21-سبتمبر-2019

يعتبر الخط من السمات المميّزة التي تختلف من شخص لآخر (صورة تقريبية/ getty)

 

تموّجات حرف "س"، ودرجة ميلان حرف "أ"، ومدى استدارة حرف "م"، تخيّل أنّ كل هذه المعطيات التي تكتبها في بضع أسطر من الممكن أن تفضح تفاصيل شخصيتك التي تحاول إخفاءها عن الناس. نتحدّث هنا عن تحليل الشخصية من خلال الخط أو علم "الغرافولوجيا" الذي يكشف الكثير من الملامح والصفات المتعلقة بشخصية الإنسان، ومنها: العصبية، الغرور، الكذب، الطموح إلخ.

مثله مثل بصمة الأصابع وبصمة الصوت وشكل الجسم، يعتبر الخط من السمات المميّزة التي تختلف من شخص لآخر. وباختلافها يستطيع المختصون تحليلها وتقديم صورة تقريبية لشخصية الفرد. فكيف نشأ هذا العلم؟ وكيف لرسالة بخط يدك أن تتضمّن أسرارك المخفيّة؟ وما هي مجالات تطبيقات هذا العلم؟ أسئلة يجيب عنها "ألترا تونس" في هذا التقرير.

اقرأ/ي أيضًا: الطبيعة تنتصر.. إعادة توطين "غزال الأطلس" في جبال سليانة بعد انقراض فاق القرن

"الكتابة هي بصمة العقل"

بدأ علم تحليل الشخصيات من عشرات القرون وكان يعرف بـ"الفراسة" عند العرب. يقع فيه اعتماد الصفات الظاهرة في الإنسان كشكل الجسم وملامح الوجه والأفعال والكلام المنطوق لفهم باطنه، مثل الذي يعطي لمحة على دواخل الأشخاص.

ومع ظهور العلوم التجريبية الحديثة كعلم النفس، وقع انشاء عديد المدارس لتحليل الشخصيات من خلال لغة الجسد والكلام ولغة العيون والكتابة. وتعدّ دراسة الخط جزءًا مهمًا من العلوم الإنسانية. ويمكن، بناء على تفسير خصائص الكتابة، الاقتراب من شخصية الفرد ودراسة تطوره النفسي والفكري والعاطفي.

مروان النويري (أخصائي نفسي) لـ"ألترا تونس": الكتابة هي بصمة العقل إذ تعبر على ما يدور في العقل وتعتبر اليد أداة تنفيذ فقط

وتكشف عديد المراجع التاريخية أن الصينيين هم أول من اكتشف العلاقة بين خط اليد والشخصية منذ القرن الحادي عشر (Gobineau et al, 1954). وفي سنة 1970 أجرى الباحث جان هيبوليت ميشون دراسة متأثرًا بعمل باحثين ألمان الذين جعلوا دراسة الخط موضوعًا علميًا.

لكن المؤسس الحقيقي لعلم الخط هو الطبيب الايطالي كاميليو بالدي (1622) الذي نشر عملاً ما زال موثوقًا به بين علماء الرسم المعاصرين تحت عنوان "تحليل الشخصية عن طريق خط اليد". ويتضمن تفاصيل التعرف على الحالة الاخلاقية والقدرات وتصرفات اي شخص من خلال شكل الحروف وميزات كتاباته.

"الكتابة هي بصمة العقل" إذ تعبر على ما يدور في العقل وتعتبر اليد أداة تنفيذ فقط"، هذا ما أكّده الأخصائي النفساني مروان النويري لـ"ألترا تونس" مبينًا أن هذا العلم نسبي ويعتمد عديد النقاط كالملاحظة والتجربة والإحصائيات ويختلف التحليل حسب الجنس والعمر والحالة الصحية ويشترط لصحة التحليل أن يكون الإنسان في وضع طبيعي صحي وسليم، على حد قوله.

مجالات اعتماد الغرافولوجيا

خط اليد مفتاح للتعرف على مكامن الإنسان ويمكن اعتماد علم الغرافولوجيا في عديد المجالات المهنية. ففي مجال علم النفس، تعدّ أداة يمكنها أن تساعد في تطوير الصورة النفسية للمريض، أما في الطب فيمكن استخدام دراسة الخط للكشف السريع عن الأمراض العصبية مثل مرض الزهايمر.

