"المقاومة" كلمة سحرية ضديدة للقبح والعنف والكراهية والاحتلال والإبادة. كلمة أصلها في تربة الشرف والعزة والدفاع عن الذات والأوطان ومعنى الحياة الجميل الخالد فيها.
"المقاومة فضيلة أكيدة وحيوية لممارسة باقي الفضائل بثبات".. المقاومة فعل طيب وذكي يحتاج إلى الكثير من الشجاعة والعقلانية وسط القبح المسيطر والأذية والعنجهية. المقاومة ليس لها تحديد مفهومي ثابت ومطلق، وليست لها خصائص أو ثوابت تحددها، ولا تفسر بطريقة واحدة ولا ينظر لها من منظار واحد واتجاه واحد، إنها فعل زاخر بممكنات كثيرة لا يدركها إلا الندرة من الناس. إنها الزخرف العاطفي النادر.
المقاومة قد يتحلى بها فرد كما تتحلى بها مجموعة كما ينهض بها شعب بأسره. إنها ألوهة خاصة لا يستطيعها إلا الراسخون في النبالة والعطاء والمحبة.
من بين المقاومين التونسيين الذين التحقوا بالمقاومة الفلسطينية في أواخر السبعينيات نجد زكي العبيدي الذي حمل السلاح في وجه العدو الإسرائيلي لـ 12 سنة كاملة بعد أن تلقى تدريبات عسكرية بالعراق وسوريا ولبنان
وعلى مرّ التاريخ، نجد أنّ أغلب شعوب العالم قاومت مستعمريها ومستبدّيها وغزاتها وطغاتها عبر الفعل السحري للمقاومة وسلاح المقاومة دون غيره وكان النصر حليفها، إلا الشعب الفلسطيني فإن مقاومته على حدة. مقاومته مغايرة ومختلفة من شدة الظلم الذي تعرض له منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية مع نهاية الحرب العالمية الأولى والانتداب البريطاني على الأراضي الفلسطينية سنة 1920 إلى اليوم. مقاومته تتأتى من الداخل والخارج، من كل مكان على الأرض ضمن حركات تضامنية لم تشهدها الإنسانية من قبل.
تونس، ومنذ بواكير الأزمة الفلسطينية بداية القرن العشرين، لم تتوانَ يومًا في نصرة القضية ودعمها والانحياز لها وللحق الفلسطيني والثورة والثوار الفلسطينيين وضد العدوان المتكرر على الشعب الفلسطيني وضد الظلم الصارخ الممتد لعقود طويلة مبيدة. وثمة من أفراد الشعب التونسي ممن نذروا أرواحهم وأعمارهم لهذه القضية العادلة وتحولوا مع مرور الزمن إلى رموز ملهمين وورّثوها للأجيال والأبناء كرصيد أخلاقي ضد قذارة الصهيونية العالمية.
في تونس، هناك مقاومون حقيقيون لا يخشون في الحق لومة لائم ولا يتوانون الرحيل إلى الأراضي المحتلة وحمل السلاح في وجه العدو الصهيوني المغتصب لأرض غيره وإبادة السكان الأصليين على مرأى من العالم المتشدق بالحرية والقيم الإنسانية.
زكي العبيدي من عائلة تونسية قاومت الاستعمار الفرنسي على الأراضي التونسية وكان قد تنقل إلى الشرق بغرض الدراسة لكنّه انخرط في المقاومة الفلسطينية ودوّن اسمه بماء الذهب في سجل المقاومين التونسيين الذين حاربوا في فلسطين
ومن بين هؤلاء المقاومين التونسيين البواسل الذين التحقوا بالمقاومة الفلسطينية نجد الأستاذ زكي العبيدي الذي حمل السلاح في وجه العدو الصهيوني الإسرائيلي لمدة 12 سنة كاملة وتوسد بندقيته في الجبهات بعد أن تلقى تدريبات عسكرية بالعراق وسوريا ولبنان.
زكي العبيدي، أستاذ الفلسفة المتقاعد، هو من عائلة تونسية قاومت الاستعمار الفرنسي على الأراضي التونسية، وتنقل إلى الشرق بغرض الدراسة لكنّه انخرط في المقاومة الفلسطينية رفقة العديد من التونسيين وأبلى البلاء الحسن ودوّن اسمه بماء الذهب في سجل المقاومين التونسيين الذين حاربوا في فلسطين.
