29-يوليو-2019

حفل الوفاء للموسيقى التونسية

 

"عظمة على عظمة يا عدنان"، نستعيرها من متيم صوت أمّ كلثوم الراحل الحاج سعيد الطنطاوي الذي لا يفوت حفلات كوكب الشّرق إلاّ وينادي نداءه الشهير أثناء الغناء "عظمة على عظمة يا ستّ" والعديد من تسجيلات أغاني كوكب الشرق خلّدت صوت الحاج سعيد وهو في لحظات تجلّ نادرة. ونستعيرها اليوم لنطلقها على صوت المطرب التونسي عدنان الشواشي الذي حلّ مكرّمًا من قبل الجمهور العريض الذي وقف له إجلالًا وتقديرًا وسط هالة من التصفيق والهتاف عند اعتلائه ركح المسرح الروماني بقرطاج في سهرة الوفاء للأغنية التونسية التي أفردتها برمجة الدورة الخامسة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي يوم الأربعاء 24 جويلية/يوليو 2019.

عدنان الشواشي التونسي الأصيل والوفيّ لنهجه الموسيقي والفني لم يغره الشرق بماكيناته الإعلامية وشركاته الترويجية كالعديد من الفنانين التونسيين من أبناء جيله

اقرأ/ي أيضًا: "بحيرة البجع" في افتتاح مهرجان قرطاج.. موسيقى ورقص في أرقى حالتهما

عدنان الشواشي التونسي الأصيل والوفيّ لنهجه الموسيقي والفني لم يغره الشرق بماكيناته الإعلامية وشركاته الترويجية كالعديد من الفنانين التونسيين من أبناء جيله أو الذين أتوا من بعده، بل بقي في تونس ينحت في صخرة المجد ويكتب بخجله المعهود بعض الأسطر في سجلاّت تاريخ الغناء والموسيقى التونسية.

عدنان الشواشي صعد لركح قرطاج لأول مرة سنة 1980 ضمن حفل جماعي ضم لطفي بوشناق ولطيفة العرفاوي وعبد القادر العسلي، وكلهم غنوا للشرق بأقطابه ومدارسه وكان هو الوحيد الذي غنى من رصيده الصغير إيمانًا منه بأن "العالم يبدأ من قريتي". وكانت فعلًا تلك السهرة محددة لمسيرة الفنان الذي اختار المدرسة التونسية نبراسًا ودربًا وفي ذلك وفاء لما علمه إيّاه رجلان، وهما منور زروق، منشط نادي الموسيقى باللجنة الثقافية بباجة، والفنان الهادي المقراني، أستاذ الموسيقى بالمعهد الثانوي بباجة، اللذين لم ينساهما وكرمهما في حفله الخاص على ركح قرطاج في 2019 حتى أن أحد الحاضرين في الحفل ذكره باسم عبد الحميد بنعلجية فرد عدنان: "هاذين فقط!".

قدم عدنان الشواشي عرضه في مسرح قرطاج بعنوان "رحلة فنان"

حفل الوفاء للأغنية التونسية جاء تحت عنوان "رحلة فنان"، وفعلاً هي رحلة امتدت من سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم راكم خلالها عدنان الشواشي التجربة الموسيقية والغنائية المتسمة بالنجاح حينًا وبالصعوبات أحيانًا أخرى. ولعل أبرز الصعوبات التي عرفتها تجربة الفنان هي أزمة ترويج المنتوج الغنائي التونسي وسط زحمة الوافد من الشرق والغرب وأيضًا تنكر المهرجانات والتظاهرات لجيل عدنان ومن تلاه.

"رحلة الفنان" لم تكن رحلة ترف بل كانت أيضًا رحلة مكابدة وضنى وتعب، فعدنان لحن كل أغانيه بنفسه باستثناء البعض منها التي تعامل فيها مع الملحن منير الغضاب، فيما كتب أشعار جميع أغنياته صديقه الصدوق الشاعر الغنائي والموسيقى حبيب المحنوش باستثاء تعامل محدود مع الشاعر الجليدي العويني الذي كتب له رائعة "آش جاب رجلي للمداين زحمة" وحمّة الطعملي الذي كتب أغنية "ما دايمة لحدّ".

