11-أغسطس-2018

بدر الدين الدريدي قادنا باللحن والكلمة إلى روح تونس (صفحة مهرجان الحمامات الدولي بفيسبوك)

هل عشت يومًا حلم أن تكون شجرة، تجعل من الدجى حلمًا تتنفس حريّة، تطلق أغصانها ليلًا تعانق الفلك وتربّت على قطرات الندى، كل غصن فيها ينبض حياة، وعروقها السرمدية ضاربة في الأرض تسري بين الأمل والشغف. هل تغويك فكرة أن تكون شجرة بالتواءاتها ودفاتر عروقها، تلك العروق التي تؤوي صدفًا وأحلامًا وأفكارًا وهواجس، تلك الجذور الشبيهة بـ"عروڨ"، عرض الطبوع الموسيقية لبدر الدين الدريدي .

عرض "عروڨ".. نبش في أصل الموسيقى التونسية الثابت وعنوان لمعانقة فرعها الممتدّ في السماء

اقرأ/ي أيضًا: المهرجانات الصيفية: يكفينا هدرًا للمال العام

"عروڨ"، نبش في أصل الموسيقى التونسية الثابت وعنوان لمعانقة فرعها الممتدّ في السماء، هو ترسيخ لموسيقى تونس من الشمال إلى الجنوب، هو محاكاة لعزف الرياح على أوتار الرمال ونقرات الثلج على قمم الجبال.

بدر الدين الدريدي قادنا باللحن والكلمة إلى روح تونس، تونس بطبوعها الحالمة التي أبى أن يبقيها أسيرة للجغرافيا، ورسم على ركح مسرح مهرجان الحمّامات خارطة لعروق تونس الموسيقية لوّنها بإيمانه بموسيقى تونس، خارطة ترك عليها عازفين شاركوه إيمانه ببصماتهم.

كلّ عازف يروي قصّته مع الموسيقى التونسية بطريقته، ينفخ من روحه في عروق الموسيقى التونسية ويلوّن النوتات برؤيته الخاصة، تختلف التعبيرات وتتنوّع الإيقاعات لكن يجتمع الكل على قاعدة التحليق بالموسيقى التونسية إلى ما وراء الحدود.

يخطّ أيمن عتيقة ونبيل الورغي حكايات أقاصي البلاد على أوتار الغيتارة والباص، ويبث أحمد اليتيم آهات العشاق في نايه الوقور، وينقل محمّد الخشناوي وعماد فلفول عبر الدامز والإيقاع قصص ثورة، وتنساب شكوى المهمشين من بين أوتار القمبري والوتر إذ يداعبانهما صحبي مصطفى وجوهر التبر، وينفخ فيلالي الساحلي في المزود صرخات التمرّد.

لكل هويّته وبصمته وجنونه الذي ختم بها عرض "عروڨ"، لكل منه لغة يخاطب بها آلته، لكل منه نفس موسيقي بثّه في رئتي العرض،  بذل العازفون تجاربهم الموسيقية من أجل إعادة البريق للموسيقى التونسية  إفريقية الهوى.

"عروڨ" محاولة لبعث الطبوع التونسية بروح جديدة تراكم التاريخ الموسيقي التونسي وتستلهم من الموسيقى الإفريقية فتعيد لها مجدها وبريقها في تونس وفي العالم

اقرأ/ي أيضًا: عن عرض "طرق المقام" في مهرجان الحمامات: الموسيقى كلمات الله وأنفاسه

العرض الذي استلهم من تاريخ الموسيقى التونسية واستحضر أجواء السطمبالي والقناوة والصالحي والوتري والإنشاد الصوفي في نمط موسيقي واحد، كان وليد سنوات من البحث والتجديد لحنًا وكتابة، نمط موسيقي جديد يجمع بين الأصالة والابتكار.

و"عروڨ"، محاولة لبعث الطبوع التونسية بروح جديدة تراكم التاريخ الموسيقي التونسي وتستلهم من الموسيقى الإفريقية فتعيد لها مجدها وبريقها في تونس وفي العالم. وقد أفلح بدر الدين الدريدي في أن يشق طريقًا للنمط الموسيقي الذي آمن به فامتدّت العروق من أيام قرطاج الموسيقية إلى مهرجان التسوق في ساحل العاج فمهرجان الحمّامات الدولي.

"أنا تونسي، أنا إفريقي، أنا المزود، أنا الوتر، أنا القمبري، أنا الشقاشق"، مفردات تسمعها وأنت تنصت إلى العرض بقلبك باحثًا عن الهوية التونسية الإفريقية التي صارت هباء منثورًا. وحينما يغنّي بدر الدين الدريدي "أنا تونسي" و" صحراوي" و"مازلت بجودي" ويا ناشد"، وهي إنتاجات خاصة سعى من خلالها إلى ترسيخ الهوية الموسيقية التونسية والإفريقية، ينبعث من الأرجاء خفقان أجنحة الطيور المهاجرة  في الفضاء اللامتناهي.

وقد استمال الدريدي ذائقة جمهور مهرجان الحمّامات، بالتعريج على النوبي والسطمبالي بأغنيتي " من ضاق بحاله" و" زمبالا" ، أغنيتان ارتفعت معهما أصوات الزغاريد فرقص على وقعها، وألهب الركح بحركاته المتحرّرة من أبعاد الزمان والمكان، حركات تستحضر معها روح إفريقيا الأم.

وعلى ركح مسرح الحمامات، كان "عروڨ"، عرضًا غنائيًا يسير على قدميه من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ويجوب شمال إفريقيا مغنّيًا بلسان العبيد والثوّار وناقلًا لحكايات الجبال والأودية وباعثًا رسائل أمل بلا حدود، أمل في أن تصنع الطبوع التونسية مجدها بأيادي شبّان آمنوا بالموسيقى لغة لللإنسانية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مرسال خليفة.. الأيقونة التي مسّها شرخ

على دفتر العود إلى مسرح قرطاج.. أمينة فاخت تكتب "سجّل.. أنا الديفا"