16-أكتوبر-2018

علامة مضيئة في تاريخ القوى السياسية المعارضة لنظام الاستبداد (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

الترا تونس - فريق التحرير

 

تحتفي تونس بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول من كل سنة بذكرى أشهر إضراب جوع في تاريخ المعارضة التونسية ضد الاستبداد، وهو الإضراب الذي شنه 8 معارضين من حساسيات سياسية وايديولوجية مختلفة سنة 2005 بعنوان "الجوع ولا الخضوع" للتنديد باستبداد نظام المخلوع بن علي.

إضراب انتهى بتشكيل هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات، وهي إطار سياسي جمع الإسلامي باليساري بالعروبي، وأصدرت الهيئة تباعًا ورقات مشتركة مثلت لحظة فريدة في العمل السياسي المشترك بين مختلف أطياف المعارضة. وقد ساهمت هذه الورقات، منها ما يتعلق بالعلاقة بين الدين والدولة، في تعبيد الطريق بعد الثورة للتوافق بين الفرقاء السياسيين في صياغة دستور 2014.

تحتفي تونس بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول من كل سنة بذكرى أشهر إضراب جوع في تاريخ المعارضة التونسية ضد الاستبداد وهو إضراب 18 أكتوبر 2005 

أصبح بذلك تاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول تاريخًا فارقًا في أوساط المعارضة، وإن بات يُستذكر بخفوت بعد الثورة في مناخ الصراع السياسي بين المعارضين الذين توحدوا ضد النظام في الأمس، وباتوًا اليوم خصومًا في زمن تحرير المجال العام. صراع يقول مراقبون إنه سنة الحياة السياسية وهو من طبيعتها.

ورغم ذلك، تظلّ ذكرى 18 أكتوبر/تشرين الأول عنوان حنين للحظة التوحد في مواجهة المستبد، حينما كان يفترش رجال تونس، بكل اختلافاتهم السياسية والفكرية، فراشًا واحدًا من أجل افتكاك الحقوق والحريات في مواجهة نظام القمع والفساد.

الشخصيات الثماني الذين شنوا إضراب الجوع (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

وقد كان مقرّ المحامي اليساري العياشي الهمامي هو مقرّ الإضراب الذي كان تحاصره أفواج البوليس. الهمامي الذي واصل رفضه الانضواء تحت أي حزب بعد الثورة، ثم اختار في انتخابات 2014 الخروج عن صمته والاصطفاف مع الرئيس السابق المنصف المرزوقي وكان ناطقًا رسميًا باسم حملته الانتخابية. ويقول الهمامي إنه اختار الاصطفاف العلني مع المرزوقي ليس من أجل شخصه بل من أجل الثورة، وذلك في مواجهة مرشح "النظام القديم" الباجي قايد السبسي، كما يصفه دائمًا خصومه.

اقرأ/ي أيضًا: العدالة الانتقالية والدولة المستقيلة

نفحات هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات ألقت برياحها مجددًا اليوم، حينما توحدت حركة النهضة والجبهة الشعبية والكتلة الديمقراطية، وفيها ممثلي حزبي التيار الديمقراطي وحراك تونس الإرادة، للدفع بانتخاب العياشي الهمامي في عضوية المحكمة الدستورية. وهو التقاء فريد بين النهضة الإسلامية الحاكمة والأحزاب اليسارية المعارضة، يُنظر إليه بأنه التقاء المعارضة التاريخية زمن بن علي، وعودة لحنين 18 أكتوبر بدعم الهمامي، وهو المحامي الذي كان مكتبه منبرًا من منابر الإقدام والثبات حينما كانت الكلمة الحرّة مكلفة لصاحبها.

تأسست هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي اتخذت من تاريخ الإضراب الشهير اسمها وذلك كإطار سياسي فريد جمع أحزاب من مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية

عودة لإضراب "الجوع ولا الخضوع"، فقد شارك فيه 8 معارضين، كما أشرنا، وهم بصفاتهم وقتها سنة 2005 أحمد نجيب الشابي، الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي، وحمة الهمامي، الناطق الرسمي لحزب العمال الشيوعي، وعبد الرؤوف العيادي، نائب رئيس المؤتمر من أجل الجمهورية، وسمير ديلو القيادي في حركة النهضة، والقاضي مختار اليحياوي، والناشط الحقوقي محمد النوري، والصحفي لطفي الحاجي، إضافة للمحامي العياشي الهمامي.

ثم تأسست الهيئة التي اتخذت من تاريخ الإضراب اسمها، وكان ذلك يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2005، كإطار سياسي فريد جمع أحزاب من مختلف الحساسيات هي حركة النهضة وحزب العمال الشيوعي والمؤتمر من أجل الجمهورية والحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين، وحركة الوحدويين الناصريين.

 ضمت الهيئة ندوات ونقاشات معمقة بين مختلف الأطراف المكونة لها من إسلاميين ويساريين شيوعيين وعروبيين واشتراكيين ديمقراطيين وحقوقيين

كما ضمت الهيئة منظمات وجمعيات حقوقية منها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمجلس الوطني للحريات، والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين وغيرها.

