09-أكتوبر-2018

غموض حول مشروع يوسف الشاهد للمرحلة القادمة

يبدو أن ما تسميه النهضة "خيار التوافق" في هذه المرحلة من حكم تونس ليس خيارًا ظرفيًا بالنسبة لها. يتمسك الحزب، الذي لم يغادر الحكم في تونس منذ انتخابات 2011، بنهج التوافق وإن اختلف شركاؤه فيه. من الترويكا التي ضمت إلى جانب النهضة كلاً من حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات إلى التوافق مع حركة نداء تونس إبان انتخابات 2014 ممثلة خاصة في ما عُرف بتوافق الشيخين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي ووصولًا إلى توافق جديد بدأت تتضح صورته مؤخرًا.

اجتماع مجلس شورى النهضة خلال يومي السبت والأحد الماضيين حوّل وجهة التوافق نحو القصبة، أي نحو رئيسها يوسف الشاهد وهو توافق مشروط وحذر

الجديد أن اجتماع مجلس شورى النهضة خلال يومي السبت والأحد الماضيين، 6 و7 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، حوّل وجهة التوافق نحو القصبة، مقر الحكومة التونسية، والمقصود رئيسها يوسف الشاهد. وهو توافق "مشروط" وحذر كما تشير لذلك تصريحات رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني وكما ورد أيضًا في البيان الختامي لاجتماع الشورى الأخير.

من جانب، جاء في البيان الختامي أن "مجلس الشورى يؤكد تثبيت التوافق والتشارك خيارًا استراتيجيًا يشمل كافة القوى الوطنية من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي وإنجاز الإصلاحات ومقاومة الفساد والسير بالبلاد نحو الانتخابات في موعدها المحدد وفي أحسن الظروف". هكذا تواصل النهضة ذات المنهج الذي بدأته منذ سنوات في محاولة ربط وجودها في الحكم بأكبر قدر من الاتفاقات مع بقية الشركاء السياسيين في البلاد. 

لكن من جانب ثان، كان لافتًا أن التوافق والتفاوض انتقل من قرطاج إلى القصبة مع حرص النهضة على المحافظة على حد أدنى من التواصل والعلاقة مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، وفي هذا الإطار يتنزل لقاء الشيخين مساء الإثنين 8 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، والذي لم يأت بجديد على مستوى مواقفهما وجاء بطلب من الغنوشي، وفق ما جاء في بيان لحركة نداء تونس إثر اللقاء.

اقرأ/ي أيضًا: هل أجهز الشاهد على والده العجوز أم ليس بعد؟

كان الباجي قائد السبسي، في آخر خروج إعلامي له منذ أسبوعين، قد أعلن قطع التوافق بينه وبين النهضة، معتبرًا أن ذلك كان بطلب منها وأنها دخلت مغامرة، وفق تعبيره، هو براء منها. واتخذ القرار إثر إصرار النهضة على عدم تغيير رئيس الحكومة خلال هذه الفترة، معللة موقفها بالحفاظ على الاستقرار السياسي في البلاد وتأثير تغيير كهذا على مسار "الإصلاحات". 

وورد في البيان الختامي لأشغال مجلس شورى النهضة أنها "تدعو إلى الحفاظ على علاقة إيجابية مع رئيس الدولة ومواصلة التفاوض مع رئيس الحكومة لاستكمال الشروط الضرورية للشراكة مع الحرص على إيجاد علاقة بناءة مع اتحاد الشغل". هكذا لا تحاول النهضة فقط الحفاظ على قدر من العلاقات مع قائد السبسي الأب بل أيضًا "لا تقطع شعرة معاوية" مع اتحاد الشغل، كبرى النقابات العمالية في البلاد، رغم أنها تتعارض مع هذه الأخيرة حول مسألة تغيير رئيس الحكومة يوسف الشاهد.

انتقال التوافق نحو القصبة ارتبط بشروط، أطلقت عليها النهضة في بيان مجلس شوراها الأخير "الشروط الضرورية للشراكة" وهنا يعتبر البعض أن هذه الشروط واضحة نوعًا ما في إحالة لتصريحات سابقة لقيادات من النهضة أو لبيانات سابقة للحزب تعرض فيها إلى ضرورة إعلان الشاهد وحكومته عدم ترشحهم للاستحقاقات الانتخابية القادمة مقابل مواصلة ترؤس الحكومة حاليًا وإلى حدود الانتخابات السنة المقبلة.

لكن المتابع للمشهد السياسي التونسي يتبين أن هذه الشروط، التي تداولت إلى حدود شهر تقريبًا، قد لا تكون قائمة إلى اليوم وربما شهدت تغييرات حسب التطورات على الساحة السياسية. الشاهد لم يُجب النهضة، بشكل علني على الأقل، حول طلباتها المتكررة إعلانه عدم الترشح للانتخابات القادمة وهذا معطى قد يعكس رؤية مغايرة لرغبات الحركة الإسلامية من قبل رئيس الحكومة الشاب.

