18-يوليو-2023
أيمن الديراوي فلسطيني تونسي صبرا وشتيلا

يسأل أيمن الديراوي عن حقه كفلسطيني ذُبح والداه في صبرا وشاتيلا ويريد أن يرى وجه والده في أخته بقطاع غزة

 

في مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين، خبّأته أمه داخل قِدر واضعة معه وثائق ثبوتيته بعد أن اقتحمت القوات اللبنانية مدعومة بالقوات الصهيونية المخيم لترتكب أبشع مجزرة في التاريخ في 16 سبتمبر/ أيلول 1982 تواصلت على مدى ثلاثة أيام.

الفلسطيني أيمن الديراوي أو التونسي أيمن بن هادية، هو الناجي من مجزرة صبرا وشاتيلا بعد أن خبّأته أمه داخل قِدر واضعة معه وثائق ثبوتيته

ذلك الطفل نجا وتم العثور عليه بعد أن قُتل والداه: إنه الفلسطيني أيمن الديراوي أو التونسي أيمن بن هادية. فذلك الطفل البالغ من العمر آنذاك 3 أشهر، تبنته عائلة تونسية في مدينة سوسة الساحلية وربّته ولم تخبره يومًا عن حقيقته وقصته.

لكن شاءت الأقدار أن تتوفى والدته أستاذة الفرنسية سميرة عبد السلام سنة 2004، وكان أيمن متعلقًا جدًا بها وأراد أن يتبرع بملابسها ليعثر بين طيات خزانتها عن صندوق يحتوي أوراق رسمية لأيمن الديراوي أما العنوان فهو منظمة التحرير الفلسطينية.

 

توفيت والدة أيمن الديراوي، أستاذة الفرنسية سميرة عبد السلام سنة 2004 وكان متعلقًا جدًا بها

 

"كانت صدمة حياتي وتساءلت أي أيمن أنا؟ وتوجهت مباشرة لوالدي ولم أعرف حتى كيف أرتب كلماتي"، يقول أيمن لـ"الترا تونس".

غير أن والده عبد القادر بن هادية انهار حالما رأى الوثائق وظلت دموعه تنهمر وبقي متمسكًا بأن أيمن ابنه مهما حدث.. وهو الذي تبناه بعد نقل أيمن إلى منظمة التحرير الفلسطينية في سوريا.

 

أيمن الديراوي مع والده التونسي عبد القادر بن هادية الذي تبناه بعد نقل أيمن إلى منظمة التحرير الفلسطينية في سوريا

 

"أمام دموع والدي عجزت ولم أستطع أن أبحث عن عائلتي الفلسطينية، لكني أخذت عهدًا على نفسي أني سأفعل إذا ما بقيت على قيد الحياة وانتقل والدي للرفيق الأعلى وهو ما حدث فعلًا" يقول أيمن لـ"الترا تونس".

وتابع: "بدأت رحلة البحث عبر فيسبوك أسأل عن عائلة الديراوي في فلسطين، وحاولت الاتصال بالسفارة الفلسطينية بتونس لأمدهم بالوثائق التي أحمل لكن دون جدوى، لأقرر التوجه للإعلام وبدأت رحلتي فعلًا بعد أن تمت استضافتي في إحدى القنوات اللبنانية وقدمت قصتي وتمكنت من زيارة مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين".

أيمن الديراوي لـ"الترا تونس": أختي في قطاع غزة لكني لا أستطيع أن أراها أو أتحدث إليها لأن المجتمع محافظ، وقد تم اشتراط إجراء تحليل الحمض النووي ADN

يصمت أيمن محاولًا إخفاء صوته الذي تجرحه العبرات ولكنه يعجز عن إخفاء دموعه التي انهمرت بغزارة: "دخلت المخيّم بعد 30 عامًا، أحسست أني أعرف المكان وأني جزء منه، وشعرت أن كل تلك الوجوه تعرفني وأعرفها منذ زمن، وأخذوني إلى المقبرة الجماعية أين دفن والديّ الشهداء".

