04-أكتوبر-2020

أكدت جمعيات ومنظمات أن مشروع القانون يهدّد الحقوق والحريات في تونس (إيناس كانلي/Getty)

الترا تونس - فريق التحرير

 

من المُبرمج أن ينظر البرلمان، خلال شهر أكتوبر/تشرين الثاني 2020، وفق الروزنامة التشريعية المُعلنة، في مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين، مع تصاعد مخاوف جمعيات ومنظمات حقوقية محلية ودولية من تكريس هذا المشروع لإفلات قوات الأمن من العقاب، واستباحة المسّ من حقوق الإنسان والحريات، خاصة في ظل تتالي اعتداءات بعض أفراد الأمن التي تكشفها شهادات مصوّرة على مواقع التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى، عدا عن "انفلاتات" النقابات الأمنية.

 تتصاعد مخاوف الجمعيات والمنظمات الحقوقية من تكريس مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين للإفلات من العقاب واستباحة المسّ من حقوق الإنسان والحريات

اقرأ/ي أيضًا: النقابات الأمنية.. حماية لحقوق "الزملاء" أم توظيف وبلطجة؟

وقد قُدّم مشروع القانون لمجلس نواب الشعب عام 2015 وقد بدأت اللجنة التشريعية المختصة في البرلمان السابق العمل عليه، وقد دعت وقتها جميع الجمعيات والمنظمات لسحب المشروع، لتتفق اللجنة على تعليق النظر فيه بعد تعهد وزير الداخلية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بتكوين لجنة جديدة لإعادة صياغة المشروع.

واستأنفت لجنة التشريع العام في فيفري/شباط 2020 النظر في مشروع القانون من جديد مع استعجال النظر وفق طلب مكتب البرلمان، وذلك رغم عدم توصّل اللجنة بنسخة جديدة من المشروع.

مشروع القانون.. تشريع للانتهاكات؟

المشروع الأول للقانون، الذي قدمته حكومة الحبيب الصيد عام 2015 إلى البرلمان، أثار موجة واسعة من الانتقادات في صفوف الجمعيات والمنظمات من مختلف مشاربها إضافة للخبراء المختصين في القانون، بسبب تناقضه مع أحكام الدستور ومبادئ حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية.

ففي جلسة أمام البرلمان بتاريخ 25 فيفري/شباط 2020، اعتبر الخبيران في القانون، عبد الله الأحمدي وحمادي الزريبي، أن مشروع القانون "مخالف للدستور" بما يمس الحق في الحياة، وكرامة الذات والنفس البشرية، وحرية الاجتماع والتظاهر إضافة لحريات أخرى، وكذا مخالفة مبدأين دستوريين وهما مبدأ وضوح الأحكام الجزائية ومبدأ قاعدة التناسب بين الفعل الإجرامي والعقوبة المستوجبة.

 كما أكد الخبيران أن المشروع هو "نص غريب باعتباره يقلب الموازين ويحمي الأمني من المواطن في حين أن رجل الأمن هو من يملك القوة والسلطة"، وفق تقرير اللجنة التشريعية.

نقابة الصحفيين: مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين هو محاولة لإعادة دولة البوليس والعودة إلى الديكتاتورية والاستبداد عن طريق تأليه المؤسسة الأمنية

بدوره، اعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل أن المشروع تضمن فصول تتعارض مع التزامات تونس الدولية فيما يتعلق بحق التعبير وحق النفاذ إلى المعلومة وفصول تتعارض مع مبدأ الحق في الحياة.

وفي نفس الإطار، قالت نقابة الصحفيين، في جلسة استماع في مارس/آذار 2020، إن مشروع القانون هو "محاولة لإعادة دولة البوليس والعودة إلى الديكتاتورية والاستبداد عن طريق تأليه المؤسسة الأمنية". وأضافت أن المشروع "سوف يزيد في عزل الأمنيين عن المواطنين وتقوية مشاعر الضغينة والحقد تجاههم".

