20-سبتمبر-2018

الدروس الخصوصية أثقلت جيوب الأولياء في تونس (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

تخصص عادة أغلب العائلات التونسية عائدات مالية مهمة خاصة بالدروس الخصوصية التي باتت تُفرض أحيانًا على الأبناء. ولا تمرّ سنة دراسية إلا وتتعالى أصوات وتشكيات الأولياء مصرحين بأنّ أبناءهم باتوا يتعرّضون إلى ضغوطات عدّة من أجل تلقي الدروس الخصوصية لدى معلّميهم أو أساتذتهم. ضغوطات تصل إلى معاقبة التلميذ الذي لا يستجيب إلى طلب تلقي هذه الدروس لدى أستاذه خارج الفضاء التربوي.

وهو الأمر الذي جعل ظاهرة الدروس الخصوصية تمثل عبئًا ثقيلاً على ميزانية العائلة سنويًا وفق عدة تقارير. إذ يذكر تقرير وطني حول التربية صادر عن وزارة التربية سنة 2014 ارتفاع هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة. كما أشار تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2013 إلى أنّ تونس تحتلّ المرتبة التاسعة عالميًا في الدروس الخصوصية، التي يتلقاها أكثر من 70 في المئة من التلاميذ، ويتلقّى 54 في المائة من التلاميذ الدروس الخصوصية من المدرّسين أنفسهم الذين يدرّسونهم في المدارس.

 تونس تحتلّ المرتبة التاسعة عالميًا في الدروس الخصوصية وفق تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للعام 2013

وزير التربية حاتم بن سالم تطرق إلى مسألة فوضى الدروس الخصوصية خلال جلسة استماع في البرلمان يوم 20 جويلية/يوليو الماضي. إذ صرّح أنّ الدروس الخصوصية هي التي أوهمت الأولياء بقدرات أبنائهم إثر تحصلهم على أعداد مضخمة في وسط السنة الدراسية، مشيرًا إلى أنّ الدروس الخصوصية أكبر كارثة تواجه المنظومة التربوية. كما أكد خلال جلسة الاستماع أنّه سيشن حربًا على الدروس الخصوصية.  

على صعيد آخر، أوضح الوزير خلال ندوة صحفية في افتتاح السنة الدراسية الحالية أنّه ليس ضدّ الدروس الخصوصية، لكنّه ضد أن تكون غير مقنّنة على مستوى التسعيرة والإطار الذي تقام فيه. واعتبر أنّ كل المؤسسات التربوية ستكون على ذمة التلاميذ والأساتذة خارج أوقات الدرس لتمكين التلاميذ من الدروس الخصوصية.

اقرأ/ي أيضًا: أكثر من مليوني تلميذ يعودون إلى مقاعد الدراسة.. وهذه تفاصيل السنة الدراسية

قرار شن حرب على الدروس الخصوصية ليس أول قرار يتخذه وزير على رأس وزارة التربية. ولسائل أن يسأل عن جدية هذا القرار الذي يُعلن عنه خلال انطلاق كل موسم دراسي، وهل هو مجرد شعار يرفع كل سنة؟ أو هو مجرّد قرار اعتباطي؟ أم قرار اتخذ هذه المرة بعد أن تمّ تحديد إجراءات فعلية أو استراتيجية واضحة لمقاومة الظاهرة؟

أمر حكومي زجري.. لكنه حبر على الورق

سبق وأعلن وزير التربية السابق ناجي جلول سنة 2015 أنّ وزارة التربية بادرت إلى اتخاذ جملة من الإجراءات والإصلاحات في المنظومة التربوية منذ بداية الموسم الدراسي، من ذلك منع الدروس الخصوصية. كما أكد الوزير حينها أنّ كلّ من يخالف الأمر يتعرّض إلى عقوبات جزائية وإدارية ومالية تتمثل أساسًا في الإيقاف عن العمل والطرد من المؤسسة التعليمية.

