10-فبراير-2024
أيام قرطاج لفنون العرائس الأسعد المحواشي

صروة من مسرحية "لقاء" التي أخرجها الراحل المحتفى به في هذه الدورة الخامسة الأسعد المحواشي (صفحة أيام قرطاج لفنون العرائس على فيسبوك)

 

تظاهرة أيام قرطاج لفنون العرائس تعتبرها العائلة العرائسية في تونس النجمة التي بها تستدل على وجودها في الساحة الثقافية الواسعة. ولعلّها أيضًا البلاغة القصوى التي بها استطاع المسرح التونسي حفظ تلك الذاكرة القديمة لعرائسيين كبار أفنوْا العمر نحتًا في صخرة الفن فأسسوا ما أسسوا طيلة أربعة عقود من الزمن.

خمس سنوات أو خمس دورات إبداعية حاولت من خلالها تظاهرة أيام قرطاج لفنون العرائس، التي يتبناها بكل محبة ورباطة جأش المركز الوطني لفن العرائس،  أن تعلي من هذا الفن وترفع رايته عاليًا وترسّخ حضوره كفن قديم قدم الإنسان وإبداعٍ عريق مميز مساهم في صناعة الذوق والدفع بالمجتمع إلى مناطق السلم بالمعنى الفلسفي للكلمة، وتأصيله بالمكابدة والضنى والعمل وتحدي كل الصعوبات المادية والإدارية واللوجستية من أجل البقاء والثبات. 

الدورة 5 لأيام قرطاج لفنون العرائس التي تواصلت من من 3 إلى 10 فيفري 2024 استقبلت أكثر من 100 عرائسي محترف من تونس ومن العالم قدموا 37 عرضًا

وقد توخت في ذلك توجهات استراتيجية واضحة ترتكز على عنصرين متناغمين هما: التعاطي مع المنتج المسرحي العرائسي التونسي بقطاعيه العام والخاص، والدفع به إلى مناطق الضوء ونحت المصير الإبداعي وتقديم الإضافة التي يستحقها مسرح العرائس، والانفتاح على التجارب العرائسية العريقة بالوطن العربي ومن مختلف ثقافات العالم. 

كل ذلك حتى تصبح تونس ضفة دولية معروفة يزورها مريدو هذا الفن، فتكون الزيارة مناسبة لتبادل الخبرات وبسط الثمرات أمام الجمهور التونسي والعربي، هذا الجمهور الآخذ في التنامي مع تتالي الدورات. 

الدورة الخامسة لأيام قرطاج لفنون العرائس التي انطلقت يوم 3 فيفري/شباط 2024 وتواصلت إلى غاية اليوم العاشر من نفس الشهر استقبلت أكثر من 100 عرائسي محترف من تونس ومن العالم، قدموا 37 عرضًا توزعت بين تونس العاصمة وضواحيها، وأيضًا بولايتي القيروان وأريانة. 

 إن المشاركة التونسية في الدورة 5 من تظاهرة أيام قرطاج لفنون العرائس تتوجه بالأساس للأطفال. وهي عادة دأب عليها مسرح العرائس في تونس عكس ثقافات أخرى نجد فيها أن فنون الماريونات تتوجه للأطفال والكبار على حدٍّ سواء

تميزت المشاركة التونسية، في أيام قرطاج لفنون العرائيس، كمًّا وكيفًا، حيث استقبلت هذه الدورة 9 أعمال تونسية هي خلاصة تجارب عميقة خاضها عرائسيون هواة ومحترفون بمشاركة لافتة من طلبة المعهد العالي لفن المسرح، وهو المعهد الذي يحسب له الاهتمام بهذا الفن وجعله اختصاصًا متاحًا للمهتمين به من الطلبة والباحثين.