الهيئة الوطنية للمحامين بتونس أكدت أن مشروع الحكومة يخالف عدة مبادئ دستورية منها مبدأ المساواة بتخصيص فئة معينة من المواطنين بنص خاصّ لحمايتهم دون غيرهم بل إنه "يمكن رجال الأمن من حصانة مطلقة لم يحظ بها حتى رئيس الجمهورية ونواب الشعب وغير ذلك من السلطات وصلت إلى حد جعلهم فوق القانون". كما أن الصياغة تتضمن عبارات فضفاضة، مؤكدة الهيئة أن المشروع غير ذي جدوى ولا يسدّ فراغًا تشريعيًا للحماية الجزائية للأمنيين.

جمعية القضاة التونسيين ذهبت، في نفس السياق، للتأكيد أن مشروع القانون يعدّ "مرحلة خطيرة نحو مأسسة الإفلات من العقاب في القطاع الأمني التونسي"، مبينّة أن إجازة "استخدام الشرطة للقوة القاتلة" حتى في حال عدم حياة الغير للخطر يتناقض مع القانون الدولي العام.

وفي جلسة استماع برلمانية، حذر عدد من الجمعيات والمنظمات المدنية من خطورة المشروع المعروض، إذ اعتبرت جمعية النساء الديمقراطيات أنه "ينبني على فلسفة وتوجهات تخالف الثورة التونسية"، وأكدت الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان أن المشروع يزيد من التضخم التشريعي في تونس دون جدوى إضافة لتضمنه لعقوبات موغلة في التشدد.

جمعية القضاة التونسيين: يعدّ مشروع القانون مرحلة خطيرة نحو مأسسة الإفلات من العقاب في القطاع الأمني التونسي

وفي نفس السياق، اعتبرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان المشروع "تمييزيًا" عدا عن معارضته كليًا لمبادئ حقوق الإنسان بما سيزيد من انتهاكات الأمنيين في تونس، فيما عبّرت منظمة العفو الدولية من استغرابها من تمسّك الحكومة بالمشروع رغم كثرة الأصوات الداعية إلى سحبه

من جهتها، أكدت النقابات الأمنية، في جلسة الاستماع لها، رفض مشروع القانون المعروض مع التشديد في نفس الوقت على سن قانون يحمي الأمنيين لوجود فراغ تشريعي وفق قولهم. وأكدت النقابات ضرورة أن يتضمن القانون أحكام حمائية مع تطابق أحكامه مع الدستور فيما يتعلق بالحقوق والحريات، مطالبين بالتسريع في المصادقة عليه لـ"تفادي التوتر والاحتجاجات في صفوف أعوان الأمن لطول المدة التي استغرقها النظر في مشروع القانون".

وفي جلسة استماع مشتركة لكل من وزراء الداخلية والدفاع والعدل، أجمع الوزراء على ضرورة سن قانون خاص لحماية الأمنيين، مع الإجماع أن المشروع المعروض يتضمن عدة نقائص، وأحكام مخالفة للدستور وأحكام عامة وفضفاضة. وتعهّد الوزراء كجهة مبادرة بتقديم التعديلات اللازمة والضرورية لمشروع القانون تأخذ بعين الاعتبارات ملاحظات النواب.

ماهي أحكام مشروع القانون في نسخته المعدّلة؟

صادقت لجنة التشريع العام، في جويلية/يوليو 2020، على مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين بعد حذف عدة فصول من نسخة 2015 وتعديل فصول أخرى، وتتضمن النسخة المُعدّلة التي ستُعرض على الجلسة العامة للمصادقة النهائية على 15 فصلًا. وفيما يلي أبرز أحكامها:

