13-سبتمبر-2018

تشكل الأوضاع الاجتماعية السيئة فرصة لقيام الجماعات المتطرفة بعمليات التجنيد (لورنزو تونيلي/واشنطن بوست)

رغم تراجع العمليات الإرهابية في تونس في السنوات الأخيرة، وإثبات الأجهزة الأمنية قدرتها على صدّ الخطر الإرهابي، لا يزال هذا الخطر قائمًا خاصة حين الحديث عن ملف عودة المقاتلين التونسيين من بؤر التوتر. نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مؤخرًا تقريرًا حول الإرهاب في تونس، واعتبرت أن التهديد يأتي أساسًا من أولئك الذين لا يزالون في تونس وليس من المقاتلين العائدين. فيما يلي ننقل لكم التقرير مترجمًا بتصرف يسير.


قبل أربع سنوات، بدأ الآلاف من الجهاديين التونسيين يتدفقون إلى ساحات المعارك في العراق وليبيا وسوريا من خلال الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة الإرهابيين. وقد بدأت تخشى السلطات التونسية وكذا الغربية، منذ ذلك الوقت، من عودتهم والفوضى المحتملة التي يمكن أن تحدث. ولكن حتى الآن لم تتحقق هذه المخاوف وفقًا للسلطات التونسية والدبلوماسيين الغربيين والمحللين الإقليميين.

كانت تخشى السلطات التونسية والغربية من خطر عودة المقاتلين إلى تونس وتسببهم في فوضى محتملة ولكن لم تتحقق هذه المخاوف حتى الآن 

ولكن بدلاً من ذلك، يقوم كل من تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة بتجنيد جيل جديد من السكان المحليين لشن هجمات إرهابية في الداخل على غرار العملية الإرهابية التي شهدتها منطقة غار الدماء على الحدود التونسية الجزائية في جويلية/يوليو الفارط ما أدى لمقتل 6 أعوان من الحرس الوطني. ويقول مات هيربرت، وهو شريك في "ماهاربال"، وهي شركة استشارات أمنية مقرها تونس، "هذه هي المسألة في المقام الأول، إن غالبية التونسيين الذين نجوا في ليبيا وسوريا لم يعودوا".

ويسلط استمرار التجنيد المحلي للمسلحين الضوء على التحديات التي لازالت تواجه تونس، وهي الدولة الوحيدة التي ظهرت كديمقراطية بعد الثورات العربية سنة 2011 (استعملت الصحيفة الأمريكية مصطلح "ثورات شعبوية").

وعلى الرغم من تقلص زخم الجذب من التنظيمات الإرهابية إلا أن الدبلوماسيين والمحللين يقولون إن الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها تونس ما زالت تثير الاستياء خاصة بين شبابها. إذ أدت حالة الإحباط بين الشباب إلى هجرة أكثر من 3000 منهم إلى أوروبا سنة 2018، وذلك أكثر من أي جنسية أخرى بحسب وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة. وذات هذه العوامل هي التي دفعت سابقًا لانضمام عديد الشباب إلى الجماعات المتطرفة، خاصة من المناطق التي طالما أهملتها الدولة. ويقول، في هذا السياق، باتريس برغاميني، سفير الاتحاد الأوروبي في تونس: "إن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية هي أفضل وقود سواء للهجرة غير النظامية أو في أسوأ السيناريوهات لتغذية الإرهاب".

اقرأ/ي أيضًا: عودة المقاتلين إلى تونس.. الإطار والسيناريوهات

وتجرى العديد من عمليات التجنيد من طرف الجماعات الإرهابية في الجبال الغربية الفقيرة لتونس على طول الحدود مع الجزائر، وعلى الرغم من أن المتطرفين هم في الغالب من التونسيين، إلا أنهم يشملون أيضًا الجزائريين والليبيين ومن افريقيا جنوب الصحراء وفق محللين إقليميين، الذين يؤكدون أن حوالي 15 إلى 20 تونسي فقط هم من العائدين من ليبيا وسوريا.

وقد سافر ما لا يقل عن 5500 تونسي في السنوات الأخيرة إلى العراق وليبيا وسوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. وقد قال محللون إن العديد من التونسيين الذين ذهبوا إلى ليبيا توفوا أواخر عام 2016 في القتال لاستعادة سرت، عاصمة ما يسمى بالخلافة الإسلامية في شمال إفريقيا، وفي معركة مدينة بن قردان الحدودية التونسية.

سفير الاتحاد الأوروبي في تونس: إن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في تونس هي أفضل وقود سواء للهجرة غير النظامية أو في أسوأ السيناريوهات لتغذية الإرهاب

ويُعتقد أن العديد من المتطرفين الذين ذهبوا إلى سوريا والعراق ماتوا هناك خلال العمليات القتالية. ويُعتقد أيضًا أن الناجين من هذه المعارك هم الآن من جيوب تنظيم الدولة الإسلامية في شرق سوريا أو محتجزين في السجون السورية، فيما يرجح اختباء البعض الآخر، أو انسحابهم نحو ليبيا، أو ربما قد انضموا إلى التنظيمات المتطرفة في شبه جزيرة سيناء شمال مصر.

وقد عاد إل تونس نحو 800 مقاتل تم سجن غالبيتهم. ويشير بعض المحللين إن المتطرفين الذين ينشطون الآن في تونس يستخدمون البلد كمنطلق للهجمات على الجزائر التي خاضت مواجهات طويلة مع تنظيم القاعدة، وفي الآونة الأخيرة، مع الفرع الجديد للدولة الإسلامية.

