الترا تونس - فريق التحرير
من النادر أن تشهد تونس عودة مدرسية لا يتجدّد فيها الجدل حول الدروس الخصوصية، ليطفو الموضوع على سطح النقاش العام كلّ مرّة. في هذه السنة الدراسية 2021-2022، كان تصريح وزير التربية فتحي السلاوتي هو ما أعطى إشارة انطلاق بدء هذا التباين في التصريحات والمواقف وهو ما يرصده "الترا تونس" في التقرير الآتي.
وزير التربية: الوزارة اعتمدت عقوبة الحرمان من الأجر لثلاثة أشهر، ونحو مزيد تشديد العقوبات للمدرّسين الذين يعمدون إلى الدروس الخصوصية
صرّح وزير التربية فتحي السلاوتي الجمعة 17 سبتمبر/ أيلول 2021، لإذاعة "جوهرة أف أم" أنّ الدروس الخصوصية "زادت في تعميق الفوارق بين التلاميذ، وهي معاناة كبيرة للعائلات التي يقترض بعضها من البنوك ومن الأقارب أو يضطر لبيع ممتلكاته ليسدّد نفقات هذه الدروس"، مضيفًا: "كأنّ الدروس الخصوصية أصبحت غير مكمّلة، بل رئيسية، وهناك للأسف بعض المدرّسين الذين يجبرون التلاميذ على ذلك، ولهذا فالوزارة اعتمدت عقوبة الحرمان من الأجر لثلاثة أشهر، وذاهبة نحو مزيد تشديد العقوبات" وفق قوله.
هذا التصريح، كان موجبًا للردّ من طرف كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي الاثنين 20 سبتمبر/ أيلول الجاري، إذ اعتبر أنّ تصريح وزير التربية، مهين ولا يليق به، قائلًا: "هناك قضايا يجب التعاطي معها بكثير من الحنكة والحكمة، فالدروس الخصوصية ظاهرة نخرت التعليم لفساد التعليم وبالتالي لا يمكن أن تنتهي إلا بإصلاح التعليم" وفق تعبيره.
اقرأ/ي أيضًا: عودة مدرسية باهتة في تونس.. لا إصلاحات ولا قرارات ولا انتدابات
وشدّد اليعقوبي على ضرورة التعاطي مع هذه الظاهرة موضوعيًا، مضيفًا: "قدمنا مقترحات بأن لا تتم هذه الدروس إلا داخل الفضاء المدرسي، لكن اشتغلنا على هذا النحو سنة ثم جاء وزير التربية الأسبق ناجي جلول وأعطى لشركات خاصة بعينها الرخص لإسداء هذه الدروس الخصوصية، ولهذا فمنطق عقاب المدرّس مرفوض، لأنّ منظومة كاملة مسؤولة عن هذا" وفق وصفه.
ونبّه اليعقوبي إلى أنّ مثل هذه هذا الأسلوب في التصريحات يدفع إلى تعكير العلاقة بين الجامعة العامة للتعليم الثانوي ووزارة التربية، معتبرًا أنّ "القانون هو من يقرّر في مسألة الدروس الخصوصية وليس وزير التربية، خاصة وأنّها آلية موجودة ومقنّنة".
لسعد اليعقوبي: تصريح وزير التربية مهين وغير لائق، والدروس الخصوصية ظاهرة نخرت التعليم لفساد التعليم وبالتالي لا يمكن أن تنتهي إلا بإصلاح التعليم
وكانت الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ قد استغربت من جهتها ما وصفته بـ"الهروب المتواصل لوزارة التربية إلى الأمام عندما يتعلق الأمر بالدروس الخصوصية. فهي دائمًا ما تعتمد سياسة الإعلان عن إجراءات زجرية وقانونية وتأديبية وذلك منذ سنوات والحال أنّ هذه الظاهرة مازالت قائمة الذات وتتفاقم من سنة إلى سنة" وفق بيانها المنشور بتاريخ 18 سبتمبر/ أيلول 2021.