ويمكن تقسيم المشاركة التونسية في الدورة الخامسة من الأيام إلى قسمين:

مشاركة موجهة إلى كل الأعمار، وتتضمن مسرحية "جلجامش" وهي من إنتاج القطاع الخاص وأخرجها علي الناصر ومدتها 55 دقيقة. ويعود هذا العمل العرائسي إلى ملحمة جلجامش السومرية البابلية القديمة وهي أول ملحمة كتبت ورويت بكامل تفاصيلها. وتروي قصة مدينة أوروك وحاكمها الذي عرف بتسلطه وظلمه، وهو جلجامش.  فقررت الآلهة معاقبته بأن بعثت له صديقه أنكيدو ليكيد له ويتحداه في المبارزة والصراع، لكن جلجامش قبل التحدي وانتصر وتحول العداء إلى صداقة وطيدة.

من بين أبرز العروض التونسية في أيام قرطاج لفنون العرائس مسرحية "لقاء" التي أنتجها المركز الوطني لفن العرائس سنة 2016 وأخرجها العرائسي الراحل المحتفى به في هذه الدورة الخامسة "الأسعد المحواشي"

مسرحية "لقاء" التي أنتجها المركز الوطني لفن العرائس سنة 2016 وأخرجها الراحل المحتفى به في هذه الدورة الخامسة الأسعد المحواشي وقام بالأداء والتحريك لعرائس الطاولة كل من صبري عبد اللاوي وأسامة الماكني وهيثم الوناسي. 

ومسرحية "لقاء" تروي حكاية عازف أكورديون حلم بفرصة النجاح في وطنه لكنه لاقى صعوبات وعوائق عديدة. فقرر الهجرة إلى بلد آخر حيث لقي الحظوة المرجوة. وفي نفس الوقت كان الفنان العازف يعيش تمزقًا نفسيًا بين حبه لوطنه الأصلي والوطن الذي تبنى أحلامه. المسرحية تطرح بقوة موضوع الغربة بجميع أنواعها وخصوصًا غربة الفنان.  

 

 

أما المشاركة الثانية في موجهة إلى الأطفال، ونجدها تتضمن مسرحية "عصفور الجنة"، وهي من إنتاج القطاع الخاص وقام بإخراجها العرائسي المخضرم عياد بن معاقل ومدتها 45 دقيقة وتستعمل "عرائس الخيط".

وتقدم المسرحية العرائسية حكاية شيخ يحب الطبيعة ويطرب لشدو العصافير، لكنه ابتلي بجار يكره العصافير ويقطع الأشجار كي لا تلوذ بها فتزعجه بصداحها. يعثر الشيخ على دمية راقصة فيستعملها لإدخال الفرح والبهجة على الناس. لما علم جاره اقترض العروسة وتسبب في كسرها، فحزن الشيخ وقام بدفن العروسة في الحديقة، لكن بعد مدة نمت شجرة فوق قبر العروسة وظهر عليها عصفور عجيب. هذا العمل يتناول موضوع علاقة الإنسان بالطبيعة وأهمية تربية الأبناء على حب الأشجار والنبات والطيور والحيوانات. 

نجد ضمن هذه البرمجة الموجهة للطفل مسرحية  "عصفور الجنة" من إخراج العرائسي المخضرم عياد بن معاقل وهي تتناول علاقة الإنسان بالطبيعة وأهمية تربية الأبناء على حب الأشجار والطيور والحيوانات 

أيضًا مسرحية "عطر الفنون"، وهي من إنتاج القطاع الخاص ومدتها 55 دقيقة، قام برسم السينوغرافيا والإخراج العرائسي محمد الصبحي بن حسين. وتروي قصة حكواتي ومعاونه المهرج اللذين لم تعد عروضهما تلقى إقبالًا جماهيريًا من قبل الأطفال الذين أصبحوا يميلون إلى الألعاب الإلكترونية والانشداد إلى الحواسيب والهواتف النقالة. فيحاولان تغيير أنواع العروض لجلب الأطفال وتشجيعهم، لكنهما يفشلان. وفي يوم ما يقع اختطاف الراوي الحكواتي والهرب به من الأرض إلى كوكب الأضواء حيث سيقترح عليه حاكم الكوكب أن يعيش معهم ويحكي لهم حكاياته الشيقة مقابل مكافأة كبيرة. 

