تبدو أسفار الأدب التونسي قليلة في العالم، وإذا عدنا قليلًا للتاريخ نجد أن المسألة مرتبطة بهامش الحرية الممنوح من السلطة السياسية القائمة في البلاد. ففي فترة السبعينيات والثمانينيات، كان الزمن البورقيبي يطمح إلى تأسيس أدب تونسي يليق بالجمهورية الفتية، فكان الكتاب والشعراء يسافرون في كل الاتجاهات يمثلون الدولة تونسية في المجالات الأدبية والفكرية والفنية. ومن بين هؤلاء السفراء نجد مصطفى الفارسي، والطاهر قيقة، والميداني بن صالح، ويحي محمد، ومحيي الدين خريف، وأبو القاسم محمد كرو، وأبو زيان السعدي.
اقرأ/ي أيضًا: اتحاد الكتّاب التونسيين.. هل بات إرث الماضي عبئًا نحو المنشود؟
أما في الفترة النوفمبرية ومع تقلص منسوب الحريات، فقد شملت سياسة تجفيف المنابع التي اتخذتها السلطة في ذلك الوقت المجالات الأدبية والفكرية، فأصبح الأدب شحيحًا وبلا جوازات سفر، ويكاد يكون منسيًا حينها باستثناء بعض المشاركات في التظاهرات العربية الرسمية.
بعد الثورة وبعد أن استعاد التونسيون حريتهم، تحرّر فعل الكتابة من الأوغال، ولم يعد النشر مقيدًا وبات التفكير والنقد دون حدود، فبات الكتّاب والمثقفون في تونس يسافرون نحو جميع أنحاء العالم بلا حواجز سياسية مع غياب الرقابة والصنصرة. واستعادت بذلك الحياة الثقافية والأدبية بعض عافيتها فعاد الكتّاب للسفر ممثلين لأدبهم ولثقافة وطنهم.
بات الكتّاب والمثقفون في تونس يسافرون بعد الثورة نحو جميع أنحاء العالم بلا حواجز سياسية مع غياب الرقابة والصنصرة واستعادت الحياة الثقافية عافيتها
ومن بين سفراء الأدب التونسي مؤخرًا الروائية آمال مختار التي حلّت ضيفة طيلة شهر سبتمبر/أيلول والأيام الأولى من شهر أكتوبر/تشرين الأول على "الكازا دي ميدترانيو" (البيت المتوسطي) بمدينة "أليكانتي" الأسبانية، وذلك ضمن برنامج احتفائي خاص بالمرأة الكاتبة.
و"أليكانتي" هي عاصمة مقاطعة "لقنت" التابعة لـ"بلنسية"، حيث تبعد عن العاصمة مدريد حوالي 500 كم، وهي مدينة سياحية تقع على ساحل "كوستا بلانكا" المطل على البحر الابيض المتوسط، وهي تشتهر بقلعتها "سانتا باربارا" التي تروي حجارتها تاريخ كل الحضارات التي مرت من هناك بما فيها التاريخ العربي الإسلامي.
"البيت المتوسطي" الناشط في هذه المدينة، والذي استضاف كاتبتنا آمال مختار، يسعى بدعوته للكاتبات والفنّانات من مختلف المجالات من دول المتوسط للتفاعل الحضاري، ولكن أيضًا لإعادة أسبانيا إلى عمقها المتوسطي وخاصة ربط الصلة مع شمال إفريقيا وإحياء التاريخ المشترك.
تقيم آمال المختار في أسبانيا باستضافة من البيت المتوسطي بمدينة أليكانتي الأسبانية وذلك بصفتها ممثلة عن الأدب التونسي
وإن دعوة الكاتب لتمثيل مسيرته الأدبية وخصوصياته الثقافية ووطنه لدى حضارة ما أو ثقافة ما في تظاهرة أدبية أو نشاط ثقافي، هي من أجسم المهام التي يمكن أن تعترض المثقف. إذ يجد نفسه سفيرًا فوق العادة لفنون بلده وتاريخه الأدبي والحضاري، وتكمن خطورة هذه المهمة في أنّ الكاتب يتحوّل إلى جسرًا يربط ضفتين حضاريتين ويقرّب ما بين ثقافتين فتتعارفا وتتصادقا وتتنافذا، وتتشكل بينهما مساحات للتواصل الثقافي الذي قد يضفي بظلاله على الجوانب السياسية والاقتصادية.