الشاهد لم يُجب النهضة، بشكل علني على الأقل، حول طلباتها المتكررة إعلانه عدم الترشح للانتخابات القادمة وهذا معطى قد يعكس رؤية مغايرة من رئيس الحكومة الشاب

وهناك معطى آخر لا يقل أهمية وهو التذبذب والاختلاف في المواقف بين القيادات التاريخية لحركة النهضة، هذا الحزب الذي قل أن يخرج أحد قادته في تصريحاته عن خطاب رئيس الحركة راشد الغنوشي أو عن موقف ورد في بيان رسمي، لكن النهضة هذه المرة، وحول الشاهد تحديدًا، تقدم صورة لتباين المواقف لم يعهدها التونسيون عنها في السنوات الأخيرة إلا في مناسبات نادرة.

خرج أحد رجالها التاريخيين سيد فرجاني، يوم الجمعة 28 سبتمبر/ أيلول 2018 على إحدى القنوات الخاصة التونسية (قناة نسمة)، المعروفة بمعارضتها الحادة مؤخرًا لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، ليتهم الرجل بأن طريقة حكمه "تحوّلت في جزء منها إلى حكم المافيا من خلال ما يقوم به الشاهد من استغلال آليات الدولة والحكم لتكوين حزب خاص به بمنطق الابتزاز"، وفق فرجاني.

وأضاف الفرجاني، في ذات الحوار، أن يوسف الشاهد يستعمل أساليبًا خطيرة لخدمة مصالح معيّنة، لافتًا إلى أن "التجسس على الأشخاص أسلوب عاد بقوة مع الحكومة الحالية" وفق تعبيره. وبيّن أن معلومات وصلته تفيد أن شخصيات محيطة برئيس الحكومة تتوعد حركة النهضة وقيادات فيها بعد "استعمالهم" مطية لمواصلة الحكم، قائلًا إن "يوسف الشاهد سيستغلّ النهضة لتمرير الميزانية ثمّ سينقلب عليها".

أحدث موقف النهضة العلني، بقيادة الغنوشي، من توجه نحو المفاوضات والتوافق مع الشاهد، "تصدعًا" داخل الحزب ومن ذلك تصريحات رافضة له وقرار الشورى مراقبة المفاوضات

اقرأ/ي أيضًا: في تونس.. حرب ضد الفساد أو حرب مصالح بوصلتها انتخابات 2019؟

تصريحات فرجاني ليست الوحيدة، داخل النهضة، المناهضة للتوافق مع الشاهد والمتخوفة منه، إذ اطلع الرأي العام في تونس خلال منتصف الأسبوع الماضي على رسالة سربها موقع إعلامي تونسي، قيادته مقربة من الحركة، قيل إنها موجهة من عدة قيادات داخل النهضة، يتقدمهم القيادي لطفي زيتون، إلى رئيسها راشد الغنوشي. وقد تضمنت الرسالة نقدًا لخيار الحزب دعم رئيس الحكومة يوسف الشاهد على حساب رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، واعتبرت الرسالة أن المساس بالتوافق مع رئيس البلاد هو "خروج واضح عن مخرجات المؤتمر العاشر ومقتضيات الخطة السياسية"، محذرة مما اعتبرته وضع البلاد على طريق العودة إلى الديكتاتورية.

هذا التصدع الداخلي، إن صح القول، إزاء الموقف من يوسف الشاهد، كان من انعكاساته أن صرح رئيس مجلس شورى النهضة إثر اختتام أشغالها الأحد أن "رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي هو ممثلها في المفاوضات لكن مجلس الشورى سيقوم بدور مراقبة هذه المفاوضات". وهذا التصريح يمكن أن يشف عن حجم الخلافات والتخوفات داخل النهضة إزاء التوافق مع الشاهد.

هذا الأخير، حاول طمأنة قيادات النهضة المتوجسين من خلال ما صرح به، خلال احتفالية بمناسبة اليوم الوطني للجماعات المحلية في 4 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إذ قال خلال كلمته: "دافعنا ولا نزال عن النظام الديمقراطي الذي لا يقصي أي طرف طالما آمن بالحرية، بمدنية الدولة وبدستور الجمهورية الثانية كإطار لتنظيم العمل السياسي للبلاد". واعتبر ذلك ردًا مبطنًا على تصريحات فرجاني وتخوفات غيره من قيادات الحركة الإسلامية.

يبدو أن راشد الغنوشي قد انتصر في دفع التوافق نحو الشاهد، لكن لا يمكن أن تتضح معالم هذا التوافق إلا بتجلي مشروع الشاهد القادم

هكذا يبدو أن راشد الغنوشي قد انتصر في دفع التوافق نحو الشاهد، لكن لا يمكن أن تتضح معالم هذا التوافق إلا بتجلي مشروع الشاهد القادم. هل يتجه رئيس الحكومة الشاب نحو مشروع سياسي جديد يجمعه مع مكونات كتلة "الائتلاف الوطني" التي يقف وراء تكوينها وتحولت في فترة وجيزة إلى القوة البرلمانية الثانية بعد كتلة حركة النهضة وأيضًا مع بعض "الدساترة" الذين قابل بعضهم مؤخرًا؟  أم قد يتجه الشاهد نحو افتكاك حزب نداء تونس بشكل نهائي وقيادته في المرحلة القادمة، هذا الحزب الذي لا يزال يشهد نزيف استقالات شبه يومي من كتلته البرلمانية واضطرابات عديدة على مستوى هياكله؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

انقضاء مهلة تقييم نشاط الوزارات: التحوير ورقة الشاهد في "لعبته" مع نداء تونس

"الترا تونس" يستطلع أراء نواب البرلمان حول أولويات الدورة البرلمانية المقبلة