 

 

مسرحية أخرى موجهة للأطفال تشارك في الدورة الخامسة لأيام قرطاج لفنون العرائس عنوانها "أصدقاء البحر" وهي من إنتاج نادي المسرح بدار الثقافة البئر الأحمر بتطاوين، ومدتها 50 دقيقة وتنجز بتقنيات عرائس الطاولة وخيال الظل وقام بإخراجها جلال حمودي. وتتناول موضوع النظافة والعناية بالبيئة من خلال توصيات شيخ لحفيدته يرشدها إلى عدم إلقاء الفضلات في البحر وفي الطبيعة بشكل عام. 

أما مسرحية "السحابة المفقودة"، وهي أيضًا من إنتاج القطاع الخاص، فقد قام بإخراجها المسرحي حسام العابد وتروي قصة الثنائي شرشور وفرفور اللذين احتجزا الغيمة التي تنقل الأمطار إلى القرية وقاما بتسميمها، لكن أطفال القرية يتصدون إلى الثنائي الشرير ويفشلون في خطتهم.

كما نجد ضمن هذه البرمجة الموجهة للطفل مسرحية "لحن تاتو" ومدتها 55 دقيقة وأخرجها للقطاع الخاص المسرحي العرائسي محمد بن صالح العوادي. وتروي قصة اليتيم "تاتو" الذي عاش وحيدًا في قرية لا يأبه به أحد. وفي يوم من الأيام تهاجم مجموعة من الفئران القرية فأفسدت كل المحاصيل حتى باتوا مهددين بالمجاعة، لكن "تاتو" ينسق مع صديقه عازف الناي وينقذ القرية من هجوم الفئران فيحظى بإعجاب الجميع. 

 

 

مسرحية "فيل بوك" المنتجة من قطاع الخاص والتي من إخراج المسرحي حافظ خليفة، مدتها 55 دقيقة وهي تروي قصة ملك حكيم يعيش في مملكة بعيدة أمر بزرع الكتب وفي يوم الأيام جاءت جحافل من الفيلة من أجل الأكل والشرب من نهر المملكة وبساتينها. لكن الفيلة لم تفسد محاصيل الكتب لحكمتها وشهرتها بالمعرفة. أما الخلاصة التي ذهبت إليها المسرحية فهي أن زراعة الكتب لا تقل أهمية عن زراعة الغلال والحبوب. 

تتميز العروض العرائسية التونسية في الدورة الـ5 من أيام قرطاج لفنون العرائس بقوة النصوص التي تحمل المتفرج من الأطفال على وجه الخصوص على الحلم وتنمية الخيال لديه

المسرحية التاسعة هي "الفراشة البيضاء" من إنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بالقصرين وأخرجها المسرحي وليد الخضراوي. وتروي قصة مجموعة من الفراشات  تتنافس ضمن مسابقة لتتويج أجمل الأجنحة وأزهاها ألوانًا وزخارف. وفي خضم السباق هناك فراشة بيضاء لا تدري إن كان لها مكان في المسابقة فينتابها شك في قدراتها الجمالية.

 إن المشاركة التونسية في الدورة الخامسة من تظاهرة أيام قرطاج لفنون العرائس تتوجه بالأساس إلى الأطفال. وهي عادة دأب عليها مسرح العرائس في تونس عكس ثقافات أخرى نجد فيها أن فنون الماريونات تتوجه للأطفال والكبار على حدٍّ سواء. كما تتميز العروض العرائسية التونسية بقوة النصوص التي تحمل المتفرج من الأطفال على وجه الخصوص على الحلم وتنمية الخيال لديه.