نشرت هيئة الحقيقة والكرامة مساء اليوم الأربعاء 14 آذار/مارس 2018 بلاغًا كشفت فيه وثائق ومعطيات جديدة حول استغلال المستعمر الفرنسي للثروات الباطنية التونسية.
اقرا/ي: العدالة الانتقالية والدولة المستقيلة
سن تشريعات قبل الاستقلال لاستغلال الثروات التونسية
كشفت الهيئة أن الاستعمار الفرنسي عمد إلى سن تشريعات قبل الاستقلال لاستغلال الثروات الباطنيّة التونسيّة وذلك لضمان وضع يده على الثروات الباطنيّة بالأراضي التونسيّة، حيث قام بتكوين شركات منحته حقوق استغلال الحقول النفطيّة والمقاطع في إطار لزمات أو عقود استغلال أو رُخص تفتيش. وقالت إن فرنسا أقرت تشريعات لتضمن الاستغلال المفرط للموارد النفطية على غرار أمر سنة 1948 والذي يسمح باستغلال المواقع المُكتشفة دون ترخيص إضافي مع دفع أتاوة الاستغلال بالفرنك الفرنسي أو بالعملة الوطنيّة. في حين أنّه في ذلك الوقت لم تُحدث بعدُ العملة الوطنيّة وهو ما يؤشّر إلى ديمومة هذا الوضع في المستقبل، وفق ما أكدته.
كشفت الهيئة أن الاستعمار الفرنسي عمد إلى سن تشريعات قبل الاستقلال لاستغلال الثروات الباطنيّة التونسيّة
كما تحدثت عن وجود أمر منذ 1949 يمنح شركة "COTUSAL" المكوّنة نتيجة اندماج مجموعة شركات فرنسيّة للملاّحات، مع تمتيعها بدفع أتاوة استغلال تُحتسب باعتماد أدنى سعر من السلّم العامّ لاستغلال أراضي الدولة التونسيّة.
وقال الهيئة إن هذه الاتّفاقيات لم تضمن الحقوق الدنيا لحماية مصلحة البلاد التونسيّة. وتؤكّد أنّ فرنسا سعت للإبقاء على صلاحيات استعماريّة في دولة على أبواب "الاستقلال"، وفق تعبيرها. كما تحدثت عن عدم قيام دولة الاستقلال بمراجعة هذه الاتفاقيات وتحسين مردوديتها.
اقرا/ي: انتهاكات تونس.. المقاومة مستمرّة لكشف الحقيقة ومنع الإفلات من العقاب
امتيازات فرنسيّة في اتّفاقية الاستقلال الداخلي لم تُلغها اتّفاقية الاستقلال التامّ في 20 مارس 1956
وبيّنت الهيئة أنه في إطار حماية فرنسا لمصالحها الاستعماريّة، قامت بتضمين فصلين في اتّفاقيّة الاستقلال الداخلي لحماية مصالحها، هما الفصلان 33 و34، ولم يقع إلغاؤهما باتّفاقيّة الاستقلال التامّ التّي تعرّضت للجوانب الأمنيّة فقط وتغاضت عن المسألة الاقتصاديّة والماليّة.
ضمّنت فرنسا فصلين في اتفاقية الاستقلال الداخلي لتونس لضمان مصالحها الاقتصادية وامتيازاتها بعد الاستقلال
وتضمّن هذان الفصلان التزام الدولة التونسيّة بمنح حقّ الأفضليّة للمشاريع الفرنسيّة عند تساوي الشروط للحصول "على رُخص التفتيش والاستثمار وعلى اللزم"، وكذلك عدم قدرة الدولة التونسيّة على تغيير آجال اللزمات والاتّفاقيات ورُخص التفتيش والاستثمار المبرمة أو الممنوحة إلاّ بموافقة الطرف الفرنسي".
امتيازات استغلال الثروات الباطنيّة التونسيّة بعد الاستقلال بطريقة مُجحِفة
قالت الهيئة إن السلطات الفرنسيّة استمرّت في استغلال الدولة التونسيّة واستنزاف ثرواتها عبر استغلال الأراضي التونسيّة لنقل البترول من الجزائر بما لا يضمن حقوق الدولة التونسيّة، وذكرت أن فرنسا كوّنت شركة لنقل البترول من الجزائر إلى ميناء الصخيرة، وأشارت الهيئة أن لم تكن الحكومة التونسيّة طرفًا في النقاش مع الجانب الجزائري حول هذه الاتّفاقيّة وهو ما أضرّ بالحقوق التونسيّة، كما لم تطالب الحكومة التونسيّة بتحيين قيمة عوائدها من عمليّة نقل البترول.
