22-يناير-2024
بلدية تونس بلديات

أعدت منظمة البوصلة تقريرًا حول حصيلة تجربة اللامركزية في تونس معتبرة أنه وقع نسفها قبل اكتمالها (Nicolas Fauqué/Corbis)

الترا تونس - فريق التحرير

 

اعتبرت منظمة البوصلة أن مسار اللامركزية في تونس تم إجهاضه ونسفه قبل أن يتم استكماله ودون القيام بتقييمه كتجربة من أي طرف مدني أو أكاديمي أو سياسي. 

 

  • مسؤولية السلطة المركزية في تعثر مسار اللامركزية في تونس

وقال محلل السياسات العمومية بمنظمة البوصلة، أمين الخراط، في ندوة صحفية عقدتها المنظمة لتقديم تقريرها حول حصيلة تجربة اللامركزية في تونس، إنّه في ظل عدم القيام بأي تقييم لتجربة اللامركزية في تونس، نحا مناصرو السلطة إلى "القول إنّ هذا المسار فاشل" دون أي يقدموا أيّ معطيات موضوعية تثبت أطروحتهم.

محلل السياسات بمنظمة البوصلة: مسار اللامركزية في تونس تم إجهاضه ونسفه قبل أن يتم استكماله ودون القيام بتقييمه كتجربة من أي طرف مدني أو أكاديمي أو سياسي

وعقّب الخراط قائلًا في هذا الصدد إنّ "مسار اللامركزية في تونس من حيث وضعه هو مسار تدريجي لم يكتمل بعد، وهو ما يطرح أمامنا تساؤلًا حول مدى وجاهة تقييم مسار لم يكتمل بعد بأنه فاشل".

وتابع قائلًا: "تم تحميل مسؤولية نجاح أو فشل هذه التجربة بتسرع للمجالس البلدية في حين أنّ مسؤولية السلطة المركزية في ذلك تم التغاضي عنها"، مستطردًا: "هذه المجالس اشتغلت لـ3 سنوات فقط منها سنة ونصف في فترة جائحة كورونا، وبنسيج مؤسساتي وقانوني غير مكتمل، فكيف نقيّم عمل 350 مجلسًا بلديًا في ظل هذه الظروف، ودون اكتمال عهدتها؟"، وفق تعبيره.

وأردف أمين الخراط أنّ "اللامركزية مثلت جزءًا من الشعارات التي جاءت بها الثورة التونسية، لأنّ الاستبداد السياسي الذي كان قبل الثورة، كان يحمل بعدًا جهويًا ويشمل مَركزةً مطلقة، ويتعامل مع الجهات بمعنى المراقبة والهيمنة"، مضيفًا أنّ "الثورة على الاستبداد واللامساواة بين الجهات كانت أيضًا تحمل مطلب العدالة بينها، ما يعني أنّ خيارات الديمقراطية الواضحة تؤدي بطبعها إلى خيار اللامركزية"، حسب رأيه.

 

 

  • إجهاض تجربة السلطة المحلية

واعتبرت منظمة البوصلة في تقريرها "حصيلة تجربة اللامركزية في تونس" أنّ "تجربة السلطة المحليّة أجهضت"، مضيفة أنه "لئن بقيت البلديات موجودة إلى حين حلّها من قبل الرئيس التونسي قيس سعيّد في مارس/آذار 2023، فإنّ نسف السلطة المحلية قد انطلق فعليًا منذ جويلية/يوليو 2021".

منظمة بوصلة: تجربة السلطة المحليّة أجهضت.. ولئن بقيت البلديات موجودة إلى حين حلّها من قبل قيس سعيّد في مارس 2023 فإنّ نسف السلطة المحلية قد انطلق فعليًا منذ جويلية 2021

 وأوضحت في هذا الصدد أنّ "الرئيس لم يُخفِ امتعاضه من أداء البلديات ولم يتردد في توجيه أصابع الاتهام إلى المنتخبين المحليين في تعطيل حلحلة أزمة النفايات خاصة في صفاقس، ليقوم لاحقًا بحذف وزارة الشؤون المحلية من حكومة نجلاء بودن وإدخال آخر سلطة منتخبة في البلاد بيت الطاعة عبر إلحاق ملف الجماعات المحلية بوزارة الداخلية".

وأضافت أنّ "المؤشرات السلبية في علاقة بالسلطة المحليّة تواصلت لتتوج بالاستفتاء على دستور 2022 الممنوح من الرئيس والذي نسف بجرّة قلم ودون أي تداول أو نقاش حول خياراته، السلطة المحلية وما تبقى من مكاسب الانتقال الديمقراطي". 

منظمة بوصلة: نسف قيس سعيّد بجرّة قلم ودون أي تداول أو نقاش حول خياراته، السلطة المحلية وما تبقى من مكاسب الانتقال الديمقراطي

وتابعت المنظمة أنّ "من المفارقات أنّه على غرار مسار اللامركزية الخاضع في إرسائه لمبدأ التدرّج، كان نسف السلطة المحليّة كذلك تدريجيًا، حيث انطلق بتاريخ 25 جويلية/يوليو 2021، لينتهي يوم 8 مارس/آذار 2023 من خلال مرسوم حلّ المجالس البلدية وتعهيد الكتاب العامّين بمهمة تسيير البلديات، تحت إشراف الولاة".

