19-يونيو-2019

مراد الحمايدي النائب عن حزب "الوطد" ومن المستقيلين مؤخرًا من كتلة الجبهة الشعبية

 

تعيش الجبهة الشعبية منذ أشهر على وقع أزمة داخلية حادة، بدأت في الظهور إلى العلن مع إعلان حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد عن تقديم النائب منجي الرحوي كمرشح صلب الجبهة للانتخابات الرئاسية، وأخذت هذه الأزمة منعرجًا حاسمًا مؤخرًا مع انحلال الكتلة البرلمانية للجبهة بعد استقالة تسعة نواب.

للحديث عن هذه الأزمة، وعن الخلاف تحديدًا بين حزب العمال وحزب "الوطد"، وعن انعكاسات التمسّك بترشح حمة الهمامي للرئاسية على وحدة الجبهة الشعبية، وعن الوضع العام، التقى "ألترا تونس" النائب المنتمي لحزب "الوطد" والمستقيل مؤخرًا من الكتلة النيابية مراد الحمايدي، وفيما يلي نص الحوار معه:


  • لننطلق من التطورات الأخيرة في الجبهة الشعبية، كيف تسرّبت الأزمة داخل الجبهة الشعبية من المجلس المركزي للائتلاف إلى الكتلة النيابية؟ وهل كانت استقالة النواب التسعة نتيجة حتمية لها؟

في الحقيقة كتلة الجبهة الشعبية تمثل الواجهة البرلمانية للائتلاف وهي متنوعة ومتعددة من حيث تركيبتها بتنوع وتعدد مكونات الائىتلاف (أحزاب ومستقلين)، ولذلك فهي ليست معزولة عما يحدث داخل قيادة الجبهة (المجلس المركزي)، وفي علاقة بهذا أذكر أن الجبهة تعيش أزمة منذ شهر مارس الماضي.

مراد الحمايدي: ما كانت لتبلغ أزمة الجبهة الشعبية هذه الدرجة من الحدة لو لم تطرح مسألتان اثنتان تتعلق الأولى بالتداول على خطة الناطق الرسمي والثانية بترشيح منافس للرفيق حمة الهمامي

فقد تم استثناء حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ثم من بعده رابطة اليسار العمالي، بل إقصاؤهما من اجتماعات بقية الأمناء العامين لمكونات الجبهة، وهذان الحزبان ممثلان في الكتلة النيابية بخمسة نواب، إذا كيف لخمسة نواب أن يتمسكوا بوحدة الكتلة بتركيبتها السابقة (ما قبل استقالة تسعة نواب) حال أن احزابهم لم تعد ممثلة في الهيكل القيادي للجبهة بعد أن تم طردهما فعليًا؟

ثم إن المستقلين في الكتلة وعددهم أربعة يفترض أن لديهم من يمثلهم داخل المجلس المركزي لكن هذا الهيكل تم حله فعليًا منذ شهر مارس واستولى بقية الأمناء العامّين على صلاحياته. وحتى لما طلب النواب المستقلّون عقد جلسة مع الناطق الرسمي باسم الجبهة لم يلقوا إلا اللامبالاة، وهو ما جعل الوضع داخل الكتلة غير طبيعي، فكان قرار الاستقالة قرارًا ضروريًا تماشيًا مع الحالة التنظيمية التي أصبحت عليها الجبهة بعد طرد حزبين مؤسسين والتجاهل الكلي للنواب الأربع المستقلّين.

اقرأ/ي أيضًا: ابتهال عبد اللطيف: تقرير "الحقيقة والكرامة" ضعيف وملفات سُويت في الظلام (حوار)

  • ألا ترون أن الاستقالة أتت في ظرف دقيق، وأنّ هذا من شأنه أن يؤثر على صورة اليسار في الاستحقاقات الانتخابية القادمة؟

أجدّد تأكيد كون استقالة تسعة من نواب الكتلة هو نتيجة طبيعية لأزمة القيادة في الجبهة الشعبية، وهذه الأزمة لها مقدماتها لكن غابت الشجاعة والجرأة لمعالجة أسبابها ثم تعمقت أكثر منذ بداية شهر مارس من هذا العام تاريخ ترشيح الرفيق منجي الرحوي للرئاسيات عن الجبهة الشعبية.