اقرأ/ي أيضًا: رواية "منزل بورقيبة".. نداء استغاثة
فكاتبتنا أمال مختار تنشط في الحياة الثقافية التونسية منذ الثمانينيات، فهي تكتب في الصحافة الثقافية والأدبية بأسلوب مميز، وقد توّجتها العديد من المهرجانات الأدبية التونسية بجوائز تقديرية. وقد نشرت باكورة أعمالها "نخب الحياة" سنة 1993 عن "دار الأداب" البيروتية التي تنشر في ذلك الوقت لروائيين كبار مثل حنا مينة ونجيب محفوظ. ولذلك كان نشر هذه العمل لآمال مختار حدثًا بارزًا في الساحة الأدبية لأنها أول كاتبة تونسية تنشر عن أهم دار نشر عربية.
مجموعة أعمال الرواية آمال مختار
وقد نضجت وكبرت تباعًا تجربة الكاتبة لتنشر العديد من المجموعات القصصية، والروايات التي طبعت الأدب التونسي ببصمة خاصة. ونذكر من هذه المنشورات "الكرسي الهزاز"، و"لا تعشقي هذا الرجل"، و"للمارد وجه جميل" ، "دخان القصر" ، و"حفل الاشباح ".
اتصل "الترا تونس" بآمال مختار المقيمة حاليًا بـ"أليكانتي" الأسبانية، وأخبرتنا أن مؤسسة "كازا دي ميداترانيو" المستضيفة، هي مؤسسة تابعة لوزارة الخارجية الأسبانية، وهي تعمل على ربط وتحسين العلاقات مع بلدان المتوسط ومنها بلدان شمال افريقيا في عدة مستويات وبالخصوص المستوى الثقافي. وبينت الكاتبة أن الدعوة كانت عن طريق إتحاد الكتاب التونسيين الذي رشح مجموعة من الكاتبات التونسيات ستزرن ذات المؤسسة في الأشهر القادمة، ليكنّ بدورهن سفيرات للأدب التونسي.
آمال مختار تفيد لـ"الترا تونس" أنها ناقشت خلال إقامتها في أسبانيا وضعية المرأة وكذلك القضايا الجمالية والاجتماعية التي تناقشها كتاباتها
أخبرتنا آمال مختار أنها تتواجد في أسبانيا صحبة الكاتبة الجزائرية هدى درويش، وأفادت أنها ناقشت خلال لقاءاتها وضعية المرأة في تونس والجزائر وأسبانيا والعالم عمومًا، مضيفة أن التركيز على المرأة يأتي في إطار اهتمام مدير البيت المتوسطي خافير هارغريتا بوضعية المرأة في أسبانيا والعالم، بما أنهم أحد وجوه الدفاع عن حقوق النساء.
لقاءات آمال مختار مع مثقفي وأدباء بلدان المتوسط
مثّلت بذلك آمال المرأة التونسية إضافة للأدب التونسي، وأفادتنا، في هذا السياق، أنها تحدثت عن مسيرتها الأدبية والقضايا الجمالية والاجتماعية التي تعالجها كتاباتها، وناقشت مسألة جدوى الأدب والفنون في هذا الزمن بحضور جامعيين وكتاّب وشعراء جاؤوا خصيصًا للقاء كاتبتنا التونسية. وأضافت خلال حديثنا معها أنها أجرت لقاءات مع وسائل الإعلام الأسبانية، وقامت بجولة رحلات ثقافية داخل أسبانيا.
وختمت الكاتبة آمال مختار أنه إلى جانب الحوار السوسيوثقافي بين ضفاف المتوسط والنخبة المثقفة، وسعادتها بتمثيل الثقافة التونسية أمام سفراء الثقافات المتوسطية، فقد فسحت لها هذه الإقامة الثقافية المجال للتفرغ لممارسة فعل الكتابة، واستلهام عمل أدبي من وحي تفاصيل هذه الإقامة.
اقرأ/ي أيضًا:
أول دورة لأيام قرطاج للفن المعاصر.. العائلة التشكيلية تنهض من تحت الرماد