 

  • البناء القاعدي كأطروحة مضادة للامركزية

وقالت منظمة البوصلة، في تقريرها، إنّ "الثورة التونسية التي كان البعد الجهوي والمحلي حاضرًا بقوة انبنت في مختلف أطوارها على مجموعة من القيم المترابطة التي أنتجت خيار اللامركزيّة (الثورة- الديمقراطية -العدالة)"، مستدركة أنه "في المقابل يستسهل قيس سعيّد وأنصاره الادّعاء أن مشروع البناء القاعدي يحقّق هذه الأبعاد وأنّه التجسيد الحقيقي لأهداف الثورة".

منظمة البوصلة: يستسهل قيس سعيّد وأنصاره الادّعاء أن مشروع البناء القاعدي يحقّق اللامركزية وأنّه التجسيد الحقيقي لأهداف الثورة بينما في الحقيقة النظام القاعدي هو الأطروحة المضادة للّامركزية

واستطردت قائلة إنّ "التحليل يبيّن عكس ذلك، فبتناول اللامركزية وأسسها، يتبين لنا أن النظام القاعدي هو الأطروحة المضادّة لها على عدة مستويات مترابطة، تتمثل في:

  • في حين تقوم اللامركزية على فكرة المواطنة والمساواة التي انبنت عليها المجتمعات الحديثة، يقوم البناء القاعدي على تقوية الروابط القبلية والتقليدية وعدم المساواة بين المواطنين عبر الإيفال في البعد المحلي وهو ما لاحظناه في نمط الاقتراع وشروط الترشح (الدوائر الضيقة، التفاوت الديمغرافي الكبير بين الدوائر الانتخابية، إلغاء التناصف، إقصاء التونسيين مزدوجي الجنسية) وتأكّد مع نتائج الانتخابات التشريعية (17 ديسمبر/كانون الأول 2022) والمحلية (24 ديسمبر/كانون الأول 2023).
  • عن طريق آلية التصعيد يحصر البناء القاعدي إمكانية التمثيل الوطني بالمرور حتمًا بالمستوى المحلّي أين يتم الانتخاب المباشر الوحيد. بإقصائه عمليًا للأحزاب، يمنع البناء القاعدي تكوّن برامج ورؤى وطنية متنافسة ما يزيد من إضعاف النقاش السياسي وحصره في مسائل معيشية محلية ضيقة. يختلف هذا جذريًا عن المجتمعات الديمقراطية أين يمثّل المستوى المحلي فضاء تتدرب فيه القيادات السياسية قبل أن تتجاوزه لمستويات تمثيلية أكبر، فهذا "التصعيد" في الديمقراطيات يرتبط بالمسارات السياسية للأفراد وهو اختياري.

منظمة البوصلة: اللامركزية هي تنظيم للصلاحيات داخل السلطة التنفيذية تقوم على تفويض صلاحيات للجماعات المحلية بينما البناء القاعدي هو نظام سياسي يقوم على مركزة مطلقة للسلطة بيد رئيس الدولة

  • إن اللامركزية هي تنظيم للصلاحيات داخل السلطة التنفيذية تقوم على تفويض صلاحيات للجماعات المحلية تمارسها حسب مبدأ التدبير الحر وليست نظام حكم. أما البناء القاعدي فهو نظام سياسي يقوم على مركزة مطلقة للسلطة بيد رئيس الدولة و"وظيفة تشريعية" منتخبة حسب نمط اقتراع على الأفراد في أصغر الدوائر.
  • واقعيًا وبعد أن تم تنصيب هذه المجالس بموجب دستور قيس سعيّد ومراسيمه، يتّضح لنا أن دورها لا يتعدى البعد الانتخابي الشكلي إذ لا صلاحيات فعلية ولا موارد لها. وحتى إن افترضنا أنّ هذه المجالس المحلية والجهوية قد تلعب دورًا معينًا في اقتراح مشاريع تنموية، فإن ممثلي السلطة المركزية فيها -رغم أنهم أعضاء لا يصوتون- هم من يملكون المعلومة والخبرة بدواليب الدولة الإدارية والمالية ما يجعلهم يسيطرون فعليًا على هذه المجالس. هكذا ينحصر دور المجالس المحلية في "تصعيد" ممثّلين لمجلس نيابي دون صلاحيات أمام رئيس بصلاحيات مطلقة"، وفق منظمة بوصلة.

منظمة البوصلة: تجربة اللامركزية المجهضة رغم ما شهدته من تعطيل سياسي وتخاذل من المركز، مكنت من إسناد المسار الديمقراطي عبر توسيع التمثيلية وتعزيز المشاركة المواطنية

وخلصت المنظمة إلى أنّ "هذه التجربة المجهضة رغم ما شهدته من تعطيل سياسي وتخاذل من المركز، مكنت من إسناد المسار الديمقراطي عبر توسيع التمثيلية وتعزيز المشاركة المواطنية بترؤس النساء للمجالس البلدية وتشبيب الطبقة السياسية. حيث تمكّنت العديد من المجالس البلدية من النجاح في تحسين جودة حياة المتساكنين على المستوى المحلي"، معتبرة أنه "كان من الممكن تثمين هذه النماذج ودعمها مع العمل على تعديل النقائص التي شهدها هذا المسار بدل نسفه بأكمله".

ورأت أنّه "يظهر هنا الاختلاف الجوهري بين الديمقراطية كمنهج تجريبي يبنى على المراكمة ويحتمل التعديل والإصلاح، والشعبوية والاستبداد الذي يقوم على فكرة مثالية خلاصية لا تحتمل التنسيب، فتؤدي بصاحبها إلى الإمعان في هدم كل ما يمكن أن يشكل سلطة مضادة أو تعديلية التي لا تمثل في نظره سوى عقبة أمام تحقيق نبوّته"، على حد ما جاء في التقرير.