04-مايو-2018

شبهات فساد خلف التوجه نحو التوريد في قطاع لا يعرف نقصًا في الإنتاج المحلي (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

في الوقت الذي تشهد فيه أسعار اللحوم الحمراء ارتفاعًا على مدار السنة وخاصة في المواسم الاستهلاكية الكبرى، يتجه التونسيون إلى استهلاك اللحوم البيضاء بصفة كبيرة لأنّها أقل ثمنًا. فالدجاج والديك الرومي باتا الأكثر حضورًا على موائد التونسيين، مما جعل إنتاج اللحوم البيضاء يتضاعف ليفوق 130ألف طن خلال السنوات الأخيرة مقابل 112 طن سنة 2012، حسب المعهد الوطني للاستهلاك. ليحقق إنتاج اللحوم البيضاء فائض إنتاج كبير فاق حاجيات السوق في أغلب الأحيان.

اقرأ/ي أيضًا: وزير التجارة: المواد الأساسية متوفرة في رمضان ولا ارتفاع في الأسعار

ورغم أنّ قطاع الدواجن هو قطاع حيوي يمسّ بالخصوص الطبقة الفقيرة والمتوسطة، إلاّ أنّه يشهد عدّة صعوبات أدّت إلى انهيار منظومة الدواجن، خاصة وأنه عرف حالة من الفوضى خلال السنوات الأخيرة بحسب عديد مربي الدواجن في تونس.

 يقول علي وشتاتي، صاحب مدجنة صغيرة بباجة، لـ"الترا تونس"، إن القطاع يعيش أزمة كبيرة وخانقة اليوم، بسبب غلاء التكلفة من علف وأدوية وكهرباء وتجهيزات، إلى جانب غلاء اليد العاملة، إضافة إلى إغراق السوق ببعض الدجاج المورد أو المهرب رغم وفرة الإنتاج المحلي الذي يلبي حاجيات السوق وأكثر، وفق تقديراته.

عضو المكتب التنفيذي لنقابة الفلاحين لـ"الترا تونس": لوبيات تقف وراء توريد كميات كبيرة من الدواجن رغم وفرة الإنتاج في تونس

ويضيف محدثنا أن السنوات الأخيرة شهدت انتشار المداجن بشكل كبير سواء القانونية منها أو العشوائية، إلى جانب اضطرار عشرات مربي الدواجن إلى إتلاف منتوجاتهم، بسبب عدم القدرة على بيعها في السوق، رغم عرضها بأسعار أقل من تكلفة إنتاجها. ويؤكد ضرورة العودة إلى العمل بنظام الحصص للتحكم في الإنتاج.

علي كغيره من عشرات مربي الدواجن، يشتكي اليوم من الخسائر التي يتكبدها بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وتدهور الأسعار بسبب وفرة الإنتاج . إذ بلغت تكلفة الكلغ الواحد من لحم الدجاج 2500 مليم تونسي، ويبيعه الفلاح بـ1800 مليم في حين أنه يباع للمستهلك بأكثر من 4600 مليم في كثير من المناسبات خاصة في المواسم التي تشهد إقبالًا كبيرًا على استهلاك الدجاج.

ويعود ارتفاع أسعار الدواجن في الأسواق إلى عدم مراقبة مسالك التوزيع كما يشير إلى ذلك محمد الطاهر النابي عضو المكتب التنفيذي للنقابة التونسية للفلاحين في تصريح لـ"الترا تونس".

إنتاج وفير وبعض الكميات فاسدة

ويوضح النابي أن ارتفاع أسعار الدجاج في الأسواق لا يقابله ترفيع في قيمة ربح الفلاح لأن تكلفة الإنتاج هي نفسها، والبيع غالبًا لا يراعي هامش ربح الفلاح، بل يضطر هذا الأخير إلى البيع بأقل من تكلفة الإنتاج أحيانًا. لكن ارتفاع أسعار الدواجن في الأسواق يعود إلى عدم مراقبة مسالك التوزيع خلال عمليات بيع وتوزيع كل المنتوجات الفلاحية.