وهذه الأزمة ما كانت لتكون بهذه الدرجة من الحدة لو لم تطرح مسألتان اثنتان تتعلق الأولى بالتداول على خطة الناطق الرسمي، والثانية بترشيح منافس للرفيق حمه الهمامي، فكل الخلافات كان يمكن تأجيل حسمها والسكوت عنها عند الاقتضاء وهذا حصل في علاقة بمواقف كثيرة شكل بعضها ولا يزال خطورة على وحدة الجبهة وعلى أرضيتها السياسية.

وبهذا المعنى فإن الأزمة داخل قيادة الجبهة وانعكاساتها على الكتلة لها تاثيرات ولو نسبيًا على الاستحقاقات المقبلة، وهذا يتطلب منا جهدًا مضاعفًا للحد منها.

  • هناك اتهامات للمستقيلين بأنهم يضغطون من خلال الكتلة لتسوية مشاكل سياسية من بينها ترشّح منجي الرحوي للانتخابات الرئاسية؟

حزب الوطد الموحد، في الواقع، لم يكن معترضًا على ترشيح الرفيق حمه الهمامي بل الأبعد من هذا وافق الأمين العام  للحزب على إمضاء اتفاق مع بقية الأمناء العامين يتضمن جملة من الالتزامات حول الندوة الوطنية الرابعة ومخرجاتها السياسية والتنظيمية وخطة الناطق الرسمي والاستحقاقات الانتخابية بما فيها الرئاسية إلا أن الرفيق الناطق الرسمي حمة الهمامي ومن خلفه حزبا العمال والتيار الشعبي رفضوا ذلك واشترطوا التزامًا كتابيًا من الرفيق منحي الرحوي بعدم الترشح وإعلانه للعموم، وهذا الشرط لم يكن مستساغًا لما فيه من مس مقصود من وحدة حزب الوطد الموحد وأمينه العام ورئىيس لجنته المركزية بما لديهما من صفة لتمثيل الحزب.

مراد الحمايدي: الحديث عن ضغط يمارسه النواب المستقيلون من أجل ترشيح منجي الرحوي هروب إلى الأمام نحو تفكيك الجبهة والالتفاف على المشاكل الحقيقية والتفصي من المسؤولية

حصل هذا خلال شهر أفريل في حين استقال النواب التسعة في بداية شهر جوان أي بعد أن حُسم أمر مرشح الرئاسية ولم يعد هناك مجال لطرحه من جديد وما الحديث عن ضغط يمارسه النواب المستقيلون من أجل ترشيح منجي الرحوي إلا هروب إلى الأمام نحو تفكيك الجبهة والالتفاف على المشاكل الحقيقية والتفصي من المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع داخلها.

  • خلال السنتين الماضيتين هناك تسريبات عن خلافات داخلية في الجبهة الشعبية ولكنّ الجبهة وكتلتها ظلّت متماسكة، هل هذا الانفجار يعود إلى التمسّك بترشيح حمة الهمامي للانتخابات الرئاسية؟ ولما ارتأى الوطد ترشيح شخص آخر للرئاسة؟

حزب الوطد الموحد رشح منجي الرحوي إلى الجبهة الشعبية قيادة ومناضلين وأنصارًا حتى يقرروا اختياره من عدمه ليرشحًوه للانتخابات الرئاسية، وهذا في إطار التنافس المشروع مع غيره من المرشحين داخل الجبهة الشعبية سواء كان الرفيق حمه الهمامي أو غيره.

وما من أحد بوسعه أن يصادر حق حزب الوطد الموحد في ترشيح من يراه مناسبًا للرئاسية، وهذا حق ليس في ممارسته تعد على أي كان ولا يمس من حقوق الآخرين أو رمزيتهم، والمهم أن يتم الحسم بين المتنافسين في كنف الديمقراطية وبعد الاحتكام الى الآلية الأكثر تشريكًا للمناضلين. وقد حصل خلاف حول آلية الحسم بين المرشحين، ففيما كنّا في حزب الوطد الموحد نرى ضرورة تشريك أكثر عدد ممكن من مناضلي الجبهة وأنصارها في اختيار مرشحهم، ارتأى غيرنا حسم الأمر في مستوى الأمناء العامين دون سواهم وليس حتى المجلس المركزي الهيكل القيادي المنبثق عن الندوة الوطنية الثالثة.