وتابعت الجمعية في بيانها أنّ "الحل الوحيد والجذري يتطلب التعامل مع الدروس الخصوصية على كونها عنوانًا من العناوين البارزة لفشل المنظومة التربوية والبحث عن معالجتها في مستوى الحوكمة ولغة التدريس والبرامج والمناهج المعتمدة وفي مستوى سياسات تكوين المدرسين وانتداب الحاجيات من الموارد البشرية وتدعيم البنية الأساسية".
اقرأ/ي أيضًا: جمعية الأولياء والتلاميذ تدعو سعيّد إلى بعث مجلس أعلى للتربية والتعليم
وأكدت الجمعية على موقفها المتمثل في أنّ "لجوء الأولياء عن مضض إلى الدروس الخصوصية والمدارس الخاصة من دون أي ضمانة مسبقة للنجاح هو شر لا بد منه خاصة فيما يتسبب فيه من مزيد تهرية القدرة الشرائية للعائلات التونسية ومزيد تعميق الفوارق بين التلاميذ وبين مكونات المجتمع التونسي".
واعتبرت الجمعية أنّ "الولي يرى نفسه مجبرًا على اعتماد هذا التمشي معنويًا وماديًا بسبب قناعته الراسخة باستحالة قدرة المدرسة العمومية على تمكين ابنه أو ابنته أثناء الزمن المدرسي العادي من التحصيل المعرفي الضروري للارتقاء من سنة إلى سنة أو للنجاح في الامتحانات الوطنية. فاللجوء إلى الدروس الخصوصية وإلى المدارس الخاصة هو نتيجة -لا سبب- في تدني أداء المدرسة العمومية إلى مستويات كارثية وفي عدم انتظام استقرارها بسبب اضطراباتها المتكررة" وفق ما ورد في نص البيان.
الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ: الحل الوحيد والجذري يتطلب التعامل مع الدروس الخصوصية على كونها عنوانًا من العناوين البارزة لفشل المنظومة التربوية
ويشار إلى أنّ المدير العام للشؤون القانونية بوزارة التربية فتحي زرمديني قد أقرّ لإذاعة "موزاييك أف أم" الاثنين 20 سبتمبر/ أيلول الجاري، بأنّ "الدروس الخصوصية أكبر من الوزارة ولا يمكن القضاء عليها"، مستدركًا: "لكن هذا الانطباع لا يجب أن يتركنا مكتوفي الأيدي، وهناك ضغط من الأولياء وتجاوز من بعض المدرّسين رغم أنّ الإطار القانوني للدروس الخصوصية متوفر منذ 2015" وفقه.
وأبرز زرمديني أنّ وزارة التربية أرادت أن تحتوي الظاهرة داخل المؤسسات التربوية لتكون هذه الدروس الخصوصية تحت رقابة المؤسسة لمراقبة المحتوى البيداغوجي والجوانب الإدارية، فضلًا عن حماية الأطفال من مختلف المخاطر الناتجة عن تلقي التلاميذ لهذه الدروس في فضاءات عشوائية غير مرخص لها، مضيفًا: "الوزارة تستغرب لأنه رغم توفير الغطاء القانوني الملائم والسليم فإن هناك عزوفًا من بعض الأولياء عن إرسال أبنائهم لهذه الدروس المنظمة".
اقرأ/ي أيضًا: كيف يمكن تدارك الخلل في المسار التربوي منذ بداية انتشار كورونا؟
وشدّد زرمديني على أنّ "القيام بدروس خصوصية خارج الفضاءات القانونية خطأ موجب للمؤاخذة التأديبية، ويؤدي إلى رفت مؤقت لثلاثة أشهر مع الحرمان من المرتّب، وفي صورة العوْد يقع عزله عن العمل وهذا مضمّن بالأمر الحكومي الصادر في 2015، ومن الممكن أن تتدرّج الوزارة نحو عقوبات أشد".
وأوضح المدير العام للشؤون القانونية بوزارة التربية أنّ المؤسسات التربوية هي أضمن مكان لتلقي الدروس الخصوصية على كل المستويات، ولا يمكن للوزارة قانونًا الدخول إلى المحلات الخاصة لمراقبة المدرّسين أثناء إعطائهم الدروس الخصوصية، قائلًا: "هذه حرب كبيرة والمسؤولية فيها مشتركة، ونعوّل على الأطراف الأخرى كي تتحرّك مع الوزارة مثل الإعلام والأولياء".
