09-أكتوبر-2015

أي مصير لحكومة الصيد؟(فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

لم يكن خبر استقالة محمد لزهر العكرمي، الوزير المكلف بالعلاقات بين الحكومة ومجلس نواب الشعب في تونس متوقعًا، على الأقل بالنسبة لعموم الشعب التونسي. كما أن المفاجأة لم تقتصر على خبر الاستقالة، وهي الأولى في حكومة الصيد، بل مثل محتوى رسالة الاستقالة أهم المفاجآت.

تضمنت رسالة العكرمي نقدًا خطيرًا لحكومة الحبيب الصيد، المعينة منذ شباط/فبراير الماضي، إضافة إلى اتهامات مختلفة. وهي بذلك تساهم في مزيد تعقيد المشهد العام أمام الشعب التونسي. يرى قطاع واسع من التونسيين أن الاستقالة ليست مشكلة في حد ذاتها، فالمنصب لم يكن مهمًا ويعتبره الكثيرون تقنيًا لا أكثر، وقد لا يتم تعويض الفراغ أصلًا. المشكل الأكبر فيما خلفته هذه الاستقالة من قلق وحيرة وغموض في صفوف الائتلاف الحاكم والتونسيين بصفة عامة، حول مصير حكومة الصيد وفرضيات تعديل وزاري وشيك.

المشكل الأكبر هو ما خلفته استقالة العكرمي من قلق وحيرة وغموض في صفوف الائتلاف الحاكم والتونسيين بصفة عامة

تمثلت الصورة في استقالة قيادي بارز ينتمي لحزب نداء تونس، أكبر حزب مكون للائتلاف الحكومي في تونس وهو الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية/البرلمانية الأخيرة. يستقيل العكرمي من منصبه وينعت الحكومة بـ" قيل إن أياديها مرتعشة وأنا أقول أن لا أيادي لها أصلًا". شكك العكرمي، من خلال رسالته والتي نشرتها وسائل إعلام تونسية، في رغبة الحكومة في مقاومة الفساد. وأضاف: "نبهت إلى ملفات بعينها وإلى أشخاص متورطة لا تستحق فقط الطرد بل المحاسبة الفورية والسجن فوجدت نفسي كمن يصيح في الربع الخالي".

اقرأ/ي أيضًا: التوظيف السياسي للمدارس.. مجددًا في تونس

وفي رسالته، وصف العكرمي ما عاشه لأشهر منذ توليه المنصب الحكومي بـ"إقصاء منهجي من كل القرارات وغياب تام للمعلومة ومنع من أي تصرف بحيث أجدني أتحرك في مساحة زنزانة انفرادية". وتحدث عن "القرارات التي تتخذ والتعيينات التي تمضى والتوجهات التي تصاغ ونسمعها ونعرف عنها من الإعلام فنلوذ بالصمت ويطلب منا الدفاع عنها". هي إذًا اتهامات خطيرة من داخل "بيت النداء" أو "بيت الحكم"، لم توجهها المعارضة، هذه المرة، ومن هنا تكمن خطورتها خاصة. فأي انعكاسات لهذه الاستقالة على حزب نداء تونس والأحزاب المتحالفة معه وعلى كامل التركيبة الحكومية؟ هل الهدف من ما ذكره العكرمي كشف الفساد والإصلاح أم أن الاستقالة تندرج ضمن ضغط شق في نداء تونس من أجل تغيير حكومي؟

هل تندرج استقالة العكرمي ضمن ضغط شق في نداء تونس من أجل تغيير حكومي؟

أما عن نداء تونس فالمشاكل داخل الحزب تتصاعد وتتالى، ويؤكد كل المقربين من الحزب انقسامه إلى شقين: شق يدعم الأمين العام محسن مرزوق وشق آخر مع حافظ قائد السبسي، ابن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وأحد أبرز قيادات الحزب. ويبدو، من خلال عديد المواقف، أن الحبيب الصيد أقرب لشق حافظ قائد السبسي على عكس الوزير المستقيل العكرمي.

