15-يناير-2017

من تظاهرات سابقة مطالبة بالتنمية والتشغيل (صورة أرشيفية/ أ.ف.ب)

عندما يتدخل أحد المستشارين الاقتصاديين لرئيس الحكومة التونسية الحالي، ليقول إن "الوضع الاقتصادي حرج جدًا"، معددًا صور ذلك وتجلياته وضاربًا أمثلة مختلفة، فالاقتصاد التونسي حينها موضع أكثر من سؤال وباعث لحيرة عميقة. كان هذا التصريح مستهل مداخلة لفيصل دربال، أحد المستشارين الاقتصاديين لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، خلال ندوة فكرية، تحت عنوان: "6 سنوات في مسار الثورة التونسية: الأولويات والتحديات"، نظمت في تونس مساء السبت 14 من كانون الثاني/يناير 2017، من تنظيم مشترك بين المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية.

أمام حكام تونس اليوم تحديات عديدة اقتصاديًا ومنها إعادة عجز الميزانية إلى مستوى معقول وتقليص حجم المديونية

اقرأ/ي أيضًا: مجلة الاستثمار.. خفايا القانون الأكثر ريبة في تونس

ووضح دربال تجليات الوضع الاقتصادي الحرج تونسيًا من خلال بعض المؤشرات والأرقام، ذاكرًا أن "نسبة النمو ضعيفة، وأن في أواخر 2016، بلغ عجز الميزانية 5,2 مليار دينار تونسي، وفاق العجز التجاري 12,6 مليار دينار مع العلم أن 42% من هذا العجز ناتج عن مبادلات مع تركيا والصين". كما فسر تدهور عديد المؤشرات مقارنة بسنة 2015 ومنها نسبة البطالة، عجز الميزانية، الديون وغير ذلك من المؤشرات الاقتصادية المهمة.

يذكر أن التحديات الاقتصادية والتنموية لتونس أدرجت ضمن ما صار يعرف بـ"منوال التنمية 2016-2020"، الذي علق بشأنه دربال أن "تطبيقه بات مستحيلًا وأن من الضروري تغييره". وأمام حكام تونس اليوم تحديات عديدة اقتصاديًا ومنها إعادة عجز الميزانية إلى مستوى "معقول"، تقليص حجم المديونية، التحكم وترتيب المصاريف العمومية، تحسين هيكلة الموارد الإجمالية للميزانية للترفيع من الموارد الذاتية، استخلاص الديون لفائدة الدولة، مراجعة المنظومة المالية والنقدية وإصلاح الجباية، وهي أبرز التحديات التي أجمع حولها المشاركون في الندوة الفكرية.

وعقد الحضور مقارنة بين المسارين السياسي والاقتصادي للسنوات الست في عمر الثورة التونسية، وأجمعوا أن التحديات الاقتصادية أصعب على مستوى التجاوز والإنجاز من الانتقال الديمقراطي سياسيًا لذلك ورغم نجاح التونسيين، نسبيًا سياسيًا، من خلال سن دستور توافقي والتأسيس لهيئات مستقلة مع ترسيخ عدد من الحريات إلا أن التحدي الأكبر هو في استكمال المسار بنجاح اقتصادي وتنموي، حتى يشعر القطاع الأوسع من التونسيين بتغييرات الثورة على أرض الواقع وفي حياتهم اليومية.

التحدي الأكبر في تونس هو استكمال المسار بنجاح اقتصادي وتنموي، حتى يشعر القطاع الأوسع من التونسيين بتغييرات الثورة على أرض الواقع

اقرأ/ي أيضًا: أهم 5 أحكام في قانون المالية المثير للجدل في تونس

يعتبر رضا شكندالي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، أن "ليس هناك مسار متوازن بين السياسي والاقتصادي في تونس"، وأن "هذا المسار غير المتوازي أدى إلى تسويف المشكلات الاقتصادية". ويؤكد شكندالي ما يعتبره "خطورة التذبذب في رؤى الدولة الاقتصادية وكيف أن ذلك ينعكس على قرارات المستثمر المحلي والأجنبي". يُذكر أن نسب الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي في تراجع في تونس خلال السنوات الأخيرة.