المدير العام للشؤون القانونية بوزارة التربية: الدروس الخصوصية خارج الفضاءات القانونية خطأ موجب للمؤاخذة التأديبية، ويؤدي إلى رفت مؤقت لثلاثة أشهر مع الحرمان من المرتّب، وفي صورة العوْد يقع عزله عن العمل، ومن الممكن أن تتدرّج الوزارة نحو عقوبات أشد
ولفت زرمديني إلى أنّ من ميزات الدروس الخصوصية المقنّنة داخل المؤسسات التربوية أنها لا تسمح بأن يتجاوز الفرج الواحد 15 تلميذًا بالإضافة إلى تخفيض على الطفل الثاني والثالث إذا كان للولي أكثر من طفل داخل المؤسسة التربوية الواحدة، فضلًا عن أنّ معاليم هذه الدروس داخل المؤسسات التربوية غير كبيرة، وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تدهور المقدرة الشرائية للأولياء" وفق تعبيره.
وقد تواصل "الترا تونس" مع "مصطفى" (اسم مستعار) وهو أحد الأساتذة الذين يسدون هذه الدروس الخصوصية، الذي عبّر عن رفضه لهذه الخطوات التي اتخذتها وزارة التربية بقوله: "لسلطة الإشراف الحق في أن تطلب من الأساتذة التوقّف عن الدروس الخصوصية حين توفّر لهم الحد الأدنى من الكرامة عبر أجر لائق ومنح تصرف في آجالها وترقيات في موعدها".
وتابع الأستاذ بأحد المعاهد الثانوية: "الأستاذ يعيش ظروفًا مادية صعبة ويتمتّع بأجر مهين، ووزارة التربية مخلّة بالتزاماتها المالية وهو ما يضطرّ الأستاذ للالتجاء لمثل هذه الحلول للبحث عن دخل إضافي، المشكل أنّ المدرّس ليس هو المسؤول الوحيد عن تفشّي ظاهرة الدروس الخصوصية فالولي يطلب ذلك منه، وأحيانًا يلحّ.. والسبب أنه يعرف أنّ الأقسام مكتظة وأنّ ابنه لن يحظى بالعناية اللازمة والفهم الأمثل وسط قسم مكتظ، ويضم عديد التلاميذ بمستويات متفاوتة".
أستاذ بأحد المعاهد الثانوية: لسلطة الإشراف الحق في أن تطلب من الأساتذة التوقّف عن الدروس الخصوصية حين توفّر لهم الحد الأدنى من الكرامة عبر أجر لائق ومنح تصرف في آجالها وترقيات في موعدها
وأشار الأستاذ إلى أنّه "من الممكن تحوير فكرة الوزير وتطويرها كي يُعاقب مثلًا كل من يُجبر التلاميذ على تلقي هذه الدروس الخصوصية، أو من يتعمّد عدم إكمال الدرس في القسم ليكمله في الدرس الخصوصي، ومن بين الحلول أيضًا ألّا يدرّس الأستاذ الدروس الخصوصية للتلاميذه الذين يدرّسهم في القسم، ويلجأ إلى أقسام أخرى أو تلاميذ لا ينتمون إلى المؤسسة التربوية نفسها" وفق تعبيره.
وبين هذه الآراء والمواقف المتباينة والتي تصل إلى حدّ التضارب في بعض الأحيان، يظلّ التلميذ الحلقة الأضعف في هذه العملية، بين وليّ يحرص على تعليم يضمن لطفله المستقبل الأمثل، وأستاذ يسعى إلى تحسين دخله للمحافظة على مكانته في الطبقة الوسطى، ووزارة لم تذهب في حلّ جذريّ يقطع مع هذه الظاهرة نهائيًا.
اقرأ/ي أيضًا:
حرب معلنة على الدروس الخصوصية.. هل من استراتيجية واضحة؟
المدارس والمعاهد النموذجية في تونس.. هوس الأولياء وإرهاق الأبناء