06-مارس-2023
جامع صلاة المحاريب ليلة القراء

إمام جامع عقبة بن نافع بالقيروان الطيّب الغزّي يوضّح لـ"الترا تونس" (الحبيب الماجري)

 

لئن نجحت ولاية القيروان التونسية في انتزاع ألقاب عديدة مستحقّة، من بينها على سبيل الذكر لا الحصر: "عاصمة الأغالبة" و"رابعة الثلاث" (بعد مكّة والمدينة المنوّرة والقدس)، فإنّها ما تزال في كلّ مرّة، تكشف لنا بعضًا من أسرارها ودررها، متمنّعة عن البوح بكلّ ما بجعبتها، محافظة على ألقها وبهائها.

إمام جامع عقبة بن نافع بالقيروان الطيّب الغزّي لـ"الترا تونس": يتم في "صلاة المحاريب" ختم القرآن للوقوف على جاهزية أئمة التراويح خلال شهر رمضان

إنّ ذاكرة الحضارة الإسلامية، القيروان، والتي تشتهر بامتلاكها لما يزيد عن 360 جامعًا ومسجدًا، حتّى عُرفت بـ"مدينة الثلاثمئة مسجد"، دأبت على الاستعداد السنويّ لشهر رمضان، تمهيدًا لاحتضان عدد ضخم من الوافدين إليها في هذا الشهر، وخاصة في العشر الأواخر منه، على أنّ عادة "صلاة المحاريب" وتُسمّى أيضًا "ليلة القرّاء"، لم تحظَ بالتعريف اللازم لها، ومازال كثيرون يجهلونها إلى يومنا هذا.

ربما غُيّبت هذه العادة -المتأصلة في مدينة القيروان منذ عقود- عن الأذهان، لانقطاع مساجد تونس بالجهة عنها، وعدم العودة إليها إلاّ منذ حوالي 6 سنوات فقط، وهي "سنّة استحدثتها الجمعية القرآنية بالقيروان مع إمامة جامع عقبة بن نافع السنوات الأخيرة لا غير" وفق ما صرّح به إمام جامع عقبة بن نافع بالقيروان، الطيّب الغزّي، لـ"الترا تونس".

 

 

جامع عقبة أو "الجامع الكبير"، كما يُطلق عليه أهالي الجهة، يختصّ بهذه الصلاة "صلاة المحاريب" (جمع محراب)، التي تأتي بنيّة الاستعداد لشهر رمضان، حيث ارتأى أئمة القرآن وشيوخ القيروان، المضيّ في هذه العادة التي سُمّيت بهذا الاسم لأنها لا تؤدّى وراء إمام واحد فقط، بل تؤدى وراء 30 إمام بحسب أجزاء القرآن (30 جزءًا يحتوي كل جزء على حزبين، بمعنى 60 حزبًا) وسط الجامع.

يقول إمام جامع عقبة بن نافع لـ"الترا تونس"، إنّ كل إمام يتقدم بمجموعة في صلاة بـ 8 ركعات، يتلو فيها حزبين من القرآن ابتداء من الجزء الأول الذي يبدأ بسورة البقرة، انتهاء بسورة الناس، مضيفًا: "كل محراب يصلّي 8 ركعات، مع التسليم بعد كل ركعتين، ونمضي على هذا النحو إلى أن نتمكّن بعد ساعة وربع تقريبًا، من قراءة القرآن بأكمله، أي يتم ختم القرآن عن طريق الصلاة" وفق وصفه.

إمام جامع عقبة بن نافع بالقيروان لـ"الترا تونس": تعدّد المحاريب داخل المسجد الواحد خلال "ليلة القرّاء"، هي الخاصية التي يمتاز بها جامع عقبة ولا توجد في أيّ جوامع أخرى

ولدى سؤال "الترا تونس" عن مدى ارتباط هذه العادة بليلة النصف من شهر شعبان، نفى الغزّي ذلك، معتبرًا أنها "ليست مرتبطة بنصف شعبان بدليل أنّه تم تنظيمها هذه السنة بتاريخ السبت 4 مارس/ آذار 2023، الموافق لـ12 شعبان 1444 هجريًا، تم اختيار السبت لقيامه ليلًا عبر هذه الصلاة، باعتبار أنّ يوم الأحد عطلة، ما يتيح للكثيرين الحضور لأداء هذه السنّة بأريحية" وفقه.

إنّ الناظر لجامع عقبة بن نافع أثناء "ليلة القرّاء"، قد يُصاب بالدهشة لصلاة الناس جماعات جماعات داخل المسجد نفسه، لكنّها خاصيّة الجامع للوقوف على جاهزية أئمة التروايح خلال شهر رمضان، ونواة هذه العادة، اجتماع 30 إمامًا لأداء صلاة ختم القرآن، بدل ختمه عن طريق القراءة فقط، ويتقدّم في هذه الصلاة قرّاء أكفاء، حسب إفادة الشيخ الطيّب الغزّي.

 

 

ومن بين هذه المحاريب الموزعة داخل الجامع، يخصّص محراب بالنساء، يتقدمهم إمام وخلفه صف أول من الرجال، ثمّ مجموعة من النساء اللاتي يرغبن في المشاركة في هذه الصلاة، فهي بمثابة "قيام ليل يتلى فيه القرآن بأكمله، نظرًا لأنّ الاستعداد لشهر رمضان لا يكون فقط عبر تجميع المؤنة من مأكل ومشرب، بل أيضًا عبر إعداد محاريب رمضان" وفق إمام جامع عقبة.

إنّ ختم القرآن عن طريق الصلاة، عادة موجودة بعديد المساجد والزوايا في تونس، لكنّها تقتصر على محراب وحيد في نهاية المطاف، حتّى وإن تداول على الإمامة أكثر من قارئ، بيد أنّ تعدّد المحاريب، هي الخاصية التي يمتاز بها جامع عقبة بن نافع، ولا توجد في أيّ جوامع أخرى.

ترى أيّ عادة أخرى مازلنا نجهلها عن هذه الأرض العابقة بالتاريخ، والضاربة في القدم، والتي كانت من أوّل المدن الإسلامية المشيّدة في بلاد المغرب عن طريق عقبة بن نافع؟