مراد الحمايدي: ترشيح منجي الرحوي كان الهدف منه خلق ديناميكية داخل الجبهة الشعبية وبعث روح جديدة في صفوف مناضليها 

والحقيقة أن ترشيح منجي الرحوي كان الهدف منه خلق ديناميكية داخل الجبهة الشعبية وبعث روح جديدة في صفوف مناضليها وإعطاء إشارات إيجابية الى الرأي العام حول الوضع فيها، لكن ما حدث هو سوء إدارة للصراع والخلاف بين مكونات الائتلاف.

ومهما يكن من أمر، فقد حُسم الخلاف منذ 19 مارس بالطريقة التي قررها سبعة أمناء عامين، ثم تعقد الوضع منذ 22 مارس 2019 لما وجه حمه الهمامي باسم بعض الأمناء العامين رسالة إلى الأمين لحزب الوطد الموحد الرفيق زياد الأخضر يدعوه فيها إلى إصدار بيان إلى العموم يرشحه فيه ويسحب ترشيح منجي الرحوي الذي عليه بدوره أن يتعهد أمام الرأي العام بعدم الترشح.

وهذه الرسالة وما تضمنته من شروط غريبة لما فيها من استعلاء ومحاولة لإذلال طرف مؤسس في الجبهة الشعبية كانت السبب المباشر في إحداث القطيعة وشق صفوف الجبهة الشعبية.

  • إذًا هل يمكن اعتبار الخلاف داخل الجبهة الشعبية هو بالأساس خلاف بين حزب العمال وحزب الوطد؟

حزب الوطد الموحد كثيرًا ما يطرح المبادرات داخل الجبهة الشعبية التي تفسد حالة الركود التي هي عليها، فيكفي القول إن لا أحد من بقية الأحزاب المكونة لهذا الائتلاف طالب علنًا أو حتى في اجتماعات داخلية بإقرار مبدأ التداول على خطة الناطق الرسمي، ولَم نسمع لهم حديثًا عن الحق في ترشيح شخصية أخرى من مناضلي وقيادات الجبهة للرئاسية، وهذا فعله حزب الوطد الموحد فاعتبره رفاقنا في حزب العمال من باب التجاسر ويرى فيه الرفيق حمه الهمامي تطاولًا عليه، إذًا طبيعي أن يكون الخلاف في الأصل بين الحزبين المذكورين.

اقرأ/ي أيضًا: فوزية باشا: 673 مليون دولار ديون الشركات الأجنبية النفطية لصالح تونس (حوار)

  • هل كان لأزمة مرشّح الرئاسيات عن الجبهة الشعبية انعكاسات على مسائل أخرى تناقشتها القيادات؟

كان حزب الوطد الموحد قد أصدر بلاغًا بخصوص الحسم في مرشّح الرئاسيات إذ استقر الأمر على حمّة الهمامي وعبر فيه عن موقفه من الآلية التي تم الاحتكام إليها ودعا بقية المكونات إلى الانكباب على الإعداد للانتخابات التشريعية، لكن ما حدث أن بقية الأحزاب شرعت في عقد سلسلة من الاجتماعات للإعداد للتشريعية دون أن توجه الدعوة لقيادة حزبنا.

وهذه الاجتماعات قاطعتها قيادة رابطة اليسار العمالي احتجاجًا منها على إقصاء حزب الوطد الموحد وتحفظ عليها رفاقنا في حزبي الطليعة والقطب والنتيجة كانت إقصاء رابطة اليسار العمالي عقابًا لمناضليها على موقفهم المبدئي المتمسك بوحدة الجبهة الشعبية بكامل مكوناتها.

  • أ لا ترون أن الاستقالات من الكتلة والخلافات بين مكونات الجبهة التي طفت على السطح وصارت واضحة، من شأنها أن تضرب في مقتل حلم الشهيد شكري بلعيد بيسار كبير؟

الحلم ببناء حزب يساري كبير كما كان يعمل على ذلك الشهيد شكري بلعيد، أمين عام حزب الوطد الموحد، يبقى قائمًا، فهو حلم الآلاف من المناضلين.

مراد الحمايدي: الحلم ببناء حزب يساري كبير كما كان يعمل على ذلك الشهيد شكري بلعيد أمين عام حزب الوطد الموحد يبقى قائمًا

 صحيح أن أداء قيادة الجبهة الشعبية لم يكن فيه ما يشير إلى أنها تشارك بقية مناضلي اليسار هذا الحلم، ولعل الأزمة التي أدت بالجبهة الشعبية إلى ما هي عليه اليوم تضعف هذا الحلم ولكنها لن تقتله.

