26-مارس-2019

الإدارة التونسية لا تزال تتباطئ في تكريس حق النفاذ إلى المعلومة (ماهر جعيدان/ألترا تونس)

 

كنا قد استعرضنا في الجزء الأول من هذا التقرير ممارسة "الجمعية الوطنية لحماية قطاع النقل تاكسي بجميع أنواعه" لحقها في النفاذ إلى المعلومة والحصول على الوثائق التي تنصهر ضمن تحقيقها أهداف قانون النفاذ إلى المعلومة الرامية إلى تكريس مبدأي الشفافية والمساءلة فيما يتعلق بالتصرف في مرفق النقل، وقد أجرينا مقابلة مع رئيس الجمعية المذكورة علي بن سعد الذي حدثنا عن تجربته من أجل تكريس هذا الحق على أرض الواقع والعراقيل التي تعرض إليها من الإدارة التونسية.

نواصل في هذا الجزء الثاني حديثنا مع رئيس الجمعية الذي وصف أغلب الردود الإدارية على مطالب النفاذ بأنها "محتشمة" وغير ملبية للغرض مما يدفعه في كل مرة إلى الالتجاء إلى هيئة النفاذ إلى المعلومة لاستصدار قرارات في النفاذ.

اقرأ/ي أيضًا: المستفيد من أول قرار للنفاذ إلى المعلومة: هذه قصتي مع مطالب النفاذ (2/1)

أساليب مختلفة رفضًا للتمكين من حق النفاذ

أكد بن سعد أنه بدعوى الحفاظ على المعطيات الشخصية يقع منعه من المعلومة سواء كان ذلك قبل صدور قانون النفاذ إلى المعلومة عام 2016 أو بعده. وأشار، في هذا الجانب، لرد بلدية سوسة بتاريخ 8 أفريل/نيسان 2014 حول مده بنسخة من القائمة الإسمية المتضمنة لتاريخ إسناد أول رخصة تاكسي ببلدية سوسة والذي امتنعت فيه عن مده بالمعطيات المطلوبة المضمنة بتطبيقة إعلامية بدعوى أنه "وقع إعدادها للتسيير الإداري اليومي والعادي فحسب إضافة أنها تتضمن معطيات شخصية لا يمكن للإدارة أن تحيلها للغير احترامًا لحق الأشخاص الواردة أسماؤهم بهذه التطبيقة لحماية معطياتهم الشخصية" (مراسلة عدد 517/1940).

حماية المعطيات الشخصية من أبرز التعلّات لتعطيل الحق للنفاذ إلى المعلومة (ماهر جعيدان/ألترا تونس)

غير أن رئيس الجمعية لم يتوقف عند هذا الرفض رغم استصدار إذن على عريضة من المحكمة الابتدائية بسوسة لتمكينه من المعطيات المطلوبة لكن بمده فقط بمعطيات إحصائية منقوصة وغير مضمنة لجميع المعطيات في الدفتر الممسوك، وهو ما دفعه إلى الالتجاء إلى هيئة النفاذ إلى المعلومة بعد تركيزها فأصدرت قرارًا بتاريخ 12 أفريل/نيسان 2018 بتمكينه من القائمة المذكورة ملزمة بلدية سوسة بتسليمه كافة المعطيات باعتبارها لا تتضارب مع قانون حماية المعطيات الشخصية.

اقرأ/ي أيضًا: حق النفاذ إلى المعلومة في مواجهة السلطة القضائية.. خصم وحكم؟

وحول الغاية من الحصول على هذه المعلومات، أكد علي بن سعد أن من شأنها "تكريس مبدأ الشفافية وإزالة كل شكوك أصحاب المهنة حول بعض المغالطات على مستوى تواريخ الحصول على رخصة السياقة لبعض المهنيين والتثبت من شرط الأقدمية في منح الرخص الجديدة ولا يكون ذلك إلا بالتثبت من القائمات الإسمية للحاصلين على رخصة تاكسي فردي وذلك حسب الأقدمية ومسك نسخ منها".

ومن بين الردود التي تلقاها أيضًا رئيس جمعية حماية قطاع النقل التاكسي بجميع أنواعه عند طلبه نسخة ورقية من قائمة العرائض الواردة على المحكمة الابتدائية بالمنستير بخصوص المخالفات المسجلة ضد سواق وأصحاب رخص النقل العمومي غير المنتظم للأشخاص منذ سنة 2011، جاءه الرد أنه يتعذر الاستجابة لهذا الطلب "باعتبار أن المنظومة الإعلامية المستغلة لا تتيح آليات البحث في المعطيات المخزّنة لفرز المحاضر والشكايات على النحو الذي ترغب فيه الجمعية العارضة كما أن عملية البحث اليدوي مستحيلة وأن المدة المطلوبة بداية من سنة 2011 إلى حد هذا التاريخ طويلة جدًا".

وأكد علي بن سعد في هذه الحالة قبوله قرار هيئة النفاذ إلى المعلومة برفض دعواه أصلًا على اعتبار أن المدعى عليه في قضية الحال أي المحكمة الابتدائية بالمنستير لا ينشئ مثل هذه المعطيات.