وقد نص حينها البيان التأسيسي للهيئة أن "وحدة العمل حول الحد الأدنى من الحريات الذي قام عليه تحرك "18 أكتوبر" يمليها ما أدى إليه احتكار السلطة السياسية من قمع منهجي للحريات العامة والفردية" وأكد على أن وحدة العمل "ليس فقط مدخلًا سياسيًا ضروريًا لفك الخناق المضروب على المجتمع فحسب بل هي أيضًا كفيلة بتوفير مناخ ملائم لإجراء حوار وطني، علني وشفاف يفضي إلى بلورة عهد ديمقراطي". وشدّد البيان التأسيسي التاريخي على أن الهيئة المحدثة تكرس "وحدة العمل حول الحد الأدنى من الحريات".

اقرأ/ي أيضًا: انتهاكات تونس.. المقاومة مستمرّة لكشف الحقيقة ومنع الإفلات من العقاب

وقد نشأت تتابعًا بتاريخ 2 فيفري/شباط 2006 هيئة حملت ذات الاسم من باريس، التي كانت مقرًا لإقامة أغلب المعارضة المقيمة في المهجر، وهي امتداد لهيئة 18 أكتوبر في تونس وشريكة لها رغم استقلاليتها التنظيمية، إذ كان المعنى الأسمى هو توفر إطار سياسي مشترك خدمة لهدف واحد هو افتكاك الحريات وفتح حوار بين المعارضة.

بذلك المعنى، أنشأت الهيئة داخلها منتدى 18 أكتوبر للحوار، ضم ندوات ونقاشات معمقة بين مختلف الأطراف المكونة للهيئة من إسلاميين ويساريين شيوعيين وعروبيين واشتراكيين ديمقراطيين وحقوقيين مستقلين. وانتهت هذه الحوارات لإصدار ورقات.

أذ صدر "إعلان هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين"، بتاريخ 8 مارس/آذار 2007، أشاد بمجلة الأحوال الشخصية بماهي مكسب وطني، ودعا إلى تعميق مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوجين. وطالب الإعلان بالتنصيص على مبدأ المساواة بين الجنسين بصفة صريحة في الدستور وفي مختلف القوانين، وبإلغاء المنشور عدد 108 المتعلق بمنع ارتداء الحجاب.

التقاء فريد في تاريخ المعارضة التونسية بين قوى سياسية وفكرية مختلفة (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

كما أصدرت الهيئة لاحقًا "إعلان مشترك حول العلاقة بين الدولة والدين" بتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول 2009، في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. انته إلى أن "جملة من القواسم المشتركة بين مكونات الهيئة يمكن اعتمادها قاعدة دنيا للبناء الديمقراطي المنشودة الذي يراعي حقوق المواطنين وحرياتهم ومعتقداتهم وقناعاتهم" وفق نص الإعلان. وقد أكد الإعلان أن "الدولة الديمقراطية المنشودة لا يمكن أن تكون إلا دولة مدنية قائمة على مبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان" وأنه "من واجب الدولة الديمقراطية المنشودة إيلاء الإسلام منزلة خاصة باعتباره دين غالبية الشعب دون أيّ احتكار أو توظيف". مثل هذا الإعلان ورقة تاريخية بين أطياف المعارضة، فاختصر الطريق وأسهم في دفع التوافقات لصياغة دستور 2014 بعد الثورة. كما أصدرت الهيئة بيانًا حول "الشروط الدنيا لانتخابات حقيقية، وآخر حول حرية الضمير والمعتقد.

لكن لم تكن هيئة 18 أكتوبر محل إجماع داخل أوساط المعارضة، حيث أصدر معارضون في فيفري/شباط 2006 بعيد تأسيسها إصدار بيان بعنوان "حول انحراف داخل اليسار أو عندما يضلّ رفاق الطريق" انتقد بشدة التقارب بين اليساريين والإسلاميين، وانتقد بالخصوص اعتبار "الحوار التّعاقدي مع الإسلاميين أولوية على غيره من الالحاحات الأخرى كالدّفاع عن المجتمع المدني ومكتسباته الكونية واللائكية". وقد حمل هذا البيان توقيع شخصيات منهم الشهيد شكري بلعيد، وسهير بلحسن، وسناء بن عاشور وعبد العزيز المزوغي.

 أصدرت هيئة 18 أكتوبر إعلانًا مشتركًا حول العلاقة بين الدولة والدين نص على الالتزام بالدولة المدنية وإيلاء الإسلام منزلة خاصة باعتباره دين غالبية الشعب

لم تواصل هيئة 18 أكتوبر في الأثناء النشاط بزخم في ظل مضايقات وهرسلة النظام الديكتاتوري، كما اختلف أعضاء الهيئة حول المشاركة في الانتخابات الرئاسية سنة 2009 بين داعين للمشاركة تحديًا للنظام ولتعريته من جهة، وبين داعين لمقاطعتها وعدم المشاركة في المسرحية من جهة أخرى. وتراجع تباعًا دور الهيئة في ديناميكية تحركات المعارضة إلى تاريخ اندلاع الثورة في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، تاريخ تحقيق ما كان تصبو إليه مكونات الهيئة، تاريخ افتكاك الحقوق والحريات واستعادة السيادة للشعب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الذكرى الثالثة لوفاة الحقوقي وأيقونة المطالبة باستقلالية القضاء مختار اليحياوي

الأمل الأخير للمحاسبة.. ماذا تعرف عن قضاء العدالة الانتقالية؟