كيف يمكن أن يصمد التونسي أمام طبق شهي تقليدي ذي نكهة أصيلة تحمله إليه ذكريات الشوق إلى أزمنة الأجداد الجميلة؟ فلم يكن خيار الطهاة الذين اجتمعوا في منتجع القنطاوي من ولاية سوسة بمناسبة اليوم العالمي للسياحة مؤخرًا إلا إحياءً للذاكرة الجمعية للمطبخ التونسي وسلاحهم في ذلك ذائقة العين الأنف واللسان.
اقرأ/ي أيضًا: اللاقمي في الجزائر وتونس.. مشروب بوجهين
أطباق متنوعة أعدها طهاة من جمعية الرابطة التونسية لعمالقة الطهي الدولية، ومن بين هذه الأطباق "الكسكسي الشمسي"، و"كسكسي قمح بالببوش"، و"شكشوكة ببوش"، و"ملثوث بالراس"، و"ملثوث بالسردينة"، و"كسكسي سميد بالشبتية"، و"مرقة شبتية"، و"دليبشة"، و"كسكسي بالخرشف" و"الكردون"، و"لوبيا بالهرقمة"، و"فرفوش"، و"شكشوكة خضرة"، و"كسكسي قمح باللفت".
من الأطباق المعروضة في التظاهرة (ماهر جعيدان/الترا تونس)
ولم يقع عرض هذه الأطباق لكي يكتشفها السائح الأجنبي وضيوف تونس الذين يحلون بمثل هذه المنتجعات السياحية فقط، وإنما تم عرضها، وهي التي تمثل جزءًا من الموروث اللامادي التونسي، لكي يقع تذوقها من كافة الحاضرين ويكتشف الجيل الجديد من التونسيين طبيخ أجدادهم بتلك النكهة الأصيلة التي صار السبيل إليها صعب المنال.
انتظمت التظاهرة في اليوم العالمي للسياحة من أجل إحياء الذاكرة الجمعية للمطبخ التونسي وهو جزء من الموروث اللامادي وذلك ليكتشف التونسيون والسياح المأكولات الأصيلة
أطباق الكسكسي في تونس عادة ما تكون في العين لذة للناظرين، ويكون التصنيف والترصيف في الأوعية الفخارية جزءًا من جماليتها التي تحتفظ بهيبتها بين الأكلات، ولكن الطعم يبقى سيّد الأحكام باعتبار أن العلماء يذهبون في تعريفهم للطعم إلى أنه مزيج من النكهة والرائحة. ولما تجتمع عناصر الزينة بالنكهة الطيبة والرائحة الزكية يكون الطبق المقدم سيد الطعام وملك المائدة.
التقينا خلال هذه التظاهرة برئيس جمعية الرابطة التونسية لعمالقة الطهي لطفي كنز الذي يرى في هذه التظاهرة "إبرازًا لتميز الطهاة في إحياء موروثنا في الطهي وخاصة إعداد مقومات النكهة الأصيلة في الأطعمة التي اندثرت بفعل الزمن والتقدم التكنولوجي".
الطهاة التونسيون يعرضون أطباقهم (ماهر جعيدان/الترا تونس)
وتحدث لطفي كنز لـ"الترا تونس" قائلًا: "للطبق التونسي مكانة مرموقة في العالم بفضل خصوصيته ونكهته، ونحن نحاول تقديمه في صورة جديدة تجمع بين النكهة والمشاهدة. فـ"الكسكسي الشمسي" مثلًا بعيد كل البعد عن الكسكسي المصنع بالطريقة الحديثة، فهو كسكسي يقع تعقيمه وتجفيفه عن طريق الشمس والحرارة الطبيعية ولا يضاف إليه أي مواد صناعية أو حامضة. فمن خصائص البلاد التونسية حرارة الشمس التي تميز بلدان جنوب المتوسط والتي يقع استثمارها في كافة المجالات قديمًا منها بينها إعداد الأطعمة والبهارات عن طريق التجفيف على غرار تجفيف الطماطم وحفظها في الزيت وتخزينها على مدار السنة، والطماطم المجففة لها نكهة مختلفة عن تلك المعلبة".