كما صدر في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2015 أمر حكومي عدد 1619 يتعلق بضبط شروط تنظيم دروس الدعم والدروس الخصوصية داخل فضاء المؤسسات التربوية العمومية. ومن بين فصوله ضبط شروط تنظيم دروس الدعم والدروس الخصوصية داخل فضاء المؤسسات التربوية العمومية، بما يضمن تحقيق الأهداف التربوية لهذه الدروس قصد مساعدة التلميذ على تعزيز قدراته المعرفية وتدعيم مكتسباته وتجويد تكوينه.

صدر في أكتوبر 2015 أمر حكومي يتعلق بضبط شروط تنظيم دروس الدعم والدروس الخصوصية داخل فضاء المؤسسات التربوية العمومية نص على عقوبات زجرية تصل للعزل ضد الأساتذة المخالفين

كما ذكر الفصل الخامس من الأمر أنّ دروس الدعم تخضع للتفقد البيداغوجي، والمراقبة الإدارية من قبل مصالح وزارة التربية. فيما تنظم الدروس الخصوصية وفق الفصل السادس لفائدة التلاميذ الراغبين في ذلك خارج جداول أوقاتهم وخارج توقيت العمل الأسبوعي للمدرسين وداخل المؤسسة التربوية العمومية. كما نصّ الفصل السابع على أنّه يمنع منعًا باتًا على المدرسين العاملين بمختلف المؤسسات التربوية العمومية التابعة لوزارة التربية تعاطي نشاط القيام بدروس خصوصية خارج فضاء المؤسسات التربوية العمومية.

ويعرض تعاطي نشاط القيام بدروس خصوصية خارج فضاء المؤسسة التربوية العمومية مرتكبه إلى عقوبة تأديبية من الدرجة الثانية، وفي صورة العود يمكن أن تسلط على المخالف عقوبة العزل، وفق الفصل 13 من الأمر.

النقابة العامة للتعليم الثانوي انتقدت حينها الأمر المنظم للدروس الخصوصية وطالبت بضرورة تطبيقه على مختلف القطاعات دون حصره على القطاع التربوي. وقد أشار مرشد إدريس، الكاتب العام المساعد للنقابة العامة للتعليم الثانوي، في تصريحات سابقة إلى ضرورة ألا يكون هذا التمشي مطية لاستهداف بعض الأساتذة لنشاطهم النقابي أو السياسي، متسائلًا عن الطريقة التي ستعتمدها الوزارة لمراقبة التجاوزات الحاصلة وعن العقوبات التي من المنتظر اتخاذها في شأن الاطراف خارج المؤسسة التربوية.

رغم هذا الأمر الحكومي الذي استبشر به عديد الأولياء وانتقدته النقابة والزوبعة التي أحدثها، إلا أنّه بقي مجرد حبر على ورق، ولم تترجم فصوله على أرض الواقع. فقد تواصلت الدروس الخصوصية على نسقها العادي أو حتى ارتفعت بشكل كبير وفق بعض التقارير التي صدرت بعد صدور الأمر.

ظلّ الأمر الحكومي المتعلق بالدروس الخصوصية لسنة 2015 حبرًا على ورق إذ تواصلت الدروس الخصوصية على نسقها العادي بل ارتفعت بشكل كبير في غياب ترجمة فصول الأمر على أرض الواقع

فقد أعدّت المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك دراسة سنة 2017 شملت عينة من 2907 من أولياء التلاميذ، وكشفت أن كلفة الدروس الخصوصية لمختلف مراحل الدراسة تتراوح بين 30 و60 دينارًا شهريا لتلاميذ المرحلة الابتدائية، وبين 40 و80 ديناًرا شهريا خلال المرحلة الإعدادية وبين 80 و150 دينارًا شهريا بالنسبة لتلاميذ المرحلة الثانوي، مضيفة في بيان لها بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأولى 2017، أنّ رقم معاملات الدروس الخصوصية في تونس يصل إلى مليار دينار في السنة. وقد أشارت المنظمة إلى وجود خسارة سنوية لميزانية الدولة بما لا يقل عن 300 مليون دينار سنويًا كأداء على الأرباح في حال إخضاع هذا النشاط للنظام الجبائي.