"الترا تونس" التقى زكي العبيدي وذاكر معه فترة ذهبية من تاريخ المقاومة الفلسطينية، فكان الحوار التالي:
- كيف نقدّم المقاوم ناصر القضية الفلسطينية زكي العبيدي؟
أنا من مواليد يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 1957، أصيل جهة توزر بالجنوب الصحراوي التونسي، لكنّي نشأت بمدينة أريانة بإقليم تونس الكبرى.
والدي مصطفى العبيدي كان مدرسًا بالمدارس الابتدائية ثم مديرًا للعديد من المدارس، وكان مناضلًا شرسًا أمام الاستعمار الفرنسي رفقة جدي وعم والدي حيث اعتُقلوا زمن الاحتلال وسجنوا في سجن "الغنامي" على الحدود الجزائرية المالية بجنوب الصحراء الكبرى بتهمة المقاومة ورفع السلاح.
المقاوم زكي العبيدي لـ"الترا تونس": والدي وجدي كانا مناضلين شرسين أمام الاستعمار الفرنسي واعتُقلا زمن الاحتلال وسجنا في سجن "الغنامي" على الحدود الجزائرية المالية بجنوب الصحراء الكبرى بتهمة المقاومة ورفع السلاح
وقد فرّوا من السجن وعادوا إلى الجنوب التونسي عن طريق قبائل "الطوارق" الرّحل رغم المطاردة وإطلاق الرصاص الذي تعرضوا له من قبل قوات الجيش الفرنسي، ولا أزال إلى اليوم أحتفظ بصور لوالدي وعمه وجدي وهم على جبهات القتال ضد المستعمر.
- ما هي القوادح الفلسفية والسياسية لفكرة "المقاومة" لديك؟
سنة 1975 كان العالم يعيش على إيقاع سردياته المتنوعة والمختلفة سياسيًا وإيديولوجيًا وثقافيًا. وكانت الشعوب تحلم بالبناء والتشييد والتغيير، سوى شعب واحد كان ممنوعًا من تلك الأحلام وهو الشعب الفلسطيني.
كنت شابًا عشرينيًا أشاهد ما يحدث حولي فأخذتني الحماسة والنبالة والرجولة وكان والدي كثيرًا ما يناقش القضية الفلسطينية أمامي. وكانت ميولاتي الإيديولوجية يسارية حيث كنت قريبًا من حركة "برسبكتيف" والأفكار التي تدعو لها ثم فيما بعد "العامل التونسي".
زكي العبيدي لـ"الترا تونس": حين كنت شابًا عشرينيًا حملتني الحماسة للذهاب إلى الشرق وكانت وجهتي الأولى العراق وهناك التحقت بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. وعندما أمسكت البندقية لأول مرة تولّد لدي شعور بأنني أستطيع صناعة التاريخ
وفجأة قررت الانقطاع عن الدراسة في تونس والذهاب إلى الشرق وكانت وجهتي الأولى العراق وهناك التحقت بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من خلال تعرفي على أبناء الجبهة في اتحاد الطلبة الفلسطينيين بالجامعة العراقية.
كنت حالمًا إلى أبعد الحدود، فقد أردت تغيير العالم وكان الثائر الأممي "أرنستو تشي غيفارا" مرجعنا في هذا المجال، وعندما أمسكت البندقية لأول مرة تولّد لدي شعور بأنني أستطيع صناعة التاريخ وليس تغيير العالم فحسب.
- هل كنت وحدك أم كان معك تونسيون آخرون؟
المقاومون التونسيون كانوا كثيرين في ذاك الزمن، إذ كان الوصول إلى الشرق الأوسط يسيرًا. منهم من استشهد ومنهم من لا يزال على قيد الحياة إلى اليوم، ومن هذه الزمرة نذكر الشاعر وأستاذ اللغة العربية الراحل عبد الحفيظ المختومي وحسين الهمامي المعروف باسم "نيرودا" والراحل صالح الغرسلاوي واسمه الحركي "الصقر الكادح" والراحل عمار الغول، وأغلبهم تعرفت إليهم في العراق وسوريا ولبنان.
- لو نتعرف على رحلة التدريب العسكري التي قمت بها في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؟
في البداية تلقينا تدريبات في معسكرات الجبهة الشعبية في بغداد وقبيل حرب 1978 مع العدو الصهيوني تنقلنا إلى معسكر تدريبي بمخيم برج البراجنة بلبنان وهو الأهم في المسيرة التدريبية، إذ كنّا نتلقى الجوانب النظرية في المدرسة العسكرية بالمخيم، والجوانب التطبيقية بمنطقة "الدامور". وكانت المجموعة التي تدربت معها تضم حوالي 7 من التونسيين وعددًا لا بأس به من السوريين والعراقيين.
