19-يناير-2024
الصيادون التقليديون في تونس

إيقاف منح التراخيص المحّينة في علاقة بمراكب الصيد عمّق معاناة البحارة التقليديين في تونس (الترا تونس)

 

يشغل قطاع الصيد البحري في تونس ما يقارب 60 ألف بحّار بصفة مباشرة وأكثر من 100 ألف ناشطٍ بصفة مباشرة وغير مباشرة، بحسب إحصائيات الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري.

غير أنّ الوقفات الاحتجاجية للمنتمين لهذا القطاع ما فتئت تتكرر وتتواتر بين موانئ الصيد وأمام وزارة الفلاحة التونسية، وآخرها كانت لبحارة ولاية المنستير في ميناء طبلبة يوم 15 جانفي/يناير 2023، للمطالبة بالحصول على ترخيص محيّن من أجل تعويض مركب قديم تآكل ولم يعد قادرًا على ضمان السلامة للبحارة، إلى جانب ضعف مردوديته، بآخر جديد.

ما فتئ البحارة التونسيون يحتجون رافعين عدة مطالب مهنية في ظلّ تدهور قطاع الصيد البحري وتعاظم المصاعب التي يتعرضون لها والتي عمّقها إيقاف منح التراخيص المحّينة في علاقة بمراكب الصيد

"منذ سنة 2001 كنا نتقدم بمراكبنا القديمة ونقوم بصناعة مراكب جديدة دون التقيد بطول المركب، وكان بإمكاننا أن نزيد ما نشاء من أمتارٍ على شرط أن نتقيد بالسلامة ونلتزم بتوفير المرافق الضرورية وأن نتحصل على الترخيص"، يقول أنور نويرة المتحدث باسم بحارة المنستير لـ"الترا تونس".

واستدرك قائلًا أنّه منذ 2006 قررت لجنة استشارية (وهي لجنة فنية لصنع وتوريد الصيد البحري وتتكون من ممثلي إدارة الصيد البحري وعن وزارة البيئة والحرس الوطني) أنّ الزيادة في طول المركب لا بدّ أن تكون 15 بالمائة  من طول المركب، وتمت معارضة هذا القرار من قبل البحارة، فتم تسهيل العملية على النحو التالي: "تصنع مركبك الجديد وإذا تجاوز طوله نسبة 15 بالمائة بإمكانك التقدم بمطلب للّجنة الفنية وتتحصل على الترخيص"، فقه. 

 

صورة
إيقاف منح التراخيص المحّينة في علاقة بمراكب الصيد عمّق معاناة البحارة التقليديين في تونس (الترا تونس)

 

في منتصف سنة  2020، بدأت اللجنة الفنية برفض الملفّات. فتراكمت الوضعيات ثم توقفت كليًا عن العمل لسنة كاملة فتعطّلت ملفات البحارة التي بلغ عددها 54 ملفًا على كامل ولايات الجمهورية. بعض البحارة صنعوا مراكبهم وهي في البحر، والبعض الآخر ما تزال مراكبهم على اليابسة في انتظار الترخيص، ومن بينهم بحارة ولاية المنستير على اعتبار أنها الولاية التي لها أكبر عدد من الموانىء: طبلبة وصيادة والقصيبة والمنستير.

المتحدث باسم بحارة المنستير لـ"الترا تونس": منذ سنة 2020 أصبحت مطالب البحارة للحصول على تراخيص محيّنة في علاقة بمراكب الصيد تُرفض، وبات عدد كبير منهم يعانون أوضاعًا حرجة ويعانون من الديون وعاجزون عن توفير لقمة العيش

وفي هذا الصدد، شدد المتحدث باسم بحارة المنستير أنور نويرة على أنّ "هذا الملف مهم جدًا، فقطاع الصيد البحري يشغّل عائلات ويعيلها، وهو أيضًا يوفر الأمن الغذائي للبلاد وكذلك يساهم في التصدير فقد حقق ميزان التجارة الخارجية لمنتجات الصيد البحري، مع موفى شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022، فارقًا إيجابيًا قارب 269.7 مليون دينار مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021، ما شكل ارتفاعًا بنسبة 17.8 بالمائة.

وأضاف نويرة أنّ "الزيادة في طول المركب من شأنها أن تسمح للبحارة بدخول أعالي البحار والحصول على منتجات بحرية متنوعة للتصدير".

وأكد محدثنا أنّ "المنتسبين إلى هذا القطاع يعانون من الديون ومن ارتفاع كلفة تصنيع المركب التي أصبحت تتراوح بين 200 وأكثر من 500 ألف دينار، وهي مبالغ مشطة جدًا".

وأشار إلى أنّ عددًا من أصحاب هذه المراكب يستغلونها عندما يعجزون عن توفير لقمة عيشهم من دون ترخيص، وهو ما يجعلهم عرضةً للتتبعات القانونية ويجعلهم في حالة خوف دائم.

أما البعض الآخر، فيقول محدثنا إنهم ينظرون بأم أعينهم إلى هلاك مراكبهم التي كلفتهم الملايين وظلت قابعة على اليابسة في انتظار تحيين تراخيص لم ترَ النور إلى حد الساعة.

