25-أكتوبر-2018

شهدت سيدي حسين وضعًا محتقنًا بين المواطنين وقوات الأمن خلال اليومين الماضيين (مريم الناصري/الترا تونس)

"كان عائدًا من العمل، ثيابه كلها غبار ورمال، إبني عامل بناء سمع صوت إطلاق الرصاص فدفعه فضوله إلى الإقتراب من مكان المواجهات، ولم يكن ضمن المجموعة التي منعت أعوان الديوانة من مداهمة المخزن. لحقت بابني حتى أرى ما يحصل، ولكنني شاهدته وقد أصيب بطلق ناري على ظهره ووقع أرضًا، ثم بدؤوا بركله وضربه على وجهه مما تسبب في خروج الدماء من أنفه. ثم قاموا بضربه على كامل جسده بـ"الماتراك" (الهراوات) وجرّه على الأرض". هكذا تحدّثت لـ"الترا تونس" والدة أيمن عثماني (19سنة) الذي توفي يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018 برصاص أعوان الديوانة بسيدي حسين.

والدة الشاب أيمن العثماني لـ"الترا تونس":  أصيب ابني بطلق ناري ووقع أرضًا ثم بدؤوا بركله وضربه على وجهه مما تسبب في خروج الدماء من أنفه وقاموا بضربه على كامل جسده بـ"الماتراك" وجرّه على الأرض

بالكاد كانت تجمع العبارات وهي تحدّثنا عن مأساة ما حصل لابنها قائلة: "أنا فقط أريد حق ابني، إبني لا دخل له وليس مهربًا، إبني مريض جدًا فهو يخضع لعلاج مطول منذ أن كان صغيرًا".

وكانت قد شهدت منطقة سيدي حسين مناوشات بين أعوان الديوانة وعدّة محتجين تعمدوا رشق الأعوان بالحجارة أثناء مداهمة مستودع مخصص لتخزين الملابس والأحذية المهربة، وقد أصيب أيمن خلال هذه الأحداث. تكفّل وقتها سكان المنطقة بنقل الشاب إلى المستشفى وهو في حالة حرجة، وأكدت شهادات أنه تمت محاصرة غرفة الضحية بالمستشفى، ومنع دخول أفراد عائلته والتكتم على خبر وفاته، وعدم إعلامهم بذلك إلا صباح الأربعاء 24 أكتوبر/تشرين الأول في حدود السابعة صباحًا رغم أنّه توفي منذ البارحة، حسب روايتهم.

اقرأ/ي أيضًا: سيدي حسين: مناوشات بين شباب الجهة والأمن قبل عودة الهدوء للمنطقة

يؤكد شاهد عيان لـ"الترا تونس" أن أيمن أصيب بطلق ناري مباشرة، ولم يكن أعوان الديوانة يطلقون النار في الهواء لتفريق المحتجين إنما كان تصويبهم مباشرة على أيمن الذي احتمى ببرميل كان موجودًا بالحي، ولكن تواصل إطلاق النار عليه إلى أن أصيب. يحدثنا الشاهد قائلًا: "كان المشهد أمامي، لاحظت أنه لا يزال يتنفس فجلبت له من دكاني قارورة مياه ليشرب ولكن أحد أعوان الديوانة أخذ من يدي القارورة وضرب بها أيمن وهو ملقى على الأرض. ثم واصلوا ضربه وركله وجره على الأرض من ثيابه، منعونا من إسعافه ونقله مباشرة إلى المستشفى".

شاهد عيان (في حادثة مقتل شاب سيدي حسين): لم يكن أعوان الديوانة يطلقون النار في الهواء لتفريق المحتجين وإنما كان تصويبهم مباشرة على أيمن الذي احتمى ببرميل كان موجودًا بالحي

وأشار محدّثنا أن أحد أعوان الديوانة أطلق النار من فوق إحدى البنايات ثم نزل إلى الحي، وظل يطلق النار خاصة على أيمن إلى أن أصابه، مضيفًا أن كل ما يروج عن إطلاق النار في الهواء ليس صحيحًا بل الرصاصة أصابت الشاب مباشرة.

يخبرنا شاهد عيان آخر أن أحد الأطباء أخبرهم في المستشفى أن الشاب يحمل فقط إصابة بالرصاص، ولكن يؤكد قائلًا: "كان أبي حاضرًا خلال غسل الجثمان ولاحظ بعض الرضوض خاصة على مستوى الساق بعد أن دهسته سيارة أعوان الديوانة".

وبعد مرور يومين على الحادثة، لا تزال آثار التحركات الاحتجاجية التي قام بها شباب المنطقة في الشارع عبر بقايا الحجارة في الحي، وكذلك بقايا حرق عجلات السيارات. وقد أكد لنا بعض شباب المنطقة أنهم سيواصلون تحركاتهم إلى حين كشف الحقيقة ومعاقبة قاتل أيمن.