زكي العبيدي لـ"الترا تونس": في البداية تلقيت تدريبات في معسكرات الجبهة الشعبية في بغداد وقبيل حرب 1978 تنقلنا إلى معسكر تدريبي بمخيم برج البراجنة بلبنان وكنّا نتلقى الجوانب النظرية في المدرسة العسكرية بالمخيم والجوانب التطبيقية بمنطقة "الدامور"
- من كان يموّل معسكرات تدريب المقاومة؟
العديد من الجهات الداعمة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لكن العراق كان وجهه مكشوفًا في هذا الدعم حتى أن النظام العراقي كان يرسل ضباطًا من جيشه من أجل تدريب المقاومة، مهما كان شكلها أو لونها. وشخصيًا دربني عسكريون عراقيون. كما كان العراق يرسل الأسلحة وينقل المتطوعين لمعسكرات التدريب.
وأذكر أنه حال عودتي للعراق بعد حرب 1978 لمواصلة دراستي بالجامعة لم تحتسب لي سنوات الرسوب وأسندت لي منحتي الجامعية كاملة بمفعول رجعي.
- لماذا العراق وليس بلدًا آخر؟
دعم المقاومة كان متعددًا، لكن العراق كان حضوره بارزًا ويعود ذلك لأسباب سياسية وأيديولوجية حيث كان النظام العراقي ذو التوجه القومي يتبنّى المقاومة نهجًا وقد ذهب إلى تشكيل ما عرف بـ"جبهة التحرير العربية" التي انضمّت إلى "جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية" بقيادة "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وزعيمها التاريخي "جورج حبش" وفصائل فلسطينية أخرى على غرار "جبهة التحرير الفلسطينية" و"جبهة النضال الشعبي".
- أثناء اجتياح لبنان من قبل العدو الإسرائيلي سنة 1978، أين كنت؟ وماذا حصل في الميدان؟
كنت في بيروت في ذلك الوقت، وأثناء الاجتياح تنقّلنا إلى جنوب لبنان وكنت في الصفوف المتقدمة رفقة العديد من المقاومين العرب وغير العرب، وكان موقعنا قرب جسر الليطاني. وقد رأيت بأم عيني براعة وإبداع وبسالة التونسي عمار الغول وهو يبلى البلاء الحسن بـ"الآر بي جي 07" المضادة للمدرعات والدبابات على الجبهة وهو يشتبك مع الصهاينة في نقطة "جسر الخردلي"، وكيف كان يمنعهم من التقدم والتوغل. كما كانت إلى جانبه مقاتلة من إيران أوفدها تنظيم "فدائيي الشعب" وهم من اليسار الإيراني. وقد تحدثت عن ذلك جريدة "فلسطين الثورة" آنذاك والتي صدرت خصيصًا من أجل نقل الأخبار اليومية للقتال على المشاركة التونسية في المقاومة.
كما أذكر جيدًا زيارة الزعيم جورج حبش وإهدائه مسدسه الشخصي للمقاوم التونسي عمار الغول تقديرًا له ولاستبساله أمام العدو الصهيوني.
زكي العبيدي لـ"الترا تونس": أثناء اجتياح لبنان سنة 1978 شاركت في كل العمليات العسكرية في محاور ظهر العدو بالقطاع الشرقي بمناطق العرقوب والنبطية والقطاع الأوسط بمناطق مدينة صور وأحوازها وكانت العمليات تصل إلى حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة
ومع بداية التوغل وتراجع المقاومة نتيجةً للتفوق العسكري للعدو، انقسمت قوات الجبهة الشعبية إلى قسمين، أحدهما بقي داخل بيروت والآخر خارجها على بعد حوالي 6 كيلومترات وتحديدًا بمنطقة جبل لبنان. وأنا كنت ضمن مجموعة القسم الثاني، ثم انتقلنا إلى منطقة البقاع حيث الحدود السورية اللبنانية، وكان ثمة طريق عسكري يصلنا منه التموين والذخيرة، وكنا نوصلها إلى الرفاق في مناطق أخرى.
وقد شاركت في كل العمليات العسكرية في محاور ظهر العدو في القطاع الشرقي بمناطق العرقوب والنبطية والقطاع الأوسط بمناطق مدينة صور وأحوازها وكانت العمليات تصل إلى حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة بمناطق كفر حمام وكفر شوبة.