اقرأ/ي أيضًا: أشهر 10 أكلات في شوارع تونس
ويؤكد محدثنا أن نكهة الطبق التونسي الموروث تستمد خصوصيتها من استعمال السمن وزيت الزيتون الذي يبقى الأفضل على الإطلاق، فيعطي الطاقة والتوازن، وفق تعبيره.
ولا يخفى عنا، في الأثناء، أن نكهة الطبخ التقليدي تستمد جزءً هامًا منها من طريقة الطهي ومن ذلك استعمال "المقفول" أو "البرمة"، وهو قدر خاص مطابق لقعر "الكسكاس" يصنع من الفخار يوضع فيه الكسكسي، وذلك مع استعمال "الكسكاس" ذوي الثقوب التي تسمح للبخار بالصعود إلى السميد المبروم تحت النار الهادئة الموقدة على الحطب، وتجتمع جميع هذه العناصر لتمنح التميز والخصوصية لطبق الكسكسي التونسي.
لطفي كنز: للطبق التونسي مكانة مرموقة في العالم بفضل خصوصيته ونكهته ونحن نحاول تقديمه في صورة جديدة تجمع بين النكهة والمشاهدة
وحدثنا لطفي كنز في معرض حديثه عن سرّ النكهة التونسية قائلًا: "البهارات المستعملة في الطبخ التونسي نقوم برحيها وهي طازجة مثل "رأس الحانوت"، ولا نستعمل في هذا العرض اليوم البهارات المصنعة أو المستوردة. والفرق بين طاه وآخر هو تمكنه من استعمال البهارات المحلية الأصيلة التي تعطي تميزًا في التذوق، كما أن لأوعية حفظ البهارات دور في الحفاظ على خصوصيتها فالتعليب لا يكون في أوعية بلاستيكية بل فخارية وزجاجية".
من الأطباق التونسية المعروضة (ماهر جعيدان/الترا تونس)
أما عن الخصائص الغذائية للأكلات التقليدي، فقد حرص الطهاة التونسيون المشاركون في هذه التظاهرة على دراسة السعرات الحرارية في الأطباق المقدمة وذلك بإضافة الكميات المستوجبة دون الإضرار بصحة المتناول خلافًا لعاداتنا في تقديم الأطباق التي تتسم بكميات كبيرة وأكلات ذات سعرات حرارية غير متوازنة.
وفي هذا الخصوص، يؤكد رئيس جمعية الرابطة التونسية لعمالقة الطهي الدولية لـ"الترا تونس" إن الطهاة التونسيون هم سفراء في الخارج لذلك وجب أن يقدموا أبهى الأطباق التونسية بنكهتها الأصيلة وبشروطها الصحية المكتملة، مشيرًا إلى انبعاث موارد رزق لشباب تونسيين في المهجر في السنوات الأخيرة من خلال بعث مشاريع مطاعم مختصّة في المطبخ التونسي.
لطفي كنز: الطهاة التونسيون هم سفراء في الخارج لذلك وجب أن يقدموا أبهى الأطباق التونسية بنكهتها الأصيلة وبشروطها الصحية المكتملة
إن الطبق التونسي له ميزات عدة أهمها أنه طبق متوسطي يشترك في نكهته مع بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، كما يلتقي بالمشترك العربي، وينفتح أيضًا على إفريقيا من حيث الخصائص الطبيعية، وهذه التوليفة تساهم في خصوصية المطبخ التونسي وفرادته على مذاق أهل تونس وزوارها من كافة أنحاء العالم أيضًا، فيما يبقى دائما طهاة تونس هم حرّاس موروثها ومطبخها الأصيل.
اقرأ/ي أيضًا:
عن خلق "الملسوقة".. هل جرّبت أن تصافح النار يوميًا؟
صناعة الأواني الخشبية: عادة قديمة وتجارة تزدهر في المواسم الكبرى