هل نفهم هذه الاستقالة على اعتبار أن شق مرزوق في نداء تونس قد تخلى عن دعم حكومة الصيد؟ خاصة وقد ذكر الوزير المستقيل في رسالته: "ّما انفك نواب حزبنا وكوادره وقياداته يسألون أين السلطة؟ ومن يحكم البلاد فعلياً ولماذا سرق منا انتصارنا الانتخابي؟".

المتابع لتصريحات قيادات نداء تونس منذ فترة، يلاحظ أن عددًا من القيادات لا تتردد في التصريح بأن حكومة الصيد مخيبة للآمال ولا تعكس نتائج الانتخابات الأخيرة. في المقابل، يؤكد الشق الثاني مساندته المطلقة لهذه الحكومة. بينما يصر الصيد، رئيس الحكومة التونسية، وخلال كل تصريحاته الإعلامية على أن علاقته بكل مكونات حزب النداء "طيبة".

في الأثناء، تتطور الأزمة داخل حزب نداء تونس. من جانب، تم الإعلان عن عقد اجتماع للمكتب السياسي، قصد النظر في تداعيات استقالة لزهر العكرمي تم تم تأجيله، وسط خلاف شديد بين مكونات المكتب السياسي. ومن جانب ثان، يهدد عدد من نواب النداء بالاستقالة من الكتلة النيابية والبعض الآخر بتقديم عريضة لسحب الثقة من رئيس الكتلة. وداخل البلاد، عرفت بعض المكاتب الجهوية للحزب احتجاجات وصراعات حادة وصلت حد تبادل العنف. يتساءل الكثيرون عن تأثير هذه الصراعات داخل الحزب الأول في تونس على حال البلاد بصفة عامة. وهل سيكون لهذا التصدع الواضح وخلاف الشقين تأثير على استقرار مؤسسات الدولة؟

من جهة أخرى، يبدو أن استقالة العكرمي قد أربكت أحزاب الائتلاف الحكومي أيضًا، إذ سارعت أحزاب النهضة وآفاق تونس والاتحاد الوطني الحر إلى عقد اجتماعات لدراسة حيثيات وتداعيات استقالة العكرمي.

في مقابلة مؤخرًا، لم ينف السبسي إمكانية تحوير وزاري قريب في تونس

وفي مقابلة مؤخرًا، لم ينف السبسي إمكانية تحوير وزاري قريب، ومع تتالي الأصوات المطالبة بذلك منذ فترة واستقالة العكرمي بات الكثيرون في انتظار التعديل في كل لحظة. من جانبه، نفى الحبيب الصيد أي تغيير على مستوى حكومته في الوقت الحالي. وأضاف: "سأقوم بالتعديل إن اقتضت الحاجة لذلك وبعد تقييم جدي لعمل الحكومة وبعد التنسيق مع كل مكونات الائتلاف الحاكم ورئيس الجمهورية".

الواضح أن مكونات حزب نداء تونس منقسمة حول آداء الصيد وحكومته وقد يصعب اتخاذ قرار بإسقاطها أو تعديلها الآن خاصة وأن الحزب على أبواب مؤتمر حاسم ينتظره الجميع ويعولون عليه. ثم إن تغيير الحكومة قد يحدث أزمة كبرى وتكون لها ارتدادات عميقة يخشاها الكثيرون. هكذا، يبدو أن الصيد وحكومته في مأمن، لكن لا يمكن على كل حال نفي تأثير استقالة العكرمي السلبي، على الأقل شعبيًا، كما لا يمكن نفي حجم المتغيرات اليومية في المشهد التونسي والتي من شأنها أن تقلب الموازين في أي لحظة.

شاهد/ي أيضًا: تونس.. حراك بطعم الانقسام