05-سبتمبر-2018

برز مدّ من المجتمع المدني لمعاضدة مجهودات الدولة في أشغال صيانة المؤسسات التربوية وتهيئتها (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

تفصلنا أيام معدودة عن فتح المدارس والإعداديات والمعاهد أبوابها لاستقبال السنة الدراسية الحالية 2018-2019، ولا نزال هذه المؤسسات التربوية تنفض عنها غبار الصيف والإهمال. وحسب إحصائيات وزارة التربية فإن 6107 مؤسسة تربوية تستعد لاستقبال التلاميذ من بينهم 21 مؤسسة تم إحداثها في الموسم الحالي،11 منها مدرسة ابتدائية و6 مدارس إعدادية و4 معاهد ثانوية. وتستقبل هذه المؤسسات عددًا إجماليًا من التلاميذ يقدر بـ 2.121.000. وحسب تصريح إعلامي لرئيس ديوان وزير التربية محمد علي الوسلاتي فإن المؤسسات التربية تشهد ارتفاعًا بـ 42 ألف تلميذ مقارنة بالسنة الدراسية 2017- 2018.

وأمام هذا الارتفاع في عدد التلاميذ، لا تزال المؤسسات التربوية العمومية في تونس تعاني من تهرم بناءاتها ونقص قاعاتها الدراسية واهتراء بنيتها التحتية، فأغلب المؤسسات التربوية شيدت في الخمسينيات والستينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وإزاء عجز الدولة عن رصد ميزانية كافية لصيانة وتهيئة المدارس والمعاهد نلاحظ في السنوات الأخيرة مدًّا من المجتمع المدني لمعاضدة مجهودات الدولة في أشغال الصيانة والتهيئة.

أمام ارتفاع عدد التلاميذ، لا تزال المؤسسات التربوية العمومية في تونس تعاني من تهرم بناءاتها ونقص قاعاتها الدراسية واهتراء بنيتها التحتية

اقرأ/ي أيضًا: آخر مستجدات العودة المدرسية 2018 - 2019 في تونس

[[{"fid":"101318","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":332,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

وجد المجتمع المدني متنفسًا كافيًا للأخذ بزمام المبادرة من أجل النفاذ إلى المؤسسات التربوية قصد التحسين والصيانة منذ الثورة (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

ومنذ ثورة 14 جانفي/ كانون الثاني2011، وجد المجتمع المدني متنفسًا كافيًا للأخذ بزمام المبادرة من أجل النفاذ إلى المؤسسات التربوية قصد التحسين والصيانة والتهيئة بشكل فردي وجماعي وبنوع من التحرر من قيود السلطة التي لم تكن تسمح بمثل هذه المبادرات إلا من بعض الجمعيات التي تستأثر بالولاء للسلطة. تعددت دعوات الدولة في السنوات الأخيرة لمكونات المجتمع المدني للإسهام في صيانة فصول الدراسة وأشغال الطلاء والدهن والتبليط وتهيئة الحدائق وتجديد المقاعد والتجهيزات وذلك نتيجة الكلفة الباهظة وعجز الميزانية الحكومية على الإيفاء بالضروريات.

في سنة 2015، دعا وزير التربية السابق ناجي جلول إلى أيام "المدرسة المفتوحة" وذلك لإشراك أولياء التلاميذ للإسهام في الصيانة بعد أن وصف البنية التحتية للمدارس بـ"الكارثية والصادمة"، موضحًا أن هذه المبادرة تأتي في إطار شهر المدرسة ليعود فيها كلّ تونسي إلى مدرسته وتصبح شأنًا عامًا. ورغم هذه الدعوات الصريحة من الدولة فإن أغلب المؤسسات التربوية المنشأة في تونس كانت بالفعل "شأنَا عامًا" منذ بداية الاستقلال بحكم أن أغلب المدارس كانت تشيّد على أراضي تعتبر هبة من مواطنين ومتساكنين، وكانت ترتبط هذه الهبات بالفعل الإنساني والخيري. وهذا ما يدفع كامل فئات المجتمع إلى التطوع من أجل النهوض بالشأن التربوي على مستوى البنية التحتية والتجهيزات وارتفاع درجة الاهتمام بهذا الفعل الإيجابي الذي يستثمر في التعليم.