حفل الوفاء للأغنية التونسية جاء تحت عنوان "رحلة فنان"، وفعلاً هي رحلة امتدت من سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم راكم خلالها الشواشي التجربة الموسيقية والغنائية المتسمة بالنجاح حينًا وبالصعوبات أحيانًا أخرى

اقرأ/ي أيضًا: مجموعة "ميعاد".. أمل القصرين بنفحة موسيقية

خلال حفل قرطاج 2019 الذي أمنته فرقة المغرب العربي للموسيقى بقيادة أحد أقطاب الموسيقى التونسية وهو الموسيقار عبد الرحمان العيّادي، بُرمجت باقة من أجمل ما لحّن وغنى عدنان: "يا أم العيون السود"، و"ريحان"، و"أش جاب رجلي لمداين زحمة"، و"عيبك"، و"ما دايمة لحد" و"طموح".

 لكن الملاحظ أن أعمالًا هامة في رصيد الفنان عدنان الشواشي لم تُدرج في السهرة، وكان الجمهور يطلبها بإلحاح مثل "ياليل جمالك" و"ابكي يا عين لا تلومي علي" و"نظرة من عينك تسحرني"، وهي أول أغنية خاصة به منحها إياه الدكتور صالح المهدي بعد أن فشلت الفنانة الراحلة علية في أدائها وهي من كلمات الشاعر أحمد خير الدين.

تضمن الحفل برمجة لأهم أغاني عدنان الشواشي طيلة مسيرته الفنية

ومن السمات المميزة في تجربة الفنان عدنان الشواشي هي ميله لأغاني الطفولة لاعتقاده الراسخ بأن الفنان عليه أن يتجه إلى كل الفئات والشرائح العمرية وخاصة صوب الطفولة وأن يبني معها علاقة فن ويزرع لديها بعض الشاعرية بالغناء والموسيقى ذي النكهة المحلية التونسية، وهو ما لا نجده لدى فناني اليوم.

ومن أشهر أعمال الشواشي في هذا الميل أغنية "لمّا تسوق السيارة" التي غناها معه الطفل أنيس الصيادي، و"أحكيلي عليها يا بابا" التي غنتها معه، حينما كانت طفلة، سنية مبارك، وهي الطفلة التي شبّت على الفن والموسيقى وأصبحت مطربة صاحبة مكانة في الساحة الفنية التونسية وشغلت منصب وزارة الثقافة لفترة بعد الثورة، وقد حضرت الحفل التكريمي واعتلت مع عدنان الشواشي الركح ليستعيدا معًا تك الأغنية كأجمل ما يكون.

تنظيم حفل عدنان الشواشي على ركح قرطاج كان خيارًا صائًبا من إدارة المهرجان لاعتبارات عديدة منها الانتصار للموسيقى والأغنية التونسية

تنظيم حفل عدنان الشواشي على ركح المسرح الروماني بقرطاج كان خيارًا صائًبا من إدارة مهرجان قرطاج الدولي لاعتبارات عديدة منها الانتصار للموسيقى والأغنية التونسية كنهج أساسي في الثقافة التونسية، وبالتالي وجب إفرادها حيزًا لازمًا في برمجة المهرجانات والتظاهرات. وهي مناسبة للاعتراف لرموز هذا النهج بما قدموه من أعمال فنية أبهجت التونسيين لحقب زمنية طويلة، وكذلك ربط الصلة بين هؤلاء الفنانين "المنسيين" الذين لا يملكون منظومات اتصالية بجمهورهم الذي مازال يتقصاهم محبة وتقديرًا لما قدموه على مدى عقود.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سمر بن عمارة.. العازفة التي أنّثت "الزُكرة"

"تراتيل" العشق.. رحلة "إسرافيل" في عوالم "الديدجيريدو"