  • يستهدف القانون حماية قوات الأمن الداخلي والديوانة بما يشمل "التهديدات الجدية والاعتداءات التي تمسّ من السلامة الجسدية للأعوان أو بحياتهم أثناء أداء وظيفتهم أو بصفتهم شريطة توفر العلم المسبق بهذه الثقة وثبوت علاقة بين الفعل المرتكب وتلك الصفة". كما تشمل الحماية عائلة أعوان الأمن، أزواجهم وأصولهم وفروعهم، إضافة للمقرات والمنشآت الأمنية.
  • اتخاذ تدابير لحماية عون الأمن "في صورة تعرّضه لتهديدات جديّة"، وهي تتخذّ تلقائيًا أو بطلب من العون، وتكون مصاريفها محمولة على الدولة، مع إمكانية أن تشمل الحماية عائلة عون الأمن.
  • تتكفل الدولة بالمرافقة الأمنية لفائدة الأعوان للتعويض عن بقية الأضرار المشمولة بالحماية، كما تتكفّل بصرف تلك التعويضات.
  • عدم المسؤولية الجزائية لعون الأمن عند قيامه بمهمات أو تدخلات أثناء أدائه لوظيفته أو في علاقة بصفته، وذلك في إطار تطبيق الأطر الترتيبية لصيغ التدخل، الذي يجد نفسه في وضعية مباغتة بسبب مواجهته لخطر محدق وجسيم ناتج عن اعتداء حاصل أمامه أو على وشك الحصول على الأشخاص أو المنشآت الأمنية، حتمت عليه التدخل باستعمال القوة المناسبة بواسطة السلاح أو بغيره من الوسائل بقصد منع ارتكاب جناية أو إعادة ارتكابها ضد الأشخاص أو المنشآت الأمنية ونتج عن ذلك أضرار مادية أو بدنية أو وفاة.
  • تتولى المصالح الأمنية الدفاع عن منظوريها وضمان المرافقة القانونية لهم في صورة تتبعهم جزائيًا بعنوان الأفعال السابق ذكرها.
  • مضاعفة العقوبات الواردة في المجلة الجزائية في جرائم منها الاعتداء على الحرمة الجسدية لذوي الأمني المرتبطة بأدائه لمهامه أو بصفته.
  • الإذن المسبق من السلطة الإدارية المختصة للتصوير أو التسجيل داخل المقرات الأمنية مع عدم الإخضاع للإذن المسبق أو المتابعة الجزائية التصوير أو التوثيق أو النشر بقصد معاينة ارتكاب مخالفة أو جنحة أو جناية.

حذف فصول مخالفة للدستور من المشروع الأصلي

تخلّت النسخة النهائية لمشروع القانون على عدة  فصول من المشروع الأصلي لمعارضتها لأحكام الدستور ومسّها من الحقوق والحريات وتعارضها مع مبادئ حقوق الإنسان.

شاهد/ي أيضًا: التعذيب في تونس بعد الثورة.. الكابوس لم ينته بعد

إذ تم التخلي عن جريمة المس من سمعة الأمن قصد تحطيم معنوياته، والاعتداء على أسرار الأمن الوطني، واشتراط الترخيص المسبق للتصوير في مناطق العمليات الأمنية والتي يُعاقب عليها بالسجن حال المخالفة، عدا عن حذف الفصل الذي كان يعاقب بالسجن لمدة 3 سنوات "كل من يعطل السير العادي للمصالح والمؤسسات والمنشآت التابعة للقوات المسلحة".

تخلّت النسخة النهائية لمشروع القانون على عدة فصول من المشروع الأصلي لمعارضتها لأحكام الدستور ومسّها من الحقوق والحريات وتعارضها مع مبادئ حقوق الإنسان

وكان المشروع الأصلي أيضًا يعاقب بالسجن لمدة سنتين "كل من يقوم بتحقير القوات المسلحة بقصد الإضرار بالأمن العام"، وهو فصل تم التخلّي عنه لتضمنه عبارة فضفاضة وهي "التحقير" بما يشرّع للمس من حرية التعبير.

كما حذفت النسخة النهائية الفصل الذي يدعو الدولة للتكفل بجبر الأضرار المادية اللاحقة بمساكن رجال الأمن، مع حذف فصل آخر يعاقب بالسجن لمدة 5 سنوات من يهدّد عائلة عون الأمن بهدف إجبار العون على القيام بفعل يهم وظيفته أو يتجاوز سلطته.

