18-يوليو-2018

أثارت الأغنية جدلًا كبيرًا على شبكات التواصل الاجتماعي

في عرض فيسبوك، ذلك الفضاء الأزرق الذي لا فرق فيه بين الغث والسمين، يمكن أن تطالعك فيديوهات لأغان من "الزمن الجميل" وأخرى من "الزمن الرديء". وأنت تتجوّل في صفحة الاستقبال في حسابك "الفيسبوكي"، قد تفتح سهوًا فيديو لأغنية لا يمكن تصنيفها. تتسلّل كلمات إلى أذنك قد تتململ في البدء ولكن في محاولة منك لإيجاد منعطف يأخذك بعيدًا عن سيل الرداءة تواصل الاستماع.

"هي تطيح وأنا نطلعها" عنوان أغنية ردّدها أحدهم يدعى هيكل بطريقة تحثّك على تهشيم شاشة الهاتف. "حليت عيني من النوم راسي وجعني وسخون.. خزرت يمين ويسار.. ما لقيت روحي في الدار.. ساقي تصول وتجول.. حسيت روحي مهبول.. وأنا قاعد نقول وأنا قاعد نقول.. أبب هي تطيح وأنا نطلعها.. حاسس روحي فرحان طاير راكب في حصان والفيل علي خلط يشطح جنبي وينط.. جاني وقلي في وذني.. عاود ورايا وغني عاود ورايا وغني.. أبب هي تطيح وأنا نطلعها"، هذه كلمات الأغنية "الحدث"، أغنية أغرقت في الرداءة على جميع الأصعدة.

توصيف أغنية "هي تطيح وأنا نطلعها" بالرداءة ليس نابعًا من أثر سيء تخلّفه في نفس المستمع أو المشاهد، بل هو نابع من الإجماع على كون الأغنية إن جاز القول خاوية على عروشها

وأنت تتفحّص في "عمق" الكلمات، قد تختلط في ذهنك الأمور ويظل الشيء الوحيد الثابت والمؤكّد أنّك تقف وجهًا لوجه مع حالة من حالات الفن الرديء.

قد تعترضك يوميًا حالات من الفن الرديء، ولكن هذه الحالة تختلف إذ أنّها جمعت بين الرداءة على مستوى التبليغ والرداءة على مستوى القيمة. تتمعن في الأشخاص (لا توصيف لهم) ينطّون حذو المسبح، في اعتداء صارخ على الإستيتقا، يقفزون كالضفادع على شفا المستنقعات دون رسالة واضحة، قفز ولا شيء غير القفز.

وتوصيف أغنية "هي تطيح وأنا نطلعها" بالرداءة ليس نابعًا من أثر سيء تخلّفه في نفس المستمع أو المشاهد، بل هو نابع من الإجماع على كون الأغنية إن جاز القول خاوية على عروشها، فلا الكلمات أفلحت ولا الصورة ولا التجربة المراد تبليغها.

وهذه "الفعلة" أثبتت أنّ الرداءة لا تتجزّأ، وقد تظافرت كل العوامل لتعجّل بفشلها، وكان من الممكن التغاضي عن سطحية الكلمات والمشاهد، لو كان "الفيديو" يحمل في طياته قيمة ورسالة، والأمر هنا ليس مرتبطًا بمجال الأخلاق مثلما قد يتبادر إلى البعض وإنّما يتعلّق بالفلسفة الكامنة وراء نفخ الروح في الأغاني أو الأفلام وغيرها من الإنتاجات الفنية.

الأغنية قد تكون محاكاة للواقع، ولكن كانت لتكون حمّالة قيمة وتجربة لو أنها سعت إلى تفكيك هذا الواقع وإعادة تركيبه برؤية فنية، لكن يبدو أن فكرة الأغنية منذ البداية أسست لشبكة معقدة قوامها الرداءة.

اقرأ/ي أيضًأ: فن الكوميديا في تونس.. تهريج وابتذال

الأغنية قد تكون محاكاة للواقع، ولكن كانت لتكون حمّالة قيمة وتجربة لو أنها سعت إلى تفكيك هذا الواقع وإعادة تركيبه برؤية فنية

وبالبحث عن أصل "مقولة" هي تطيح وأنا نطلعها" توصلنا إلى أن ولادتها كانت في الملاهي الليلة حيث ارتبطت برقصة تسمى "الهربة"، وهي رقصة مرتبطة بتعاطي نوع من الحبوب المخدرة. وقد لاقت "المقولة" رواجًا كبيرًا، خاصة بعد ترديدها في أحد مشاهد سيتكوم "دنيا أخرى"، وقد تبدو فكرة تناولها في أغنية طريفة ومغرية، ولكن يبدو أن منفذي العمل سقطوا في الاستسهال وأغرقوا في الإسفاف. وربما سعى "هيكل علي" مؤدي الأغنية "الحدث"، وراء الإثارة و"البوز" ليصعد سلم الشهرة في وقت صاروخي، متناسيًا أنه قد يسقط بسرعة جنونية.

وأنت تحاول أن تفكك شيفرات الأغنية، تصاب بشلل على مستوى الخلايا العصبية وقد تفقد القدرة على التفكير وتنتابك رغبة ملحة في تعاطي الحبوب المخدرة وأنت تتخيل شخصًا يركب داخل حصان أو فيلاً يقفز بل يحدثك في أذنيك. تعيش حالة من السادية والمازوشية وأنت تشاهد الأغنية، تعذّب نفسك وتنتشي بألمها وقد تصاب بالغثيان وأنت تحاول أن تبحث عن نقطة مضيئة في الأغنية المصورة، نقطة واحدة مضيئة لا غير.

تحاول عبثًا أن تخرج من أتون الرداءة وتجلد ذاتك وأنت تبلغ آخر المشاهد، تطالعك صورة الممثلة المسرحية عزيزة بولبيار، ولا تملك إلا أن تتساءل عن الجدوى من إقحام "هذه القامة في مجالها" في مثل هاته الأغاني. قد لا تطنب كثيرًا في التساؤل كي لا تحمّل فنانة خطت تاريخًا من الإبداع في مجال التمثيل والمسرح، ما لا طاقة لها به، فيكفي أنها ظهرت في فيديو أغنية كان من المفترض أن تسمى "الرداءة تطيح وأنا نطلعها".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الكرونيكور" في تونس.. من يقدم الإثارة أكثر؟

حين تطبّع وسائل الإعلام التونسية مع الذكورية..