في هذا الجانب، يعتبر مايكل بشير العياري، وهو كبير المحللين التونسيين في مجموعة الأزمات الدولية، أن "تونس هي أرض للتجنيد". ويقول محللون آخرون إن تونس نفسها لا تزال هدفًا بسبب وجهات نظر السلطة "الليبرالية نسبيًا" حول الإسلام والمرأة وحرية التعبير.

اقرأ/ي أيضًا: نظرة العرب لـ"داعش".. إجابات "مميّزة" للتونسيين في المؤشر العربي

وقد عرفت تونس هجمات إرهابية في سوسة وباردو سنة 2015، وثم محاولة الإرهابيين الاستيلاء على مدينة بنقردان سنة 2016، وقد نفذ تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابية العديد من الهجمات في تونس ولكن "لا شيء كان كارثيًا". ويقدّر اليوم عدد المسلحين المنتمين إلى تنظيم الدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة في الجبال التونسية بـ200 مسلحًا، في حين يؤكد المحللون أنه لا يمكن بعد تقدير عدد المتعاطفين معهم.

بالعودة لهجوم غار الدماء في جويلية/يوليو الفارط، يصف عمر بن عيسى، الذي قدّمته الصحيفة الأمريكية كمسؤول كبير محلي في المدينة الحدودية، تلك العملية بأنها "كمين غادر". ويشتبه سكان في المنطقة ومسؤولون في إمكانية تسهيل مناصرين محليين لعملية تنقل الإرهابيين المهاجمين. وكان قد أكد الفرع المحلي لتنظيم القاعدة المسؤولية عن هذا الهجوم الذي يقول محللون إنه كان يهدف إلى إظهار أن المسلحين لا يزالون يتمتعون بالقوة ولديهم القدرة على التجنيد. وقال هيربرت، الشريك في شركة استشارات أمنية في تونس، إن "المجموعات التي لا تزال تعمل في الجبال في الغرب لديها الكثير من المهارة. يبدو قد تنامى حجمها على مدار العامين الماضيين، فهم لديهم الكثير من المرونة لتحمل المحاولات التونسية لإنهاء الصراع"، حسب قوله.

الخبير الأمني مات هيربرت:  السلطات التونسية تخلق تربة خصبة للإرهابيين إما عن طريق تهميش قوات الأمن أو تهميش الناس اقتصاديًا

من جهته، يشير حاتم الهواوي، وهو أستاذ ومدون في جندوبة، بأن معظم السكان المحليين يعيشون حياة صعبة ولديهم استياء من السلطة المركزية وهو ما يجعلهم عرضة لنداءات المتطرفين. قائلًا: "إنهم بائسون ويمكن أن يتم تجنيدهم بسهولة من قبل الإرهابيين. إن السلطات التونسية تخلق تربة خصبة للإرهابيين إما عن طريق تهميش قوات الأمن أو تهميش الناس اقتصاديًا". وأكد الهواوي أن المواطنين في هذه المناطق غير مجهزين وأن البنادق والأحذية في حالة سيئة.

وتقول، في الأثناء، السلطات التونسية إنها أحرزت تقدمًا في التعامل مع التطرف وذلك بالإشارة لانخفاض الهجمات في جميع أنحاء البلاد.

وكانت قد قدمت الولايات المتحدة عشرات الملايين من الدولارات لتعزيز الأمن على الحدود الليبية. ويعطي المحللون الأمنيون درجات عالية لقوات مكافحة الإرهاب المدربة في الولايات المتحدة من أجل جمع المعلومات الاستخباراتية واختراق الخلايا وتفكيكها، لكن المحللون يشعرون في نفس الوقت بالقلق من قوات الشرطة والحرس من غير النخبة، وهي قوات مدرّبة بشكل أقل من بقية القوات، ولها أيضًا قابلية كبيرة للفساد.

الخبير في الجامعات الجهادية آرون زيلين: يوجد خطر نشأة التطرف في السجون التونسية عبر التلاقي بين المتطرفين والمجرمين العاديين والدولة التونسية لا تملك برامج إعادة تأهيل أو إدماج للمقاتلين السابقين

 كما يتحدث محللون عن احتمال نشأة التطرف في السجون التونسية، باعتبار أنه يتم الاحتفاظ بالعديد من المتطرفين في سجون تضم مجرمين عاديين. ويشير آرون زيلين، الخبير في الجماعات الجهادية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والذي سيصدر قريبًا كتاب حول "تاريخ الجهادية في تونس" إلى أن المساجين المتطرفين يخططون من داخل السجن لتحركاتهم الاستراتيجية المطلقة عندما يتم إطلاق سراحهم. وأضاف أن الدولة التونسية لا تملك برامج إعادة تأهيل أو إعادة إدماج كافية للمقاتلين السابقين، وعليه من المرجح أنه إذا تم إطلاق سراح هؤلاء المتطرفين سيعودون إلى التنظيمات الإرهابية التي عرفوها والحديث عن تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، وذلك حسب تقديره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بسبب الإرهاب.. سكان الحدود يهجرون مهنًا جبلية

"العصا في المؤخّرة".. لا بأس بالتعذيب مادامت التهمة الإرهاب!