الدستوري الحرّ يسعى لتجريم "تحطيم معنويات قوات الأمن"

قدمت كتلة الحزب الدستوري الحر عددًا من مقترحات التعديل، سيتم عرضها على الجلسة العامة للتصويت، من بينها مقترح نص إضافي (موجود في نسخة 2015 وتم حذفه الآن) يعاقب بالسجن من 3 أشهر إلى 3 سنوات "كل من تعمد المس من كرامة وسمعة قوات الأمن الداخلي والديوانة بهتك شرفها أو اعتبارها قصد تحطيم معنوياتها بالقول أو الإشارة أو الصورة أو الكتابة والترويج لذلك بأي وسيلة نشر أو توزيع أو عرض مهما كان محملها".

وتبقى المخاوف من انتهاك الحقوق والحريات

رغم التعديلات المُدخلة على المشروع الأصلي من مشروع القانون، وبالخصوص حذف عدة فصول تمسّ بشكل واسع من الحقوق والحريات وعديد المبادئ الدستورية، يبقى المشروع، في نسخته الأخيرة، محلّ رفض عديد الجمعيات والمنظمات الحقوقية، خاصة للفصل 7 المتعلق عدم المسؤولية الجزائية للعون، عدا عن رفض لمبدأ سنّ تشريع جزائي خاصّ للأمنين في ظل عدم وجود فراغ تشريعي من جهة، وخرق مبدأ المساواة بين المواطنين من جهة ثانية.

تتصاعد المخاوف أن يؤدي قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين إلى مزيد تفشي ظاهرة إفلات الأمنيين من العقاب

وتتبيّن خطورة المشروع من حيث علاقته الوثيقة بالحقوق والحريات مع مصادقة لجنة التشريع العام على تصنيف القانون كـ"قانون أساسي" وليس "قانون عادي" وذلك تطبيقًا لأحكام الدستور الذي يصنّف القوانين المتعلقة بمسائل الحقوق والحريات كقوانين أساسية تستلزم مصادقة الأغلبية المطلقة من النواب.

وتتصاعد المخاوف، إجمالًا، أن يؤدي القانون، بعد المصادقة عليه، إلى مزيد تفشي ظاهرة إفلات الأمنيين من العقاب، خاصة مع استمرار الانتهاكات المُعاينة من قبل المواطنين والمنظمات الحقوقية، سواء عبر التسجيلات المصوّرة على منصات التواصل الاجتماعي أو عبر البيانات الرسمية ولعلّ من أهمّها مؤخرًا اعتداء عون أمن على محامية في مركز أمن. 

وفي نفس السياق، كان قد ندد ائتلاف المجتمع المدني للدفاع عن مسار العدالة الانتقالية،  في بيان في ماي/أيار 2019 بمناسبة مرور سنة على تركيز الدوائر القضائية المتخصصة، بـ"تنامي التهديدات العلنية الصادرة من قبل النقابات الأمنية بعدم تأمين قاعات الجلسات ودعوتهم لزملائهم من المنسوب إليهم الانتهاك لعدم الامتثال أمام الدوائر ولتجاهل قرارات الجلب الصادرة عنها".

بذلك تتواصل التجاوزات والانتهاكات في صفوف الأمنيين مع تعطّل مسار إصلاح وزارة الداخلية والانفلاتات في أنشطة النقابات الأمنية، وغياب المتابعة الإدارية التأديبية من الوزارة إضافة لتعطل المحاسبة القضائية وذلك بما يكرّس الإفلات من العقاب واستمرار الانتهاكات ضد المواطنين، وهو ما قد يتعزّز، الآن، مع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صورة "البوليس" في الدراما التونسية.. من التلميع إلى التشنيع

السجون التونسية زمن الاستبداد.. مسرح للانتهاكات المهينة للذات البشرية