حسب وثائق الهيئة فإن السلطات الفرنسية استمرّت في استغلال الدولة التونسية واستنزاف ثرواتها عبر استغلال الأراضي التونسيّة لنقل البترول الجزائري
وكشفت الهيئة أنها تحصّلت على وثيقة وهي مراسلة من السفير الفرنسي تُبيّن أنّ وزير الاقتصاد الوطني بالحكومة التونسيّة في السبعينيات الشاذلي العياري أبدى امتعاضه من الوضعيّة الجديدة ونقص مداخيل الدولة التونسيّة، لكنّ الحكومة التونسيّة أوكلت التفاوض من جديد مع الجانب الجزائري للدولة الفرنسيّة.
وحول ما أسمته الاستغلال المُجحف للثروات الباطنيّة التونسيّة، أشارت أنه لم تقم الحكومة التونسيّة بمُناقشة عمولات النقل أو المطالبة بالمساهمة في رأس مال الشركة. وذكرت أن السفير الفرنسي بتونس كان على علم بكلّ ما تُنتجه الحقول التونسيّة ويتدخّل في كلّ القرارات المُتعلّقة بالاستثمار أو التوسعة. واعتبرت أن الحكومة التونسية لم تحاول أن تضمن الحدّ الأدنى من حقوقها على ثرواتها الطبيعيّة.
وبينت في في نفس الإطار، أنه لم تتجاوز مداخيل الدولة التونسيّة من البترول خلال سنة 1971 نحو 300 مليون فرنك فرنسي أي ما يعادل 550 ألف دولار أمريكي أي بمعدّل 0.2 دولار على كلّ برميل أي مردوديّة لا تتجاوز 6% من السعر المتداول، وفق ما ورد في بلاغها.
اقرا/ي: بعد انتهاكاتها ضدهم.. الداخلية التونسية ترفض التصالح مع من ظلمتهم عقودًا!
معرفة الحقيقة حق لكل مواطن تونسي
اختتمت الهيئة بلاغها بأن الشركات الأجنبيّة وتحديدًا الفرنسيّة منها قامت باستغلال فاحش لموارد البلاد التونسيّة الباطنيّة وكان للشركات الفرنسيّة نصيب الأسد من هذه التراخيص بوجود 7 شركات فرنسيّة من جملة 15 شركة.
وأرجعت الهيئة الاستغلال الفاحش للموارد الباطنيّة التونسيّة لما تضمّنه الفصلين 33 و34 من اتّفاقيّة الاستقلال الاقتصاديّة والماليّة، ولما أقرّته دولة فرنسا الاستعماريّة من اتّفاقيات بشروط مجحفة. وكشفت أنه توجد بعض الاتّفاقيات التي تضمن الحدّ الأدنى من حقوق الدولة التونسيّة خاصّة كلّما وقع اللجوء إلى المنافسة مع شركات منافسة للشركات الفرنسيّة.
وتحدثت عما أسمته ضعف القدرة التفاوضيّة للحكومة التونسيّة مع شركات المستعمر الفرنسي مقارنة بالجار الجزائري وذلك راجع للاتّفاقيّة النهائية للاستقلال أو للوضعيّة السياسيّة الداخليّة بعد الاستقلال. وقالت الهيئة كذلك في بلاغها إنه "رغم اختلال التوازن في مناقشة الصفقات الاقتصادية الهامّة إلاّ أنّ حكومة الاستقلال حاولت ما في وسعها لإضفاء بعض التوازن على هذه العلاقة، إلاّ أنّها تبقى دون المأمول ولم تف بمتطلّبات الحقبة التاريخيّة".
وأشارت الهيئة نهاية أنّها ستعرض كلّ الحقائق التي توصّلت إليها حول هذا الملفّ في تقريرها الختامي.
اقرا/ي:
شيخ مدينة تونس.. تنافس حاد وحظوة تاريخية
هل تتلاعب مؤسسات سبر الآراء بالرأي العام التونسي؟