علي بن سعد (الجمعية الوطنية لحماية قطاع النقل تاكسي): الغاية من الحصول على المعلومات هو إزالة شكوك أصحاب المهنة حول المغالطات على مستوى تواريخ الحصول على رخصة السياقة والتثبت من شرط الأقدمية في منح الرخص الجديدة 

وزارة الداخلية كان لها رأي آخر في ردودها حول طلب إحصائيات حول مخالفات سائقي التاكسي بمرجع نظر إقليمي المنستير وسوسة، يقول علي بن سعد لـ"ألترا تونس" إن الوزارة عللت في مراسلة إلى هيئة النفاذ إلى المعلومة تعذر تقديم المعطيات بأن "الإحصائيات المرورية المنجزة على مستوى الإقليمين المذكورين لا يتم فيها إفراد سائقي التاكسي بإحصائيات خاصة بهم بل يتمّ إعداد إحصائيات مرورية بصفة عامة" في حين يمكن "مد العارض بمعطيات إحصائية تخص المخالفات المرورية بجميع أصنافها بصفة عامة و دون تقسيم حسب الجنس أو المهنة".

غير أن بن سعد استغرب من تذييل وزارة الداخلية مراسلتها بإشارة إلى أن "الجمعية الوطنية لحماية التاكسي لم يسجّل لها أي نشاط بمقرها بحي الرياض سوسة وهو نفس إقامة ممثلها القانوني وقد سجلت مغادرتها النهائية منذ شهرين بعد إلغاء العلاقة الكرائية مع مسوّغ المحل". وفند رئيس الجمعية هذا الادعاء مثبتًا أنه تم تغير المقر الاجتماعي للجمعية إلى مدينة الساحلين من ولاية المنستير ولا يعتبر ذلك مانعًا لتقديم المعلومة ولا علاقة له بسلامة الإجراءات القانونية المتبعة في النفاذ وفق تأكيده.

عراقيل عديدة في النفاذ إلى المعلومة من طرف الهياكل الإدارية (ماهر جعيدان/ألترا تونس)

ضرورة التخلص من ثقافة حجب المعلومة

هذه العينة من تعامل الهياكل الإدارية مع النفاذ إلى المعلومة من أجل إرساء بنك معلومات لقطاع النقل يبدو أنها تتكرر من جهة إلى أخرى بما يكشف المعوقات التي يتعرض لها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون في طلب النفاذ. ويعود عدم تفاعل الإدارة بسرعة لمحدودية درجة الانفتاح نحو المساءلة وتكريس الشفافية بعد الثورة، وهي لازالت في طور الانعتاق من نظام دكتاتوري وظّف الإدارة كإحدى أذرعه. كما أن جودة المرفق العام كان رهين القرارات الفوقية دون تشريك عامة المتدخلين من مجتمع مدني وأحزاب سياسية وقوى تدفع نحو دمقرطة المؤسسات وحوكمتها.

ورغم أن المنشور عدد 19 لسنة 2018 المؤرخ في 18 ماي 2018 الصادر عن رئاسة الحكومة أتى ليفسر أحكام القانون الأساسي المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة وذلك لضمان حسن تطبيقه، يُلاحظ عدم الالتزام بهذا المنشور وبكل القوانين المنظمة والمكرسة للحق في النفاذ إلى المعلومة وذلك للضعف التي عليه المرافق العمومية من حيث نشر المعلومة المتعلقة بالبرامج والمخططات والتقارير ومحاضر الجلسات والمعلومات الإحصائية الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك نتائج تقارير المسوحات الإحصائية التفصيلية عدا عن النشر التلقائي للمعلومة على المنصات المخصصة لذلك.

يعود عدم تفاعل الإدارة مع مطالب النفاذ إلى المعلومة بسرعة لمحدودية درجة الانفتاح نحو المساءلة وتكريس الشفافية بعد الثورة

كما لا تزال طريقة تحديد المعاليم غير واضحة رغم التوصيات بأنه يتعيّن على الهيكل المعني تمكين كل شخص من حق النفاذ إلى المعلومة بصفة مجانية إلا أنه إذا كان توفير المعلومة يقتضي جملة من المصاريف يتم إعلام صاحب المطلب مسبقًا بضرورة دفع مقابل على أن لا يتجاوز ذلك المصاريف الحقيقية التي تحملها الهيكل المعني.

ومن خلال تقرير هيئة النفاذ إلى المعلومة ومن مجموع 647 هيكلًا خاضعًا لقانون النفاذ، 70 في المائة فقط من هذه الهياكل تمتلك مواقع إلكترونية مقابل 30 في المائة لا تتوفر على هكذا مواقع مما يعسّر ممارسة الهيئة المذكورة لمهامها في مجال التقييم. وتبقى الولايات والبلديات والهيئات القضائية من أضعف النسب في امتلاك منصات إعلامية تمكن هيئة النفاذ إلى المعلومة من المتابعة.

بعد هذه اللمحة حول واقع النفاذ إلى المعلومة في تونس، وجب "تغيير العقليات والتخلص من الموروث السائد القائم على حجب المعلومة واحتكارها خاصة على مستوى الهياكل العمومية" وذلك حسب التوصية التي رفعتها هيئة النفاذ إلى المعلومة وذلك من أجل الانطلاق نحو جودة المرفق العام وتكريس سياسات تدعم الشفافية وتدفع نحو المساءلة ومقاومة الفساد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

النفاذ إلى المعلومة: حق دستوري لم تهضمه الإدارة التونسية

ماهو مآل تقارير هيئات الرقابة المالية والإدارية؟