19-أبريل-2024
زهر نارنج نابل مريم ناصري الترا تونس

ناشطة في تقطير الزهر لـ "الترا تونس": أغلب النسوة في نابل يتقنّ تقطير الزهر بطرق تقليدية واستخراج الزيوت (مريم الناصري/الترا تونس)

 

تتعطر العديد من مدن ولاية نابل وقُراها وحتى بعض أريافها منذ شهر مارس/ آذار برائحة "الزهر" معلنةً انطلاق موسم جمع أزهار "النارنج" الذي يميز تلك الجهة.

لا تكاد تغيب شجرة النارنج في نابل عن حديقة أي منزل، مما يجعل شوارعها تعبق برائحة الزهر منذ شهر فيفري وتعمل صاحبة كل بيت على جمع زهر النارنج بمفردها أو بالاستعانة ببعض العمال

ويخلق هذا النشاط حركية اقتصادية طيلة شهري مارس/ آذار وأفريل/ نيسان في عدّة مدن، لا سيما وأنّ العديد من العائلات تمارس نشاطًا اقتصاديًا موسميًا، يتمثل في تقطير الزهر الذي يبيعونه لزوار الجهة خصوصًا في معرض تقطير الزهر بمدينة نابل.  

ولا تكاد تغيب شجرة النارنج في نابل عن حديقة أي منزل، مما يجعل شوارعها تعبق برائحة الزهر منذ شهر فيفري/ شباط، وتعمل صاحبة كل بيت على جمع زهر النارنج بمفردها أو بالاستعانة ببعض العمال.

جمع زهر النارنج
أشجار النارنج تكاد لا تغيب عن كل البيوت في نابل ويعمل أصحاب كل بيت على جمع أزهارها (مريم الناصري/الترا تونس)

وعند التجول في أزقة نابل ودار شعبان الفهري وبني خيار وبوعرقوب وعدة قرى ومناطق فلاحية لا تشم سوى رائحة تلك الأزهار التي تميز ولاية نابل المستحوذة على نحو 90 بالمائة من إنتاج زهرة النارنج. 

يقول سكان ولاية نابل إنّ الأندلسيين جلبوا معهم هذه الشجرة منذ أكثر من 500 عام بعد قدومهم إلى تونس، وتنتج شجرة الأرنج، أو كما تسمى في المنطقة شجرة "النارنج"، أزهارًا فواحة وناصعة البياض.

كثف العديد من الفلاحين في الجهة زراعة شجر النارنج بعد أن باتت أزهاره توفر دخلاً موسميًا هامًا لجميعهم، عقب انتشار مصانع صغيرة لتقطير زيوته سواءً من الأزهار أو من أوراق الأشجار نفسها

وقد كثف العديد من الفلاحين في الجهة زراعة شجر النارنج بعد أن باتت أزهاره توفر دخلاً موسميًا هامًا لجميعهم، عقب انتشار مصانع صغيرة لتقطير زيوته سواءً من الأزهار أو من أوراق الأشجار نفسها.

تقطير الزهر نابل
عديد العائلات تمارس نشاطًا موسميًا في تقطير الزهر وبيعه لزوار الجهة في معرض نابل (مريم الناصري/الترا تونس)

 

  • مشكل المحتكرين والوسطاء

لكن يشكو منتجو زهر النارنج من عدّة مشاكل بسبب المحتكرين ممن يفرضون أسعارًا متدنية على الفلاحين لشراء محاصيلهم.

وقد أشار عبد الحفيظ عمران أحد منتجي زهر النارنج في نابل لـ "الترا تونس" إلى أنّ "عديد الفلاحين تكبدوا خسائر بعد أن فرض المحتكرون أسعارًا لا تغطي ربع كلفة الإنتاج، خاصةً وأنّ اليد العاملة المتخصصة في جمع زهر النارنج تتقاضى من 25 إلى 30 دينار يوميًا".

أحد منتجي زهر النارنج في نابل لـ "الترا تونس": عديد الفلاحين تكبدوا خسائر بعد أن فرض المحتكرون أسعارًا لا تغطي ربع كلفة الإنتاج

وأضاف أنّ "جمع زهر النارنج يتم بطريقة خاصة، إذ تقطف الزهرة دون كسر أغصان الأشجار، مع جمع الأوراق الصغيرة والخضراء التي يقع تقطيرها لاستخراج الزيوت، لذا يعتمد بالأساس على يد عاملة من الجهة، وخصوصًا من النسوة ممن حصّلن خبرة في طريقة جمع تلك الأزهار".

 

زهر النارنج في نابل 1
رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة لـ "الترا تونس": وحدات تحويل زهر النارنج أصبحت تسيطر على سوق الزهر وتتحكم في الأسعار   (مريم الناصري/الترا تونس)

 

ومن جهته أشار سامي هويدي رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري لـ "الترا تونس"، إلى أن قطاع انتاج الزهر بات يواجه خلال السنوات الأخيرة عدّة مشاكل،وأصبح الفلاحون لا يحققون عائدات تغطي كلفة الإنتاج، لاسيما وأنّ وحدات تحويل زهر النارنج أصبحت تسيطر على سوق الزهر وخاصًة في معتمدية بوعرقوب، كما باتت تتحكم في الأسعار حيث فرضت تسعيرة دينارين ونصف للكيلوغرام الواحد والحال أنّ الفلاح ينفق أحيانًا ثلاثين دينار لخلاص أجرة كل عاملة في اليوم الواحد، إضافةً إلى التعويل على الري بسبب قلة التساقطات خلال السنوات الأخيرة".

رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري لـ "الترا تونس": قطاع انتاج الزهر بات يواجه خلال السنوات الأخيرة عدّة مشاكل، لاسيما وأنّ وحدات تحويل زهر النارنج أصبحت تسيطر على سوق الزهر

وقد نشر بعض الفلاحين مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر إتلاف كميات هامة من محاصيلهم، احتجاجًا على سيطرة المحتكرين وتدني الأسعار بشكل كبير هذا العام، مما تسبب لهم في خسائر مادية.

وأكد سامي الهويدي أنّ القطاع مهمش وأنهم لم يتلقوا سوى الوعود بهيكلة القطاع والحد من سيطرة وحدات التحويل، مشددًا على أنّ الحل يتمثل في بعث وحدة تحويل حكومية تحفظ حق الفلاح وتحقق مداخيل هامة للدولة.

معتمدية بوعرقوب هي أكبر جهة منتجة لزهر النارنج في ولاية نابل وعلى مستوى وطني أيضًا، تليها في ذلك معتمديتي بني خيار ودار شعبان الفهري

وتُعدّ معتمدية بوعرقوب أكبر جهة منتجة لزهر النارنج في ولاية نابل وعلى مستوى وطني أيضًا، تليها في ذلك معتمديتي بني خيار ودار شعبان الفهري.

 

  • تقطير زهر النارنج

ويوفر الزهر للعديد من النساء مورد رزق موسمي هام، إذ تعمل أغلب النساء في جميع مدن الولاية في تقطير الزهر واستخراج الزيت النيرولي باهظ الثمن، ولكن بعد ظهور وحدات التحويل قلّ عملهم كثيرًا، وباتت مراكز التحويل تحتكر أغلب الإنتاج.

ناشطة في تقطير الزهر لـ "الترا تونس": غالبًا ما تتشارك النساء في كل حي في عملية التقطير حيث يجتمعن في ساحة كبيرة لتقطير الزيت واستخراج ماء الزهر بطرق تقليدية وعلى الحطب

وتشير رقية (54 سنة) إحدى اللاتي تعملن سنويًا في تقطير زهر النارنج إلى أنّ "أغلب النسوة في ولاية نابل يتقنّ تقطير الزهر بطرق تقليدية واستخراج الزيوت من الأوراق، وغالبًا ما تتشارك النساء في كل حي في تلك العملية، حيث يجتمعن في ساحة كبيرة لتقطير الزيت واستخراج ماء الزهر بطرق تقليدية وعلى الحطب، ويخزنّ مؤونتهن منه، فيما يتولين بيع ما زاد على حاجتهنّ في السوق".

ويباع اللتر الواحد من مياه الزهر بعشرين دينارًا، فيما تباع قارورة المائة مليلتر من الزيت المعروف باسم النيرولي بنحو 30 دينار، ويستخدم في استخراج عدة أنواع من العطور أو في مواد التجميل.

تقطير زهر النارنج
تعمل أغلب النساء في ولاية نابل في تقطير الزهر موسميًا واستخراج الزيت النيرولي باهظ الثمن (مريم الناصري/الترا تونس)

 

من جهته، أشار أنور المرزوقي، أستاذ تاريخ وعضو جمعية صيانة مدينة نابل، إلى أنّ "تقطير الزهر يعدّ بالفعل مناسبةً في كامل ولاية نابل سنويًا، لأنه يضفي حركية اقتصادية كبيرة على الجهة، ويوفر عملاً موسميًا لعدة عمال وخصوصًا النساء ممن يشرفن على تقطير الزهر".

أستاذ تاريخ وعضو جمعية صيانة مدينة نابل: تقطير الزهر يعدّ بالفعل مناسبةً في كامل ولاية نابل سنويًا، لأنه يضفي حركية اقتصادية كبيرة على الجهة ويوفر مواطن شغل موسمية

وأضاف أن "جهة نابل توفر ماء الزهر الذي يوزع على كامل الجمهورية ويُصدر جزء كبير منه أيضًا إلى الخارج"، مؤكدًا أن " مهرجان الزهر" الذي ينتظم سنويًا في مدينة نابل يمثّل أحد أشهر المهرجانات السياحية في المنطقة ويجلب العديد من الزوار من كل الجهات التونسية لشراء المياه والزيوت العطرية، وخاصة منها ماء الزهر وزيته الذي يعد من بين أكثر الزيوت غلاءً نظرًا لفوائده الصحية والتجميلية".

4 مهرجان الزهر في نابل
مهرجان الزهر في نابل يجلب سنويًا عديد الزوار من كل جهات تونس لشراء المياه والزيوت العطرية (مريم الناصري/الترا تونس)