- يبدو أنّ اجتياح بيروت سنة 1982 كان منعرجًا هامًا في القضية الفلسطينية. كيف عشت تلك اللحظة التاريخية؟
أثناء الاجتياح الصهيوني لبيروت سنة 1982 كنت موجودًا بمنطقة "أبو الأسود"، وهو مدخل مدينة صور، وهي منطقة عسكرية هامة لأنّها تمثل مفترق طرق، وحاولت القوات الصهيونية التقدم من خلاله مرات عديدة، لكننا تصدّينا لها بكل قوّة لمدّة ستة أيام كاملة.. وصمودنا البطولي أسهم في حصول المقاومة على راجمات صواريخ سوفياتية من نوع ستالينغراد وأخرى كورية يصل مداهما الناري إلى حدود 28 كلم.
زكي العبيدي لـ"الترا تونس": أثناء الاجتياح الصهيوني لبيروت سنة 1982 كنت موجودًا بـ"أبو الأسود" وهو مدخل مدينة صور التي تمثل منطقة عسكرية هامة وقد حاولت القوات الصهيونية التقدم من خلاله لكننا تصدّينا لها بكل قوّة لمدّة 6 أيام كاملة
وكانت تصلنا في كل مرة أنباء عن المحاور الأخرى وأخبار عن استشهاد المقاومين. ولمس المحتل منذ ذلك الوقت وإلى الأبد أن المقاومة هي التي ستجعله لن يهنأ بالأرض التي افتكّها من أهلها.
وبعد معاناة القوات الصهيونية المحتلة أثناء هذا الاجتياح الغادر أصبح الهدف هو فرض منطقة عازلة الهدف الأكبر منها هو البحث عن الأمن. وأعتقد أنّ تلك الحرب هي التي حملت العدو إلى تكتيك "السلام الحيني" والتخلّص من المقاومة في مرحلة ثانية ومن ثمة العودة للاستيلاء الموسع على أراضٍ من دول الشرق الأوسط تُحقِّق الحلم اليهودي القديم القائل بأسطورة "إسرائيل الكبرى".
- لو تحدثنا عن مشاعر "المقاوم" الباحث عن جوهر العدل على الأرض؟
"المقاومة" أجمل معنى يمكن للإنسان أن يبحث عنه في مكان ما على الأرض. إنها الزهرة البرية التي توجد في مكان ما على ذرى الجبال والتي تحدث عنها الأدب الإنساني الخالد. إنها مشاعر تعاش ولا تقال ولا يصفها إلا الإنسان الذي حمل البندقية عن قناعة ويحمل في صدره الإحساس بالظلم الذي تعرض له شقيقه الإنسان.
أثناء خوض المعارك يستبد بالمقاومين في البداية ما يسمى في علم نفس الحرب بـ"عصاب القتال" الذي يؤدي إلى الاندفاع وإلى الخوف. ثم سرعان ما يزول هذا العصاب بعد الاشتباك الثاني ويصير آليًا ما يسمى "التلقيح أو التطعيم النفسي ضد الخوف من الحرب". وهكذا تتحول الحرب إلى سلوك طبيعي حتى أننا كنا نتمازح في الخنادق ونضحك عندما نشاهد هروب العدو الجبان ونروي حكايا، من أجل تخفيف الوطأة النفسية على البعض.
- ما هو تقييمك للمقاومة الفلسطينية أثناء حرب 1982؟
لم تكن المقاومة حينئذ موحدة بالشكل الكافي، إذ كان لكلّ فصيل فلسطيني رأي وتوجه وارتباط بأيدلوجيا بعينها، وأسلوب وخطط سياسية وميدانية خاصة به. وهو ما أثر على الحرب بشكل عام وجعلنا في تراجع، زد على ذلك غياب وحدة الرأي العربي، والضغوطات الأجنبية على المقاومة وانقسام العالم حول ما يجري في لبنان. كل ذلك أدى إلى شتات جديد للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ومقاومته.