كان الدافع الأساسي للعمل التطوعي في صيانة المؤسسات التربوية لا ينصرف عن كونه "عاطفيًا" وذلك لارتباط الفرد والمجتمع بذلك الكيان الذي ينحت شخصية المواطن ويشدّه الحنين لمقاعد التدريس التي جلس عليها سنينًا وكانت طرفًا في نشأة اللبنات الأولى من شخصيته.

منذ ثورة 14 جانفي2011، وجد المجتمع المدني متنفسًا كافيًا للأخذ بزمام المبادرة من أجل النفاذ إلى المؤسسات التربوية قصد التحسين والصيانة والتهيئة بشكل فردي وجماعي وبنوع من التحرر من قيود السلطة

إضافة إلى الدافع العاطفي لا تزال هناك رغبة في تخفيف العبء عن مجهود الحكومات لأن المنفعة تعود مباشرة على أبناء المتطوعين من أولياء ومتساكنين وذلك بتحسن بيئة التمدرس والتعلم. والإحساس أن الفرد شريك لباقي أفراد المجتمع في تحقيق هذا الإنجاز.

اقرأ/] أيضًا: "لن ألبس الميدعة".. آخر جولات المساواة بين الجنسين في تونس!

ضمن ولايات الساحل، لاحظنا خلال الأسابيع الأخيرة الانتشار الواسع لدعوات التطوع على مواقع التواصل الاجتماعي وذلك بإبراز الهنات ومظاهر التهرم للمؤسسات التربوية التي تبعث على الخجل في عدد كبير منها خاصة تلك التي تتواجد في المدن الصغيرة والقرى وتبعث بنيتها على التساؤل مجددًا عن الأسباب الحقيقية لسقوط أسقف الفصول وعدم تجديد المقاعد التي تجاوز سنها الثلاثين سنة والوضعية المزرية لدورات المياه خاصة مع انتشار الأوبئة في عدة حالات، وخاصة السنة الماضية مثل التهاب الكبد الفيروسي الذي كان ضحيته عدد من التلاميذ في مدارس بسوسة والنفيضة.

وقد انطلقت هذه الدعوات على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عفوي في البداية ولكن سرعان ما تنظمت وأصبحت وسيلة ضغط نحو توحيد الجهود لتحشيد أكثر عدد ممكن من المتطوعين، في حين بدت الدعوات الحكومية باهتة إعلاميًا ولم يتم التركيز سوى عن بعث "لجان جهوية ومحلية فنية تعنى بالبنية التحتية والموارد البشرية".

غير أن المواطن التونسي لا يزال يتفاعل بحساسية تجاه "اللجان" التي لا يعتقد في جدواها بل يعتبرها برامج جوفاء ولا تقدم حلولًا جذرية بل حلولًا ترقيعية لا تفي بالحاجة في تحقيق المطلوب. بل تكتفي في عدة أحيان بزيارات استعراضية للمسؤولين مرفوقة ببعض الصور التسويقية للمسؤول أو هيكله المنتسب إليه وتنتشر تحت عبارات فضفاضة وبأسلوب يغلب عليه الخطاب السياسي الانتخابي.

[[{"fid":"101319","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":281,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

قام أهالي مدينة زاوية سوسة بأشغال صيانة لمدرستي الجمهورية والعهد الجديد (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

انتفاضة المجتمع المدني بزاوية سوسة

ورغم محدودية تدخل المجتمع المدني في عدة جهات نظرًا لغياب الدعم المادي، فإننا لاحظنا في مدينة زاوية سوسة "انتفاضة" من المجتمع المدني وذلك بقيام أهالي البلدة بأشغال صيانة لمدرستين وهما مدرسة الجمهورية التي تأسست سنة 1961 ومدرسة "العهد الجديد " ( نسبة الى عهد بن علي ولم يتم تغيير التسمية) التي تأسست سنة 1986.

وقد أشرفت جمعيتان أهليتان على هذه الأشغال وهما جمعية أولياء مدرسة الجمهورية وجمعية أوفياء مدرسة العهد الجديد. وقد تكفلتا بجمع التبرعات المادية والعينية وسخرتا عددًا كبيرًا من الأهالي في القيام بعملية الصيانة الشاملة من بناء وتبليط وطلاء وتغيير المقاعد والنوافذ والأبواب ووفرتا على الدولة عشرات الآلاف من الدنانير.

