم و الولاءات. كل هذا وغيره مما رافق الاستحقاق البلدي من شأنه أن يسيء للعمليّة السياسية الديمقراطية في تونس والتي ينظر إليها العالم بانبهار وإعجاب. كما يعمّق أزمة العزوف عن الانتخاب في المحطات القادمة ويزيد أيضًا من الشعور بعدم الثقة في الطبقة السياسية.

الخوف كل الخوف مما يحدث الآن هو ضرب مبدأ الاستقلالية ومنها ربّما التأسيس الهشّ للحكم المحلي الذي ينتظره التونسيون منذ سنوات

هذا على المستوى الأخلاقي أما في مستويات تقنية وقانونية فإن اعتماد هذه الطريقة في الانتخاب (أكبر البقايا) من شأنها أن تشتت الأصوات وتشوش على الناخب الذي ملّ من الذهاب إلى الاقتراع . وهو ما أكده الأستاذ قيس سعيّد المختص في القانون الدّستوري في أكثر من منبر إعلامي إذ يقول "هذه الطريقة يمكن أن تؤدي إلى فوز بعض القائمات المستقلة وإن تحصّلت على عدد محدود من الأصوات ".  ويضيف "هذا النوع من التصويت سيء وغير ملائم رغم أنه يبدو في ظاهره إيجابيًا لأن الانتخاب على القائمات يؤدي إلى الانحراف بالتفويض الذي يقوم عليه الانتخاب لأنه تفويض من الناخب إلى النائب وليس المفوّض هو الحزب الذي رشح هذا النائب".

الخوف كل الخوف مما يحدث الآن  ــ ونحن على عتبات التصويت في الانتخابات البلديّة ــ هو التّبعات السيئة جرّاء ضرب مبدأ الاستقلالية ومنها ربّما التأسيس الهشّ للحكم المحلي الذي ينتظره التونسيون منذ سنوات.

إن مبدأ الاستقلالية أستبيح في كامل الاستحقاقات الانتخابية التي مرّت بها تونس في السبع سنوات الأخيرة استخفافًا بوعي الناخب وبالتالي فإن رجال القانون والهيئات الدستورية والمنظمات مطالبون بالتسريع في مراجعة القوانين الانتخابية بما يحمي الناخب من جهة والديمقراطية التونسية من جهة ثانية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ذوو الاحتياجات الخاصة في الانتخابات البلدية.. حطب بلا دخان

النساء في الانتخابات البلدية.. "ما هي إلا امرأة"؟