 "إلى اليوم لا أعرف كيف أصف ما أحسست به لأنه لا يوصف بل يُحس فقط لأعود بعد ذلك إلى تونس" وفق شهادته لـ"الترا تونس".

ويضيف: "فوجئتُ بمكالمة هاتفية من الرئيس محمود عباس، فقد تم إعلامي بأنه شاهد الحلقة على التلفزيون وأنه نظر في الملف وكل حيثياته وأنه يمنحني الجنسية الفلسطينية وجواز السفر الفلسطيني..".

 

تبنّت عائلة تونسية من مدينة سوسة الساحلية، أيمن الديراوي وهو في عمر 3 أشهر، وربّته ولم تخبره يومًا عن حقيقته وقصته

 

كانت فرحة أيمن كبيرة فقد كان يعشق فلسطين ككل تونسي، لكنه لم يعتقد يومًا أنه فلسطيني دمًا ولحمًا لكنه لا ينكر أنه كان محظوظًا في عائلة تونسية ربّته وأحبته وكان ابنهم الوحيد وقد أغدقوا عليه من كل شيء ولم يشعر للحظة أنه لم يكن ابنهم من صلبهم.

لكنّ رحلة أيمن الديراوي، الناجي من مذبحة صبرا وشاتيلا لم تنته لأنه ظل يبحث عن عائلته الفلسطينية ليكتشف أن والده من قطاع غزة وأن له عائلة هناك، واستطاع أن يتواصل معه فأعلموه أن والده كان من المقاومة وقد ترك في فلسطين زوجة وطفلة وذهب للبنان أين تزوج هناك وقد استشهد في مخيم صبرا وشاتيلا.

كانت فرحة أيمن كبيرة فقد كان يعشق فلسطين ككل تونسي، لكنه لم يعتقد يومًا أنه فلسطيني دمًا ولحمًا

"تربيت وحيدًا وكم تمنيت لو كان لي أخ أو أخت، وها أنا أعثر على قطعة من دمي ولحمي، إنّ أختي في القطاع لكني لا أستطيع أن أراها أو أتحدث إليها لأن المجتمع محافظ، وقد تم اشتراط إجراء تحليل الحمض النووي ADN".

يقول أيمن في تصريحه لـ"الترا تونس" بحرقة ومرارة شديدتين: "ومنذ ذلك الحين وأنا عاجز عن إجراء هذا الفحص الجيني، ففي تونس يشترط إجراؤه حكمًا قضائيًا ولا أستطيع أن أقوم به كتونسي، ولا يحق لي أن أجريه كفلسطيني".

 

أيمن الديراوي لـ"الترا تونس": مُنحت الجنسية الفلسطينية وجواز السفر الفلسطيني بأمر من الرئيس الفلسطيني محمود عباس

 

"دخلت في دوامة البحث، وجدتني مكبلًا، طرقت باب السفارة الفلسطينية فلم أجد الحل، وراسلت رئاسة الجمهورية التونسية فلم أتلق الرد.. أنا أريد أن ألتقي عائلتي وأعود إلى جذوري وأريد أن أبحث عن والدتي فحتى الآن لا أعرف إن كانت فلسطينية أم سورية أم لبنانية.. والدتي التي خبّأتني داخل قِدر، ووضعت وثائق ثبوتيتي، أرادتني أن أبقى على قيد الحياة وأن يجدني أهلي وأنا اليوم أريد ذلك بشدة" وفق تعبيره.

أيمن الممزق بين هويتين وجوازي سفر، أيمن أب لبنتين يود أن تتمتعا بالجنسية الفلسطينية وكذلك زوجته التونسية.

أيمن الديراوي الذي يسأل عن حقه كفلسطيني ذُبح والداه في صبرا وشاتيلا ويريد أن يرى وجه والده في أخته بقطاع غزة وأن يحضن أعمامه وأهله وأن يعثر على عائلة أمه، هو أيمن الذي قُلبت حياته رأسًا على عقب ويريد حبلًا يخرجه من غياهب الضياع النفسي والوجداني.