اقرأ/ي أيضًا: العودة المدرسية: مدارس منهارة.. ووزارة التربية تخيّر الصمت

إضافة إلى ذلك، لم نسمع أي أخبار تتداول عن إيقاف أستاذ أو معلّم عن العمل بسبب الدروس الخصوصية أو تسليط عقوبات في هذا الإطار، وهو ما يطرح فعلًا التساؤل عن الإجراءات التي ستتخذها الوزارة اليوم حتى لا يكون قرار وزير التربية كقرار سابقه مجرد تصريحات تسبق كل موسم دراسي.

شكوك حول جديّة الرقابة والوزارة تصمت كالعادة

يقول حسان أحد أساتذة التعليم الثانوي لـ"الترا تونس" إنّ الدروس الخصوصية لن تتوقف لاسيما وأنّ بعض الأهالي هم من يطلبون بأنفسهم تدريس أبنائهم، خاصة منهم من ذوي المستوى المتدني والأعداد غير المقبولة في عدّة مواد، مضيفًا أنّ اكتظاظ الأقسام يقلل فرص التلاميذ في الفهم والاستيعاب مما يجعل بعضهم يقبل على الدروس الخصوصية.

حسان أستاذ تعليم ثانوي لـ"الترا تونس": اكتظاظ الأقسام يقلل فرص التلاميذ في الفهم والاستيعاب مما يجعل بعضهم يقبل على الدروس الخصوصية

كما أضاف محدّثنا إنه لا يرفض تقديم الدروس الخصوصية خارج الإطار التربوي قائلًا "لا أقوم بعمل خارج القانون، كما أنّ الوزارة لا تقوم بمراقبة شديدة إلا إذا أحدث جهاز شرطة الدروس الخصوصية" يقول ذلك ساخرًا.

ويشير من جهته لسعد اليعقوبي كاتب عام النقابة العامة للتعليم الثانوي لـ"الترا تونس" إلى أنّ "تصريح وزير التربية لا يعدو أن يكون دعاية إعلامية للتغطية عن الكم الهائل من النقائص في العودة المدرسية، وهو لعب علي مشاعر الأولياء الذين ارهقهم الغلاء الفاحش لتكاليف العودة المدرسية وفق تعبيره.

كما أكد قائلًا أنّ "هذه التصريحات لن تتجاوز حدود التصريحات، ولن يتم ترجمتها إلى نصوص قانونية تحرم بشكل قطعي تعاطي الدروس الخصوصية، والاكتفاء بدروس الدعم داخل المؤسسات. بل ستبقي الوزارة تمارس الأسلوب الانتقائي الظالم باستعمال القانون الحالي الذي لا يمنع الدروس الخصوصية بل يقننها. إذ كيف لوزراء ومسؤولين يسعون بكل الطرق للبحث عن مدرسين لتدريس أبنائهم الدروس الخصوصية أن يقاوموا هذه الظاهرة؟".

لسعد اليعقوبي لـ"الترا تونس": كيف لوزراء ومسؤولين يسعون بكل الطرق للبحث عن مدرسين لتدريس أبنائهم الدروس الخصوصية أن يقاوموا هذه الظاهرة؟

حاول "الترا تونس" أن يتواصل مع وزارة التربية لمعرفة الإستراتيجية التي ستتبعها لمقاومة ظاهرة الدروس الخصوصية، وما إذا كانت ستستند في ذلك إلى بلاغات وتشكيات المواطنين فقط، أم أنّها ستقوم بالمراقبة الفعلية، وكيف ستكون هذه المراقبة عمومًا إن وجدت. ولكن لم نجد أي تجاوب أو رد ليضيع السؤال مثل كل مرّة بين الاتصالات المتكررة وطلب تقديم مراسلة رسمية يقع إرسالها ولكن يقع تجاهلها وعدم الرّد عليها أو لا تصل للمسؤول المعني من أصله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صيانة المؤسسات التربوية في تونس: انتفاضة المجتمع المدني وجدل التطوع والمصلحة

حينما ننتصر إرادة التحدي.. قصة شاب يعاني "الديسلكسيا" يجتاز الباكالوريا بنجاح