31-ديسمبر-2021

مطلقو المبادرة يوزعون منتوجات تونسية للتشجيع على استهلاك الإنتاج التونسي (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

لا تختلف عندهم السنوات والأيام أو حتى الساعات والدقائق. كل الأزمنة لديهم سواسية. فقر وخصاصة وضيق حال. انتهت سنة فيلجون أخرى، لا فرق عندهم، ولا يستقبلون عامًا جديدًا بمشاعر فرح أو بحقائب من الأحلام والأماني، طالما كل السنوات متشابهة في منطقتهم الريفية في القيروان، والتي يفتقرون فيها إلى أدنى مقومات الحياة. 

حياتهم في الأيام العادية رتيبة باهتة، تتكرر تفاصيلها يوميًا. لا عمل فيها ولا ترفيه ولا جديد قد ينتظرونه. فحتى رأس السنة الذي ينتظره البعض للاحتفالات بانقضاء سنة بائسة واستقبال أخرى بآمال جديدة، لا يعتبرون أنه قد يأتي لهم بالجديد. ولا يحتفلون بمرور ما قبله وقدوم أيام جديدة. تعوزهم الحاجة والمادة للاحتفال من جهة، كما لا يشكل لديهم الأمر هاجسًا كبيرًا من جهة أخرى.

إحدى منظمي المبادرة التي أطلقتها حملة "استهلك تونسي" لـ"الترا تونس": نختار في كل مرة نقدم فيها مساعدات، أن نوزع فقط منتوجات تونسية، للتشجيع على استهلاك الإنتاج التونسي ومساعدة العديد من العائلات المعوزة في آن واحد

مجموعة من الشباب ممن ينتقلون إلى عدة مناطق ريفية لمساعدة العائلات المعوزة في عدة مناسبات، اختاروا رأس السنة للتنقل إلى أحد أرياف القيروان أو ربما هو أحد أرياف سوسة، طالما أنها منطقة لا يدري سكانها إلى أي جزء هم ينتمون من هذا الوطن سوى أنهم أبناء منطقة مهمشة لا يزورها والٍ أو معتمد. 

تقول هدى الناصري إحدى منظمي المبادرة لـ"الترا تونس" إنه تصلهم ورفاقها العديد من النداءات عبر صفحتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لطلب المساعدة سواء في الأيام العادية أو المناسبات. مساعدات تختلف حسب حاجيات كل عائلة سواء أدوية أو ملابس أو أغطية. ولا يجدون غالبًا مشكلًا في جمع التبرعات من قبل الأشخاص أو المؤسسات وحتى بعض رجال الأعمال.. فكل حسب إمكانياته. 

مبادرة لتقديم مساعدات لسكان منطقة النواجي بالقيروان (مريم الناصري/ الترا تونس)

فكروا منذ بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول، في تنظيم تظاهرة لمساعدة بعض العائلات المعوزة وتنظيم عروض تنشيطية للأطفال. واختاروا منطقة ريفية في القيروان لتوزيع المرطبات والأكل الذي تبرعت به شركتان، إحداهما متخصصة في صنع الحلويات، والأخرى متخصصة في إنتاج وتوزيع اللحوم البيضاء. لم يجدوا مشكلًا في إيجاد متبرعين ومقدّمي مساعدات لفائدة 70 عائلة في تلك المنطقة. وحتى أصحاب تلك المؤسسات المشاركة في المبادرة، اختاروا توزيع المساعدات بأنفسهم، والمشاركة في التنقل إلى تلك المنطقة في هذه المناسبة.

إحدى منظمي المبادرة التي أطلقتها حملة "استهلك تونسي" لـ"الترا تونس": لا نجد غالبًا مشكلًا في جمع التبرعات ونتلقى نداءات المساعدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لكننا في كل زيارة، نكتشف منطقة ريفية جديدة تعاني فقرًا مدقعًا

مجموعة الشباب، أصحاب المبادرة، هم مطلقو حملة "استهلك تونسي" للتشجيع على استهلاك المنتوجات التونسية. يختارون في كل مرة يقدّمون فيها مساعدات، أن يوزعوا فقط منتوجات تونسية مهما كان نوعها، للتشجيع على استهلاك الإنتاج التونسي من جهة، ومساعدة العديد من العائلات المعوزة من جهة أخرى. 

سعيدون هم السكان بتلك المبادرة وبالمساعدات التي بلغتهم، ولكنّ مشاغلهم أكبر من قطعة مرطبات يتهافت عليها غيرهم في طوابير أمام المحلات. هاجسهم توفير مياه الشرب الذي يفتقدونه في العديد من الفترات خصوصًا صيفًا، ومواطن شغل لأبنائهم وحتى لهم. والحال أن أغلبهم عاطلون عن العمل. إضافة إلى بناء مدرسة بالجهة.

مطلقو حملة "استهلك تونسي" يقدمون مساعدات لسكان منطقة النواجي (مريم الناصري/ الترا تونس)

تقول فاطمة إحدى سكان المنطقة لـ"الترا تونس" إن هذه الزيارة تعتبر أول زيارة تشهدها منطقتهم سواء من جمعيات أو مسؤولين، لا يعرفون لمن يقدّمون أو يتوجهون بمطالبهم  بتنمية الجهة. لاسيما وأن منطقتهم غير مصنفة كما تقول، ولا يعرفون لأي ولاية تنتمي لسوسة أم القيروان؟ مضيفة: "نحن في نهاية الأمر أبناء تونس، ولكن لا ولي لنا غير الله".

فاطمة (إحدى سكان المنطقة الريفية "النواجي") لـ"الترا تونس": هذه الزيارة هي الأولى التي تشهدها منطقتنا سواء من جمعيات أو مسؤولين، ولا نعرف لمن نتوجه بمطالب  تنمية الجهة، فمنطقتنا غير مصنفة، ولا نعرف لأي ولاية تنتمي، لسوسة أم القيروان؟

على مدى البصر، في تلك المنطقة التي تسمى "النواجي"، لا شيء فيها أخضر بسبب الجفاف وشح المياه. حتى نبات "التين الشوكي" جفّ من نقص الأمطار، وتدهورت فلاحتهم بالجهة، مثل بقية الجهات بالولاية. يصر أهاليها على تبليغ مطالبهم لأصحاب المبادرة علّهم يساعدونهم في إيصال أصواتهم لبعض المسؤولين، بعد أن انقطعت بهم السبل. 

وتشير هدى إلى أنها ورفاقها يكتشفون في كل زيارة، منطقة ريفية جديدة تعاني فقرًا مدقعًا. معتبرة أن أبناء العديد من الجهات "منسيّون" في مثل هذه المناسبات (الاحتفال برأس السنة)، بل إنهم حتى لا يقدرون على الاحتفال في باقي المناسبات الأخرى الدينية مثلًا كعيدي الفطر أو الأضحى. وتقول الناصري: "كانت هذه المبادرة لإسعاد أطفال الجهة خصوصًا، وأرجو أن تبادر العديد من الجمعيات الخيرية في النسج على منوالنا في كل المناسبات الاحتفالية مهما كان نوعها" وفقها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

موائد الإفطار و"قفّة رمضان".. الهلال الأحمر التونسي وقصّة أنشطة لا تنقطع

"العوينة" بسوسة.. حي منسي