مقال رأي
كان حصول الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس على جائزة نوبل للسلام في الواقع مفاجئًا للجميع وصاحب الإعلان عنه فرحة واسعة من قبل أغلب مكونات الطيف السياسي في البلاد على المستوى الرسمي وفي صفوف جزء واسع من التونسيين، لا فقط لكونها المرّة الأولى التي تنال فيها تونس تكريمًا بهذا المستوى ولكن أيضًا لأنه اعتبر انتصارًا لدور المجتمع المدني ولنهج التوافق والحوار ولكنّ هذا التكريم على أهميته لا يجب أن يخفي أشياء أخرى لا تقل أهمية.
سنة 1994، ثارت ثائرة العرب والمسلمين وكلّ دعاة السلام في العالم إثر إسناد جائزة نوبل للسلام لكلّ من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تناصفًا مع رمزين للحرب من الاحتلال الإسرائيلي هما شمعون بيريز وإسحاق رابين حتّى أن الكثيرين طالبوا الرئيس الراحل ياسر عرفات بالامتناع عن استلام الجائزة التي اعتبروها مدنّسة، لكنهم اليوم سعداء بالجائزة نفسها، عندما حلّ ركبها بين العرب مجددًا، ممثلين في رباعي الحوار الوطني التونسي. مع إسنادها لوجوه تعادي السلام وتتبنى منطق الحرب والإقصاء في العالم فقدت جائزة نوبل للسلام رمزيّتها وتراجعت أهمّيتها.
مع إسنادها لوجوه تعادي السلام وتتبنى منطق الحرب والإقصاء في العالم فقدت جائزة نوبل للسلام رمزيّتها وتراجعت أهمّيتها
رغم أنّها فاقدة للرمزيّة، فإنّ الحصول على جائزة نوبل للسلام بالنسبة إلى تونس، ممثلة في الرباعي الراعي للحوار الوطني، يعتبر مكسبًا يمكن الانطلاق منه للتسويق لتونس ولتجربتها التي اختلفت كثيرًا عن باقي تجارب الانتقال الديمقراطي. وباعتبار هذه الجائزة اعتراف دولي بنجاح تونس فمن الضرورة توفير الدعم لها لتستكمل مراحل بناء نظام ديمقراطي يقطع مع الفساد والاستبداد.
ويمكن لدبلوماسيّة تونسيّة نشطة، إن كانت موجودة، أن تستثمر حصول الرباعي الراعي للحوار الوطني على هذه الجائزة لحشد الدعم الخارجي في اتّجاهات عدّة خاصّة منها جلب الاستثمارات التي من شأنها مساعدة البلاد على الخروج من أزمتها الاقتصاديّة الخانقة وكسب المساعدات في مجالات الأمن وإدارة الأزمات وغيرها.
يعرف المتابعون للتجربة التونسيّة من الخارج حقيقة الأوضاع في الداخل التونسي بل الثابت أنّ أطرافًا دولية وإقليميّة كثيرة وأطرافًا أخرى في الداخل، لا تريد إنتاج بؤرة توتر جديدة في المنطقة لذلك كان "التوافق" حول "الحكم التشاركي" عبر الحوار حاسمًا في تحديد مسار تطوّر الأحداث داخليًا وفي الوصول إلى مرحلة إنجاز انتخابات وقبلها إنجاز دستور وإرساء هيئات دستورية كانت كلها ستذهب في مهبّ التجاذبات السياسية والاستقطاب الثنائي المبني على الإقصاء والشيطنة.
يمكن لدبلوماسيّة تونسيّة نشطة أن تستثمر حصول الرباعي الراعي للحوار الوطني على هذه الجائزة لحشد الدعم الخارجي
ويعلم المتابعون للشأن العام في تونس أنّ الرباعي الراعي للحوار الوطني ليسوا محايدين تجاه عدة قضايا سياسيّة واصطفوا خلف المعارضة زمن حكم الترويكا. ولعبوا دورًا أيديولوجيًا بالوكالة عن أطراف سياسيّة فشلت في صندوق 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011. يكفي التذكير بأنّ البلاد عرفت رقمًا قياسيًا من الإضرابات وبأن تخوّف الأعراف وطبقة رجال الأعمال عطّل إلى حد بعيد الدورة الاقتصادية إضافة إلى مسائل أخرى من بينها الحقوقية وغيرها. والأهمّ من هذا كلّه أنّ الجميع في تونس يعلم بأنّ الحوار الوطني ما كان لينجح لو لم يحصل اجتماع باريس الشهير بين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي، الذي انتهى بتحديد العناوين والخطوط العريضة لخارطة الطريق المقبلة فكان إطار الحوار الوطني برعاية الرباعي تفصيلًا جمع دعمًا سياسيًا أوسع لإنجاح مرحلة جديدة بقيادة حكومة "تكنوقراط".
على هذا الأساس فإنّ حصول الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس على جائزة نوبل للسلام هو في الواقع تكريم لنهج الحوار في إدارة الاختلافات وللفاعلين السياسيين الأبرز في المشهد السياسي راشد الغنوشي الباجي قائد السبسي وجزء كبير من ممارسات مكونات الرباعي نفسها كانت سببًا في الأزمة الخانقة التي وصلت لها البلاد آنذاك.
هناك مسألة أخرى على غاية من الأهميّة وهي تتعلّق بدعم مكونات الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس للانقلاب العسكري في مصر وهذا يتنافى تمامًا مع المبادئ العامة للسلام خاصة وأن عدد الضحايا كان في مصر بالآلاف زيادة عن السجن و أحكام الإعدام و قمع الحريات وغيرها من الممارسات التي تهدف إلى عسكرة السياسة.
في ظاهرها، تبدو جائزة نوبل للسلام تكريمًا للرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس وهي أيضًا قد وضعت عدّة أطراف سياسيّة ومكونات من المجتمع المدني في ورطة كبيرة إذ أن المسؤوليّة التاريخيّة الملقاة على كاهل كلّ الأطراف الوطنيّة اليوم تحتّم على الجميع رفض كلّ شعارات الإقصاء والانخراط في نهج التوافق الذي ترفضه أطراف لأسباب أيديولوجيّة وترفضه أخرى لمصالح حزبيّة وترفضه أطراف ثالثة لتعارضه مع منطق القطيعة الثوريّة.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"