  • اليسار بما هو عليه اليوم هل هو قادر على أن يكون قوة فاعلة في الساحة السياسية؟

من يتابع الشأن العام يدرك جيدًا أن اليسار يلعب دورًا مهمًا في التوازنات داخل المشهد السياسي، صحيح أن هذا الدور ليس محددًا ولكن له تأثيره في قطاعات واسعة.

  • ونحن على أبواب استحقاقات انتخابية، هل من الممكن أن يشارك الوطد في قائمات انتخابية خارج إطار جبهة سياسية تضم أحزابا يسارية؟

نحن بصدد التشاور مع رفاقنا من أحزاب جبهوية أخرى ومستقلين للمشاركة في الانتخابات التشريعية، وتبقى كل الاحتمالات واردة.

  • ما رأيكم في التعاطي مع ملف الاغتيالات في تونس، ألا ترون أن هذا الملف يتم توظيفه سياسيًا دون إرادة لكشف الحقيقة؟

قلنا مرارًا وتكرارًا، إنه لا توجد إرادة سياسية في التعاطي مع ملف الاغتيالات السياسية، وكشف الحقيقة لا يندرج ضمن مشاغل رئيس الجمهورية ولا هو من هموم رئيس الحكومة، بل الأخطر من هذا أن ملف الشهيدين بلعيد والبراهمي يوظف أحيانًا من قبل الباجي قائد السبسي والشاهد في إطار المساومة مع شريكهم في الحكم حركة النهضة.

مراد الحمايدي: نحن بصدد التشاور مع رفاقنا من أحزاب جبهوية أخرى ومستقلين للمشاركة في الانتخابات التشريعية وتبقى كل الاحتمالات واردة

  • جرّبت أن تكون نائبًا في مجلس نواب الشعب، كيف كانت التجربة خاصة أنّه في بعض الأوقات لا تكون كتلة الجبهة مؤثرة في ظل توافقات التكتلات السياسية؟

من المهم أن تخوض تجربة العمل البرلماني، والكل يعلم أن مجلس نواب الشعب يعتبر أحد أهم الفضاءات لصناعة القرار السياسي وإدارة الخلافات بين مختلف التوجهات السياسية والفكرية. لكن في هذه التجربة يمكن أن تعيش مرارة أيضًا لما تعجز وأنت تنتمي لكتلة الجبهة الشعبية، هذه الكتلة المعارضة، عن التصدي للوبيات الفساد حتى أنك تشهد على تمرير مشاريع وفصول قانونية على قياس مجموعات ضغط بعينها وأنت لا تقدر على شيء غير التنديد والاستنكار والتصويت بـ"لا".

  • هل هناك أمل في ارساء المحكمة الدستورية خاصة في ظل التطورات السياسية الأخيرة؟

نحن نوشك على نهاية المدة النيابية، لا يفصلنا عن ذلك إلا أياما قليلة، ولا أعتقد أن أحزاب الأغلبية ترغب في إنهاء هذه المدة النيابية بشكل إيجابي ومشرف، لذلك لا أرى وبكل أسف إمكانية لانتخاب ثلاثة أعضاء للمحكمة الدستورية، وهذه وصمة عار ستظل عالقة في مجلس نواب الشعب في دورته النيابية الاولى وتتحملها أساسًا حركة النهضة وحركة نداء تونس والأحزاب المنشقة عنها.

  • ما تعليقكم على الأداء الحكومي في الفترة التي تسبق الاستحقاق الانتخابي؟

أداء الحكومة؟ هي لا تراكم غير الفشل، اسألوا عنها العاطل عن العمل، اسألوا عنها الفلاح والموظف والتاجر والحرفي، وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة، اسألوا عنها التونسيين ومقدرتهم الشرائية، اسالوهم وسيقولون لكم: لم تعرف تونس حكومة أشد وطأة عليهم من حكومة يوسف الشاهد.

مراسلة "ألترا تونس" مع النائب عن حزب "الوطد" مراد الحمايدي

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار-حمادي الجبالي: حزب الشاهد يستغل الدولة والدور على تونس بعد ليبيا (1 - 2)

حوار-حمادي الجبالي: السبسي أضر بصورة الرئيس والنهضة تنتظر "الضوء الأخضر" (2-2)