وكانت الحكومة التونسية قد نظمت مؤتمرًا دوليًا للاستثمار، انعقدت أشغاله على مدى يومين موفى تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بالعاصمة التونسية، بحضور نحو ألفي ضيف أجنبي من رؤساء دول وحكومات ورجال أعمال من 70 دولة. وعوّلت تونس كثيرًا على هذا المؤتمر، وهو يمثل أضخم حدث اقتصادي للبلاد منذ الثورة، وذلك من أجل تجاوز الركود الاقتصادي ودفع عجلة التنمية في البلاد.

وتلقت تونس خلال المؤتمر وعودًا من عدة دول ومؤسسات مالية بتقديمها تمويلات ومنح وقروض ميسّرة، من أبرزها إعلان أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني عن تقديم بلاده دعمًا ماليًا بقيمة مليار وربع المليار دولار أمريكي للمساعدة في استعادة انتعاش الاقتصاد التونسي، فيما أعلن البنك الدولي تقديم تمويلات بقيمة مليار دولار سنويًا على امتداد 5 سنوات، وأعلن البنك الأوروبي للاستثمار توفير تمويلات بقيمة 2.5 مليار يورو على امتداد 5 سنوات كذلك.

في هذا السياق، يقول رفيق عبد السلام، وزير الخارجية الأسبق في تونس ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، إن "الذكرى السادسة للثورة التونسية ليست مناسبة للاحتفال فقط بل للتفكير العميق والثاقب أيضًا، وهي محطة للتأمل في أوضاعنا السياسية وخاصة الاقتصادية منها". ويضيف: "الثورات بطبعها قاسية ومؤلمة بالنظر إلى ما يتبعها عادة من صعود نزعات فوضوية ومشاكل وغير ذلك لكنها بوابة للتغيير ولا يوجد تغيير دون ضريبة".

ويشاطره الرأي المفكر العربي عزمي بشارة، الذي أكد أن "التجربة التونسية بدأت تحقق نجاحًا لكن أمامها أساسًا تحديات اقتصادية واجتماعية، جزء منها جهوي"، معتبرًا ذلك "منطقيًا" نظرًا لكون الشرارة الأولى للثورة كانت "اجتماعية اقتصادية" في تونس، وأوصى بشارة أن يبقى هذا البعد ماثلًا وتحديًا رئيسيًا لأنه فعليًا مصدر عدم الاستقرار التونسي أساسًا".

من جانبه، ركز زياد العذاري، وزير الصناعة والتجارة التونسي، أن مما أزّم الوضع اقتصاديًا بعد الثورة في تونس أن "انتظارات الناس من الدولة اقتصاديًا كانت عالية"، على حد تعبيره، موضحًا أنه يعتقد أن "ليس من أدوار الدولة تشغيل الشعب بل عليها أن تلعب دور الموزع والمسهل لا أكثر لهذه الفرص التشغيلية".

ويضيف العذاري، خلال مداخلته، "بقينا نعول على الدولة وحملناها عبئًا كبيرًا وهذا ما لم تقدر عليه أي حكومة سابقة ولن تقدر عليه أي حكومة لاحقة"، مؤكدًا أن "النجاح الاقتصادي يتطلب إعادة التفكير في دور الدولة اقتصاديًا وقد يُفتح من أجل ذلك حوار اقتصادي اجتماعي".

هكذا، يبدو أن جوهر الرهان اليوم في تونس اقتصادي خاصة، لكن أي إصلاح اقتصادي من الصعب أن يترجم واقعًا إلا في ظل توفر استقرار اجتماعي وأمني.

اقرأ/ي أيضًا:

ما هي ملامح الأزمة بين حكومة تونس و"اتحاد الشغل"؟

قانون المالية الجديد في تونس.. فرضيات وحيرة