لتحليل الخط يقع اعتماد عديد المعايير منها الشكل والسرعة ودرجة الضغط على الورقة واتجاهات الأحرف والمساحات بين الكلمات

اقرأ/ي أيضًا: بلقاسم الحدّاد.. عن شاب ارتمى في أحضان الحديد والنار

يمكن أن تكون الغرافولوجيا مفيدة أيضًا في المجال التعليمي. إذ يمكن، من خلال تحليل الكتابة، اكتشاف بعض اضطرابات التعلم مثل اضطراب الكتابة. وهي أداة مفيدة للغاية في بعض التحقيقات الجنائية لتحديد هوية المجرمين أو ملاحظة ما إذا كانت هناك أية خصائص نفسية مثل العنف بين المشتبه بهم.

ومنذ عام 1989 وبعد ظهور تحليل حول دراسة الخط كأداة للتوظيف إذ استفادت العديد من الشركات حول العالم من هذا العلم في الحصول على الموظفين الملائمين للعمل، على غرار فرنسا التي تعتبر دراسة الخط من المحاور الأساسية لمقابلات العمل وذلك بسبب سهولة تنفيذ هذة الطريقة، وتكلفتها المنخفضة وإمكانية إنشاء "صورة نفسية" واضحة للمترشح.

مبادئ تحليل الشخصية من خلال خط اليد

لتحليل الخط يقع اعتماد عديد المعايير منها الشكل والسرعة ودرجة الضغط على الورقة واتجاهات الأحرف والمساحات بين الكلمات والوضوح وهو ما يمكن أن يوضح ثلاث عناصر رئيسية التي تشكل الشخصية، وهو الجانب العاطفي الذي يكشف عن الاحتياجات العاطفية للفرد، وحساسيته، وطريقته في إدارة عواطفه وإمكانية تطوره نفسيًا وعاطفيًا.

كما يمكن أيضًا أن يكشف الجانب الفكري ويتيح هذا البعد للشخصية اكتشاف القدرات العقلية والإبداعية للفرد، وطريقة تفكيره وشعوره بالملاحظة، وخياله، ونوع ذكائه المهيمن. وأخيرًا الجانب السلوكي الذي ينطوي على دوافع الشخص فيما يتعلق بأفعاله، وسيطرته على إيماءاته وموقفه، وشعوره بالمبادرة، وطريقة عمله واستثمار نفسه شخصيًا ومهنيًا واجتماعيًا.

وحسب الأخصائي النفساني مروان النويري فإنّه من الممكن تقسيم الخط لثلاث مستويات ولكل مستوى تحليل معيّن. فالمستوى الاول متعلق بالحروف ذات الخطوط العليا (أ-ظ..) والثاني يضم التجاويف (ص-ف-م-ه..) والمستوى الأخير متعلق بالحروف ذات الخطوط السفلى. وكلما وقع تجميع  خصائص أكثر كلما كان التحليل أقرب للصواب على حدّ قوله.

بضع كلمات كفيلة لتكشف الكثير من التفاصيل الشخصية وجوانبها المخفية

ويبيّن محدثنا "لمعرفة شخص انبساطي أو هستيري يمكن اعتماد نقطة الحجم ودرجة الميلان وبداية ونهاية الحروف. أما الشخص المتوان فله ضغط متوسط ودرجة ميلان الحروف بين 80 درجة و110 درجة".

ويضيف النويري أن كلّ عنصر في الكتابة له دلالاته فالحجم يعبّر عن صورة الذات واحترامها. أمّا ميل الحروف فيعطي فكرة على العاطفية والمبادرة والقدرة على التفكير، والميل إلى استخدام الحدس أو المنطق. ويدلّ الشكل على المستوى الثقافي والمستوى الفكري والحس الجمالي للشخص.

ويمكن استنتاج مدى حيوية الشخص وصحته من خلال ضغطته أثناء الكتابة. كما يعبّر اتجاه الخطوط على الحالة العاطفية للفرد، أما مدى ربط الحروف أو تقاربها، فيعطي فكرة على التواصل وعلاقة الشخص بالآخرين.

بضع كلمات كفيلة لتكشف الكثير من التفاصيل الشخصية وجوانبها المخفية حتى أنّ بعض الدراسات الطريفة تناولت موضوع اختيار الزوجة المناسبة من خلال خط كتابتها. فهل سنتخلى اليوم عن الرسائل الالكترونية ونعود للرسائل الغرامية المكتوبة للاكتشاف الشريك المناسب لنا؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

معالم المذهب الإباضي في جربة.. من فرادة المشهد المعماري إلى فضاء العيش المشترك

خبز "المجامع".. عشّ العصفور الذي يزّين مائدة عيد الأضحى