ولا يكاد يمر يوم إلا وتحجز فرق المراقبة الصحية والاقتصادية كميات من الدجاج الفاسد وغير الصالح للاستهلاك في أغلب الولايات، وذلك بسبب كثرة الإنتاج وعدم قدرة حتى تجار اللحوم البيضاء على بيع منتجاتهم بسرعة. يضاف إلى ذلك وفق محدثنا أنه رغم وفرة الإنتاج فقد تم اللجوء إلى توريد كميات كبيرة من الدواجن التي أتلفت فيما بعد بسبب غير صلوحيتها للاستهلاك واكتشاف إصابتها بجرثومة السلامونيا مثلما حصل مؤخرًا في نابل. وتساءل عن اللوبيات التي تقف وراء توريد كميات كبيرة من الدواجن رغم وفرة الإنتاج في تونس.

من جهة أخرى، يشير محمد الطاهر النابي إلى إمكانية سحب كميات كبيرة من الدواجن خلال أشهر جوان/حزيران وجويلية/تموز وأوت/ آب المقبلة، بسبب فائض الإنتاج وعدم استيعاب السوق التونسية للكميات الكبيرة من الدجاج. ويضيف أنه كان من المفترض العودة إلى العمل بنظام الحصص والانطلاق في تطبيقه أواخر 2017، إلا أنه لم يتم ذلك.

على صعيد آخر، يؤكد النابي أن النقابة التونسية للفلاحين على غرار الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والجمعية التونسية لمنتجي بيض الاستهلاك ترفض قرار وزارة التجارة توريد مليون و500 ألف بيضة تفقيس دجاج الذي صدر مؤخرًا. ويشدد على أن مثل هذه القرارات أحادية الجانب لا تراعي مصلحة مربي الدواجن وتعمق أزمة القطاع أكثر، متسائلًا عن الجدوى من اللجوء إلى التوريد الآن والحال أن السوق لا يشكو نقصًا ومخزون العملة الصعبة لا يتحمل مزيدًا من الخسائر.

محمد الطاهر النابي: ارتفاع أسعار الدواجن في الأسواق يعود إلى عدم مراقبة مسالك التوزيع خلال عمليات بيع وتوزيع المنتجات الفلاحية

اقرأ/ي أيضًا: الفساد في الصفقات العمومية.. سرطان ينخر الإدارة في انتظار استئصاله

فلاحون مهددون بالسجن

كما ندد محدثنا بتدهور قطاع الدواجن قائلًا إنه يتطلب تدخل السلط لإعادة هيكلته وتنظيمه، خاصة وأن عددًا كبيرًا من مربي الدواجن باتوا مهددين بالسجن، وبعضهم صدرت في حقهم بطاقات جلب، فيما اضطر العشرات إلى ترك تربية الدواجن. ويبيّن النابي أنه إذا استمر الحال على ماهو عليه فإن السوق سيكون خاليًا من الدواجن والبيض في السنوات المقبلة بسبب العزوف عن هذا القطاع، الذي لم يعد مربحًا وفقه.

يذكر أن وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري سمير بالطيب أكد في لقاء إعلامي بصفاقس في شهر سبتمبر/ أيلول الفارط، أن قطاع الدواجن هشّ ومبعثر خاصة وأنه يمرّ بأزمة خانقة مردها التدابير الإستراتيجية الخاطئة التي اتخذت في شأنه سابقًا. وأشار بالطيب إلى ضرورة العودة إلى العمل بنظام الحصص وإصدار الأمر المنظم للقطاع.

ومع ذلك لا يزال قطاع الدواجن في أزمة كبيرة نظرًا لعدم طرح المسألة على طاولة حوار يشارك فيه كل المتدخلين من وزارة إشراف ووزارة تجارة وهياكل نقابية ومنتجين لوضع أمر منظم لهذا القطاع وغيره من القطاعات الفلاحية الأخرى، بحسب حديث محمد الطاهر النابي لـ"الترا تونس".

وفي ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، يحتاج قطاع الدواجن إلى العناية اللازمة للنهوض به خاصة أنه يمثل مورد رزق لعديد صغار الفلاحين ومربي الدواجن ومصدر تغذية عديد العائلات التونسية وبشكل خاص الفقيرة منها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إدارة الفلاحة البيولوجية:تصدير المنتجات البيولوجية وفر 430 مليون دينار في2017

بفضل زيت الزيتون والتمور ومنتجات البحر.. تسجيل فائض في الميزان التجاري الغذائي