هذه الصيانة الشاملة للمدرستين كانت الأولى من نوعها في تونس وقد أبرزت قيمة العمل التطوعي في غياب للحلول الجذرية للدولة، التي لا تزال هياكلها تتشبث بالبيروقراطية في الإجراءات التي تعطل مسار التشاركية وتكبح جماح الحوكمة المحلية.

أشرفت جمعيتان أهليتان على أعمال صيانة مدرستين بمدينة زاوية سوسة وتكفلتا بجمع التبرعات المادية والعينية

وفي تصريح لـ"الترا تونس"، قال رئيس جمعية أوفياء مدرسة العهد الجديد "جمعيتنا اقتدت بما قام به الأهالي في مدرسة الجمهورية بالبلدة فكان التسابق من أجل تحسين البنية التحتية لمدارسنا وهذا العمل من قبيل التضحية من أجل مستقبل أبنائنا، ونحن اليوم نكرم معلمينا ونخلد ذكرى من رحل عنا بتثبيت اسمه على إحدى الفصول". في حين صرّح الحبيب الكلبوسي، أحد المعلمين السابقين بالمدرسة، لـ"الترا تونس"، "نتمنى أن تكون هذه المدرسة من أفضل مدارس تونس وأن نكون قدوة لغيرنا بهذا العمل التطوعي الذي يعيد للمدرسة إشعاعها ".

وفي ذات الإطار قال محمد الحبيب عبد اللطيف، وهو مدرس سابق، لـ"الترا تونس"، "كنا من قبل نترقب المبادرات من فوق (هرم السلطة) أما اليوم فالمبادرة تكون تحت (عامة المتساكنين)".

جدلية التطوع والتشويه..

عرف العمل التطوعي بكونه "الجهد الذي يبذله أي إنسان بلا مقابل لمجتمعه بدافع منه للإسهام في تحمل مسؤولية المؤسسة التي تعمل على تقديم الرعاية الاجتماعية"، وهذا التعريف يحمل من نبل هذا الفعل وسمو أهدافه الشيء الكبير غير أن المجتمع التونسي لا يزال يعاني من الهشاشة في التعامل مع العمل التطوعي الذي يعتبره البعض له منفعة شخصية للفرد القائم به والقائم عليه، وهذا الجدل قد نشأ مع فعل التطوع ذاته، لذلك نلاحظ توترًا دائمًا بين المتطوعين والخدمات التي توفرها الدولة.

تبقى السلطة السياسية والإدارية متربصة بعمل المتطوعين وتراقب عن كثب التفاعل الإعلامي والاجتماعي والسياسي والمالي الذي قد يحيد بالعمل التطوعي عن أهدافه حسب مقياس" المصلحة"

وخلال اطلاعنا على تدوينات بمواقع التواصل الاجتماعي حول العمل التطوعي والدور الحكومي، نلاحظ أنه غالبًا ما تتردد عبارة "البلاد برجالها ونسائها"، وفي ذلك إيحاء بتقزيم دور السلطة في القيام بواجباتها نحو صيانة المؤسسات التربوية التي هي تمثل نواة المجتمع المحلي والدافع الأول للتنمية فيه بتكوين أجيال المستقبل. هذا التدافع بين المتطوعين ومؤسساتهم الاجتماعية التي تتبناهم يدفع البعض إلى المساءلة المالية التي تستهدف الشفافية في إدارة التمويل وتشويه بعض العروض من المساعدات العامة للعمل التطوعي.

وفي المقابل، تبقى السلطة السياسية والإدارية متربصة بعمل المتطوعين وتراقب عن كثب التفاعل الإعلامي والاجتماعي والسياسي والمالي الذي قد يحيد بالعمل التطوعي عن أهدافه حسب مقياس" المصلحة " في دولة ناشئة لا تزال تتلسس طريقها نحو الحوكمة المحلية والديمقراطية التشاركية وتفاعل جميع مؤسساتها المدنية، وفي خضم كل هذا التدافع تجد المؤسسة التربوية نفسها داخل هذا الجدل الدائر الذي تستفيد منه كلما كانت الدعوات صادقة وعفوية وذات أهداف مرسومة وواضحة في إطار القوانين والتشريعات الجارية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حملة "وشمولي بالسيف".. رصاصة ناشطة تونسية في قلب التحرش

عزيزي المجتمع المدني.. يلزمك طبيب نفسيّ!