وقد صرح سفيان الزعق، الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، في وقت سابق بالاحتفاظ بـ27 شخصًا بعد تقديم 46 إلى فرقة الشرطة العدلية بسيدي حسين من بين المشاركين في المواجهات مع قوات الأمن وأحداث الشغب في حي 20 مارس بمنطقة سيدي حسين السيجومي وذلك بعد استشارة النيابة العمومية، حسب تأكيده.

آثار المواجهات بين شباب سيدي حسين والأمن (مريم الناصري/الترا تونس)

وكانت قد أصدرت الديوانة التونسية، مساء الثلاثاء 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بلاغًا توضيحيًا حول الأحداث أشارت فيه إلى أنّ دورية للديوانة خلال تعرضها لاستهداف من "عناصر مشبوهة" في سيدي حسين، حاولت صدّ المعتدين والتنبيه عليهم بالانسحاب، إلا أنّهم واصلوا هجومهم إلى حدّ محاولة الالتحام بأعوان الدورية وافتكاك أسلحتهم الفردية ممّا شكل خطرًا عليهم وعلى الأطراف المعتدية، وفق نص البلاغ. وتقول أيضًا إنه في مرحلة ثانية قام أعوان الدّورية بإطلاق أعيرة نارية تحذيرية في الهواء تزامنًا مع محاولة المعتدين افتكاك البضائع التي تمّ حجزها، وقام الأعوان نظرًا لارتفاع درجة المخاطر واستحالة مواصلة المهمّة، بالتنبيه مجّددًا على المعتدين بضرورة التراجع إلى الخلف لفسح المجال لمغادرة الدورية إلا أنّ الاعتداء تواصل بواسطة المقذوفات والقضبان الحديدية ممّا أجبر الأعوان على إطلاق أعيرة نارية أخرى في الهواء.

من جهته، أشار هيثم زناد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للديوانة في تصريحات إعلامية أنّ وفاة الشاب أيمن العثماني لم تكن بطريقة مباشرة بل بطلق ناري في الهواء لتفريق المحتجين، ولكن ارتطام الرصاصة بإحدى البنايات أدى إلى إصابة الشاب ووفاته، مشيرًا إلى فتح تحقيقات لكشف ملابسات الحادثة.

أكد بعض شباب المنطقة لـ"الترا تونس" أنهم سيواصلون تحركاتهم إلى حين كشف الحقيقة ومعاقبة قاتل أيمن

الحادثة أثارت عديد ردود أفعال لدى جمعيات وأحزاب، إذ أعلنت الجمعية التونسية للمحامين الشبان عن استعدادها لتكوين لجنة دفاع تتطوع لنيابة عائلة الشاب أيمن العثماني. كما استنكرت الجمعية تهاون السلطة المعنية في تأطير منظوريها وحملتها المسؤولية كاملة في أزهار روح بشرية بلا موجب ودون وجه حق وفق نص بلاغها.

فيما أدان حزب التيار الديمقراطي في بيان أصدره الأربعاء "إطلاق النار على المواطنين والاستعمال المفرط للقوة بلا مبرر"، مستنكرًا ما وصفه بتمادي السلطة القائمة في تكريس ثقافة الإفلات من العقاب عبر التغطية على الجرائم التي تأتيها بعض القوات الحاملة للسلاح في حق شباب تونس. وأدان الحزب الجمهوري بدوره في بيان له "عملية إطلاق الرصاص الحي خلال المطاردة والاستعمال المفرط للقوة" مطالبًا بأخذ إجراءات فورية وصارمة لكل من ثبت تورطه في هذا الحادث وإحالته على القضاء لنيل جزاء ما اقترفه.

يذكر أن تقرير الطب الشرعي، وفق ما تناقلته مصادر صحفية الخميس 25 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أفاد أن الشاب أيمن العثماني توفي نتيجة عملية الرمي (إطلاق الرصاصة) تمت على مستوى مسافة تتراوح بين 20 و25 متر وأن الرصاصة اصابت مباشرة الجنب الأيسر للظهر بين ضلعتين مزقت العروق مباشرة مما أدى إلى حدوث نزيف دموي حاد لم يتسن للطبيب منعه رغم إخضاع الهالك لعمليتين جراحيتين. وهي تسريبات نفاها لاحقًا المتحدث باسم المحكمة الابتدائية تونس 2، وقال إنه "من المستحيل أن يكون التقرير جاهزًا حاليًا"، وفق تعبيره.

فيما أكدت إذاعة "أكسبرس آف آم" نقلًا عن مصدر قضائي أن قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس أعطى، فجر الخميس، إنابة قضائية لفائدة الفرقة المركزية الأولى للحرس الوطني بالعوينة لمباشرة الأبحاث اللازمة مع عشرة أعوان ديوانة، تم الاحتفاظ بأربعة منهم على ذمة التحقيق، ووجهت لهم تهم القتل على وجه الخطأ والإهمال الناتج عنه الوفاة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"العصا في المؤخّرة".. لا بأس بالتعذيب مادامت التهمة الإرهاب!

مسّت 30 ألف تونسي: منظمة العفو الدولية تصدر تقريرًا حول قيود السفر التعسفية