المتحدث باسم بحارة المنستير لـ"الترا تونس": ملف التراخيص لا يخضع لقانون وإنما هو رهن قرار لجنة فنية.. البحارة اليوم ينظرون إلى هلاك مراكبهم التي كلفتهم الملايين وظلت قابعة على اليابسة في انتظار تحيين تراخيص لا ترَى النور

وأكد البحار أنور نويرة لـ"الترا تونس" أنّ "هذا الملف يتعلق بمهنيين متحصلين على تراخيص ولا يريدون سوى تحيينها بعد أن تقادمت مراكبهم وصنعوا أخرى جديدة أطول ببعض الأمتار من المراكب القديمة".

وأفاد محدثنا بأنّ "هذا الملف لا يخضع لقانون، بل هو رهن قرار لجنة فنية"، مبرزًا أنّ البحارة يتفهمون التخوف من استعمال هذه المراكب للصيد العشوائي إلى جانب كلفة الوقود، لكنهم قدّموا في هذا الصدد مقترحًا بتسوية وضعيات كل  الملفات العالقة، وتحرير طول  المركب الجديد، لكن لا بد أن يستجيب لكراس شروط فمثلًا لابد أن يكون بحارًا ويملك مركبًا منذ 5 سنوات على الأقل، ويكون ربانًا ولم يرتكب أي مخالفة في الصيد العشوائي، وأن تتوفر لديه شهادة في الرسكلة، وهو ما يجعلنا نحدّ من الدخلاء ومن السماسرة"، على حد تعبيره.

 

 

من جانبه، أكد نائب رئيس اتحاد الفلاحة المكلف بالصيد البحري صالح هديدر، في تصريح لـ"الترا تونس"، أنّ ملف البحارة التقليديين ما زال يراوح مكانه وأنّ الموضوع يتعلق بتمكينهم من رخص محينة، ليتمكنوا من دخول البحر والصيد وتحقيق المردودية المرجوة لتغطية تكاليف الصيد التي باتت مشطة وارتفعت أسعارها، من شباك ووقود وكذلك من خلاص أجرة صيادين آخرين يعملون معهم. 

نائب رئيس اتحاد الفلاحة: بعض البحارة ينتظرون منذ أكثر من سنتين للحصول على الترخيص المحيّن.. ومنهم من يضطر لدخول البحر مجازفًا دون ترخيص معرضًا نفسه لخطر حجز مراكبه في حال ضبطه

وأشار محدثنا  إلى أن "التغيرات المناخية التي يعرفها العالم كله جعلت الأسماك والقشريات والرخويات تبتعد أكثر فأكثر عن اليابسة وتتجه نحو الأعماق، ولم يعد بإمكان صيادي المراكب التقليدية العمل على بعد ميلين أو ثلاثة أميال وهو ما اضطرهم لتجديد المراكب وتكبيرها ليتمكنوا من الدخول إلى البحر والمجازفة أحيانًا على بعد 12 ميلًا، باعتبار أنّه لا خيار أمامهم، فهذا مورد رزقهم الوحيد"، على حد تعبيره.  

 

صورة
يشغل قطاع الصيد البحري في تونس ما يقارب 60 ألف بحّار بصفة مباشرة (DEAGOSTINI / GETTY)

 

واستطرد قائلًا في هذا السياق إنّ بعض البحارة ينتظرون منذ أكثر من سنتين للحصول على هذا التحيين، وهو ما أثار حالة من الاستياء وتعددت بذلك الوقفات الاحتجاجية، معقبًا: "حاولنا مرارًا التدخل لفض هذا الإشكال، بيْد أنه لا يزال عالقًا إلى اليوم".

نائب رئيس اتحاد الفلاحة: كان من الأجدر تشجيع البحارة الذين يمارسون مهنة شاقة وخطرة ودعمهم، لا تعطيلهم ودفعهم لتجاوز القانون خاصة وأنّ قطاع الصيد البحري يساهم بشكل فعّال في دعم الاقتصاد الوطني

وبيّن صالح  هديدر أنّ "بعض البحارة يضطرون لدخول البحر مجازفين دون ترخيص محيّن، وبالتالي هم بذلك محرومون من الدعم ومهددون بحجز مراكبهم في حال ضبطهم".

وشدد صالح هديدر على أنّ "اتحاد الفلاحة والصيد البحري أكد أن التراخيص لا تمنح إلا للبحارة المرخص لهم والذين لم يرتكبوا مخالفات تتعلق بالصيد العشوائي"، مشيرًا إلى أنهم متمسكون برفض الدخلاء وتتبعهم، وفق تعبيره.

وختم محدث "الترا تونس" تصريحه بالقول: "كان من الأجدر تشجيع البحارة الذين يمارسون مهنة شاقة وخطرة ودعمهم، لا تعطيلهم ودفعهم لتجاوز القانون خاصة وأنّ قطاع الصيد البحري يقدم أرقامًا داعمة للاقتصاد الوطني ويساهم بشكل فعّال في التصدير".