- ما أخطاء المقاومة الآن برأيك؟
الملاحظة الأولى هي تقلص "نمط العمل السري" وهو سلوك قاتل للمقاومة وهنا أسوق مثالًا على ذلك: خلال الأسبوعين الفارطين قصف الطيران الصهيوني الطابق الخامس من إحدى عمارات منطقة جسر الكولا ببيروت بعد أن تجسس على المكان بواسطة طائرة مسيرة من دون طيار وأدى إلى تدمير مكاتب الأمن العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واستشهاد قياديين منهم الشهيد نضال عبد العال وهو مسؤول الأمن العسكري. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف لاجتماعات سرّية تهم المقاومة تجرى في مكاتب عمارات؟
زكي العبيدي لـ"الترا تونس": في التدريب الذي تلقيته في السبعينات على أيدي ضباط فيتناميين ركّزوا على العمل السري وكيفية التموقع في الخنادق وفي المخيمات وفي الأحياء السكنية، وطالبوا القيادات بالتخلي عن العمارات لما تشكّله من خطر
أذكر أنه أثناء التدريب الذي تلقيناه نهاية السبعينات على أيدي ضباط فيتناميين، ركّزوا على العمل السري وكيفية التموقع في الخنادق وفي المخيمات وفي الأحياء السكنية، وطالبوا القيادات بالتخلي عن العمارات لما تشكّله من خطر على عملهم ووجودهم وقالوا لنا حرفيًا: "الثورة لا تصنع في المكاتب الفخمة".
وما نجاح حركة "حماس" و"حزب الله" بجنوب لبنان إلا نتيجة لتوخيهم العمل السري وعدم كشف الوجوه والالتحام بالناس في حياتهم اليومية.
- كيف ترى المقاومة الفلسطينية الآن؟
أنا دائمًا أرفع شعار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهو "نحن وراء العدو في كل مكان" وهو شعار كان يردده دائمًا "وديع حداد" و"ليلى خالد". وأعتقد أنه شعار يشبه الخيط الناظم لكل المقاومة الفلسطينية وصالح لكل الأزمنة ولكل التحركات إلى حين تحرير فلسطين واسترجاع سيادتها على كامل أراضيها وعودة مهجّريها.
وقدر المقاومة هو وحدة الرؤى رغم اختلاف الطرق، وأعتقد أنه حان الوقت لرص الصفوف وطي الخلافات الضيقة والذهاب إلى كسر أشواك العدو ودحره. لأن العدو يستمد جزءًا من قوته واستمراره من تلك الخلافات ويسعى لتعميقها، لأن المعركة مع العدو هي معركة وجود.
- كيف نظرت ليوم 7 أكتوبر 2023؟
هو يوم تاريخي أعاد القضية الفلسطينية إلى الوجود وإلى ضمائر أحرار العالم في لحظة خلنا معها أن القضية إلى أفول. كما استفاقت فلسطين في أفئدة الأجيال الجديدة في الدول العربية، وهو مكسب هام يشبه الانتصار الساحق، وفي نفس الوقت كسرت "المقاومة الإسلامية" الأسطورة الأمنية للعدو الصهيوني وهدمت كل الأراجيف الاتصالية والإعلامية التي بناها العدو طيلة العقود الأخيرة. وكم تمنيت لو كنت هناك أقاتل إلى جانب المقاومين.
زكي العبيدي لـ"الترا تونس": 7 أكتوبر هو يوم تاريخي كسرت فيه المقاومة الفلسطينية الأسطورة الأمنية للعدو وهدمت كل الأراجيف الاتصالية والإعلامية التي بناها طيلة العقود الأخيرة.. وكم تمنيت لو كنت هناك أقاتل إلى جانب المقاومين
- هل يمكن الحديث عن سلام بعد حرب غزة والاغتيالات السياسية القاسية التي نفذها العدو الصهيوني بإيران ولبنان؟
لا أعتقد ذلك. واهم من يفكر في السلام مع الكيان الصهيوني وتجربة "أوسلو" هي مثال على نقض العهود من قبل الصهاينة. أما الطريق الواضحة فهي طريق المقاومة ولا درب غيرها، وأدعو إلى المواصلة علّ النصر يأتي.
- زكي العبيدي، المقاوم الشرس، عندما عدتَ إلى تونس بعد هذه التجربة السياسية والعسكرية الهامة كيف تعاملت معك السلطات التونسية؟
عدت مع بداية حكم زين العابدين بن علي وهي لحظة تاريخية تتسم بعدم الاستقرار السياسي وتوخي القبضة الأمنية مع المعارضة. فما أن وطأت أرض تونس حتى تم اقتيادي ومعي زوجتي السورية وابنتي "ريتا" من قبل الأمن وشرعوا في التحقيق معي لساعات وأيام وبقيت تحت المراقبة البوليسية إلى حدود الثورة في 2011.
- ماذا يفعل زكي العبيدي الآن؟
أحرّض الأجيال على عدم التخلي عن القضية الفلسطينية وأزرع الفكر المقاوم أينما حللت، وأفكر بكل جدية في كتابة تجربتي مع المقاومة لتكون شهادة صادقة تبقى من بعدي.